«السند الأوكراني» ما زال يواجه مجموعة من العقبات التقنية والقانونية

«مجموعة السبع» تطمح لاتفاق يذلل العقبات بحلول يونيو... وكييف متفائلة وموسكو ستعدّها «سرقة»

وزير المال الإيطالي جيانكارلو جيورجتّي (يمين) مع حاكم البنك المركزي الإيطالي (إ.ب.أ)
وزير المال الإيطالي جيانكارلو جيورجتّي (يمين) مع حاكم البنك المركزي الإيطالي (إ.ب.أ)
TT

«السند الأوكراني» ما زال يواجه مجموعة من العقبات التقنية والقانونية

وزير المال الإيطالي جيانكارلو جيورجتّي (يمين) مع حاكم البنك المركزي الإيطالي (إ.ب.أ)
وزير المال الإيطالي جيانكارلو جيورجتّي (يمين) مع حاكم البنك المركزي الإيطالي (إ.ب.أ)

بينما يكثّف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي دعواته إلى الدول الغربية لتسريع تزويد بلاده بالأسلحة، حضر وزير ماليته سيرغي مارتشينكو صباحاً جلسة وزراء مالية مجموعة السبع في إيطاليا خُصصت لمساعدة بلاده.

وقال وزير المال الإيطالي جيانكارلو جيورجتّي إن الإقرار النهائي لخطة إصدار «السند الأوكراني» ما زال يواجه مجموعةً من العقبات التقنية والقانونية، مؤكداً أن ثمّة توافقاً سياسياً تاماً حول دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا من لدن جميع البلدان الأعضاء في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى.

وزير المال الإيطالي جيانكارلو جيورجتّي (يمين) مع حاكم البنك المركزي الإيطالي (إ.ب.أ)

جاءت هذه التصريحات على لسان جيورجيتي، الذي ينتمي إلى حزب «الرابطة» اليميني المتطرف، المعروف بقربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومعارضته مواصلة الدعم العسكري لأوكرانيا، في المؤتمر الصحافي الذي عقب نهاية قمة وزراء المال وحكام المصارف المركزية لدول مجموعة السبع التي اختتمت أعمالها ظهر السبت على ضفاف «البحيرة الكبرى» في الشمال الإيطالي.

وجاء في مشروع البيان الصادر في ختام الاجتماع المنعقد في ستريسا: «نحن نحرز تقدماً في مباحثاتنا بشأن الوسائل الممكنة للاستفادة المسبقة من عائدات استثنائية مصدرها الأصول السيادية الروسية المجمّدة لصالح أوكرانيا، بما يتماشى مع القانون الدولي وأنظمتنا القانونية الخاصة». وأضاف البيان أن الهدف هو «أن نقدم لقادتنا، قبل القمة التي ستعقد في بوليا في يونيو (حزيران) المقبل، خيارات لتقديم دعم مالي إضافي لأوكرانيا».

وقال وزير المالية الأوكراني سيرغي مارشينكو إنها «إشارة جيدة إلى أننا نسير في الاتجاه الصحيح». وأضاف في تصريح صحافي: «آمل أن يتم التوصل إلى قرار ما خلال قمة القادة» المقبلة.

وكانت «الشرق الأوسط» قد أشارت، الجمعة، نقلاً عن مصادر أوروبية، أن الاقتراح بشأن خطة إصدار سندات دعم أوكرانيا لتسليحها وإعمارها بعد الحرب بتمويل من الفوائد المتراكمة للأصول الروسية المجمدة في الغرب، الذي قدمته الولايات المتحدة مدعومة من بريطانيا وكندا، ما زال يواجه تحفظات شديدة من الجانب الأوروبي، بخاصة من ألمانيا.

كانت المصادر قد أشارت إلى أن التحفظات الأوروبية مردها إلى الخشية من تأثير هذه الخطة على اليورو، وعلى ثقة المستثمرين الكبار في سوق المال الأوروبية، فضلاً عن احتمال تعارضها مع أحكام القانون الدولي بشأن العقوبات.

وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر يرفض الحديث عن التفاصيل (إ.ب.أ)

أعرب وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر عن اعتقاده بأن هناك الكثير من العمل الذي ينتظر الدول الصناعية الديمقراطية الكبرى في مجال توفير المزيد من فرص التمويل لأوكرانيا، مضيفاً أنه يجب إجراء محادثات مكثفة حول التفاصيل في الأسابيع المقبلة لـ«تقليل المخاطر التي يواجهها دافعو الضرائب، ويجب استبعادها». ويتردد أن الهدف هو التوصل إلى تفاهم خلال قمة رؤساء دول المجموعة المقرر عقدها في بوليا في إيطاليا، التي تتولى الرئاسة الدورية للمجموعة، في منتصف يونيو (حزيران). وتسعى الدول الصناعية الغربية الكبرى إلى استخدام العائدات من مليارات الدولارات المجمدة لديها والتابعة للبنك المركزي الروسي لصالح أوكرانيا. ومع ذلك، فإن كيفية تحقيق ذلك لا تزال محل خلاف.

وأكد ليندنر في ختام كلمته: «نحن مستعدون أيضاً لاتخاذ طرق تمويل إضافية وذكية وريادية. لكن هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به الآن»، مشيراً إلى أنه لا يمكن حالياً الحديث عن التفاصيل.

وزير مالية أوكرانيا سيرغي مارتشينكو يحضر جلسة وزراء مالية مجموعة السبع في إيطاليا خُصصت لمساعدة بلاده (إ.ب.أ)

وقال وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير: «الهدف هو أن تكون لدينا طريقة وضمانة من أجل تمويل أوكرانيا. لذلك لن نتحدث عن المبلغ. أرى أنه يجب أولاً الحديث عن الطريقة».

كانت الولايات المتحدة اقترحت أن تقدم مجموعة السبع قرضاً كبيراً لأوكرانيا، يتم تأمينه بواسطة العائدات من الفوائد على الأموال المجمدة للبنك المركزي الروسي. وقدرت واشنطن أن من الممكن أن تصل قيمة هذا القرض إلى حوالي 50 مليار دولار. وتوجد هذه الأصول بشكل رئيسي في الاتحاد الأوروبي لأن 185 مليار يورو منها جمدتها «يورو كلير»، وهي منظمة دولية لإيداع الأموال تأسست في بلجيكا.

يذكر أن دول الاتحاد الأوروبي اتخذت حتى الآن موقفاً متحفظاً بشأن هذا الموضوع، وذلك لأن الاقتراح الأمريكي يشمل أيضاً العائدات المستقبلية من الفوائد التي قد لا تكون متاحة بالضرورة اعتماداً على تطورات أسعار الفائدة وتطورات الحرب في أوكرانيا.

وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين (رويترز)

كان الاتحاد الأوروبي نفسه قرر توجيه 90 في المائة من العائدات المستحقة والقابلة للاستخدام في صندوق الاتحاد الأوروبي لتمويل المعدات العسكرية والتدريب. أما النسبة المتبقية، البالغة 10 في المائة، فمن المقرر تخصيصها لأغراض، من بينها إعادة بناء البنية التحتية المدمرة في أوكرانيا. ومن المتوقع أن تصل الإيرادات إلى ما يتراوح بين 15 و20 مليار يورو بحلول عام 2027.

وتقول المحامية المتخصصة في القانون الدولي في شركة «أوريك»، جان بول كاستانيو، إن حتى الاكتفاء باستخدام عائدات الأصول الروسية قد يحفز موسكو على الرد. وتوضح لوكالة الصحافة الفرنسية: «إذا عدّت روسيا استخدام عائدات الأصول المجمدة في أوروبا سرقةً، فمن المرجح جداً أن تتخذ إجراءات تطول المجموعات الغربية التي لا تزال تعمل على أراضيها».

ووقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً، الخميس، يتيح مصادرة أصول في روسيا تابعة للولايات المتحدة ومواطنيها وشركاتها، لتعويض المتضررين من العقوبات الغربية المفروضة على موسكو.

ورغم الجهود التي بذلتها الإدارة الأميركية من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي حول هذه الخطة للمباشرة في تنفيذها قبل الانتخابات الرئاسية، لم تعترض واشنطن على الاكتفاء بطرح الفكرة، وليس الخطة النهائية، على قمة دول المجموعة الشهر المقبل، على أن يواصل الخبراء دوزنة التفاصيل التقنية والقانونية خلال الأشهر المقبلة.

وأعرب حكّام المصارف المركزية في دول المجموعة في نهاية اللقاء عن ارتياحهم لقدرة الاقتصاد العالمي على مقاومة القيود والضغوط المالية في السنوات المنصرمة، ولاحظوا أن ثمة آفاقاً واعدةً بالانتعاش الاقتصادي على الصعيد العالمي، وليس في بلدان أو مناطق متفرقةً.

وأشارت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد إلى أن التضخم تراجع في جميع المناطق الاقتصادية الكبرى، لكن بنسب متفاوتة، متوقعةً أن تسجل الأسواق الأوروبية تراجعاً أكبر من السوق الأميركية.

رئيس البنك الدولي أجاي بانغا (يسار)

ورغم استئثار موضوع «السند الأوكراني» بالقسم الأكبر من المناقشات، بحثت القمة أيضاً في التحديات الناشئة عن الذكاء الاصطناعي وتداعياتها ومخاطرها، وهو البند الرئيسي الذي ستعمق فيه قمة الرؤساء المقبلة التي سيكون ضيف الشرف فيها، لأول مرة، البابا فرنسيس.

كما ناقش الاجتماع اقتراحاً لفرض ضرائب مرتفعة على الشركات متعددة الجنسيات، لكن وزير المال الإيطالي قال إن الموضوع يواجه اعتراضاً شديداً من بعض الدول، واستبعد أن يتم التوصل إلى اتفاق بشأنه في القريب المنظور.

واقترحت الولايات المتحدة إدراج بند على جدول أعمال قمة الرؤساء حول فائض الإنتاج الصيني وتداعياته على الأسواق العالمية، لكن وزير المال الألماني دعا إلى الحذر في مقاربة هذا الموضوع، مشيراً إلى احتمال إقدام الصين على اتخاذ تدابير مضادة من شأنها إلحاق ضرر كبير ببعض الاقتصادات.


مقالات ذات صلة

العالم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يحمل مجموعة من الأورق خلال جلسة تحضيرية لقمة السلام في سويسرا (أ.ف.ب)

النقاط الأساسية في البيان المشترك لقمة السلام بأوكرانيا

اتفقت عشرات الدول على أن السبيل لإنهاء الحرب بين كييف وموسكو يكمن في الحوار «بين كل الأطراف»، واحترام وحدة أراضي أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (بورغنستوك)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي 16 يونيو (أ.ف.ب)

زيلينسكي: روسيا وقادتها «غير مستعدين لسلام عادل» والصين «ليست عدو» أوكرانيا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اليوم (الأحد)، في ختام قمة حول السلام عُقدت بسويسرا إن روسيا وقادتها «غير مستعدين لسلام عادل».

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني يقف بجوار عدد من القادة خلال المؤتمر الصحافي الختامي لقمة السلام في أوكرانيا (رويترز)

قمة أوكرانيا تدعو إلى «إشراك جميع أطراف النزاع» لتحقيق السلام

دعت أول قمة دولية حول السلام في أوكرانيا والتي عقدت في غياب روسيا، الى "إشراك جميع أطراف" النزاع بهدف وقف العمليات الحربية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أوروبا وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا (رويترز)

وزير خارجية أوكرانيا: بيان قمة السلام يأخذ في الاعتبار مواقف كييف

قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، الأحد، إن مواقف كييف وضعت في الاعتبار في صياغة البيان الختامي لقمة زعماء العالم المنعقدة لتحقيق السلام في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (بورجنشتوك - سويسرا)

تقرير: الدول النووية تعمل على تحديث ترساناتها مع تدهور العلاقات الجيوسياسية

أفراد من القوات الروسية تقوم بتحميل صاروخ إسكندر على قاذفة متنقلة أثناء التدريبات في مكان غير معلوم بروسيا في فبراير الماضي (أ.ب)
أفراد من القوات الروسية تقوم بتحميل صاروخ إسكندر على قاذفة متنقلة أثناء التدريبات في مكان غير معلوم بروسيا في فبراير الماضي (أ.ب)
TT

تقرير: الدول النووية تعمل على تحديث ترساناتها مع تدهور العلاقات الجيوسياسية

أفراد من القوات الروسية تقوم بتحميل صاروخ إسكندر على قاذفة متنقلة أثناء التدريبات في مكان غير معلوم بروسيا في فبراير الماضي (أ.ب)
أفراد من القوات الروسية تقوم بتحميل صاروخ إسكندر على قاذفة متنقلة أثناء التدريبات في مكان غير معلوم بروسيا في فبراير الماضي (أ.ب)

أعلن باحثون اليوم (الاثنين) أن دور الأسلحة الذرية أصبح أكثر بروزاً، وأن الدول النووية تعمل على تحديث ترساناتها مع تدهور العلاقات الجيوسياسية، حاضين زعماء العالم على «التراجع والتفكير».

وقال معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) في كتابه السنوي إن الجهود الدبلوماسية للسيطرة على الأسلحة النووية تعرضت أيضاً لنكسات كبيرة وسط توتر العلاقات الدولية بسبب الصراعات في أوكرانيا وغزة.

وقال ويلفريد وان، مدير برنامج أسلحة الدمار الشامل في معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، في بيان: «لم نرَ الأسلحة النووية تلعب مثل هذا الدور البارز في العلاقات الدولية منذ الحرب الباردة».

وأشار معهد الأبحاث إلى أن روسيا أعلنت في فبراير (شباط) 2023 أنها ستعلق مشاركتها في معاهدة ستارت الجديدة لعام 2010، «آخر معاهدة متبقية للحد من القوى النووية الاستراتيجية الروسية والأميركية».

ولفت معهد سيبري أيضاً إلى أن روسيا أجرت تدريبات تكتيكية على أسلحة نووية بالقرب من الحدود الأوكرانية في مايو (أيار). وصعّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من لهجته النووية منذ بدء الصراع في أوكرانيا، محذراً في خطابه للأمة في فبراير الماضي من وجود خطر «حقيقي» لحرب نووية.

بالإضافة إلى ذلك، ألغي اتفاق غير رسمي بين الولايات المتحدة وإيران تم التوصل إليه في يونيو (حزيران) 2023 بعد بدء الحرب الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، بحسب سيبري.

«مقلق جداً»

ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن الدول التسع المسلحة نووياً في العالم واصلت أيضاً: «تحديث ترساناتها النووية ونشر العديد منها أنظمة أسلحة نووية جديدة أو ذات قدرة نووية في عام 2023».

والدول التسع هي الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل.

في يناير (كانون الثاني)، ومن بين ما يقرب من 12121 رأساً حربياً نووياً موجوداً في جميع أنحاء العالم، كان نحو 9585 منها متاحاً للاستخدام المحتمل بحسب سيبري. وأبقي نحو 2100 منها «في حالة تأهب تشغيلي قصوى» لتحميلها على صواريخ باليستية.

وتعود جميع هذه الرؤوس الحربية تقريباً إلى روسيا والولايات المتحدة اللتين تمتلكان معاً ما يقرب من 90 في المائة من كل الأسلحة النووية، لكن يُعتقد للمرة الأولى أن الصين لديها بعض الرؤوس الحربية في حالة تأهب تشغيلي قصوى.

وقال مدير معهد استوكهولم الدولي لبحوث السلام دان سميث: «في حين أن الإجمالي العالمي للرؤوس الحربية النووية يستمر في الانخفاض مع تفكيك أسلحة حقبة الحرب الباردة تدريجياً، فإننا للأسف ما زلنا نشهد زيادات سنوية في عدد الرؤوس الحربية النووية العاملة». وأضاف أن هذا الاتجاه يُرجح أن يستمر «وربما يتسارع في السنوات المقبلة»، واصفا إياه بأنه «مقلق جداً».

كما شدد الباحثون على «التدهور المستمر للأمن العالمي خلال العام الماضي»، حيث يمكن رؤية تأثير الحروب في أوكرانيا وغزة «في كل جانب تقريباً» من القضايا المتعلقة بالتسلح والأمن الدولي.

وقال سميث: «نحن الآن في واحدة من أخطر الفترات في تاريخ البشرية»، حاضاً القوى العظمى في العالم على «التراجع والتفكير. ويفضل أن تفعل ذلك معاً».