ماكرون يُمهّد لنقاش واسع حول قوة الردع النووية الأوروبية

ربط قوة الردع النووية الفرنسية بأبعاد أوروبية أوسع

يستعد ماكرون لطرح نقاش حول قوة الردع النووية الأوروبية في 25 أبريل (أ.ب)
يستعد ماكرون لطرح نقاش حول قوة الردع النووية الأوروبية في 25 أبريل (أ.ب)
TT

ماكرون يُمهّد لنقاش واسع حول قوة الردع النووية الأوروبية

يستعد ماكرون لطرح نقاش حول قوة الردع النووية الأوروبية في 25 أبريل (أ.ب)
يستعد ماكرون لطرح نقاش حول قوة الردع النووية الأوروبية في 25 أبريل (أ.ب)

عاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليدافع عن الحاجة لبناء دفاع أوروبي فاعل، مؤكداً أنه سيطلق في المستقبل القريب نقاشاً على المستوى الأوروبي. وقال في حوار مع مجموعة من الشباب الأوروبيين في مدينة ستراسبورغ، بمبادرة من المجموعة الصحافية «إبرا» الناشطة في قطاع الصحافة الإقليمية والمحلية، إنه «يؤيد إطلاق هذا النقاش الذي يجب أن يشمل الدفاع المضادّ للصواريخ، وعمليّات إطلاق أسلحة بعيدة المدى، والسلاح النووي لدى الذين يملكونه، أو الذين لديهم سلاح نووي أميركي على أراضيهم». وتابع: «دعونا نضع كلّ شيء على الطاولة، وننظر إلى ما يحمينا حقاً بطريقة موثوق بها».

بيد أنه حرص على الإشارة إلى أن فرنسا، الدولة النووية الوحيدة داخل الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا منه عام 2020، «ستحافظ على خصوصيّتها، لكنّها مستعدّة للمساهمة بشكل أكبر في الدفاع عن الأراضي الأوروبّية».

غموض طرح ماكرون

ليست جديدة مطالبة ماكرون ببناء دفاع أوروبي قوي؛ فهذه الدعوة شكّلت المحور الذي دار حوله الخطاب الذي ألقاه يوم الخميس الماضي في جامعة السوربون، والذي دافع فيه عن ضرورة التوصل إلى «مفهوم استراتيجي للدفاع الأوروبي يكون متمتّعاً بالمصداقية». ووفق الرئيس الفرنسي، فإن التطورات الدولية والحرب الروسية على أوكرانيا و«وجود جار عدواني (روسيا) لا حدود لعدوانيته ويمتلك قدرات باليستية ونووية»، يتعيّن أن تدفع الأوروبيين إلى بناء «إطار لأمنهم الجماعي»، بحيث تتشكل منه «الركيزة الأوروبية داخل الحلف الأطلسي».

ماكرون خلال إلقاء خطابه في جامعة السوربون التاريخية حيث دعا لبناء دفاع أوربي قوي في 25 أبريل (إ.ب.أ)

وفي ستراسبوغ، قال ماكرون إن فاعلية الدفاع الأوروبي «تعني أيضاً امتلاك صواريخ بعيدة المدى من شأنها ردع الروس. وهناك السلاح النووي، والمبدأ الفرنسي هو أننا نستطيع استخدامه عندما تتعرّض مصالحنا الحيويّة للتهديد. وسبق أن قلت إنّ هناك بُعداً أوروبّياً لهذه المصالح الحيويّة، من دون أن أخوض في تفاصيلها».

وما سبق استكمال لما كان قد أعلنه في خطاب السوربون، حيث شدّد على أن «الردع النووي هو في الواقع في صلب استراتيجيّة الدفاع الفرنسيّة، وبالتالي فهو في جوهره عنصر أساسي في الدفاع عن القارّة الأوروبّية». ومن هذا المنطلق، لا يرى ماكرون أن السعي لدفاع أوروبي فاعل يمكن أن يقوم من غير الضمانة الأمنية التي توفّرها القدرات النووية، ما يُحمّل فرنسا مسؤولية خاصة في هذا المجال، وهي «مستعدة لكي تلعب تماماً هذا الدور».

النموذج الدفاعي الفرنسي

لا يتردّد ماكرون في الإشادة بالنموذج الدفاعي وبالجيش الفرنسيين، حيث الهدف «أن يكون الجيش الأكثر كفاءة على القارة الأوروبية، وحيث فرنسا تمتلك السلاح النووي أي قوة الردع المرتبطة به التي تشكل قلب الإستراتيجية الدفاعية الفرنسية». والخلاصة التي يصل إليها ماكرون هي أن قوة الردع الفرنسية هي «في الجوهر، العنصر الذي لا محيد عنه للدفاع الأوروبي. وبفضل هذا الدفاع الموثوق به، يمكن توفير الضمانات الأمنية التي ينتظرها شركاؤنا في كل أنحاء أوروبا، والتي ستشكّل إطاراً لأمننا المشترك والضامن لأمن كل طرف».

وأخيراً، يرى الرئيس الفرنسي أن توافر هذا المعطى الأمني من شأنه أن يسهم في بناء علاقات الجوار مع روسيا.

قوة ردع مستقلة

تتعين الإشارة إلى أن فرنسا، بدفعة من الجنرال ديغول، أطلقت برنامجها النووي منذ عام 1945، أي مباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي شهدت أول استخدام للسلاح النووي الأميركي ضد اليابان في هيروشيما وناغازاكي. وسعت باريس، مع تعاقب العهود يميناً ويساراً، إلى امتلاك قوة ردع نووية مستقلة. ووفق تقرير المعهد الدولي لبحوث السلام في استوكهولم، فإن فرنسا تمتلك 300 رأس نووي، مقابل 6200 رأس لروسيا، و5550 للولايات المتحدة، فيما تملك بريطانيا 225 رأساً نووياً.

بيد أن الولايات المتحدة، في إطار الحلف الأطلسي، عمدت إلى نشر أسلحة نووية تكتيكية في 4 دول داخل الاتحاد الأوروبي، وهي: ألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا، حيث مقرّ الحلف الأطلسي، إضافة إلى تركيا. وفي حواره مع الشباب في ستراسبورغ، أشار ماكرون إلى الدول الأوروبية التي «لديها سلاح نووي أميركي على أراضيها» كجزء من منظومة الردع النووي، إلى جانب قوة الردع الفرنسية والمفترض بها أن تكون عماد الردع للجناح الأوروبي للحلف الأطلسي.

3 أسئلة محورية

يثير طرح ماكرون كثيراً من التساؤلات وعلامات الاستفهام. ذلك أنه، من جهة، يربط اللجوء إلى السلاح النووي بـ«تعرّض المصالح الحيوية الفرنسية للتهديد». ومن جهة ثانية، يؤكّد وجود «بُعد أوروبّي لهذه المصالح الحيويّة»، التي يرفض الخوض في تسميتها وفي تفاصيلها. وليس من شأن هذا الطرح أن يُريّح أو يطمئن الأوروبيين، ما يعني عملياً الحاجة لمناقشات شاقة أولاً لتعيين المقصود بـ«البعد الأوروبي للمصالح الحيوية»، التي تفتح الباب للجوء لقوة الردع الفرنسية، ولتعيين الجهة التي تعود إليها صلاحية البت بذلك. ثم، هل يعني كلام الرئيس الفرنسي أن باريس مستعدة لمشاركة الأطراف الأوروبية في اتخاذ قرارات من هذا النوع، بمعنى تشارك السيادة على ما يشكل قلب القوة العسكرية الفرنسية؟

المستشار الألماني أولاف شولتس يتحدث بمناسبة تجمع انتخابي في مدينة هامبورغ (د.ب.أ)

أما السؤال الثاني، فيتناول كيفية تحديد الظروف التي تتيح اللجوء إلى الأسلحة النووية التكتيكية المنشورة في الدول الأوروبية الأربع. والحال أن أمراً كهذا لا يمكن أن يحدث من غير قرار أميركي، على أساس أن الأسلحة أميركية، ويصعب تخيل أن واشنطن يمكن أن تسمح باللجوء إلى استخدامها من غير ضوء أخضر منها، وبالتالي ثمّة صعوبة في الحديث عن قوة ردع أوروبية مستقلة ما دام القرار النهائي يعود إلى الجانب الأميركي.

ويدور التساؤل الثالث حول مدى تقبل الدول الأوروبية الكبرى، مثل ألمانيا وبولندا وإيطاليا وإسبانيا، للريادة الفرنسية في مجال الردع النووي، وأن يكون جزء من القرار في باريس.

وليس سرّاً أن كثيراً من الدول الأوروبية لا تريد مقايضة المظلة النووية الأميركية - الأطلسية بمظلة فرنسية - أوروبية غير موجودة عملياً. ولأن الوضع على ما هو عليه، فقد عدّل ماكرون مقاربته لما يسميه «الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية»، التي لم تعد بديلاً عن الحلف الأطلسي، ولكن «إلى جانبه». ومن شأن هذا التعديل أن يريح عدداً من الدول الأوروبية التي يمكن أن تواكب فرنسا في مشروعها.

حقيقة الأمر أن تحقيق مشروع كهذا سيحتاج لسنوات، بيد أنه يتعيّن النظر لخطة ماكرون ككل، والسلاح النووي أحد مكوناتها الذي يمكن أن يأتي في المرحلة الأخيرة تتويجاً لعملية بناء الدفاع الأوروبي المتكامل. ولا شك أن الغموض الذي يحيط بمصير الانتخابات الرئاسية الأميركية، واحتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، يمكن أن يشكل عاملاً يدفع بالمقاربة الفرنسية إلى الأمام.


مقالات ذات صلة

مرشح موالي لروسيا يتصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا

أوروبا كالين جورجيسكو المرشح لمنصب الرئيس يتحدث لوسائل الإعلام في بوخارست (ا.ب)

مرشح موالي لروسيا يتصدر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا

أثار مرشح مؤيد لروسيا مفاجأة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا، بحصوله على نتيجة متقاربة مع تلك التي حققها رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)
الاقتصاد الأمانة العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تصفق بحرارة في الجلسة الختامية لمؤتمر «كوب 29» (د.ب.أ)

«كوب 29»: مضاعفة التمويل المناخي إلى 300 مليار دولار

بعد أسبوعين من النقاشات الحامية، انتهى مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية (كوب 29)، باتفاق على مضاعفة التمويل المتاح لمساعدة الاقتصادات النامية.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الخليج وزير الدولة السعودي خلال اجتماعه مع أعضاء اللجنة السياسية والأمنية والممثل الخاص للاتحاد الأوروبي (واس)

نقاشات سعودية - أوروبية تتناول جهود حل النزاعات الإقليمية والدولية

شهدت العاصمة الرياض، الأحد، مناقشات سعودية - أوروبية تناولت جهود الجانبين في حل النزاعات الإقليمية والدولية وأوجه التعاون والتنسيق المشترك في العديد من المجالات

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)

بوريل: لبنان على شفير الانهيار

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الأحد، من بيروت، بأن لبنان بات «على شفير الانهيار»، بعد شهرين من المواجهة المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الاقتصاد رئيس «كوب 29» مختار باباييف يصفق خلال الجلسة العامة الختامية لقمة الأمم المتحدة للمناخ (أ.ب)

«كوب 29» يسدل ستاره بالاتفاق على تمويل مناخي بـ300 مليار دولار

اتفقت دول العالم، بعد أسبوعين من المفاوضات الشاقة، على هدف تمويل سنوي بقيمة 300 مليار دولار لمساعدة الدول الأكثر فقراً على مواجهة آثار تغير المناخ.

«الشرق الأوسط» (باكو)

البنتاغون: صاروخ بوتين لن يغير مسار حرب أوكرانيا

صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)
صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)
TT

البنتاغون: صاروخ بوتين لن يغير مسار حرب أوكرانيا

صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)
صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)

قلَّلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من أهمية الهجوم الذي نفذته روسيا، الخميس، ضد أوكرانيا، بصاروخ باليستي تجريبي جديد. كما أكدت أنْ لا شيء يدعو إلى تغيير جهوزيتها أو عقيدتها النووية، رداً على تغيير روسيا عقيدتها.

وقال مسؤول دفاعي أميركي إنَّ بلاده تجري تحليلاً دقيقاً للصاروخ الجديد الذي استخدمته روسيا، مقللاً في الوقت ذاته من احتمال أن «يغير مسار الحرب».

وبعد يوم من التكهنات حول نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا، قالت وزارة الدفاع الروسية إنها استخدمت صاروخاً «باليستياً» متوسط ​​المدى من طراز «أوريشنيك» لأول مرة في أعمال قتالية في استهدافها مجمعاً صناعياً عسكرياً في أوكرانيا.

وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن روسيا لم تكن ملزمةً بتحذير الولايات المتحدة بشأن الضربة، ومع ذلك أبلغتها قبل 30 دقيقة من الإطلاق.