الاستخبارات الروسية تُكثّف نشاطها في أوروبا

تسريب محادثة الضباط الألمان أثار قلقاً واسعاً في صفوف الحلفاء الغربيين

بوتين مصافحاً وزير الدفاع سيرغي شويغو في 7 مارس (إ.ب.أ)
بوتين مصافحاً وزير الدفاع سيرغي شويغو في 7 مارس (إ.ب.أ)
TT

الاستخبارات الروسية تُكثّف نشاطها في أوروبا

بوتين مصافحاً وزير الدفاع سيرغي شويغو في 7 مارس (إ.ب.أ)
بوتين مصافحاً وزير الدفاع سيرغي شويغو في 7 مارس (إ.ب.أ)

بعد سلسلة من الإخفاقات في بداية حرب أوكرانيا، كثّفت الاستخبارات الروسية نشاطها في أوروبا عبر توسيع شبكة عملائها وتصعيد حدّة «الحرب الإعلامية».

وانعكس هذا التصعيد بشكل واضح في تسريب روسيا محادثة سرية بين ضباط ألمان بشأن المساعدات العسكرية لكييف، ما أثار عاصفة انتقادات ألمانية للمؤسسة العسكرية، واستياء بعض حلفاء برلين الغربيين كما ذكرت «وكالة الصحافة الفرنسية». وبثّت قنوات روسية تسجيل اجتماع مدته 38 دقيقة في 1 مارس (آذار) بين ضباط ألمان يناقشون إمكان تسليم صواريخ «توروس» بعيدة المدى إلى كييف. وأثارت هذه الواقعة استياءً لدى حلفاء ألمانيا، وفضيحة على مستوى الدولة الألمانية. وأوضح وزير الدفاع الألماني أن أحد المشاركين كان موجوداً في سنغافورة للمشاركة في معرض للطيران، وشارك في الاجتماع عبر «اتصال غير مصرّح به»، ما أدّى إلى اعتراض أنظمة التنصّت الروسية لهذه المناقشات، مشيراً إلى «خطأ فردي».

نكسات متتالية

تكبّدت روسيا سلسلة نكسات في بداية حربها على أوكرانيا. فقد شهدت السنة الأولى من النزاع في أوكرانيا «حملات طرد جماعي» لجواسيس روس كانوا يعملون تحت غطاء دبلوماسي في أوروبا، ويقدّر عددهم بالمئات. وقال الصحافي الاستقصائي، أندريه سولداتوف، مؤسس موقع «أغينتورا. رو» (Agentura.ru) إنه «كان لذلك تأثير على العمليات» الروسية.

مناورات للقوات المسلحة الروسية في منطقة روستوف بروسيا 3 فبراير 2022 (رويترز)

إلى ذلك، أساء جهاز الاستخبارات العسكرية وجهاز الأمن الفيدرالي (إف إس بي) وارث الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي)، تقدير المقاومة الأوكرانية بعد غزو 24 فبراير (شباط) 2022. ولم تتوقع أجهزة الاستخبارات الروسية أيضاً محاولة التمرد على موسكو من قبل رئيس مجموعة «فاغنر» للمرتزقة يفغيني بريغوجين في يونيو (حزيران) 2023. وقال أندريه سولداتوف إنهم «تمكنوا مع ذلك من تصحيح وضعهم، وأصبحنا نشهد المزيد والمزيد من العمليات، التي يتم تنفيذها في أوروبا، للتضليل ولعمليات تصفية أو تسلل لعملاء وتجسس»، مشيراً إلى أنه «جهد كبير جداً من جانبهم»، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية». وتصدرت أجهزة الاستخبارات الروسية عناوين الأخبار في الأسابيع الأخيرة بنجاحات لا يمكن إنكارها، كان آخرها تسريب الاتصال بين الضباط الألمان. كما قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في نهاية فبراير، إن روسيا تمكنت من كشف خطط الهجوم الأوكراني المضاد لعام 2023 حتى قبل أن يبدأ. وقد شكل فشله ضربة قاسية لأوكرانيا.

أهمية الاستخبارات لدى بوتين

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، بقيت الاستخبارات أولوية لدى الكرملين، لا سيما منذ وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة، رجل وكالة الاستخبارات السوفياتية (كي جي بي) الذي كان مركزه في ألمانيا الشرقية في ثمانينات القرن العشرين.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته مصنعاً للطائرات في جمهورية تتارستان الروسية في 22 فبراير (إ.ب.أ)

يقول أندريه سولداتوف إن الروس الذين أضعفتهم عمليات الطرد الجماعي من أوروبا، «يعتمدون الآن على رعايا أجانب. نرى صرباً وبلغاراً ومواطنين آخرين، وكذلك نرى نمساويين، على سبيل المثال، يشاركون في العمليات الروسية». ورأى المدير السابق للاستخبارات العسكرية الفرنسية الجنرال المتقاعد، كريستوف غومار: «أنهم يتكيفون باستمرار، ولا شك في أنهم استغلوا اللاجئين الأوكرانيين والمنفيين الروس، ومن بينهم عملاء». ويقول مركز الأبحاث «رويال يونايتد سرفيسز إنستيتيوت» (RUSI)، ومقره لندن، إن الاستخبارات العسكرية الروسية أصلحت إدارة عملياتها لتحسين دقة المعلومات وتقييمها. وتقوم بتجنيد وجوه جديدة أحياناً عبر شركات وهمية. وتفيد هذه الدراسة بأنه بحسب تقليد المخبرين «غير الشرعيين»، لا علاقة لهؤلاء المجندين بالمنظمات الرسمية، ما يجعل من الصعب اكتشاف أمرهم من قبل مكافحة التجسس الغربي. ويتم تجنيد البعض حتى من الطلاب الأجانب، من البلقان أو أفريقيا أو حتى أميركا اللاتينية.

حرب «هجينة»

وبمعزل من المهمة التقليدية التي تتمثل في جمع معلومات حساسة، الهدف كما يقول خبراء، هو زعزعة استقرار المجتمعات الأوروبية وإضعاف الدعم لأوكرانيا والدفع باتجاه انقسام بين الحلفاء، وهذا ما يندرج في إطاره الكشف عن التنصت على الضباط الألمان. ووصف وزيرا خارجية بريطانيا ديفيد كاميرون وألمانيا أنالينا بيربورك التنصت الروسي على العسكريين الألمان بأنه محاولة لتقسيم الحلفاء الغربيين، ضمن ما يصفونه بـ«الحرب الهجينة».

وزيرا خارجية ألمانيا وبريطانيا في مؤتمر صحافي ببرلين في 7 مارس (أ.ب)

ويقول الجنرال غومار، في هذا الصدد، إن «المشكلة الحقيقية للغربيين اليوم هي أنهم لا يدركون المخاطر جيداً، ويظهرون ثقة مفرطة وكسلاً، ما أدى إلى اعتراض (محادثة) الألمان» بسبب عدم استخدامهم وسائل مشفرة ومحمية اختراقها أقل سهولة. ورأى أندريه سولداتوف أن العامل الرئيسي لتفسير ذلك نفسي. وقال إن «الجيش الروسي يعيش في حالة حرب، بينما يعيش الأوروبيون تقنياً في وقت سلم». وأضاف أن «تغيير ثقافة عسكرية في وقت السلم أمر صعب جداً».


مقالات ذات صلة

أوكرانيا: القوات الروسية أعدمت 5 من أسرى الحرب

أوروبا مظاهرات أوكرانية في كييف تطالب بتبادل الأسرى (أ.ف.ب)

أوكرانيا: القوات الروسية أعدمت 5 من أسرى الحرب

قال مفوض البرلمان الأوكراني لحقوق الإنسان، ديميترو لوبينيتس، اليوم الأحد، إن القوات الروسية أعدمت 5 من أسرى الحرب الأوكرانيين.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أحد عناصر الإطفاء يحاول إخماد حريق في روسيا (خدمة الطوارئ الروسية عبر تلغرام)

روسيا تشهد موجة من الحرائق المتعمدة

شهدت روسيا سلسلة محاولات لإشعال حرائق بشكل متعمد استهدفت مصارف ومراكز تسوق ومكاتب بريد ومباني حكومية خلال الأيام الثلاثة الماضية وفق وسائل إعلام

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماع في كييف بأوكرانيا 9 ديسمبر 2024 (أ.ب)

زيلينسكي يعلن أنه التقى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في كييف

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، أنه التقى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في كييف، في إعلان رسمي نادر عن اجتماع بينهما.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا واجهة مطار قازان الروسي (أرشيفية - ريا نوفوستي)

إعادة تشغيل مطار قازان في روسيا عقب هجوم أوكراني

أعلنت الوكالة الاتحادية للنقل الجوي في روسيا (روسافياتسيا) إعادة فتح مطار مدينة قازان بعد إغلاقه مؤقتاً عقب هجوم بطائرات مسيّرة أوكرانية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس (د.ب.أ)

وزير الدفاع الألماني: لن نرسل جنوداً إلى أوكرانيا ما دامت الحرب لم تنتهِ

لم يستبعد وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أن تضطلع بلاده بدور عقب وقف محتمل لإطلاق النار في الحرب الروسية على أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)

البابا فرنسيس يدين مجدداً «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة

البابا فرنسيس يدين «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)
البابا فرنسيس يدين «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

البابا فرنسيس يدين مجدداً «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة

البابا فرنسيس يدين «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)
البابا فرنسيس يدين «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ف.ب)

دان البابا فرنسيس مرة أخرى، اليوم (الأحد)، «قسوة» الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة، بعدما قام بذلك السبت، مثيراً احتجاج إسرائيل، التي اتهمته بـ«ازدواجية المعايير».

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، قال الحبر الأعظم بعد صلاة التبشير: «بألم أفكر في غزة، في كل هذه القسوة، في الأطفال الذين يتعرَّضون لإطلاق النار، في قصف المدارس والمستشفيات. يا لها من قسوة».

و(السبت)، قال البابا لأعضاء حكومة الفاتيكان: «أمس لم يسمحوا لبطريرك (القدس) بالدخول إلى غزة كما وعدوا. أمس تم قصف أطفال. هذه قسوة، هذه ليست حرباً».

أضاف: «أريد أن أقول هذا لأنّه يمسّ قلبي».

وإثر موقفه السبت، اتهمت إسرائيل البابا بـ«ازدواجية المعايير».

وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان: «إن تصريحات البابا مخيبة للآمال بشكل خاص؛ لأنها منفصلة عن السياق الحقيقي والواقعي لحرب إسرائيل ضد الإرهاب الجهادي (...) وهي حرب متعددة الجبهات فُرضت عليها منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول)».

أضاف البيان: «كفى اتباعاً لمعايير مزدوجة، والتصويب على الدولة اليهودية وشعبها».

وشدّد البابا في الأسابيع الأخيرة من حدّة تصريحاته حيال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

واندلعت الحرب في القطاع عقب هجوم غير مسبوق شنّته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.