أوروبا: الأحزاب التقليدية ترصّ صفوفها في وجه مدّ اليمين المتطرف

الكتلة المناهضة للمشروع الأوروبي تهدد بعرقلة برنامجه التشريعي

فون دير لاين وأعضاء في ائتلاف حزبها يحتفلون بنتائج الانتخابات الأوروبية (الاثنين) في برلين (أ.ف.ب)
فون دير لاين وأعضاء في ائتلاف حزبها يحتفلون بنتائج الانتخابات الأوروبية (الاثنين) في برلين (أ.ف.ب)
TT

أوروبا: الأحزاب التقليدية ترصّ صفوفها في وجه مدّ اليمين المتطرف

فون دير لاين وأعضاء في ائتلاف حزبها يحتفلون بنتائج الانتخابات الأوروبية (الاثنين) في برلين (أ.ف.ب)
فون دير لاين وأعضاء في ائتلاف حزبها يحتفلون بنتائج الانتخابات الأوروبية (الاثنين) في برلين (أ.ف.ب)

عندما بدأ الأوروبيون بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، الأسبوع الماضي، لتجديد عضوية البرلمان الأوروبي، كانوا يدركون أن بحيرة الاتحاد المضطربة منذ سنوات قد تفيق، يوم الاثنين، على العاصفة التي تنذر بها منذ فترة الرياح اليمينية المتطرفة التي تهبّ من كل الجهات، وتُهدّد الإنجازات التي تحققت منذ نيّف و70 عاماً.

ومع بزوغ فجر الاثنين، وظهور النتائج الأولية، كانت التوقعات قد صدق معظمها، وأصبحت فسيفساء الأحزاب المناهضة للمشروع الأوروبي والساعية إلى تدمير النموذج الحالي من الداخل، قادرة رغم تشرذمها وتبايناتها، على عرقلة النشاط التشريعي في البرلمان الأوروبي، أو إبطائه في أحسن الحالات، لكن هذا الصعود الذي حققته القوى اليمينية المتطرفة والشعبوية، خصوصاً في فرنسا وألمانيا؛ حيث زعزعت محور برلين - باريس الذي يشكّل المحرك الرئيسي للاتحاد، لم يمنع تحالف الأحزاب الأوروبية من الحفاظ على الأغلبية، رغم أنه أضعفها.

مواجهة المدّ اليميني المتطرّف

رئيسة وزراء إيطاليا تشكر الناخبين بعد تحقيق حزبها تقدماً بانتخابات البرلمان الأوروبي في روما الاثنين (أ.ب)

الحزب الشعبي الأوروبي حلّ في المرتبة الأولى، حاصداً 184 مقعداً، أي بزيادة 10 مقاعد عن الولاية السابقة، لكن حصيلة القوى اليمينية المتطرفة مجتمعة ناهزت 150 مقعداً، متجاوزة بذلك الأحزاب الاشتراكية والتقدمية التي حصلت على 139 مقعداً. يُضاف إلى ذلك أن بعض الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة، مثل حزب رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي حصل على 10 مقاعد، ما زالت خارج العائلات السياسية المشكّلة داخل البرلمان، أي ضمن كتلة الأحزاب غير المنضوية التي ازداد عددها بشكل ملحوظ، والتي يجنح كثير من أعضائها نحو المواقف اليمينية المتطرفة.

أحزاب التحالف الأوروبي الأول «Renew»، التي أمّنت الاستقرار والتوازن والتناوب على المناصب القيادية في مؤسسات الاتحاد طيلة عقود، والتي تضمّ المحافظين والتقدميين والليبراليين، حصلت مجتمعة على 56 في المائة من مقاعد البرلمان الجديد، في انتظار أن تنضمّ إليها الأحزاب الخضر التي أصبحت مفتاح تشكيل الجبهة في وجه المدّ اليميني المتطرف.

صمود الأحزاب المعتدلة

وقد سارعت هذه الأحزاب التي تراجعت شعبيتها بنسبة ملحوظة في هذه الانتخابات إلى الإعلان عن استعدادها للانضمام إلى التحالف، شريطة استعادة الميثاق الأوروبي أولويته ضمن مشاريع الاتحاد الكبرى. وفي حال هذه التوسعة المرتقبة للتحالف التي باتت ضرورة مُلحّة لتحصين جبهة التصدي لليمين المتطرف، سيرتفع رصيده إلى 63 في المائة من مقاعد البرلمان الجديد.

لكن صمود الأحزاب والقوى المعتدلة، رغم صعود اليمين المتطرف، لا يخلو من المرارة بعد ولاية شهدت إنجازات تشريعية بالغة الأهمية، في الوقت الذي يواجه فيه الاتحاد تحديات هائلة على الصعيدين الداخلي والخارجي. والسبب في ذلك هو أن هذه الانتخابات، وهي الأهم في تاريخ الاتحاد منذ تأسيسه، لم يشارك فيه سوى نصف الأوروبيين المؤهلين للاقتراع، والبالغ عددهم 360 مليون ناخب.

كل الأنظار تتجه الآن نحو الضفة المحافظة واليمينية المتطرفة في البرلمان الجديد. الحزب الشعبي الأوروبي، الذي رسـّخ موقعه في صدارة الكتل البرلمانية، يجد نفسه أمام معضلة تاريخية ومصيرية؛ إذ عليه أن يفاضل الآن بين مواصلة جنوحه نحو اليمين، على الأقل نحو الأحزاب التي يعدها مقبولة ويغازلها منذ أشهر مثل حزب إخوان إيطاليا الذي تقوده رئيسة الوزراء جيورجيا ميلوني، أو يسعى إلى الحفاظ على التحالف المعتدل مع الخضر والليبراليين والاجتماعيين الديمقراطيين الذين تعرضوا جميعاً لانتكاسات كبيرة في هذه الانتخابات. لا شك في أن هذه المفاضلة ستكون عسيرة جداً، خصوصاً إذا نجحت القوى اليمينية المتطرفة في رصّ صفوفها أمام الاستحقاقات الكبرى في الولاية الاشتراعية الجديدة.

البحث عن تحالفات

المؤشرات الأولى تنذر باتجاه «الحزب الشعبي الأوروبي» إلى تجديد تحالفه مع التقدميين والليبراليين والانفتاح على الخضر، وكبح الجنوح نحو القوى اليمينية المتطرفة، كما تبدّى في الأشهر الأخيرة من تناغم وانسجام بين رئيسة المفوضية أورسولا فون در لاين، المرشحة لتجديد ولايتها، ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني.

ويستدلّ من التصريحات الأولى التي أدلت بها فون در لاين بعد ساعات قليلة من ظهور التوقعات الأولية لنتائج هذه الانتخابات، أنها قد أوقفت فعلاً اندفاعها نحو التحالف مع ميلوني لتأمين ولايتها الثانية على رأس المفوضية، إذ قالت: «الوسط صامد، وسنبني حصناً منيعاً ضد التطرف اليميني واليساري».

أنصار حزب «الاحترام والحرية» المجري يحتفلون بنتائج الانتخابات الأوروبية في بودابست الاثنين (رويترز)

رئيس الكتلة الشعبية المحافظة في البرلمان الأوروبي، مانفريد ويبير، دعا من جهته الاجتماعيين الديمقراطيين والليبراليين إلى «رصّ الصفوف في تحالف ديمقراطي أوروبي»، بينما كانت فون در لاين تجدد إيمانها بالتحالف المعتدل، وتتعهد مواصلة العمل على ترسيخه. لكن الأماني والدعوات تبقى مرهونة بحسابات الأيام المقبلة بعد صدور النتائج النهائية، ومعرفة وجهة الرياح التي ستهبّ من مقاعد القوى اليمينية المتطرفة.

الجنوح الأوروبي نحو اليمين بات من المسلّمات في انتظار معرفة ما إذا كان هذا الجنوح سيؤدي إلى ارتماء المحافظين في أحضان القوى المتطرفة التي استطاعت أن تقوّض أركان المعقل الفرنسي، وتهزّ أركان القلعة الألمانية، بينما رسّخت زعامتها في القاعدة الإيطالية. وإذا كانت قفزة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أقرب إلى المجازفة الانتحارية التي قد تتسبّب في زلزال داخلي بعد هزّة الانتخابات الأوروبية، فإن رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني تبدو جاهزة ومصممة على قيادة المعسكر اليميني المتطرف في أوروبا، بعد حصولها على 29 في المائة من الأصوات، مقابل 6 في المائة في انتخابات عام 2019، وبعد أن رسّخت صورتها زعيمةً يمينيةً متطرفةً مختلفةً عن غيرها من زعماء اليمين المتطرف في المشهد الأوروبي.

مشهد معقّد

في إسبانيا، حقّق «الحزب الشعبي المحافظ» أفضل نتائجه في انتخابات البرلمان الأوروبي منذ ربع قرن، لكنه كاد يتعادل مع «الحزب الاشتراكي»، ولم يتمكّن من كبح صعود حزب «فوكس» اليميني المتطرف الذي ضاعف نتيجة الانتخابات التشريعية الأخيرة، بينما ظهر على يمينه حزب متطرف آخر «آلفيسيه» حصل على 800 ألف صوت.

ماكرون شارك في مدينة تول (الاثنين) في تكريم ذكرى مدنيين قتلهم النازيون عام 1944 (أ.ب)

الاشتراكيون البرتغاليون عادوا إلى صدارة المشهد، بفوزهم على الحزب الحاكم بفارق بسيط، بينما تراجع الحزب اليميني المتطرف «شيغا» الذي سيدخل البرلمان الأوروبي للمرة الأولى. وفي بولندا، فاز التحالف المدني الذي يقوده رئيس الوزراء دونالد تاسك للمرة الأولى منذ 10 سنوات على خصمه التقليدي «حزب العدالة والقانون».

وفي هولندا، كان الفوز للاجتماعيين الديمقراطيين والخضر، لكن على مسافة قريبة جداً من الحزب اليميني المتطرف الذي يقوده خيرت فيلدرز، الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة. كما جنحت بلجيكا أيضاً نحو اليمين بعد وصول الحزب الفلامنكي المتطرف في المركز الثاني، ما دفع رئيس الوزراء الليبرالي ألكسندر دي كرو إلى الاستقالة، وفتح الباب على أزمة سياسية قد تُسفر عن الدعوة إلى انتخابات مبكرة.

مشهد سياسي معقّد في الاتحاد الأوروبي بعد هذه الانتخابات، لن تتضّح معالمه إلا بعد معرفة نتائج الانتخابات الفرنسية التي دعا إليها إيمانويل ماكرون نهاية هذا الشهر، وتداعيات الهزيمة التي مُني بها المستشار الألماني أولاف شولتس، واتّضاح الوجهة التي ستسلكها رئيسة الوزراء الإيطالية لتحديد موقعها على المسرح الأوروبي.


مقالات ذات صلة

منع مراقبين من دخول فنزويلا عشية الاستحقاق الرئاسي

أميركا اللاتينية رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو يسعى للفوز بولاية ثالثة أمام خصمه السفير السابق إدموندو غونزاليس أوروتيا (أ.ب)

منع مراقبين من دخول فنزويلا عشية الاستحقاق الرئاسي

ساهم قيام كراكاس بمنع رحلة جوية تقل رؤساء دول سابقين من أميركا اللاتينية لمراقبة الانتخابات الرئاسية المقررة الأحد في تفاقم الأجواء المتوترة أصلاً في فنزويلا.

«الشرق الأوسط» (كراكاس)
الولايات المتحدة​ الممثلة الشهيرة جينيفر أنيستون (أ.ب)

«نساء القطط»... جينيفر أنيستون تهاجم فانس لانتقاده هاريس «غير المنجبة»

انتقدت الممثلة الشهيرة، جينيفر أنيستون، جي دي فانس، بعد أن وصف بعض السيدات من الحزب الديمقراطي، بمن في ذلك كامالا هاريس بـ«نساء القطط بلا أطفال».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (أ.ف.ب)

ترمب يحذر: الأبقار قد تحل مكان البشر

يعتقد الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب أن الأبقار ستحل مكان البشر في النهاية إذا تم حظر تناول اللحوم الحمراء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الوزير السابق بلقاسم ساحلي يعلن رفع طعون في قرار رفض ترشحه للرئاسة (إعلام الحملة)

وزير جزائري سابق يطعن في أسباب رفض ترشحه للرئاسة

رفض وزير جزائري سابق المسوّغات التي قدمتها «سلطة الانتخابات» لتفسير رفض ترشحه لاستحقاق الرئاسة، فيما أعلن مرشحان تم قبول ملفهما عزمهما خوض الحملة الشهر المقبل.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس عبد المجيد تبون أبرز المرشحين للفوز بولاية ثانية (الرئاسة)

غربلة ملفات المرشحين لـ«رئاسة» الجزائر تبقي على 3

سيقتصر السباق في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، المقررة في السابع من سبتمبر المقبل، على ثلاثة مترشحين، بحسب ما أعلنت عنه هيئة الانتخابات.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

القضاء الفرنسي حَفظَ قضية ضبط أسلحة في منزل آلان ديلون

الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)
الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)
TT

القضاء الفرنسي حَفظَ قضية ضبط أسلحة في منزل آلان ديلون

الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)
الممثل الفرنسي آلان ديلون (رويترز)

حَفظَ القضاء الفرنسي قضية ضبط 72 قطعة سلاح ناري في منزل الممثل آلان ديلون، أحد آخر عمالقة السينما الفرنسية، وكفَّ التعقبات في شأنها، على ما أعلنت النيابة العامة، الجمعة، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

واتُخذ هذا القرار من دون التمكن من سماع إفادة النجم البالغ 88 عاماً «نظراً إلى ضعفه»، و«بناءً على رأي طبي»، فيما أشارت النيابة العامة إلى إصدار «أمر بإتلاف كل الأسلحة النارية والذخيرة».

وعثر المحققون على ترسانة كاملة خلال دهمهم منزل ديلون، تضم 72 قطعة سلاح، معظمها من الفئتين: «أ» (بعض الأسلحة النارية والمواد الحربية)، و«ب» (الأسلحة المستخدمة في الرماية الرياضية وتلك المستخدمة في حالات الخطر المهني)، وأكثر من ثلاثة آلاف طلقة ذخيرة.

كذلك لاحظوا وجود منصة للرماية في العقار التابع لمنزل الممثل الذي يهوى جمع الأسلحة النارية.

وأوضحت النيابة العامة، في بيان، أن التحقيق أظهر أن الممثل «لم يسبق أن صرّح للشرطة عن هذه الأسلحة ولم يطلب الترخيص بحيازتها».

وأضافت أن إفادات أبناء النجم والعاملين لديه بيّنت «أن هذه الأسلحة النارية كانت تُستخدَم من مختلف أفراد الأسرة لغرض الترفيه، في منصة الرماية بالعقار».

وشرحت النيابة العامة أن شهادات عدة أفادت بأن «ديلون اشترى هذه الأسلحة وكان يحتفظ بها منذ سنوات، بل طرح بعضها في مزاد علني عام 2014».

وطرح ديلون في هذا المزاد مجموعته التي كانت تضم 76 قطعة، من بندقية «وينتشستر» التي استخدمت في مسلسل «وانتد: ديد أور ألايف» Wanted: Dead or Alive وقدمها إليه الممثل الأميركي ستيف ماكوين، ومنها مسدس من فيلم «ريد صن Red Sun».

وفي مطلع أبريل (نيسان) الماضي، وُضع الممثل الذي يعاني من سرطان الغدد الليمفاوية وأصيب بجلطة دماغية عام 2019 تحت «القوامة المعززة على عاجز».

وسبق أن وُضع في يناير (كانون الثاني) تحت الحماية القضائية مع تعيين وكيل قضائي لمعاونته فيما يتعلق «بمتابعته طبياً»، وسط نزاع إعلامي وقضائي محتدم بين أبنائه الثلاثة، أنتوني وأنوشكا وآلان فابيان.