فرنسا تحذر الرئيس الروسي من التعويل على «تعب» الغربيين

«الإليزيه»: دعمنا لأوكرانيا متواصل ولن يضعف... ونلعب «دوراً مركزياً» في مساندتها

الرئيسان الفرنسي والأوكراني يتصافحان عقب توقيع المعاهدة الأمنية في 16 الحالي في قصر الإليزيه (أ.ب)
الرئيسان الفرنسي والأوكراني يتصافحان عقب توقيع المعاهدة الأمنية في 16 الحالي في قصر الإليزيه (أ.ب)
TT
20

فرنسا تحذر الرئيس الروسي من التعويل على «تعب» الغربيين

الرئيسان الفرنسي والأوكراني يتصافحان عقب توقيع المعاهدة الأمنية في 16 الحالي في قصر الإليزيه (أ.ب)
الرئيسان الفرنسي والأوكراني يتصافحان عقب توقيع المعاهدة الأمنية في 16 الحالي في قصر الإليزيه (أ.ب)

استبقت الرئاسة الفرنسية «اجتماع العمل»، الذي سيستضيفه قصر الإليزيه (الاثنين)، بدعوة من الرئيس إيمانويل ماكرون وغرضه «توفير الفرصة للنظر في الوسائل المتاحة لتعزيز تعاون الأطراف المشارِكة في دعم أوكرانيا» بإصدار بيان على منصة «إكس» يفصّل المساعدات، مختلفة الأنواع، التي قدمتها فرنسا لكييف منذ انطلاق الحرب الروسية ــ الأوكرانية في 24 فبراير (شباط) من عام 2022.

الرئيس الفرنسي في نقاش صباح السبت مع مزارعين غاضبين من تراجع أوضاعهم بمناسبة المعرض السنوي الزراعي الذي يقام في باريس (رويترز)

ويأتي البيان - الجردة بمناسبة مرور عامين على بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، وبعد أسبوع على توقيع الاتفاقية الأمنية بين باريس وكييف بمناسبة الزيارة التي قام بها الرئيس فولوديمير زيلينسكي إلى فرنسا، التي نصّت على التزامات فرنسا إزاء أوكرانيا للسنوات العشر المقبلة. وكانت فرنسا الدولة الأوروبية الثالثة التي تُوقّع هذا النوع من الاتفاقيات (بعد بريطانيا وألمانيا)، التي التزم بها قادة الدول السبع بمناسبة قمة الحلف الأطلسي في فيلنيوس، عاصمة ليتوانيا، في شهر يوليو (تموز) من عام 2023. ويُنظر إلى هذه الاتفاقيات على أنها بديل «مؤقت» عن انضمام أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، وبمثابة ضمانات لوقوف «مجموعة السبع» و25 دولة أخرى من أعضاء الحلف إلى جانب أوكرانيا في حال تعرضها مستقبلاً لاعتداء روسي جديد.

بيان الإليزيه يرسم صورة «مثالية» للعلاقات الفرنسية - الأوكرانية، التي يصفها بـ«القوية»، ويؤكد أن فرنسا «أعربت دوماً عن دعمها الثابت لأوكرانيا»، وأنها «كانت وستبقى دوماً إلى جانب أوكرانيا والشعب الأوكراني»، ويشير البيان إلى أن فرنسا، خلال العامين الماضيَّين «وقفت مع شركائها إلى جانب أوكرانيا؛ من أجل الدفاع عن سيادتها واستقلالها وسلامة أراضيها» مذكراً بأنها كانت ترأس الاتحاد الأوروبي عند اندلاع الحرب، وسارعت إلى تنسيق الجهود لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين، وتبني عقوبات ضد روسيا، واتخاذ التدابير اللازمة لدعم كييف على الصعيدَين المدني والعسكري. ويفيد البيان بأن 13 حزمة من العقوبات الأوروبية المتنوعة فُرضت على روسيا وبيلاروسيا، كما منحت أوكرانيا ومولدوفا صفة «الدولة المرشحة للانضمام» إلى النادي الأوروبي.

بوتين مع ميركل وماكرون في مناسبة سابقة (رويترز)

وفي حين تتجه الأنظار إلى الولايات المتحدة لمعرفة مصير حزمة المساعدات من 60 مليار دولار المجمّدة في مجلس النواب، فإن الإليزيه لم تفته الإشارة إلى أن المساعدات الأوروبية لأوكرانيا بلغت، منذ عام 2022، نحو 88 مليار يورو، وأن الأوروبيين أقروا مساعدات من 50 مليار يورو حتى عام 2027. ويحذّر البيان الفرنسي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من: «التعويل على أي نوع من أنواع تعب الأوروبيين» لجهة الاستمرار في دعم أوكرانيا.

ماكرون وسوناك على هامش «قمة العشرين» في نيودلهي سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

تحرص باريس على تأكيد أنها «تلعب دوراً مركزياً في توفير الدعم لأوكرانيا». وللتدليل على ذلك، فإنها تنشر جردة متكاملة للمساعدات التي قدمتها: صواريخ بعيدة المدى من طراز «سكالب»، مدافع «قيصر» المحمولة على عربات، دبابات قتالية خفيفة، منظومات صاروخية للدفاع الجوي، إضافة إلى تدريب 10 آلاف جندي أوكراني... ويذكر البيان أن فرنسا قدمت 300 مليون يورو من المساعدات الإنسانية و3.8 مليار يورو من المساعدات المالية في العامين الماضيّين، كما التزمت بتقديم ما قيمته 3 مليارات يورو من المساعدات العسكرية الإضافية للعام الحالي.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مؤتمر افتراضي سابق لقادة «مجموعة السبع» في قصر الإليزيه (أ.ف.ب)

وتنص اتفاقية التعاون الأمني بين البلدين على تعهد باريس بتواصل دعمها لأوكرانيا «من أجل تمكينها من الحصول على وسائل الدفاع عن نفسها على المدى الطويل» وعلى الأصعدة كافة، بما في ذلك التعاون بين الصناعات الدفاعية في البلدين، وتطوير وإنتاج أسلحة مشتركة، ومواصلة عمليات التدريب والتعاون الاستخباري والمساعدات المدنية... وفي حين تدور تساؤلات حول المدى الزمني لهذه الحرب، التي لا يبدو أنها ستنتهي في أمد قريب، فإن الرئاسة الفرنسية تحرص على إبراز التحديات المرتبطة بها، بحيث تؤكد أن «مصير هذه الحرب سيكون حاسماً بالنسبة لمصالح أوروبا وأمنها، وللقيم التي تتبناها».

الرئيس الأوكراني ورئيسا الحكومتين الإيطالية والبلجيكية ورئيسة المفوضية الأوروبية في زيارة كييف بمناسبة مرور عامين على الحرب الروسية - الأوكرانية (د.ب.أ)

ومع هذا البيان، يريد قصر الإليزيه إظهار أن الرئيس إيمانويل ماكرون يريد أن يلعب دوراً رائداً، أقله على المستوى الأوروبي، في الوقوف إلى جانب أوكرانيا بعد أن اتُّهم، في الأشهر الأولى من الحرب، بأنه «يساير» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كذلك، فإن بيان الإليزيه يعد بمثابة رد على الانتقادات شبه المباشرة، وأحياناً المباشرة، التي وُجهت لفرنسا؛ بسبب ضعف مساهمتها في توفير وسائل الدفاع الضرورية للقوات الأوكرانية. وصدرت تلميحات عن المستشار الألماني أولاف شولتس بهذا المعنى، كما أن «معهد كييل» للدراسات الأمنية، الذي تخصص في رصد المساهمات العسكرية المقدمة لدعم أوكرانيا، يضع فرنسا في مرتبة متأخرة للغاية؛ ما يثير حنق باريس ويدفعها للتنديد بأرقام المعهد الألماني التي عدّها وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لو كورنو «مغلوطة». وجهد الأخير في إبراز المساهمة العسكرية المتنامية التي تقدمها بلاده سواء على صعيد «تحالف المدفعية» المتحدر من «مجموعة رامشتاين»، أو من خلال مجموعة المشاركة مع ألمانيا في إدارة الدفاعات الصاروخية الجوية.

وفي أي حال، فإن دعوة ماكرون لاجتماع رفيع المستوى، بحضور رؤساء دول وحكومات ووزراء، تحلّ بينما تزداد الشكوك لجهة قدرة القوات الأوكرانية على استعادة السيطرة على الأراضي التي احتلتها روسيا بعد فشل الهجوم الأوكراني الصيف الماضي، وبعد أن استعادت القوات الروسية المبادرة على الجبهة الشرقية ونجاحها في السيطرة على مدينة أفديفكا، الواقعة في منطقة دونباس، واحتلالها مساحات إضافية في المنطقة المذكورة.

كما أن باريس تريد أن تكون مبادرتها استجابة لشكوى كييف من تناقص الذخائر المتوافرة لقواتها بعكس ما تتمتع به القوات الروسية. غير أن مشكلة الأوروبيين الأولى والرئيسية تكمن في إظهار أنهم قادرون على الحلول محل الأميركيين في توفير الدعم العسكري والاقتصادي والمالي لأوكرانيا. كذلك، فإنهم يستشعرون مخاطر الغياب الأميركي واستقواء النزعة الانعزالية التي يركب موجتها الرئيس السابق دونالد ترمب، الساعي للفوز بولاية رئاسية ثانية في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وهذا العامل يتداخل مع ضعف اقتصاداتهم وحاجتهم لشد الأحزمة وخفض مصاريفهم، في حين هم بحاجة لتعزيز دعمهم لأوكرانيا. من هنا، صعوبة الجمع بين متناقضين. وفي الوقت نفسه، فإن عينهم على أمن أوروبا ومصير الحلف الأطلسي. من هنا، فإن «الغموض» و«انعدام اليقين» فيما خصّ السياسة الأميركية وتداعياتها الخارجية ستكون لهما تبعاتهما ليس فقط على مصير الحرب الروسية - الأوكرانية، بل أيضاً، وخصوصاً على مستقبل الأمن الأوروبي.


مقالات ذات صلة

روسيا: قصف كييف يأتي رداً على هجوم بصواريخ أميركية

أوروبا رجال الإطفاء يظهرون في موقع تعرض لهجوم صاروخي روسي على كييف (أ.ب)

روسيا: قصف كييف يأتي رداً على هجوم بصواريخ أميركية

ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن هجوماً صاروخياً أسفر عن مقتل أربعة أشخاص في كييف، خلال الليل، جاء رداً على هجوم أوكراني في وقت سابق من الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ الاستعدادات جارية لحفل تنصيب ترمب أمام مبنى الكابيتول في 12 يناير 2025 (أ.ف.ب)

ترمب في عهده الثاني: نسخة جديدة أم تكرار لولايته الأولى؟

يأمل كبار السياسيين بواشنطن في أن تكون إدارة دونالد ترمب الثانية مختلفة عن الأولى، وأن يسعى لتحقيق توازن في الحكم ومدّ غصن زيتون للديمقراطيين.

رنا أبتر (واشنطن)
أوروبا أفراد من القوات العسكرية البولندية خلال العرض العسكري لإحياء ذكرى انتصار بولندا على الجيش الأحمر السوفياتي عام 1920 في وارسو 15 أغسطس 2023 (رويترز)

كيف تستعد بولندا لإعادة التسلح الأوروبي؟

بوصفها «أفضل طالب» في حلف الناتو، تحاول بولندا إشراك شركائها في مواجهة تحدي زيادة الإنفاق الدفاعي ومواجهة التهديد الروسي، حسب تقرير لصحيفة «لوفيغارو».

«الشرق الأوسط» (وارسو)
أوروبا خلال إطلاق صاروخ «أتاكمز» الأميركي الصنع نحو مياه البحر الشرقي قبالة كوريا الجنوبية في 5 يوليو 2017 (رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا باستخدام صواريخ «أتاكمز» الأميركية مجدداً وتتوعد بالرد

قالت وزارة الدفاع الروسية، الجمعة، إن أوكرانيا شنت هجوماً على منطقة بيلغورود بـ6 صواريخ «أتاكمز» أميركية الصنع، الخميس.

«الشرق الأوسط» (موسكو )
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ماريندرا مودي (رويترز)

تقرير: مقتل هندي في حرب أوكرانيا يجدد التوترات بين نيودلهي وموسكو

سلطت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية الضوء على قضية الهنود الذين يقتلون خلال قتالهم مع الجيش الروسي في حربه ضد أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

أذربيجان تبدأ محاكمة انفصاليين أرمن من قادة كاراباخ

قادة أرمن انفصاليون لجيب كاراباخ في المحكمة (إ.ب.أ)
قادة أرمن انفصاليون لجيب كاراباخ في المحكمة (إ.ب.أ)
TT
20

أذربيجان تبدأ محاكمة انفصاليين أرمن من قادة كاراباخ

قادة أرمن انفصاليون لجيب كاراباخ في المحكمة (إ.ب.أ)
قادة أرمن انفصاليون لجيب كاراباخ في المحكمة (إ.ب.أ)

بدأت في أذربيجان، الجمعة، محاكمة 16 انفصالياً أرمنياً متهمين بارتكاب جرائم حرب وكانوا يقودون جيب كاراباخ الانفصالي قبل أن يستعيده الجيش الأذربيجاني في سبتمبر (أيلول) 2023.

وأنهت استعادة السيطرة على كامل منطقة كاراباخ في غرب أذربيجان ثلاثة عقود من الصراع وأدت إلى فرار أكثر من 100 ألف أرميني كانوا يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون.

واعتقلت باكو بعد ذلك العديد من المسؤولين الأرمن. والجمعة، بدأت في العاصمة الأذربيجانية باكو محاكمة 15 منهم، متهمين بارتكاب جرائم حرب وبعمليات تعذيب وتهجير قسري للسكان.

ومن بين المتهمين القادة الانفصاليون السابقون لكاراباخ، أركادي غوكاسيان وباكو ساهاكيان وأراك هاروتيونيان.

الرئيس السابق لكاراباخ أراك هاروتيونيان في جلسة المحاكمة (إ.ب.أ)

كما عُقدت الجمعة أول جلسة استماع تمهيدية في إطار المحاكمة المنفصلة لروبن فاردانيان، وهو مصرفي سابق قاد المنطقة الانفصالية بين نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 وفبراير (شباط) 2023. وهو متهم بالتعذيب والعمل مرتزقًا وبالإرهاب ويواجه عقوبة السجن المؤبد.

ويرفض فاردانيان هذه الاتهامات. وقال في بيان أصدرته أسرته الخميس وأوردته «وكالة الصحافة الفرنسية»: «أعلن مرة جديدة براءتي التامة وبراءة مواطنيّ الأرمن المحتجزين أيضاً كسجناء سياسيين».

من جانبها، دانت أرمينيا مراراً اعتقال القادة الانفصاليين ودعت إلى إطلاق سراحهم. وفي العام الماضي، أعطت وزارة الخارجية الأرمينية تأكيدات بأن يريفان «ستبذل قصارى جهدها لحماية حقوق ممثلي» كاراباخ الذين قالت إنهم «اعتُقلوا بشكل غير قانوني».