ماكرون يطرح تدخلاً عسكرياً بأوكرانيا... مخاوف أمنية أوروبية وأهداف داخلية فرنسية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي خطاباً حول أوروبا بجامعة السوربون في باريس 25 أبريل 2024 (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي خطاباً حول أوروبا بجامعة السوربون في باريس 25 أبريل 2024 (رويترز)
TT

ماكرون يطرح تدخلاً عسكرياً بأوكرانيا... مخاوف أمنية أوروبية وأهداف داخلية فرنسية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي خطاباً حول أوروبا بجامعة السوربون في باريس 25 أبريل 2024 (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي خطاباً حول أوروبا بجامعة السوربون في باريس 25 أبريل 2024 (رويترز)

أثار طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الخميس، 2 مايو (أيار) 2024، بشأن احتمال التدخّل العسكري الغربي المباشر في أوكرانيا لمواجهة تقدّم القوات الروسية، تباينات استراتيجية بين الحلفاء الغربيين. ففي حين يبقى الغرب مجمعاً بشكل عام على دعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، فإنّ مسألة دخول قوات تابعة لدول حلف الناتو في مواجهة عسكرية مباشرة ضد دولة تمتلك ترسانة نووية ضخمة، تجعل من طرح ماكرون يلقى معارضة بشكل عام من حلفاء باريس، في حين يشدّد الرئيس الفرنسي على أنّ طرحه تُحرِّكه مخاوف كبيرة على أمن أوروبا في حال تحقيق روسيا انتصاراً في أوكرانيا.

«لا ينبغي استبعاد أي شيء» بشأن إرسال محتمل للقوات، «ولا حدود» للمساعدات إلى كييف. هذه التصريحات التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ شهرين وعاد وأكّدها في تصريحات أخيرة له، جعلت من الممكن رؤية حجم الخلافات بين الحلفاء حول مدى الدعم لأوكرانيا في مواجهة روسيا، حسب تقرير لمجلة «نوفال أبسرفاتور» الفرنسية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي خطاباً في قاعدة مونت دي مارسان الجوية بفرنسا 20 يناير 2023 (رويترز)

أهداف داخلية وأوروبية

يلخّص الرئيس الفرنسي خطوته هذه ﺑ«الغموض الاستراتيجي». إنها في المقام الأول مسألة إخماد نشوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي استعاد زمام المبادرة على الجبهة في أوكرانيا عشية إعادة انتخابه، وفق التقرير. ويستلهم ماكرون أيضاً «استراتيجية الرجل المجنون»، التي أشاعها سابقاً الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، والتي تتمثل في تبني سلوك لا يمكن التنبؤ به لإرباك الخصم. وعلى الساحة الفرنسية، يسعى ماكرون إلى الإيقاع بمعارضيه في الفخ، ولا سيما من خلال إجبار حزب «التجمّع الوطني» اليميني الذي تتزعّمه مارين لوبان وحزب «فرنسا الأبية» اليساري الذي يتزعمه جان لوك ميلونشون، على توضيح مواقفهما بشأن روسيا. وأخيراً، يريد ماكرون أن يُظهر لجيرانه الأوروبيين تولي القيادة و«المضي قدماً» مع أولئك الذين يريدون المضي قدماً معه كقوة أوروبية؛ حيث تتخوف الدول الأوروبية بشكل عام من تراجع أو خسارة الدعم الأميركي لأوروبا (العسكري بشكل خاص) إذا فاز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

جنود فرنسيون من الكتيبة السابعة لجبال الألب يشاركون في تدريب لحلف الناتو في قاعدة عسكرية للحلف في تابا بإستونيا 19 مارس 2022 (رويترز)

لمنع روسيا من تهديد أمن أوروبا

تحدّث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حوار مع مجلة «الإيكونوميست» البريطانية عن تفاصيل خطته لتجنب الموت «الوحشي» لأوروبا، مكرراً موقفه المثير للجدل بشأن إمكانية إرسال قوات برية إلى أوكرانيا إذا قامت موسكو «باختراق خطوط الجبهة».

وقال ماكرون: «في حال اخترق الروس خطوط الجبهة وفي حال ورود طلب أوكراني بهذا الخصوص (للتدخل العسكري الغربي) وهو أمر لم يحصل بعد، يجب أن نطرح هذه القضية بشكل مشروع»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

كما عدّ في مقابلته مع المجلة البريطانية، أن روسيا «دخلت في منطق الحرب الشاملة»، ويجب منعها من الانتصار في أوكرانيا، وإلا «فلن يكون لدينا أمن في أوروبا».

وأضاف ماكرون أن «استبعاد ذلك (التدخل الغربي المباشر في أوكرانيا) بشكل سابق يعني الفشل في تعلّم دروس العامين الماضيين... في حين استبعدت دول الناتو في البداية إرسال دبابات وطائرات إلى أوكرانيا قبل أن تغير رأيها في النهاية»، وفق قناة «فرانس 24» الفرنسية.

وأثار الرئيس الفرنسي جدلاً في نهاية فبراير (شباط) الماضي عندما أكد أن إرسال قوات غربية إلى الأراضي الأوكرانية لا ينبغي «استبعاده» في المستقبل. وقد برز تحفّظ أغلب الدول الأوروبية، وكذلك الولايات المتحدة، بوضوح على الطرح، على الرغم من أن بعض هذه الدول اتخذ منذ ذلك الحين خطوة في هذا الاتجاه.

أفراد من الجيش الأوكراني في لواء المدفعية المنفصل 55 يطلقون مدفع هاوتزر ذاتي الدفع من طراز قيصر الفرنسي باتجاه القوات الروسية بالقرب من بلدة أفدييفكا في منطقة دونيتسك بأوكرانيا 31 مايو 2023 (رويترز)

تباينات غربية

رداً على سؤال بشأن ما أدلى به ماكرون، اليوم (الخميس)، قال وزير الخارجية المجري، بيتر سيارتو، إن تصريحات ماكرون «تهديدية».

وأوضح سيارتو لقناة «إل سي إي» أنه «في حال نشر قوات أجنبية على الأرض الأوكرانية، سيتسع نطاق الحرب. هذه ليست حربنا، تصعيد النزاع سيكون خطراً للغاية».

وكرر سيارتو موقف بلاده بوجوب «وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات السلام»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ومنذ تصريحات ماكرون الأولى في فبراير الماضي عن احتمال إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا، برزت التباينات مع حلفاء باريس الذين تحفّظوا عموماً على كلام ماكرون، أو جاءت ردة فعلهم عنيفة. فردود الفعل العنيفة من معظم الحلفاء فاجأت السلطة التنفيذية في فرنسا، وفق تقرير «نوفال أبسرفاتور».

وألمانيا، التي استغرقت ثلاثة عقود من الزمن لترسيخ هيمنتها الاقتصادية على أوروبا، وفق التقرير، ليست مستعدة لرؤية هذه الهيمنة تحل محلها الهيمنة العسكرية والاستراتيجية والنووية الفرنسية.

ماكرون يدعو ﻟ«صحوة» أوروبا

على نطاق أوسع، يطرح الرئيس الفرنسي السؤال عن إطار الحاجة إلى تحقيق «مصداقية عسكرية أوروبية»، ووجوب تناولها في النقاش الذي دعا إليه قبل أسبوع في خطابه بجامعة السوربون الفرنسية.

في تلك الكلمة التي عدّت انطلاقة لحملة الانتخابات الأوروبية المقررة في يونيو (حزيران)، حذّر ماكرون من أن «أوروبا يمكن أن تموت».

وشدّد ماكرون في الحوار المنشور اليوم (الخميس) 2 مايو، على أن هذا «الموت» يمكن أن يكون «أكثر وحشية مما نتصور». لكنه أكد أن «الصحوة ممكنة» ولكن يجب أن تكون قوية في مواجهة «الخطر الوجودي المحدق بأوروبا» (العسكري والأمني والاقتصادي والديمقراطي).

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي خطاباً حول أوروبا بجوار شعار «أوروبا قوية» بجامعة السوربون في باريس 25 أبريل 2024 (رويترز)

الأمن القومي الأوروبي

فيما يتعلق بالدفاع، يجب على الأوروبيين أن يجلسوا «حول الطاولة لبناء إطار متماسك»، وفق ماكرون الذي عدّ أن حلف شمال الأطلسي يقدّم إحدى هذه الإجابات.

ويجب أن يتجاوز هذا النقاش الاتحاد الأوروبي، وفق الرئيس الفرنسي الذي يريد «ترسيخ المناقشة في إطار المجموعة السياسية الأوروبية»، عادّاً أنه «سيكون من الخطأ استبعاد البلدان التي ليست في الاتحاد الأوروبي» مثل النرويج والمملكة المتحدة ودول البلقان.

وأكد ماكرون مجدداً أن التفكير يجب أن يشمل أيضاً الأسلحة النووية التي تمتلكها فرنسا والمملكة المتحدة في أوروبا، ويقترح أن يأخذ الشركاء الأوروبيون في الاعتبار هذه «القدرة الفرنسية»، ولكن «من دون تقاسمها».

على الصعيد الاقتصادي، وقبل زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى فرنسا، الاثنين والثلاثاء القادمين، دعا ماكرون أوروبا إلى الدفاع عن «مصالحها الاستراتيجية» و«قضايا الأمن القومي» باسم «المعاملة بالمثل» في العلاقات التجارية مع بكين.

وقال: «هناك العديد من القطاعات التي تشترط الصين أن يكون منتجوها صينيين، لأنها حساسة للغاية. يجب علينا نحن الأوروبيين أن نكون قادرين على فعل الشيء نفسه».

وفيما يتعلق بالخوف على الديمقراطية، شدّد الرئيس الفرنسي على أن «أفضل طريقة للبناء معاً هي أن يكون لدينا أقل عدد ممكن من القوميين».

وأضاف: «أقول للأوروبيين: استيقظوا... جميع القوميين الأوروبيين مؤيدون خفيون لبريكست» (أي الخروج من الاتحاد الأوروبي)، مشيراً خصوصاً إلى اليمين المتطرف الفرنسي.

جنود أوكرانيون من كتيبة «أكيليس» من اللواء 92 بالجيش الأوكراني يستعدون لإجراء رحلات تجريبية بطائرة مسيّرة في منطقة دونيتسك بأوكرانيا 30 أبريل 2024 (أ.ف.ب)

خبراء غربيون في الميدان الأوكراني

رغم أن الجيوش الغربية لا توجد في أوكرانيا لقتال الروس، لكن تقارير سابقة أشارت إلى وجود للخبراء الغربيين في الميدان الأوكراني. فعلى سبيل المثال، لم يتم إنكار المعلومات الواردة من مجلة «غلوب آند لوريل» البريطانية بشأن وجود 350 من مشاة البحرية الملكية في أوكرانيا. كذلك لدى وكالة المخابرات المركزية الأميركية اثنتا عشرة قاعدة هناك، دون احتساب تلك التابعة لجهاز المخابرات البريطاني (MI6)، حسبما كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في نهاية فبراير. ومن بين 20 ألف متطوع دولي انضموا إلى صفوف أوكرانيا، قاتل جنود فرنسيون سابقون، بموافقة باريس. أما وزير القوات المسلحة سيباستيان ليكورنو فقد أعلن عن إرسال خبراء أسلحة وصناعيين لإنتاج قطع غيار الطائرات المسيّرة ومعدات عسكرية برية في أوكرانيا، حسب تقرير «نوفال أبسرفاتور».

طائرة رافال... المقاتلة الفرنسية متوقفة على المدرج في محطة للقوات الجوية في أمبالا بالهند 10 سبتمبر 2020 (رويترز)

تجنباً لمواجهة نووية

على مدى عامين، وبسبب التخوف من ردود الفعل الروسية نتيجة الانخراط الغربي إلى جانب أوكرانيا وما يعني ذلك من احتمال نشوب صراع مباشر بين روسيا والغرب يهدد بخطر مواجهة نووية مدمرة على طرفي النزاع، ماطل الأوروبيون في تسليم الإمدادات الاستراتيجية إلى كييف: الدبابات، والصواريخ بعيدة المدى، ثم الطائرات، التي لن تصل إلى أوكرانيا قبل شهر يوليو (تموز) المقبل، وفق تقرير «نوفال أبسرفاتور». لكن المشكلة صناعية في المقام الأول بالنسبة لتأخر أوروبا في تسليم الذخيرة إلى أوكرانيا. فعلى الرغم من أن فرنسا أصبحت ثاني أكبر مورد للأسلحة في العالم، وفقاً لمعهد سيبري للأبحاث، وأن الاتحاد الأوروبي لديه سبع دول من أكبر خمس عشرة دولة مورّدة للأسلحة، فإن الدول الأعضاء في الاتحاد أثبتت عدم قدرتها على إمداد أوكرانيا بالذخيرة اللازمة بسبب النقص في الإنتاج؛ حيث إن مصانع الأسلحة الأوروبية ما زالت غير جاهزة لتلبية الحاجة الكبيرة لكييف من الذخيرة بسبب كمية الاستهلاك الهائلة للذخائر على جبهات القتال في أوكرانيا.

ويحذّر أحد كبار الدبلوماسيين الغربيين، حسب تقرير «نوفال أبسرفاتور» من أن «انتصار روسيا في أوكرانيا ستكون له عواقب لا تحصى على أمن أوروبا؛ من الناحية الاستراتيجية، وتراجع مصالحنا، وتضحيات المستقبل». ويضيف: «سيكون علينا بعد ذلك تخصيص 4 في المائة من الميزانية للدفاع - بدل 2 في المائة التي يطالب بها الناتو الدول الأعضاء بالحلف - نحن ندخل عالماً مختلفاً».


مقالات ذات صلة

حزب «فرنسا الأبية» يسعى إلى تأمين دعم برلماني لعزل ماكرون

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

حزب «فرنسا الأبية» يسعى إلى تأمين دعم برلماني لعزل ماكرون

طلب حزب «فرنسا الأبية» اليساري من المجموعات البرلمانية الأخرى دعم محاولته، التي يبدو أنها بعيدة المنال، لعزل الرئيس إيمانويل ماكرون بسبب «إخفاقات خطيرة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا سرب من طائرات رافال لسلاح البحرية الفرنسي فوق العاصمة الفرنسية بمناسبة العيد الوطني للبلاد (أ.ف.ب)

ماكرون يروج لصفقة دفاعية فرنسية إلى صربيا ويكثف البحث عن رئيس للحكومة الجديدة

الرئيس الفرنسي يدافع عن خيار تسليح صربيا بصفقة طائرات رافال قيمتها 3 مليارات يورو ويجهد في البحث عن شخصية يكلفها تشكيل حكومة جديدة.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحافي في بلغراد (أ.ب)

ماكرون يدافع عن قرار منح مؤسس «تلغرام» الجنسية الفرنسية

دافع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس، عن قرار منح الجنسية الفرنسية لمؤسس تطبيق «تلغرام» بافيل دوروف الذي أوقف في فرنسا نهاية الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (بلغراد)
أوروبا العلم الفرنسي إلى جانب العلم الصربي يزينان القصر الجمهوري (أ.ف.ب)

ماكرون يبدأ زيارة رسمية لصربيا تاركاً الأزمة السياسية في باريس وراءه

الأزمة السياسية في فرنسا متواصلة والرئيس ماكرون لم يعثر بعد على الحل السحري لتشكيل حكومة جديدة ويبدأ زيارة لصربيا

ميشال أبونجم (باريس)
المشرق العربي دبابات إسرائيلية على الحدود مع غزة (رويترز)

ماكرون وستارمر: ندعو جميع الأطراف إلى تهدئة الوضع في الشرق الأوسط

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم الخميس بعد لقاء رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في باريس إنهما ناقشا الحاجة إلى خفض التصعيد في الشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (باريس )

أوستن يخاطب أوميروف: لا يخطئن أحد... لن نتنازل عن دعم أوكرانيا حرة وذات سيادة

مواطنون روس نازحون من منطقة كورسك يتلقون مساعدات من السلطات الروسية (إ.ب.أ)
مواطنون روس نازحون من منطقة كورسك يتلقون مساعدات من السلطات الروسية (إ.ب.أ)
TT

أوستن يخاطب أوميروف: لا يخطئن أحد... لن نتنازل عن دعم أوكرانيا حرة وذات سيادة

مواطنون روس نازحون من منطقة كورسك يتلقون مساعدات من السلطات الروسية (إ.ب.أ)
مواطنون روس نازحون من منطقة كورسك يتلقون مساعدات من السلطات الروسية (إ.ب.أ)

وسط احتدام الجدل حول قضية رفع القيود على استخدام أوكرانيا لأسلحتها الصاروخية بعيدة المدى التي تقدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها، لضرب عمق الأراضي الروسية، بدا أن «الضغوط» التي تتوالى على واشنطن قد تنجح أخيراً في إقناع إدارة الرئيس جو بايدن برفعها.

وبحسب وسائل إعلام أميركية، فإن مجيء وزير الدفاع الأوكراني، رستم أوميروف، إلى واشنطن لم يكن ليتم من دون موافقة «مسبقة» من المسؤولين الأميركيين، و«انفتاحهم» على مناقشة الأفكار الأوكرانية، سواء ما يتعلق منها بأهداف العملية في كورسك الروسية، أو بالحاجة لرفع القيود على استخدام الأسلحة، رغم عدم صدور موقف «واضح» من هذه القضية.

وزير الدفاع الأوكراني رستم أوميروف والأميركي لويد أوستن (رويترز)

 

لا تنازل عن دعم أوكرانيا

ومساء الجمعة، التقى وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، بأوميروف في البنتاغون، حيث أكد على التزام الولايات المتحدة الدائم بدعم أوكرانيا. وأدان أوستن الهجمات الروسية على البنية التحتية المدنية الحيوية في أوكرانيا، وقال إن الولايات المتحدة ستواصل قيادة الحلفاء والشركاء في تقديم القدرات الأساسية لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها. وأضاف: «دعوني أكون واضحاً، ليس من المقبول أبداً استهداف المدنيين، صمود أوكرانيا واستمراره سيساعدها في التغلب على عدوان بوتين وفظائعه». وأضاف: «إنهم يواصلون صد هجوم الكرملين وإلحاق خسائر فادحة بالغزاة الروس». «لذا، لا يخطئن أحد، فإن الولايات المتحدة لن تتنازل عن دعمها لأوكرانيا حرة وذات سيادة».

مناقشة أهداف كييف

وتطرق أوستن إلى الاجتماع المقبل لمجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية الذي سيعقد الأسبوع المقبل في قاعدة رامشتاين الجوية بألمانيا، وقال إن الشركاء سيعملون خلال الاجتماع على تلبية احتياجات أوكرانيا العاجلة في ساحة المعركة، بما في ذلك قدرات الدفاع الجوي لدرء الهجمات الروسية بطائرات من دون طيار والهجمات الصاروخية.

وقال الوزير الأوكراني أوميروف إن اجتماع اليوم تضمن مناقشات تفصيلية حول الوضع الحالي في ساحة المعركة و«رؤية أوكرانيا وأهدافها وخططها». وفيما شكر أوستن على قيادته المستمرة لحشد التحالف الدولي للدفاع عن أوكرانيا، قال أوميروف: «لقد ضربت قيادة الولايات المتحدة مثالاً قوياً لتشجيع الشركاء الآخرين على الوقوف إلى جانب أوكرانيا في هذا الوقت الحرج».

ضغوط أوروبية جديدة

بيد أن ما عزز من التوقعات بأن تنجح حملة الضغوط لرفع القيود، هو انضمام المزيد من المسؤولين الأوروبيين إلى الجوقة المتزايدة التي تحض أميركا والحلفاء على رفع جميع القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا للأسلحة التي يزودها الغرب بها. وكان آخرهم الرئيس التشيكي بيتر بافيل، وهو جنرال متقاعد شغل أيضاً منصباً رفيع المستوى في حلف الناتو، والذي قال «إن الأوكرانيين يستحقون يداً أكثر حرية للدفاع عن بلادهم».

وقال بافيل خلال مشاركته في المؤتمر الأمني الذي انعقد في براغ: «أعتقد أن ما نحتاج إليه هو تمكين أوكرانيا من الاستخدام الكامل لإمكانات الأسلحة التي توفرها الدول الغربية». وأضاف: «ما أعنيه هو عدم فرض أي قيود على استخدام الطائرات والصواريخ وما إلى ذلك، لأن أوكرانيا تحتاج إلى استخدامها لتكون ناجحة في الدفاع عن النفس».

وكررت تصريحات بافيل دعوة مماثلة ومتزامنة تقريباً من قبل منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي المنتهية ولايته، جوزيب بوريل، إلى اجتماع غير رسمي لوزراء دفاع الاتحاد في بروكسل. وقال بوريل إن كييف لها الحق في استهداف الأماكن التي تتعرض للهجوم منها. وأضاف «لا أحد يريد» الحرب مع روسيا. لكن ضع نفسك مكان الأوكرانيين: الروس يقصفونك من مكان لا يمكنك الوصول إليه. وتود القتال على قدم المساواة، «من السخافة» القول إن السماح باستهداف أراضي روسيا يعني شن حرب مباشرة ضد موسكو.

الطقس سمح بالتقدم الروسي

ودعا المسؤولون الأوكرانيون، بما في ذلك الرئيس فولوديمير زيلينسكي، مراراً وتكراراً حلفاء أوكرانيا إلى اتخاذ «إجراءات حاسمة» والسماح لأوكرانيا بضرب أهداف عسكرية أعمق داخل روسيا. ويقول مسؤولون أوكرانيون إنه رغم تسليم أسلحة جديدة تساعد في تعزيز القتال، فإن قواتهم لا تزال في وضع غير مؤاتٍ بسبب القيود التي يفرضها الغرب.

لكن كييف تعرضت لانتقادات عدة جراء عمليتها العسكرية في كورسك التي قالت إنها ستعزز يدها في أي مفاوضات مستقبلية. وعد العديد من الخبراء أن سحبها لقواتها القتالية المحترفة من مناطق القتال شرق البلاد سمح لروسيا بتحقيق تقدم متواصل هناك. لكن الرئيس التشيكي بافيل قال إنه يعتقد أن التقدم السريع الذي أفادت التقارير بأن روسيا قد حققته في الآونة الأخيرة بالقرب من مدينة بوكروفسك الأوكرانية الاستراتيجية لم يكن له صلة بنقل تلك القوات الأوكرانية. وقال إن أي نجاح روسي هناك من المرجح أن يكون نتيجة للطقس المناسب.

وأعلن المكتب الرئاسي في كييف الجمعة أن الرئيس الأوكراني أقال قائد القوات الجوية ميكولا أوليشوك بعد تحطم مقاتلة أميركية طراز إف-16 ومقتل قائدها. وقال زيلينسكي في خطابه المسائي المصور بالفيديو: «قررت إقالة قائد القوات الجوية الأوكرانية». ولم يكشف بشكل رسمي عن سبب إقالة أوليشوك، ولكن على ما يبدو أن لذلك صلة بتحطم المقاتلة إف-16. وأكدت هيئة الأركان العامة الأوكرانية الخميس أن واحدة من الطائرات القليلة من طراز إف-16 التي تسلمتها مؤخراً فقدت أثناء غارة جوية روسية مكثفة.

زيلينسكي في مؤتمر صحافي... وتظهر خلفه المقاتلة «إف - 16» (أ.ب)

وانتقد أوليشوك على قناته على تطبيق «تلغرام» الجمعة نائبة في البرلمان ألقت بظلال من الشك على الرواية الرسمية لتحطم المقاتلة.

وقال إنها تشجع الدعاية الروسية وهدد بمقاضاتها أمام المحكمة، مضيفاً أنه سيتم التحقيق في فقدان الطائرة، بالتعاون أيضاً مع الولايات المتحدة، الدولة التي صنعتها.

ضربات متبادلة

أعلنت وزارة الدفاع الروسية السبت عن تدمير مستودع للذخيرة وقتل 35 عسكرياً أوكرانياً في عمليتين منفصلتين في مقاطعة سومي شمال شرقي أوكرانيا. ونشرت الوزارة مقطع فيديو يوثق عملية تدمير مستودع تابع للقوات المسلحة الأوكرانية في المقاطعة، بحسب «وكالة سبوتنيك» الروسية للأنباء.

 

قالت وزارة الدفاع الروسية السبت إن قواتها سيطرت على بلدة كيروفه في منطقة دونيتسك بشرق أوكرانيا. وتحقق روسيا مكاسب تدريجية في دونيتسك في وقت تسعى فيه القوات الأوكرانية إلى التقدم في منطقة كورسك الروسية بعد اجتياح مباغت عبر الحدود في السادس من أغسطس (آب) الجاري.

قال فياتشيسلاف جلادكوف حاكم منطقة بيلغورود بجنوب غربي روسيا إن خمسة أشخاص قتلوا وأصيب 46 آخرون في هجوم أوكراني على مدينة بيلغورود بالمنطقة في وقت متأخر من مساء الجمعة، وهو الأحدث في سلسلة هجمات أوكرانية على المدينة خلال شهور. وقال سلاح الجو الأوكراني السبت إن الدفاعات الجوية أسقطت 24 من أصل 52 طائرة مسيرة أطلقتها روسيا في هجمات خلال الليلة الماضية على ثماني مناطق بأنحاء أوكرانيا.