فرنسا تقرع ناقوس الخطر وتحذّر من انهيار أوكرانيا

وزير خارجيتها يحذر من تبعاتها الكارثية... وقال إن روسيا لن تتوقف ومولدوفا هدفها الثاني

French Foreign and European Affairs Minister Stephane Sejourne arrives for a Defense council at the presidential Elysee Palace in Paris, on January 24, 2024. (AFP)
French Foreign and European Affairs Minister Stephane Sejourne arrives for a Defense council at the presidential Elysee Palace in Paris, on January 24, 2024. (AFP)
TT

فرنسا تقرع ناقوس الخطر وتحذّر من انهيار أوكرانيا

French Foreign and European Affairs Minister Stephane Sejourne arrives for a Defense council at the presidential Elysee Palace in Paris, on January 24, 2024. (AFP)
French Foreign and European Affairs Minister Stephane Sejourne arrives for a Defense council at the presidential Elysee Palace in Paris, on January 24, 2024. (AFP)

في الوقت الذي لم تتوقف فيه ردود الأفعال على «القنبلة» التي فجرها الرئيس الفرنسي، الاثنين الماضي، عندما أشار في حديثه إلى الصحافة، عقب الاجتماع رفيع المستوى الذي دعا إليه واستضافه في قصر الإليزيه، عن نشر قوات أوروبية أرضية، ومن بينها فرنسية في أوكرانيا، تجهد الدبلوماسية الفرنسية وعلى رأسها الوزير ستيفان سيجورنيه، الى تبديد «سوء الفهم» و«توضيح» ما عناه إيمانويل ماكرون في كلامه.

وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في حديث مع الرئيس ماكرون في نيودلهي بمناسبة زيارة الوفد الفرنسي الرسمية إلى الهند في 26 يناير (أ.ف.ب)

واستفاد سيجورنيه من حديث صباحي إلى إذاعة «فرانس أنتير»، الجمعة، ليتابع عملية «نزع الألغام» التي بدأها في البرلمان، أول من أمس، وليطمئن الرأي العام الفرنسي لجهة أن المقصود «ليس إرسال قوات مقاتلة» إلى أوكرانيا والانخراط في القتال ضد الجيش الروسي، بل من أجل مهمات محددة وبعيدة عن القتال.

بيد أن الوزير الفرنسي، ومن باب شرح الأسباب التي تحتم على الغربيين الاستمرار في توفير أكبر دعم ممكن، وما دامت كييف بحاجة إليه، كان أول مسؤول غربي يشير صراحة لاحتمال «انهيار» أوكرانيا، وللتبعات الخطيرة التي ستترتب على أوروبا خصوصاً في ظل ضبابية المشهد السياسي الأميركي واحتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

بداية، ينبه الوزير الفرنسي من أن انتصار روسيا في الحرب «سيوفر (بداية) ذريعة لاندلاع مزيد من الحروب في العالم»، وتسهيل انتهاك شرعة الأمم المتحدة وسيادة الدول وحدودها واحتلال أراضيها والدوس على القانون الذي ينظم العلاقات الدولية. كما أن أمراً كهذا سيعني بلا شك حدوث «كارثة اقتصادية»، وسيمكن روسيا من التحكم بسوق القمح في العالم؛ لأنها ستمسك بنسبة 30 بالمائة منه بمعنى أنها ستحوله إلى سلاح سياسي.

ماكرون مع شولتس (أ.ب)

ولم تفت سيجورنيه الإشارة إلى أن أزمة إنسانية «لم يشهد العالم مثيلاً لها منذ الحرب العالمية الثانية» ستنشب بسبب نزوح ما لا يقل عن 10 ملايين أوكراني عن بلادهم. وفي هذا السياق، أكد الوزير الفرنسي أن باريس «تمتلك معلومات تفيد بأن روسيا لن تتوقف عند أوكرانيا» والبلد الثاني المهدد هو مولدوفا حيث تعيش أقلية روسية في منطقة «ترانسنيستريا»، وترابط قوة عسكرية روسية «لحمايتها» من أطماع «شيسيناو» عاصمة البلاد. ثم استعان سيجورنيه بالتاريخ ليحذر من تكراره مع روسيا على غرار ما حصل مع النظام النازي في ألمانيا بزعامة أدولف هتلر، في أربعينات القرن الماضي، عندما سكت الغرب على ضمه منطقة «السوديت» في تشيكوسلوفاكيا لإرضائه، وكانت النتيجة أن تشجع ولم يتردد في إشعال فتيل الحرب العالمية الثانية.

الرئيس إيمانويل ماكرون مترئساً في قصر الإليزيه اجتماع الدعم لأوكرانيا الاثنين الماضي (أ.ب)

ما يريد سيجورنيه، من زبدة حديثه، التأكيد على صحة ما صدر عن ماكرون الذي حدد الهدف من دعم أوكرانيا وهو «إفشال روسيا، ولكن من غير الدخول معها في حرب»، واعتماد سياسة «الغموض الاستراتيجي»، وهدفه التلويح بالتدخل، وتوجيه رسالة مفادها أن فرنسا ومعها الغربيون لن يترددوا أمام أية وسيلة من شأنها منع روسيا من تحقيق النصر.

ورغم التهديدات التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين، ومنها تلويحه باللجوء إلى الحرب النووية، فإن الوزير الفرنسي لا يبدو عليه الهلع رغم أن تطوراً كالذي يدعو إليه ماكرون يعد اجتيازاً للخط الأحمر الأكبر في الحرب الأوكرانية. فقد أعاد إلى الأذهان أن بوتين أو الرئيس السابق ميدفيديف لوّحا بالحرب النووية عندما بدأ الغربيون بمساعدة أوكرانيا إنسانياً وبعدها منذ بدء إرسال الأسلحة والعتاد ثم مع وصول أولى الدبابات الغربية إلى ميادين القتال، وعند قرار تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة... وفي كل مرة، عدت كل خطوة انتهاكاً لخط أحمر، وجرى التلويح بالنووي الروسي، لكن شيئاً من هذا لم يحدث.

وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه (أ.ف.ب)

رداً على الذين يلوحون بالويل والثبور وعظائم الأمور يريد سيجورنيه بقوله إن الفرنسيين «لن يموتوا من أجل أوكرانيا»؛ لأن باريس لن ترسل قوات مقاتلة بل لمساعدة الأوكرانيين فقط، ولمنع روسيا من الانتصار ليعود وينبه أن انهيار أوكرانيا سيعني تخصيص نسب أكبر لميزانية الدفاع وأن سياق الحرب والمعلومات التي بحوزتنا تؤكد أن روسيا لن تتوقف عند أوكرانيا وأن دعم الأخيرة سيوفر الفرصة للمحافظة على السلام الدائم في أوروبا «إذا هزم بوتين».

بيد أن السؤال الذي يطرح بقوة: لماذا التلويح بإرسال قوات اليوم وليس في وقت سابق علماً بأن الحرب مضى عليها عامان؟

رداً على هذا السؤال، يقول الوزير الفرنسي إن الوضع بشكل عام «غير مستقر» أولاً من جهة الولايات المتحدة التي توفر 70 بالمائة من الدعم لأوكرانيا، بينما كل الدعم الأوروبي لا يربو على 30 بالمائة.

وبالتوازي ثمة انعدام اليقين بالنسبة للحلف الأطلسي، وبالنسبة للتفعيل الآلي للمادة الخامسة منه التي تحمي أعضاءه، والسياق عينه يبين «عدوانية روسيا المتنامية»، وفق سيجورنيه، وهو ما كان قد أشار إليه ماكرون، الاثنين الماضي، وذلك في الفضاء السيبراني والإعلامي والأفريقي... وتساءل الوزير الفرنسي عما سيحدث في باريس إذا نجحت روسا مثلاً، من خلال هجوم إلكتروني على تعطيل العمل في المستشفيات والإدارات العامة أو تعطيل حركة النقل إبان الألعاب الأولمبية في الصيف المقبل. والخلاصة أن تراكم هذه الأسباب تجعلنا ندفع باتجاه الالتزام الدائم بدعم أوكرانيا وأهمية توجيه الرسالة الرئاسية لروسيا وفحواها: «لا نستبعد شيئاً، ولن نتخلى عن المقاتلة إلى جانب أوكرانيا»، ولكن من «غير إرسال قوات مقاتلة».

في الأيام الأخيرة، توافرت معلومات عن وجود وحدات غربية إلى جانب القوات الأوكرانية. وثمة نقمة على المستشار الألماني أولاف شولتس، خصوصاً بريطانية لأنه كشف سراً مفاده أن خبراء بريطانيين وفرنسيين يساعدون القوات الأوكرانية على استخدام صواريخ «ستورم شادو» البريطانية و«سكالب» الفرنسية، وعلى تحديد الأهداف، وإطلاق الصواريخ، وأن برلين لن تقوم بالشيء نفسه؛ ولذا فإن شولتس يرفض تسليم كييف صواريخ «تاوروس» المتطورة، الدقيقة بعيدة المدى والتي تشبه الصواريخ البريطانية والفرنسية.

ماكرون يثير جدلاً بين الحلفاء... وشولتس يؤكد أنه لن يجري إرسال «أي جندي» إلى أوكرانيا من الدول الأوروبية أو «الناتو» (رويترز)

يبدو واضحاً، اليوم، أن الأوروبيين يعون خطورة الموقف في أوكرانيا مستقبلاً؛ لذا فإن باريس تقرع ناقوسه، وتدفع باتجاه مواقف أوروبية أشد وأقوى، لكن هناك شبه إجماع أوروبي لجهة رفض إرسال قوات ميدانية إلى الأراضي الأوكرانية في مهمات قتالية. ويؤخذ على ماكرون أنه أخطأ في عدم إيضاح أن المطلوب ليس إرسال قوات مقاتلة لأن ذلك يعني المواجهة المباشرة مع القوات الروسية، وأن أوروبا أصبحت جزءاً من المعركة بينما حرص مسؤولوها دوماً على تأكيد أنهم يدعمون أوكرانيا، ولكنهم لا يعلنون الحرب على روسيا.


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يعيّن زعيماً لتتار القرم كان سجيناً في موسكو سفيراً في تركيا

أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

زيلينسكي يعيّن زعيماً لتتار القرم كان سجيناً في موسكو سفيراً في تركيا

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ليل الجمعة، تعيين سياسي من تتار القرم كان مسجونا في روسيا لمدة حوالى ثلاث سنوات، سفيرا لدى تركيا.

«الشرق الأوسط» (كييف )
أوروبا واجهة مطار قازان الروسي (أرشيفية - ريا نوفوستي)

إعادة تشغيل مطار قازان في روسيا عقب هجوم أوكراني

أعلنت الوكالة الاتحادية للنقل الجوي في روسيا (روسافياتسيا) إعادة فتح مطار مدينة قازان بعد إغلاقه مؤقتاً عقب هجوم بطائرات مسيّرة أوكرانية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس (د.ب.أ)

وزير الدفاع الألماني: لن نرسل جنوداً إلى أوكرانيا ما دامت الحرب لم تنتهِ

لم يستبعد وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أن تضطلع بلاده بدور عقب وقف محتمل لإطلاق النار في الحرب الروسية على أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا رجل على دراجة يمر قرب جسر مدمّر في بوكروفسك في شرق أوكرانيا (رويترز)

5 قتلى في روسيا وآخر في أوكرانيا بضربات صاروخية متبادلة

قتل خمسة أشخاص بضربة أوكرانية استهدفت منطقة كورسك الحدودية في جنوب روسيا الجمعة، بعد ساعات من مقتل شخص وتضرر مقرات بعثات دبلوماسية بضربة صاروخية في كييف.

«الشرق الأوسط» (كييف )
شؤون إقليمية جانب من اجتماع مجلس الشؤون العامة للاتحاد الأوروبي (إعلام تركي)

الاتحاد الأوروبي يضغط على تركيا لتنفيذ إصلاحات لنيل عضويته

كرّر الاتحاد الأوروبي مطالبة تركيا باستيفاء المعايير المؤهلة للحصول على عضويته، ولا سيما مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعبير وسيادة القانون.


شولتس يزور موقع هجوم ماغدبورغ ويؤكد: «سنرد بكل قوة القانون»

المستشار الألماني أولاف شولتس في موقع الهجوم الذي وقع في سوق لعيد الميلاد في مدينة ماغدبورغ (د.ب.أ)
المستشار الألماني أولاف شولتس في موقع الهجوم الذي وقع في سوق لعيد الميلاد في مدينة ماغدبورغ (د.ب.أ)
TT

شولتس يزور موقع هجوم ماغدبورغ ويؤكد: «سنرد بكل قوة القانون»

المستشار الألماني أولاف شولتس في موقع الهجوم الذي وقع في سوق لعيد الميلاد في مدينة ماغدبورغ (د.ب.أ)
المستشار الألماني أولاف شولتس في موقع الهجوم الذي وقع في سوق لعيد الميلاد في مدينة ماغدبورغ (د.ب.أ)

أدان المستشار الألماني أولاف شولتس الهجوم الذي وقع في سوق لعيد الميلاد في مدينة ماغدبورغ، واصفا الحادث بأنه «كارثة رهيبة»، و«جريمة مروعة ووحشية».

وأعرب شولتس عن قلقه بشأن حوالى 40 شخصا أُصيبوا بجروح خطيرة جراء عملية الدهس. وأضاف خلال زيارته لموقع الهجوم اليوم (السبت): «لن نستسلم لأولئك الذين يريدون نشر الكراهية».

المستشار الألماني أولاف شولتس يتحدث لوسائل الإعلام خلال زيارته لموقع الهجوم الذي وقع في سوق لعيد الميلاد في مدينة ماغدبورغ (رويترز)

وقال شولتس: «يا له من عمل فظيع أن يصاب ويقتل هذا العدد الكبير من الناس هناك بهذه الوحشية... أصيب ما يقرب من 40 شخصا بجروح خطيرة لدرجة أننا يجب أن نشعر بالقلق الشديد عليهم».

ودعا المستشار الأمة إلى التكاتف ضد الكراهية، وقال شولتس: «سنرد بكل قوة القانون»، حسبما نقلت وكالة «رويترز» للأنباء.

ومن جهته، أعلن رئيس وزراء ولاية ساكسونيا-أنهالت الألمانية راينر هاسيلوف السبت أن حصيلة الهجوم ارتفعت إلى خمسة قتلى وأكثر من 200 جريح.

وأمرت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر بتنكيس الأعلام في أعلى مباني السلطات الاتحادية بأنحاء البلاد حدادا على أرواح الضحايا.

وأعلنت وزيرة الداخلية الألمانية أنّ سائق السيارة التي دهست حشدا من الناس في السوق هو طبيب سعودي «معاد للإسلام». وخلال مرافقتها المستشار أولاف شولتس لتفقّد موقع الكارثة سأل صحافيون الوزيرة عن دوافع المهاجم الذي أوقفته الشرطة إثر الهجوم، فأجابت بأنّ «الأمر الوحيد» الذي يمكنها تأكيده حاليا «هو أنّه معاد للإسلام»، وذلك استنادا إلى المواقف التي عبّر عنها.

المستشار الألماني أولاف شولتس يتحدث لوسائل الإعلام خلال زيارته لموقع الهجوم الذي وقع في سوق لعيد الميلاد في مدينة ماغدبورغ (أ.ب)

وصدمت سيارة جمعا من الأشخاص في سوق عيد الميلاد في عاصمة ولاية ساكسونيا-أنهالت مساء أمس. وألقت الشرطة أمس على المشتبه به، وهو طبيب مقيم في مدينة بيرنبورغ، وعمره 50 عاما، وهو يعيش في ألمانيا منذ عام 2006، ويصف نفسه بأنه مسلم سابق.