«هذه طاولة مصنوعة من خشب الزيتون المعمّر الذي يكثر في هذه المنطقة ومعظم أنحاء إيطاليا»... بهذه العبارات افتتحت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني الجلسة الأولى من أعمال قمة الدول الصناعية السبع التي سيطرت على أجندتها الحرب الأوكرانية واستخدام فوائد الأصول الروسية في مساعدة كييف في حربها ضد موسكو.
وفي منتجع ساحر يطلّ على ساحل الأدرياتيك المقابل لدول البلقان، وقفت رئيسة وزراء إيطاليا محفوفة عن يمينها بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد هزيمته، وانتصارها في الانتخابات الأوروبية، وعن يسارها بالرئيس الأميركي جو بايدن الذي انتظرته للمصافحة 25 دقيقة تحت قرص الشمس الحادة قبل أن تعاتبه لحظة وصوله.
أول القادمين كانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين، التي بدا الفتور على لقائها مع ميلوني، لأول مرة منذ أشهر، ما يوحي بأن التحالف الذي كان معلناً بينهما ودعم رئيسة الوزراء الإيطالية لتجديد ولايتها قد أصبحا في خبر كان.
فتور منسدل على هذه القمة، السابعة التي تستضيفها إيطاليا، في أكثر من اتجاه: مع ماكرون بسبب من التقارب بين ميلوني ومارين لوبان، ومع المستشار الألماني أولاف شولتس حول ملفّ الهجرة، ومع نظيرها الكندي الذي انتقد بشدّة موقفها من الحقوق الجنسانية في قمة العام الماضي التي استضافتها اليابان في هيروشيما... وفتور مع بايدن ينذر به النقاش حول البيان الختامي بعد أن قررت ميلوني شطب أي إشارة فيه إلى موضوع الإجهاض والحقوق التناسلية الذي يشكّل أحد العناوين الأساسية لحملة الرئيس الأميركي الانتخابية.
لكن كل ذلك لم يمنع ميلوني من الإعلان عن ثقتها بأن هذه القمة ستكون «تاريخية» على أكثر من صعيد، وتستضيف للمرة الأولى بابا الفاتيكان في الندوة المخصصة لمناقشة الذكاء الاصطناعي، وربما الهجرة.
ورغم تشعب القضايا أمام القمة، فإن الحرب الأوكرانية بقيت المهيمنة على اللقاء، ومن المقرر أن يخاطب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الحاضرين في وقت لاحق الخميس. وقال دبلوماسيون إنه تم التوصل إلى الاتفاق بشأن حزمة قروض كبيرة بعد أشهر من المفاوضات، وإن دول المجموعة وافقت على منح أوكرانيا قرضاً مقداره 50 مليار دولار، عبر استخدام المال الناتج عن الأصول الروسية المجمدة، وهذا ما أكدته مصادر الوفد الأميركي بأن المجموعة توصلت إلى «اتفاق سياسي مبدئي» حول المساعدة.
ومن المقرر أن تستخدم أوكرانيا، التي مزقتها الحرب، حزمة القروض لتعزيز دفاعها العسكري ضد روسيا، وتمويل إعادة إعمار البنية التحتية وتمويل موازنة الدولة الأوكرانية.
وفي هذا الصدد، صرّحت الناطقة بلسان الخارجية الروسية ماريّا زاخاروفا بقولها: «هذه الخطوة لن تحمل شيئاً حسناً للغرب، فهي غير قانونية ومن شأنها زعزعة النظام المالي الدولي وإثارة أزمات مدمرة». كما وصفت زاخاروفا هذه المحاولات التي يقوم بها الغرب بالإجرامية، وأنها ستؤدي إلى رد من موسكو مؤلم جداً للاتحاد الأوروبي.
وقالت الحكومة الأميركية إنه تم تجميد نحو 280 مليار دولار من أموال البنك المركزي الروسي في الدول الغربية بسبب العقوبات المفروضة منذ الهجوم الروسي الشامل على أوكرانيا قبل أكثر من عامين.
وقالت ميلوني إن المحور الأساسي الذي ستدور حوله الرئاسة الإيطالية للمجموعة هو الدفاع عن النظام الدولي الذي يقوم على القواعد والقوانين التي قوّضها العدوان الروسي على أوكرانيا، وتسبب في زعزعة الاستقرار في الوقت الذي تعصف بالعالم أزمات متعددة. وشددت ميلوني على أن مجموعة السبع ستولي الاهتمام نفسه بأزمة الشرق الأوسط وتداعياتها على الوضع الدولي.
وتحدثت عن علاقات المجموعة مع الدول النامية والاقتصادات الناشئة بوصفها محورية بالنسبة للدول الصناعية الكبرى، مشددة على الأولوية التي تعطيها المجموعة للقارة الأفريقية «التي نريد أن نبني معها نموذجاً تعاونياً يقوم على شراكة تعود بالمنفعة على الطرفين، بعيداً عن السلوك الأبوي أو الافتراسي».
وقالت إن إيطاليا ستولي اهتماماً كبيراً لموضوع الهجرة وغيره من التحديات الكبرى، مثل تغيّر المناخ والعلاقة السببية بين الطاقة والأمن الغذائي الذي يحتلّ موقعاً مركزياً في إيطاليا التي توجد في عاصمتها الوكالات الدولية الأربع المعنية بالأغذية والزراعة.
موضوع آخر أفردت له الرئاسة الإيطالية جلسة كاملة هو الذكاء الاصطناعي، وتستضيف فيه البابا فرنسيس، الذي شكّل مؤخراً لجنة مخصصة للبحث في مستقبل هذه التكنولوجيا الجديدة، وما يمكن أن تولّده من فرص وينشأ عنها من مخاطر تؤثر على التوازنات الجيوسياسية في العالم.
وأفادت جهات إيطالية مطلعة بأن خطوة ميلوني لحذف الإشارة إلى الإجهاض من مشروع نص البيان الختامي قد أثارت استياء معظم الوفود المشاركة، وخاصة الوفدين الفرنسي والألماني، فيما أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان أنه سيكون على طاولة اللقاء الثنائي بين بايدن وميلوني. وقال سوليفان إن الرئيس الأميركي لا يترك مناسبة إلا ويتحدث فيها عن حقوق الإنسان بكل إبعادها، مع الأصدقاء والمنافسين والخصوم، مضيفاً: «ولا أتوقع أن يتغيّر ذلك بهذه المناسبة».
وأكدت أوساط مقربة من ميلوني أن خطوة رئيسة الوزراء الإيطالية جاءت مثل لفتة تجاه بابا الفاتيكان الذي يشارك للمرة الأولى في قمة المجموعة، معربة عن اعتقادها بأن الرئيس الأميركي لا يسعى إلى صدام مع رئيسة الوزراء الإيطالية التي ذهبت أبعد من توقعاته في مواقفها من الحرب في أوكرانيا، ومشروع طريق الحرير الصيني وغيرها من القضايا الدولية الأخرى.
لكن مصادر الوفد الأميركي المرافق لبايدن قالت إن سيّد البيت الأبيض لا يمكن أن يوقّع على بيان يتجاهل الحق في الإجهاض، لأن ذلك سيقضي نهائياً على حظوظه الانتخابية بعد الموقف الذي اتخذه إثر قرار المحكمة العليا بإلغائه على الصعيد الفيدرالي وتبنته حملة ترمب. ومن المنتظر أيضاً أن يكون ملف الهجرة موضع تجاذبات في القمة، حيث تشكّل إيطاليا وبريطانيا محوراً ثنائياً في مواجهة بقية الأعضاء الذين تكاد تكون مواقفهم متطابقة حوله.