جدل في ألمانيا حول المساعدات المقدمة للأوكرانيين وانتقادات بسبب دعم «الهاربين من الجيش»

مطالبات بتخفيض معوناتهم المالية وتسويتهم مع اللاجئين الآخرين وإعادة الذين لا يعملون إلى بلادهم

منذ بداية الحرب في أوكرانيا وصل إلى ألمانيا أكثر من مليون لاجئ أوكراني معظمهم من النساء والأطفال (إ.ب.أ)
منذ بداية الحرب في أوكرانيا وصل إلى ألمانيا أكثر من مليون لاجئ أوكراني معظمهم من النساء والأطفال (إ.ب.أ)
TT

جدل في ألمانيا حول المساعدات المقدمة للأوكرانيين وانتقادات بسبب دعم «الهاربين من الجيش»

منذ بداية الحرب في أوكرانيا وصل إلى ألمانيا أكثر من مليون لاجئ أوكراني معظمهم من النساء والأطفال (إ.ب.أ)
منذ بداية الحرب في أوكرانيا وصل إلى ألمانيا أكثر من مليون لاجئ أوكراني معظمهم من النساء والأطفال (إ.ب.أ)

منذ أن وصل أندري مع زوجته وطفلهما إلى برلين قبل عامين هاربين من الحرب في أوكرانيا، وهو يبحث عما يُعيد له شيئاً من حياته السابقة التي تركها خلفه في أوديسا. هناك، كان أندري البالغ من العمر 36 عاماً ويحمل شهادة دكتوراه في علم الأحياء، يعمل في جامعة أوديسا إلى جانب زوجته التي تحمل كذلك دكتوراه في الاختصاص نفسه.

أندري لاجئ أوكراني وصل إلى برلين قبل عامين مع عائلته ولا يريد العودة خوفاً من تجنيده في الجيش (الشرق الأوسط)

يقول أندريه إنه قرر مغادرة أوكرانيا مع اندلاع الحرب لأنه لم يشأ تعريض عائلته للخطر. فأصوات القذائف كانت قد بدأت تقترب يومياً والحياة بدأت تتغير. فغادر بصحبة عائلته بشكل شرعي خلافاً للكثير من الشبان الذين هربوا سراً لتفادي التجنيد الإجباري. فهو يعاني مشاكل في النظر أعفته آنذاك من الخدمة العسكرية. ولكنه اليوم، يقول إنه لا يجرؤ على العودة إلى أوكرانيا خشية أن يُجبر على الخدمة في الجيش في مراكز غير قتالية. يعطي أمثلة عن الكثير من الشبان الذين كانوا قد أُعفوا من التجنيد في بداية الحرب بسبب إعاقات جسدية، أُجبروا لاحقاً على الخدمة في مناصب لا تتطلب القتال، مثل الخدمة في المطبخ أو في وظائف مكتبية.

عندما التقينا في منطقة شتيغلتس في غرب برلين، حيث يعيش في شقة متواضعة مع عائلته، كان أندري مستاءً من الجدل السياسي المتصاعد في ألمانيا حول المساعدات التي تُمنح للاجئين الأوكرانيين. فالاتحاد المسيحي المعارض ينتقد منذ أسابيع المساعدات التي تُمنح للاجئين الأوكرانيين، وهي نفسها التي تُمنح للعاطلين عن العمل في ألمانيا، وهي أعلى من تلك التي تُمنح للاجئين العاديين.

حتى إن بعض السياسيين من الاتحاد المسيحي المعارض، يعارض الدعم المالي المقدم للاجئين، وتحديداً للشبان الأوكرانيين. من بين هؤلاء وزير داخلية ولاية براندنبيرغ مايكل شتوبغن الذي تساءل الأسبوع الماضي ما إذا كان «يتوجب أن يستمر اللاجئون الأوكرانيون بتلقي المساعدات المالية نفسها، خاصة للشبان الذين يتوجب أن يخدموا في الجيش في بلادهم».

المستشار الألماني مع وزير الاقتصاد (أ.ف.ب)

حتى إن السياسي المحافظ الذي يؤيد حزبه استمرار الدعم لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، رأى أن هناك «تناقضاً بين دعم أوكرانيا بكل ما يمكن من جهة، وفي الوقت نفسه دعم الهاربين من الخدمة». وربط شتوبغن بين المساعدات التي يحصل عليها اللاجئون الأوكرانيون والبطالة، وقال إن نسبة الذين يعملون من بين الأوكرانيين منخفضة جداً بسبب حصولهم على مساعدات مالية مرتفعة.

ويحصل الأوكرانيون على 560 يورو نقداً شهرياً إضافة إلى بدل سكن وفواتير. وهذه المساعدات أعلى قليلاً من تلك التي يحصل عليها اللاجئون عادة والتي تتضمن سكناً وفواتير ومبلغاً مالياً يقارب الـ460 يورو.

إيرينا لاجئة أوكرانية في برلين ما زالت تتعلم اللغة أملاً بالحصول على وظيفة (الشرق الأوسط)

ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا وصل إلى ألمانيا أكثر من مليون لاجئ أوكراني، معظمهم من النساء والأطفال، وأقل من ثلث هؤلاء دخلوا في سوق العمل. ويحصل الأوكرانيون على تسهيلات لا يحصل عليها اللاجئون الآخرون، وذلك بحسب توجيه من الاتحاد الأوروبي الذي فعّل آلية الحماية للأوكرانيين منذ بداية الحرب؛ ما يعني أن الدول الأعضاء مجبرة على تقديم تسهيلات لهم وعدم إخضاعهم للقنوات نفسها التي يمر بها اللاجئون الذين لا يسمح لهم بالعمل أو تعلم اللغة إلا بعد البت بوضعهم، وهي عملية قد تستغرق أشهراً وفي بعض الأحيان سنوات.

واختارت ألمانيا منح الأوكرانيين الحقوق نفسها التي تمنح للعاطلين عن العمل في البلاد تسهيلاً للإجراءات والقوانين. وتزيد حجم المساعدات التي يحصل عليها الأوكرانيون في ألمانيا على الدول الأوروبية الأخرى؛ وهو ما يجعل سياسيين في المعارضة ينتقدون الحكومة الحالية ويتهمونها بفتح المجال أمام استغلال الأوكرانيين النظام السخي.

وفي بداية الحرب، وأمام الكم الكبير من اللاجئين الأوكرانيين الذين وصلوا إلى ألمانيا، وصف زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي فريدريش ميرتز اللاجئين الأوكرانيين بأنهم «سياح اجتماعيون»؛ ما تسبب بجدل واسع وانتقادات آنذاك.

وعودة الجدل نفسه الآن حول الأوكرانيين أعاده البعض لأسباب انتخابية مع اقتراب انتخابات محلية مهمة في ولايات شرقية في ألمانيا يتقدم فيه حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف الذي ينتقد استمرار دعم الحكومة لكييف، ويدعو إلى وقف الحرب والتفاوض مع روسيا. ورغم رفض الحكومة الآن مراجعة المساعدات تلك، ما زال الاتحاد المسيحي مصرّاً على عدم وقف النقاش.

الكتلة البرلمانية لحزب «البديل الألماني» اليميني المتطرف (أ.ف.ب)

وقد نشرت صحيفة «دي فيلت» أن الكتلة النيابية للاتحاد المسيحي تعد لدراسة حول ما إذا كان ممكناً من الناحية القانونية تخفيض المساعدات المقدمة للأوكرانيين، مفترض أن تصبح جاهزة في أغسطس (آب) المقبل. ويستند الاتحاد المسيحي في ورقته إلى النسبة المتدنية للأوكرانيين الذين دخلوا سوق العمل في ألمانيا والذي لا يزيد على الربع، مقارنة بهولندا وبريطانيا والسويد، حيث نصف اللاجئين الأوكرانيين يعملون، وفي بولندا وتشيكيا والدنمارك دخل ثلثاهم تقريباً سوق العمل.

ويتخذ الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري (الحزب الشقيق للحزب الديمقراطي المسيحي)، موقفاً أكثر تطرفاً من حزبه الشقيق في مسألة اللاجئين الأوكرانيين. فالنائب ألكسندر دوربينت مثلاً يدعو حتى إلى إعادة اللاجئين الأوكرانيين الذين يرفضون العمل إلى أوكرانيا، وهو ما وضعه في مواجهة مع سياسيين من الحزب الديمقراطي المسيحي وصفوا مطالبه بأنها «شعبوية» وغير قابلة للتحقيق.

ولكن الأوكرانيين في ألمانيا لديهم رواية مختلفة. ويتحدث كثير منهم عن بيروقراطية بطيئة وصعوبة في تعلم اللغة، يشكلان عائقاً أمام دخولهم سوق العمل.

جلسة برلمانية في البوندستاغ (إ.ب.أ)

إيرينا مثلاً، التي وصلت إلى برلين في بداية الحرب، ما زالت تتعلم اللغة منذ وصولها وتقول إن العمل في وقت تدرس فيه معظم اليوم غير ممكن. وتتحدث إيرينا التي تعيش الآن في الريف الألماني في ضواحي برلين، مع والدتها وابنتها، عن عبء البحث عن سكن أقرب للعاصمة يوفر عليها سفر أربع ساعات يومياً في النقل العام للوصول إلى مدرسة اللغة في برلين. وتمضي إيرينا الكثير من وقتها في البحث عن سكن ينقلها من الريف الشديد الهدوء وحيث لا تتوفر أي فرص عمل أصلاً. وتقول إيرينا إنها تريد العمل في مهنتها، التجميل، التي كانت تعمل بها في كييف، ولكن بعد أن تتحسن لغتها قليلاً.

جندي أوكراني خلال قتال مع القوات الروسية في مدينة أفدييفكا (أ.ب)

حتى أندري الذي يحمل شهادة الدكتوراه، يقول إنه عاجز عن إيجاد عمل، وكذلك زوجته رغم أن لغتها الألمانية تعدّ جيدة. عمل أندري لبضعة أشهر في جامعة ألمانية بعد أن حصل على منحة، ولكن العمل انتهى بنهاية المنحة التي لم يتم تجديدها. وهو ينتقد حتى البيروقراطية في ألمانيا ويقول إن تعديل شهادته استغرق أكثر من 8 أشهر، لم يتمكن خلالها من البحث عن عمل. ورغم أن حياته في برلين لا تشبه شيئاً من حياته في أوديسا، فهو يرفض العودة الآن خشية على أن يُجبّر على الخدمة في الجيش. يقول إنه لا يريد لطفله أن يكبر يتيماً أو يُقتل هو تحت القصف في حال قرروا العودة. يزعجه الجدل حول الرجال الأوكرانيين ويعدّه «تمييزاً»، ويقول: «من الخطر جداً أن يميز نظام القانون بين الرجال والنساء، وهذا تمييز غير عادل ومخالف للقانون حتى بحسب قوانين روما لحقوق الإنسان التي تدعو إلى المساواة بين الجميع».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: الضربة الروسية بصاروخ جديد تمثل تصعيداً واضحاً

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

زيلينسكي: الضربة الروسية بصاروخ جديد تمثل تصعيداً واضحاً

ذكر الرئيس الأوكراني، الخميس، أن الهجوم الروسي على أوكرانيا بنوع جديد من الصواريخ الباليستية يمثّل «تصعيدا واضحا وخطيرا» في الحرب، ودعا إلى إدانة عالمية قوية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين 21 نوفمبر 2024 (أ.ب) play-circle 00:21

بوتين يهدد باستهداف الدول التي تسمح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لقصف روسيا

حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن بلاده يمكن أن تستخدم صواريخها الجديدة ضد الدول التي تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها على روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ كلمة «عقوبات» أمام ألوان علمي الولايات المتحدة وروسيا في هذه الصورة الملتقطة في 28 فبراير 2022 (رويترز)

أميركا تفرض عقوبات على 50 مصرفاً روسياً بسبب الحرب في أوكرانيا

أعلنت أميركا حزمة من العقوبات تستهدف نحو 50 مؤسسة مصرفية روسية للحد من وصولها إلى النظام المالي الدولي وتقليص تمويل المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

تسعى روسيا إلى تصعيد التهديد النووي، في محاولة لتثبيط الدعم الغربي لأوكرانيا بانتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض، آملة التوصل إلى اتفاق سلام بشروطها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجال إنقاذ أوكرانيون يعملون بموقع هجوم صاروخي روسي في دنيبرو بأوكرانيا 21 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

أوكرانيا: روسيا هاجمت مدينة بصاروخ باليستي عابر للقارات للمرة الأولى منذ بدء الحرب

أعلنت أوكرانيا أن روسيا أطلقت، للمرة الأولى منذ بدء الحرب، صاروخاً باليستياً عابراً للقارات استهدف مدينة دنيبرو بوسط شرق البلاد، خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (كييف)

كييف تتهم موسكو باستهدافها بصاروخ «عابر للقارات»

أشخاص يحتمون داخل محطة مترو خلال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا (أ.ف.ب)
أشخاص يحتمون داخل محطة مترو خلال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا (أ.ف.ب)
TT

كييف تتهم موسكو باستهدافها بصاروخ «عابر للقارات»

أشخاص يحتمون داخل محطة مترو خلال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا (أ.ف.ب)
أشخاص يحتمون داخل محطة مترو خلال هجوم عسكري روسي على أوكرانيا (أ.ف.ب)

دوت صافرات الإنذار في جميع أنحاء أوكرانيا، فجر أمس (الخميس)، بعدما أفادت السلطات الأوكرانية بأن روسيا أطلقت صاروخاً عابراً للقارات من دون رؤوس نووية على أراضيها، ما عُدّ تصعيداً للنزاع والتوترات بين روسيا والغرب. لكن مسؤولاً أميركياً أفاد بأن روسيا أطلقت صاروخاً باليستياً متوسط المدى، وليس عابراً للقارات، خلال هجوم على مدينة دنيبرو الأوكرانية أمس، وهو ما يختلف عن رواية كييف الرسمية. وأضاف المسؤول أن التقييم استند إلى تحليل مبدئي.

وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن التقييم جار، لكن الصاروخ تتوفر فيه كل «خصائص» الصاروخ العابر للقارات.

وجاءت هذه التطورات بعد أيام على استخدام أوكرانيا صواريخ «أتاكمز» الأميركية في استهداف مناطق بالعمق الروسي، بعد حصولها على تفويض من واشنطن.

من جانب آخر، أعلنت واشنطن، أمس، حزمة من العقوبات تستهدف نحو خمسين مؤسسة مصرفية روسية لتقليص تمويل المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا.