الأوروبيون يستعجلون تقاسم المناصب الرئيسية للاتحاد على وقع التحديات الراهنة

نتائج الانتخابات الأخيرة تعيد فون دير لاين إلى منصبها واليمين المتطرف لا يُحدِث تغييراً

رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين في حديث مع قادة أوروبيين بمناسبة انعقاد قمة غير رسمية في بروكسل الاثنين (إ.ب.أ)
رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين في حديث مع قادة أوروبيين بمناسبة انعقاد قمة غير رسمية في بروكسل الاثنين (إ.ب.أ)
TT

الأوروبيون يستعجلون تقاسم المناصب الرئيسية للاتحاد على وقع التحديات الراهنة

رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين في حديث مع قادة أوروبيين بمناسبة انعقاد قمة غير رسمية في بروكسل الاثنين (إ.ب.أ)
رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين في حديث مع قادة أوروبيين بمناسبة انعقاد قمة غير رسمية في بروكسل الاثنين (إ.ب.أ)

يتشكل البرلمان الأوروبي، الذي جرت انتخاباته في الأيام العشرة الأولى من يونيو (حزيران) من 720 نائباً موزعين على 27 دولة عضواً بحسب حجم كل منها في الاتحاد. وتحتل ألمانيا المرتبة الأولى (96 نائباً) تليها فرنسا (81 نائباً) ثم إيطاليا (76 نائباً)، وهكذا دواليك. في معركة توزيع المناصب العليا، وأبرزها ثلاثة: رئاسة المفوضية الأوروبية ورئاسة المجلس الأوروبي والممثل الأعلى للشؤون السياسية والأمنية، لا يعتد بما لكل دولة من نواب، بل بحجم التيارات السياسية التي تتشكل داخل البرلمان.

ويضم البرلمان الأوروبي سبع مجموعات سياسية عابرة للحدود والجنسيات، أبرزها الحزب الشعبي الأوروبي (يمين، 190 نائباً) الذي نجح في المحافظة على موقعه الأول، بل نجح في زيادة عدد نوابه. ويليه تحالف الاشتراكيين والديمقراطيين (139 نائباً) في حين المرتبة الثالثة (80 نائباً) تعود لمجموعة «تجديد أوروبا» الليبرالية، التي تراجعت مواقعها بسبب النتائج السيئة للحزب الرئاسي الفرنسي وحلفائه. بعكس ذلك، فإن مجموعة «المحافظون والإصلاحيون» (76 نائباً) اليمينية المتشددة، وأبرز مكوناتها حزب رئيسة الحكومة الإيطالية جيورجيا ميلوني (إخوة إيطاليا)، الذي كان الفائز الأكبر في الانتخابات الإيطالية، فقد صعد إلى المركز الرابع، وبالتالي فإن ميلوني تريد أن تكون لها كلمتها في معركة توزيع المناصب.

الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشار الألماني شولتس الخاسران الكبيران في المنتخبات الأوروبية في صورة مشتركة بمناسبة حضورهما قمة «مجموعة السبع» في إيطاليا (د.ب.أ)

وعلى الرغم من أن اليمين المتطرف حقق نجاحات رئيسية في الانتخابات، خصوصاً في الدول التي كانت في أساس إطلاق الاتحاد الأوروبي (فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، هولندا...) إلا أن الانقسامات العميقة بين مكونيه (المحافظون الإصلاحيون ومجموعة هوية وديمقراطية) تعيق قدرته على إحداث تغيير عميق في تركيبة السلطة المرتقبة. وأبرز دليل على ذلك، أن حزبي اليمين المتطرف في فرنسا وإيطاليا (الجبهة الوطنية وإخوة إيطاليا)، حيث يتمتع بأكبر عدد من النواب، لا ينتميان إلى المجموعة نفسها؛ ما يحد من قدرته على إحداث تبدل في توزيع المناصب الرئيسية، وتغيير وجهة سياسة الاتحاد الأوروبي في الداخل والخارج. كذلك، فإن النتائج المحبطة للحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني (حزب المستشار أولاف شولتس) ولحزب الرئيس ماكرون (التجدد) من شأنها أن تضعِف مواقف باريس وبرلين اللتين تشكلان، منذ انطلاق الاتحاد، القاطرة الأوروبية.

أول قمة غير رسمية

الإسباني جوزيب بوريل مفوض السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي سيترك منصبه بسبب التقاعد (أ.ف.ب)

مساء الاثنين، حصل أول اجتماع غير رسمي، لقادة الاتحاد الـ27 من أجل النظر في كيفية توزيع المناصب الرئيسية. وباعتبار أن حزب الشعب الأوروبي حل في المرتبة الأولى، فإن رئاسة المفوضية الأوروبية تعود منطقياً له. والحال، أن أورسولا فون دير لاين، وزيرة الدفاع الألمانية السابقة، تم ترشيحها لولاية ثانية.

لم يكن طموح فون دير لاين الأول البقاء في منصبها الأوروبي، بل إنها سعت، منذ العام الماضي، لخلافة النرويجي ينس ستولتنبرغ، الأمين العام للحلف الأطلسي (ناتو). والحال، أن جهودها اصطدمت بفتور أميركي وبتحفظات دول أوروبية عدة وبترشح رئيس وزراء هولندا مارك روته للمنصب؛ ما حملها لإعادة النظر بخططها والقيام بحملة سياسية واسعة للترويج لبقائها خمس سنوات إضافية في بروكسل. ورغم ضعفهما، فإن مصلحة رئيسة المفوضية أن تحافظ على دعم ماكرون وشولتس لها. وأفادت مصادر فرنسية بأن رئيسة المفوضية ستضم إلى مكتبها شخصية فرنسية قريبة من قصر الإليزيه. ومن جانبه، فإن مصلحة شولتس السياسية أن تبقى رئاسة المفوضية لألمانيا. وكانت فون دير لاين قد سعت للتقرب من ميلوني رغبة منها في الحصول على دعمها في حال لم تتمكن الأحزاب الثلاثة الأولى من الحصول على الأكثرية في البرلمان الجديد. والمعروف أن اختيار رئيس أو رئيسة المفوضية يتم على مرحلتين: الأولى، حصولها على الأكثرية المؤهلة داخل المجلس الأوروبي من 15 دولة على الأقل تمثّل 65 في المائة من سكّان أوروبا، والأخرى أن تصادق على تعيينها أكثرية مطلقة في البرلمان (361 نائباً).

من هنا، يتعين على فون دير لاين أن «ترضي» القادة الرئيسيين في الاتحاد، وأن تحافظ على تماسك ودعم نواب الأكثرية من المجموعات الرئيسية الثلاث التي ستتقاسم المناصب الرئيسية. وتبين الأرقام أن حزب الشعب ومجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين ومجموعة «تجديد أوروبا» يتمتعون راهناً بأكثرية مريحة تصل إلى 409 نواب.

كايا كالاس رئيسة وزراء إستونيا في حديث مع رئيسة وزراء إيطاليا جيورجيا ميلوني الاثنين في بروكسل مرشحة لخلافة بوريل (أ.ف.ب)

تبيّن مداولات مساء الاثنين كما تسرب من مجرياتها ومن تصريحات لقادة أوروبيين عدة، أن فون دير لاين ستبقى في منصبها. ولذا؛ من المرتقب أن يعلن القادة الأوروبيون، في قمتهم في 27 و28 الحالي، عن اختيارهم لها ونقل ترشيحها إلى البرلمان.

رئاسة المجلس الأوروبي

بعكس فون دير لاين، فإن شارل ميشال، رئيس المجلس الأوروبي المنتهية ولايته سيترك منصبه. وتقوم وظيفة الرئيس على تنظيم القمم الأوروبية وإدارتها.

وفق مبدأ تقاسم المناصب، فإن رئاسة المجلس يفترض أن تكون من حصة مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين التي حلّت في المرتبة الثانية، وعمدت إلى ترشيح أنتوني كوستا، رئيس وزراء البرتغال السابق لهذا المنصب. والحال، أن الأخير يعاني متاعب قضائية في بلاده؛ ما دفعه إلى تقديم استقالته نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. من هنا، فإن وصوله إلى رئاسة الاتحاد ليس أمراً محسوماً، وبالتالي لن يكون مستغرباً أن تدعى مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين إلى تقديم مرشح بديل. وحتى اليوم، لم ترشح أي أسماء أخرى لهذا المنصب.

يحرص الأوروبيون هذا العام على إبراز توافقهم وابتعادهم عن المساومات العميقة كما حصل في العام 2014 لتقاسم المناصب في حين الحرب متواصلة في أوكرانيا والضبابية تلف الانتخابات الأميركية القادمة، والمنافسة مع الصين والصعوبات الاقتصادية التي تتخبط فيها أوروبا. من هنا، فإن منصب مسؤول السياسية الخارجية يبدو اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى وصاحب الحقيبة الحالي الإسباني جوزيب بوريل ذاهب إلى التقاعد. واليوم، يبدو أن منصبه سيرسو لدى رئيسة حكومة إستونيا، كايا كالاس، المعروفة بمواقفها المتشددة إزاء روسيا ودعمها غير المحدود لأوكرانيا.


مقالات ذات صلة

المجر: على الاتحاد الأوروبي التشاور مع ترمب قبل تجديد العقوبات على روسيا

أوروبا يانوس بوكا (إكس)

المجر: على الاتحاد الأوروبي التشاور مع ترمب قبل تجديد العقوبات على روسيا

قال الوزير المجري لشؤون الاتحاد الأوروبي، اليوم (الخميس)، إن بلاده لم تقرر بعدُ ما إذا كانت ستؤيد تمديد عقوبات التكتل على روسيا في نهاية الشهر الحالي.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا الاتحاد الأوروبي يعلن تخصيص مساعدة إنسانية لقطاع غزة بقيمة 120 مليون يورو (رويترز)

الاتحاد الأوروبي يعلن مساعدة غزة بقيمة 120 مليون يورو بعد وقف إطلاق النار

أعلن الاتحاد الأوروبي، الخميس، عن مساعدة إنسانية لقطاع غزة بقيمة 120 مليون يورو، بعد إعلان وقف إطلاق النار، الأربعاء، بين حركة «حماس» وإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا سفن تابعة لـ«الناتو» تبحر خلال مناورات السواحل الشمالية في بحر البلطيق 18 سبتمبر 2023 (رويترز)

«الناتو» يعزّز انتشاره العسكري في بحر البلطيق بعد تخريب كابلات

قال الأمين العام لحلف الناتو، اليوم (الثلاثاء)، إن «الناتو» سينشر سفناً وطائرات ومسيرات في بحر البلطيق ردا على تخريب عدة كابلات بحرية يشتبه في وقوف روسيا وراءه.

«الشرق الأوسط» (هلسنكي)
شؤون إقليمية تخت روانتشي يطلِع لجنة الأمن القومي على نتائج الجولة الثانية من الحوار مع الأوروبيين مطلع الشهر الماضي (موقع البرلمان)

طهران: المحادثات مع الأوروبيين في جنيف «بنَّاءة وصريحة»

وصفت إيران الجولة الجديدة من الحوار بشأن برنامجها النووي المثير للجدل مع فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة في جنيف بـ«الجدية والصريحة والبنَّاءة».

«الشرق الأوسط» (لندن - جنيف)
الخليج Kaja Kallas

إشارات أوروبية لانفراجة في عقوبات سوريا

أرسلت 6 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي إشارات بانفراجة في العقوبات المفروضة على سوريا، داعية إلى تعليقها مؤقتاً في قطاعات مثل النقل والطاقة والخدمات المصرفية.

«الشرق الأوسط» (بروكسل) عبد الهادي حبتور (الرياض)

وقفت ضد بلدها وانحازت لإسرائيل... ما نعرفه عن قاضية «العدل الدولية» المحتملة؟

القاضية في محكمة العدل الدولية جوليا سيبوتيندي (موقع المحكمة الدولية)
القاضية في محكمة العدل الدولية جوليا سيبوتيندي (موقع المحكمة الدولية)
TT

وقفت ضد بلدها وانحازت لإسرائيل... ما نعرفه عن قاضية «العدل الدولية» المحتملة؟

القاضية في محكمة العدل الدولية جوليا سيبوتيندي (موقع المحكمة الدولية)
القاضية في محكمة العدل الدولية جوليا سيبوتيندي (موقع المحكمة الدولية)

بعد استقالة القاضي اللبناني نواف سلام من رئاسة محكمة العدل الدولية، خلال الأيام الماضية، برز اسم القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي، التي انحازت سابقاً إلى جانب إسرائيل، رافضةً اتهامات «الإبادة الجماعية» في غزة، من أجل تولي رئاسة المحكمة.

وفي حين كان من المفترض أن تنتهي ولاية نواف سلام على رأس محكمة العدل الدولية في فبراير (شباط) 2027، استقال لتولي منصب رئاسة الحكومة اللبنانية، ليبدأ التداول باسم جوليا سيبوتيندي.

الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية نواف سلام (أ.ب)

فماذا نعرف عنها؟

هي أول امرأة أفريقية تُنتخب ضمن قضاة محكمة العدل الدولية في لاهاي.

ولدت عام 1954 وانتخبت عضواً في محكمة العدل لأول مرة عام 2012، ثم أُعيد انتخابها عام 2021، وشغلت مناصب عدة قضائية وقانونية، وتخرجت في جامعة ماكيريري بأوغندا، وحصلت على دبلوم من مركز تطوير القانون في كمبالا، إضافة إلى ماجستير في القانون من جامعة أدنبره، ولها خبرة طويلة في القضايا التي تتعلق بجرائم الحرب.

في أوغندا، عملت جوليا سيبوتيندي في وزارة العدل من عام 1978 حتى عام 1990. والتحقت بكلية الحقوق في جامعة أدنبره، للحصول على درجة الماجستير في القانون، وتخرجت عام 1991.

وفي عام 2009، حصلت على الدكتوراه الفخرية في القانون من جامعة أدنبره.

جوليا سيبوتيندي متزوجة من جون باجونيوا سيبوتيندي ولديها ابنتان.

وقفت ضد بلدها

عام 2022 أيدت جوليا سيبوتيندي قرار محكمة العدل الدولية ضد بلدها، الذي يقضي بأنه يجب على أوغندا أن تدفع مبلغ 325 مليون دولار لجمهورية الكونغو الديمقراطية كتعويضات تتعلق بالصراع بين البلدين في الفترة الواقعة بين 1998 و2003.

عارضت قرار منع أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين

وكانت سيبوتيندي، إلى جانب ممثل إسرائيل، المعارضين من بين قضاة محكمة العدل الدولية، البالغ عددهم 17، لقرار المحكمة بمنع أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، وبذل المزيد من الجهود لمساعدة المدنيين في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا اتهمت فيها إسرائيل بارتكاب «إبادة جماعية».

وحينها بررت قرارها بأن اختصاص المحكمة يقتصر على اتفاقية الإبادة الجماعية، ولا يمتد إلى الانتهاكات المزعومة للقانون الإنساني الدولي، وبعدها سارع ممثل أوغندا في الأمم المتحدة أدونيا أيباريه إلى القول إن قرارات مواطنته القاضية جوليا سيبوتيندي في محكمة العدل الدولية، لا تمثل موقف حكومة بلاده بشأن الوضع في فلسطين، مضيفاً أنه تم التعبير عن دعم أوغندا لمحنة الشعب الفلسطيني من خلال نمط التصويت في الأمم المتحدة.

«توقيت حساس»

ورأت صحيفة «إسرائيل اليوم» أنّ توقيت وصول القاضية سيبوتيندي إلى رئاسة محكمة العدل الدولية «حساس»، خصوصاً أنه من المقرر أن تقدم إسرائيل دفاعها في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا في يوليو (تموز)، ووفقاً لإطار عمل المحكمة، فإن الرئيس الذي يُنتخب كل ثلاث سنوات عبر تصويت أعضاء اللجنة يشرف على الشؤون الإدارية للمؤسسة ويرأس لجانها، ويتمتع بحق التصويت عندما ينقسم القضاة بالتساوي بشأن قضية ما.