يقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بزيارة دولة إلى البرازيل، بدءاً من الثلاثاء، هي الأولى من نوعها إلى هذا البلد الأكبر في أميركا اللاتينية والذي تراجعت علاقات بلاده معه خلال ولاية الرئيس السابق خايير بولسونار الآتي من صفوف اليمين المتطرف.
وجاء في بيان للرئاسة الفرنسية، أن الزيارة «ستوفر الفرصة للرئيسين، الفرنسي والبرازيلي، لإعطاء دفعة (جديدة) لدينامية تعزيز علاقات بلديهما بالنظر للأزمات الدولية التي تتطلب توثيق شراكتهما الاستراتيجية». وبحسب الإليزيه، فإن محادثات الرئيسين ستتناول الملفات الاستراتيجية والتعاون بين باريس وبرازيليا إزاء التحديات العالمية وعلى رأسها المناخ، وأخيراً تعزيز العلاقات الاقتصادية. ونوّه الإليزيه باستضافة البرازيل لقمة مجموعة العشرين الخريف المقبل وقمة المناخ في مدنية بيليم الواقعة في قلب الغابات الأمازونية في العام 2025. وقالت المصادر الرئاسية إن ماكرون والرئيس البرازيلي لويس إنياسيو دا سيلفا الملقب بـ«لولا» ستكون لهما الفرصة للقاءات عديدة في الأشهر المقبلة منها بمناسبة زيارتين لاحقتين لماكرون بمناسبة قمة العشرين والقمة المناخية. ومن المؤشرات التي تدل على اهتمام لولا بزيارة ماكرون، أنه قطع 1500 كلم لاستقبال ضيفه الفرنسي، وستتوفر الفرصة للرئيسين لعقد مجموعة لقاءات للتباحث التي ستشمل، إلى جانب العلاقات الثنائية الملفين الساخنين، وهما الحرب الأوكرانية وحرب غزة. ولا تخفي المصادر الفرنسية تباعد المقاربات بين باريس وبرازيليا إزاءهما، وتؤكد أن ماكرون سيسعى لتقريب المواقف، في حين ترى مصادر أخرى أن للرئيسين مصلحة سياسية داخلية في إبراز قرابتهما.
تشدد باريس على وجود «علاقات تاريخية» بين الطرفين، وعلى أن الهدف الأول من الزيارة الرسمية والطويلة زمنياً فتح «صفحة جديدة» من العلاقات الديبلوماسية والتعاون بعد الصفحة الأليمة التي عرفتها باريس وبرازيليا زمن بولسونارو الذي لم يتردد في توجيه الإهانات والشتائم للرئيس الفرنسي وعقيلته بسبب تعليقات فرنسية بخصوص الغابات الأمازونية. وترى باريس أنها اليوم سعيدة بوجود «شريك أساسي لمواجهة التحديات الشاملة»، وأن العمل مع لولا يندرج في مساعي ماكرون للتعامل مع كبريات الدول الناشئة ومنها البرازيل. من هنا، فإن زيارة الدولة تعد مهمة جداً لماكرون الذي دأب على السعي لإقامة علاقات وثيقة مع هذه الدول
تعد البرازيل الشريك التجاري والاقتصادي الأول لفرنسا في أميركا اللاتينية والتاسع على مستوى العالمي وتبلغ المبادلات التجارية 8 مليارات في العام. كذلك، فإن الاستثمارات الفرنسية المباشرة في الاقتصاد البرازيلي تصل إلى 40 مليار يورو، حيث إن 1150 شركة فرنسية تعمل في البرازيل، وهي توفر فرص عمل لـ500 ألف شخص. وتعمل الشركات الفرنسية بشكل خاص في قطاعات الطاقة النووية والنقلة البيئوية والطاقات المتجددة والاقتصاد عديم الكربون... وبسبب أهمية العلاقات الاقتصادية المتنوعة؛ فإن منتدى للأعمال سيلتئم بمناسبة الزيارة الذي سيلقي فيه ماكرون كلمة الختام. وترافق الرئيس الفرنسي بعثة اقتصادية كبيرة بينما يقتصر الحضور الوزاري على اثنين، هما وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه ووزيرة الدولة المكلفة شؤون التنمية والشراكات. وسيتم التوقيع في القصر الرئاسي البرازيلي على مجموعة من الاتفاقات الاقتصادية بين الطرفين.
تعود آخر زيارة دولة فرنسية إلى البرازيل إلى عام 2013. ويرى مراقبون في العاصمة الفرنسية أن ماكرون، خلال السنوات السبع الأخيرة لم يعر أميركا اللاتينية الأهمية التي تستحقها، خصوصاً بالنسبة لبدان رئيسية مثل البرازيل أو المكسيك. إلا أن خلافاً مع بولسونارو دفعه إلى استقبال لولا في قصر الإليزيه في شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022 قبل الانتخابات التي أعادته إلى القصر الرئاسي. وعاد ماكرون واستقبله رئيساً صيف العام التالي بمناسبة المؤتمر الدولي حول التنمية والديون الذي استضافته باريس.
رغم تقارب مواقف البلدين، فإنهما يتبعان خطين متباعدين بشأن الحربين اللتين يعرفهما العالم في الوقت الحاضر. فالنسبة للحرب الأوكرانية، لا يتردد ماكرون في تأكيد الوقوف إلى جانب أوكرانيا والسعي لمنع روسيا من تحقيق الانتصار ميدانياً، لا، بل يدعو إلى «إلحاق الهزيمة» بها، ولا يستبعد إرسال قوات غربية إلى ألأراضي الأوكرانية. وبالمقابل، فإن مواقف لولا بعيدة لسنوات ضوئية عن مواقف ماكرون. فمن جهة، يحمّل الرئيس البرازيلي أوكرانيا جانباً من المسؤولية في الحرب الدائرة. والأهم، أنه يدعو إلى تشكيل «مجموعة دولية من أجل السلام» ويحض الطرفين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. كذلك، ثمة اختلاف في المقاربات بشأن الحرب في غزة. فمن جهة، يحاول ماكرون التزام «موقف وسطي» من الحرب بعد مواقف أولى كشفت عن انحيازه إلى جانب إسرائيل. أما لولا، فإنه على خلاف مفتوح مع السلطات الإسرائيلية فهو يرى أن ما تقوم به إسرائيل في القطاع «حرب إبادة»، وهي تشبه «المحرقة» اليهودية وليست حرباً بين جيشين، بل هي «حرب بين جيش (إسرائيلي) بالغ التدريب وبين نساء وأطفال». ومن جانبها، أعلنت إسرائيل أن لولا شخص «غير مرغوب فيه» واستدعت السفير البرازيل للاحتجاج على تصريحات رئيسه ورأت أن على لولا أن «يشعر بالخجل بسبب تصريحاته».
بدورها استدعت الخارجية البرازيلية السفير الإسرائيلي للاحتجاج على تصريحات بنيامين نتنياهو كما استدعت سفيرها في تل أبيب للتشاور.
ولعل ما يمكن أن يشكل نقطة تقارب بين ماكرون ولولا هي المواقف التي أخذ الأول الالتزام بها في الأسابيع الأخيرة ودعواته المتواصلة لوقف لإطلاق النار. ويشكل القرار الصادر الاثنين عن مجلس الأمن الخطوة الأولى في هذا السياق وما ينقصه هو العمل به.