الانتخابات البرلمانية الفرنسية... رهان فشل ماكرون في كسبه

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ب)
TT

الانتخابات البرلمانية الفرنسية... رهان فشل ماكرون في كسبه

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ب)

راهن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على حل الجمعية الوطنية وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة لتصحيح المسار بعد الانتخابات الأوروبية، لكنه خسر رهانه وخرج من الدورة الأولى في موقع ضعيف جدا ومرغما على إعادة بناء صورته ومصيره السياسي في ما تبقى من ولايته المهددة بالبلبلة، وفق تقرير نشرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ورأى فينسان مارتينيي الخبير السياسي في جامعة نيس كوت دازور ومعهد «بوليتكنيك» أن حل الجمعية الوطنية «من الخطوات الأكثر تهورا في تاريخ الجمهورية الخامسة، وهي مبنية على التوقعات الأكثر عبثية».

وعوّل الرئيس على انقسامات اليسار متوقعا أن يأتي معسكره في المرتبة الثانية بعد «التجمع الوطني» الذي حصل على أكثر من 34% من الأصوات بحسب التقديرات الأولية للدورة الأولى.

غير أن اليسار خاض الانتخابات موحدا وانتزع المرتبة الثانية بحصوله على ما بين 28 و29%، مرغما معسكر ماكرون على سحب كثير من المرشحين في بعض الدوائر إن أرادوا قطع الطريق أمام اليمين المتطرف في الدورة الثانية.

وقال مارتينيي: «هذا يسرّع حقا سقوط ماكرون، والعواقب بالنسبة له ستكون قاضية، إنه يخسر كلّ شيء».

وستتقلص غالبيته النسبية في الجمعية الوطنية من 250 مقعدا من أصل 577 حاليا إلى 60 مقعدا بحسب التوقعات الأكثر تشاؤما، وستتشكل كتلته الجديدة حول شخصيات أخرى، أيا كانت نتيجة الدورة الثانية في السابع من يوليو (تموز).

شرعية خاصة

وطرح رئيس وزرائه السابق إدوار فيليب نفسه بمثابة البديل، متهما ماكرون بأنه «قضى على الغالبية الرئاسية».

ولفت مارتينيي إلى أن الرئيس خسر أيضا سلطته على معسكره نفسه الذي تسيطر عليه مشاعر تتراوح «بين الغضب والكراهية» تجاهه منذ قراره المتسرع في التاسع من يونيو (حزيران)، وقال أحد وجوه الغالبية بمرارة: «نحن غاضبون جدا».

ورأى وزير سابق أن هذه التطورات تؤذن بنهاية «الرئاسة الفائقة» التي ينتهجها ماكرون أسلوبا في الحكم منذ 2017.

سواء اضطر ماكرون إلى التعايش مع رئيس وزراء من «التجمع الوطني» أو التعامل مع غالبية موسعة أو مع حكومة من الخبراء، سيكون الوضع في مطلق الأحوال مختلفا تماما عما كان عليه من قبل.

فلن يعود ماكرون يمسك بكل الصلاحيات طارحا نفسه رئيسا للحكومة وزعيما للغالبية ووزيرا في آن، يُصدر كلّ الإعلانات ويشرف على كل القرارات، بل سيكون لرئيس الوزراء المقبل شرعيته الخاصة.

ورأت ماتيلد فيليب غاي أستاذة القانون العام في جامعة «ليون 3» أنه إذا «كان المواطنون صوتوا لشرعية أخرى، فهذا يعني على الصعيد القانوني أنه خسر شرعيته».

وقال أحد أوائل الداعمين للرئيس: «سيواجه فترة من الضعف، والسؤال المطروح هو إلى أي مدى سيدرك ذلك ويحسن التعامل معه».

«حياة مستحيلة»

ولفت إلى أن هذه التحولات في المشهد السياسي تجري كلها قبل شهر من دورة الألعاب الأولمبية، مبديا مخاوف من أن تعم فرنسا فوضى ومظاهرات فيما أنظار العالم موجهة إليها لهذه المناسبة.

وأوضح مسؤول وسطي أن ماكرون أبدى على مدى سبع سنوات ثقة في نفسه وفي مصيره، مضيفا أنه «يؤمن بأنه يبقى في الإمكان دائما قلب الطاولة، وبأنه في الجوهر الشخص المؤهل للقيام بذلك».

وسيطرح نفسه في مواجهة الصعاب حارسا للمؤسسات والقيم الجمهورية، ولا سيما في حال تعايش صدامي مع رئيس «التجمع الوطني» جوردان بارديلا، ومن خلاله مع زعيمة الحزب مارين لوبن.

وسيحاول حتما استعادة مكانة في التاريخ حتى لا يحفظ منه فقط صفة رئيس ثاني قرار فاشل بحل الجمعية الوطنية بعد قرار الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك عام 1997.

وقالت ماتيلد فيليب غاي: «من الممكن أن يسعى لترميم صورته خلال عام، وبعدها يعيد حل (الجمعية الوطنية) بذريعة ما، لاستعادة غالبية مؤاتية أكثر»، إذ لا يمكنه حل الجمعية الجديدة قبل انقضاء 12 شهرا.

وبعدما انتخب عام 2017 ثم عام 2022 بناء على وعد بقطع الطريق على اليمين المتطرف، لم يعد لديه في حال وصول بارديلا إلى رئاسة الحكومة سوى خيار واحد، وهو منع لوبن من الوصول إلى قصر الإليزيه في 2027.

ورأى وزير سابق يعرف ماكرون جيدا أنه «سيحول حياة (المعسكر الخصم) جحيما ويحاول التموضع مجددا لتعيين خلفه».

ورأى أحد أوائل مؤيدي الرئيس أنه «إذا فشل التجمع الوطني خلال العامين المقبلين، فقد يظهر بمثابة الشخص الذي أعطى فرنسا رئيسا غير متطرف في 2027»، لكنه لفت إلى أن «اليمين المتطرف لا يفلت السلطة حين يمسك بها».


مقالات ذات صلة

فرنسا تواجه صعوبة في تشكيل حكومة بعد نتائج الانتخابات البرلمانية

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طلب من رئيس حكومته غابرييل أتال (خلف) الاستمرار في مزاولة منصبه (أ.ب)

فرنسا تواجه صعوبة في تشكيل حكومة بعد نتائج الانتخابات البرلمانية

البرلمان الجديد بات مكوناً من 3 مجموعات لا تتمتع أيٌّ منها بأغلبية نسبية أو مطلقة.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا رئيس الوزراء الفرنسي غابريال أتال يتحدث لوسائل الإعلام بعد إعلان نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في فندق ماتينيون في باريس أمس (إ.ب.أ)

ماكرون يطلب من أتال البقاء في منصبه رئيساً للوزراء

طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم (الاثنين) من رئيس الوزراء غابريال أتال الذي أتى لتقديم استقالته، البقاء في منصبه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا رئيس وزراء فرنسا غابريال أتال (أ.ف.ب)

رئيس وزراء فرنسا: سأقدم استقالتي للرئيس صباح غد

تتجه فرنسا صوب تشكيل برلمان دون أن يحقق أي حزب الأغلبية في الانتخابات التي جرت، اليوم (الأحد).

«الشرق الأوسط» (باريس)
تحليل إخباري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعقيلته بريجيت لدى إدلائهما بصوتيهما في لو توكيه بشمال فرنسا الأحد (أ.ف.ب)

تحليل إخباري القرار السياسي في فرنسا ينتقل من «الإليزيه» إلى البرلمان

القرار السياسي في فرنسا ينتقل من قصر الأليزيه الى البرلمان بسبب نتائج الانتخابات وتراجع إئتلاف الوسط الداعم للرئيس الفرنسي.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا الرئيس إيمانويل ماكرون مقترعاً الأحد الماضي في منتجع «لو توكيه» (رويترز)

​مساعٍ فرنسية لتشكيل تحالف حكومي واسع

مساعٍ استباقية لتشكيل تحالف واسع لحكم فرنسا حال فشل اليمين المتطرف في الحصول على الأكثرية المطلقة.

ميشال أبونجم (باريس)

زوجات جنود روس تظاهرن مجدداً أمام وزارة الدفاع في موسكو

ناشطات من حركة «العودة إلى الوطن» النسائية الروسية وأقارب لجنود الجيش الروسي خلال وقفة احتجاجية (رويترز - أرشيفية)
ناشطات من حركة «العودة إلى الوطن» النسائية الروسية وأقارب لجنود الجيش الروسي خلال وقفة احتجاجية (رويترز - أرشيفية)
TT

زوجات جنود روس تظاهرن مجدداً أمام وزارة الدفاع في موسكو

ناشطات من حركة «العودة إلى الوطن» النسائية الروسية وأقارب لجنود الجيش الروسي خلال وقفة احتجاجية (رويترز - أرشيفية)
ناشطات من حركة «العودة إلى الوطن» النسائية الروسية وأقارب لجنود الجيش الروسي خلال وقفة احتجاجية (رويترز - أرشيفية)

تجمعت نحو عشر من زوجات الجنود الروس الذين يقاتلون في أوكرانيا، الاثنين، أمام مقرّ وزارة الدفاع في موسكو للمطالبة بعودتهم من الجبهة، كما فعلن في مطلع يونيو (حزيران)، حسبما أفادت وكالة الصحافة الفرنسية.

ووصلت بعض النساء برفقة أطفال صغار، وحملن حقائب ظهر وحصائر للتخييم قائلات إنهن مستعدات «لقضاء الليل» أمام المبنى حتى يوافق المسؤولون على استقبالهن، وفقاً لصور نشرتها إحداهن الاثنين على «تلغرام» وتُدعى باولينا.

وقالت إحداهن لشرطي جاء للتحدث إليهن «نحن في حاجة إلى (التحدث مع) وزير الدفاع». وأضافت المرأة التي قالت إنها من نوفوسيبيرسك في سيبيريا: «لدينا كل ما نحتاج إليه لننتظر حتى يستمعوا إلينا».

وقالت للشرطي الذي طلب منهن مغادرة المكان: «إن أولادنا وأزواج هؤلاء الشابات معرّضون لخطر الموت». وأضافت: «أصيب ابني بجروح خطيرة ويُعاد إرساله حالياً للمشاركة في العملية العسكرية الخاصة على الرغم من أنه لم يتعافَ تماماً»، مستخدمة العبارة التي أطلقها الكرملين على هذا النزاع؛ إذ يرفض تسميته بالحرب.

وأكدت المتظاهرات أن «لا علاقة لهن» بقناة «العودة إلى الوطن» على «تلغرام».

في نهاية مايو (أيار) وُصفت المشاركات في قناة «العودة إلى الوطن» التي نظمت مظاهرات شبه أسبوعية حتى مطلع العام الحالي بأنهن «عميلات للخارج»؛ ما ينطوي على قيود إدارية شديدة.

وفي وقت لاحق، أظهرت صور نشرتها إحدى المتظاهرات الاثنين استقبال ممثل للوزارة وفداً من النساء.

وقالت إحدى النساء إنه «عُرض عليهن مساعدات اجتماعية»، معتبرة «أن الأمر ليس جديداً وليس مثيراً للاهتمام».

وفي حين صارت المظاهرات في روسيا نادرة جداً على خلفية القمع المتزايد، تجمعت نحو خمس عشرة امرأة من نساء جنود روس في موسكو في 3 يونيو (حزيران). وأمرتهن الشرطة بالتفرق، لكنهن غادرن إثر هطول أمطار غزيرة ومفاجئة.