النظام العالميّ بين المركز والأطراف

فلاديمير بوتين (أ.ب)
فلاديمير بوتين (أ.ب)
TT

النظام العالميّ بين المركز والأطراف

فلاديمير بوتين (أ.ب)
فلاديمير بوتين (أ.ب)

إن العلاقة بين المركز والأطراف هي التي تحدّد تركيبة النظام العالميّ. وإذا كان للعالم أكثر من مركز، يُطلق عليه نظام متعدّد الأقطاب. في الحرب الباردة، كان العالم ثنائي الأقطاب، لكن مع أفضليّة للولايات المتحدة الأميركيّة. سقط الدبّ الروسيّ، فتسيّدت أميركا لتشهد الكرة الأرضيّة التجربة الفريدة لعالم آحاديّ.

للمركز ثقافة مختلفة عن الأطراف. فالأطراف تشكّل نقطة التواصل بين المركز الأساسي والمراكز الأخرى. ثقافة الأطراف ثقافة هجينة. وهويّتها الثقافيّة، ثقافة ملتبسة.

في حال تعدّد الأقطاب، هناك هرميّة بين اللاعبين، وترتيب يعتمد على أربعة أسس مهمّة، يُطلق عليها عناصر القوّة وهي: القوّة العسكريّة، والقوّة الاقتصاديّة، والسياسيّة، كما القوّة التكنولوجيّة. والمقصود بالتكنولوجيا هو مجموع التقنيات والمهارات والأساليب الفنية والعمليات المستخدمة في إنتاج البضائع أو الخدمات، وضمناً الأسلحة، وفي كلّ زمان ومكان. أسهمت الثورة الصناعيّة في بناء الإمبراطوريّة البريطانيّة بالاعتماد على القوّة البحريّة.

حالياً، يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى توسيع الحدود والأطراف وذلك عبر نشر سلاح نووي في الفضاء. يعتمد بوتين المعادلة التالية: إذا كنت غير قادر على المشاركة في لعبة ما والانتصار فيها، فما عليك إلا أن تغيّر قواعد اللعبة. لذلك يهاجم أطراف روسيا الاتحاديّة معتمداً استراتيجيّات متعدّدة. فتردّ عليه أميركا وأوروبا بقتاله في محيطه المباشر. إذاً، ترسم أوكرانيا حالياً (وهي من الأطراف) كل استراتيجيّاتها، استناداً إلى الوضع السياسي في المركز الأهم بالنسبة لها، أي واشنطن.

في القرن التاسع عشر حدّدت أميركا الأطراف عبر «عقيدة مونرو». بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح العالم ككل هو الأطراف بالنسبة لها بسبب انتشارها العسكريّ. تسعى الصين حالياً، إلى ترتيب وضع القوميات في أطرافها الجغرافية، لتنطلق بعدها إلى الأطراف في المحيط المباشر ومن ثم إلى أطراف العالم ككل.

عندما يتحرّك المركز، تهتزّ الأطراف. تحرّكت أميركا في الحرب الأولى، فتغيّر العالم. تحرّكت في الحرب الثانية، فبنت نظاماً عالميّاً استمرّ حتى اليوم. بعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001 تحرّكت أميركا عسكريّاً فتغيّر العالم.

في عام 1991، سقط الاتحاد السوفياتيّ، فتسيّدت أميركا بصفتها مركزاً وحيداً للعالم. حالياً، ومع صعود الصين، وعودة روسيا العسكريّة، وحركيّة القوى الإقليميّة الكبرى. تبدلّت المعادلة الجيوسياسيّة من آحاديّة أميركيّة إلى ما تُسمّى «أميركا أولى بين متساوين». بكلام آخر، لم تعد أميركا قادرة على التصّرف أحادياً. لكن في الوقت نفسه لا يمكن للعامل التصرّف دون العودة إلى أميركا.

هناك حنين دائم إلى الأطراف من المركز حتى ولو خسر المركز هذه الأطراف. تحنّ بريطانيا إلى الهند. تحنّ روسيا إلى أوكرانيا، كما تحنّ أميركا إلى الشرق الأوسط والشرق الأقصى. فالعلاقة بين المركز والأطراف هي علاقة أوسموزيّة (Osmose) يُغيّر المركز الأطراف، والعكس بالعكس. تحنّ إسرائيل إلى محيطها المباشر فترسم الاستراتيجيّات لأمنها القومي.

تحنّ الإمبراطوريات الإقليميّة في الشرق الأوسط إلى أطرافها القديمة وامتداداتها. وإلا فما معنى الهجمة الجيوسياسيّة على هذه الأطراف في ظلّ غياب الراعي الدولي، والبوليس للأمن الإقليميّ؟

في منطقة الشرق الأوسط، تتقاتل وتتنازع القوى الكبرى الإقليميّة على من يسيطر على الأطراف. فالقتال بينها يحدث في الأطراف. والأطراف هي التي تدفع الأثمان.

في الختام، قد يمكن القول: إن صورة النظام العالمي المُتخيّل، قد تكون نتيجة مباشرة لما يحدث في الأطراف، أي، الشرق الأوسط، وأوكرانيا، كما تايوان. وما الحرب في غزة إلا مؤشّر مهمّ على ذلك.


مقالات ذات صلة

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

العالم نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

عبر جعل التهديد النووي عادياً، وإعلانه اعتزامه تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، نجح بوتين في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية حول العالم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يتحدث خلال لقاء تلفزيوني (رويترز)

لمن سينصت ترمب... روبيو أم ماسك؟

قال موقع «بولتيكو» إن كبار المسؤولين الأوروبيين المجتمعين في هاليفاكس للأمن الدولي قلقون بشأن الأشخاص في الدائرة المقربة من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا خبراء أوكرانيون يتفقدون الأضرار في موقع الهجوم الصاروخي الذي ضرب وسط خاركيف شمال شرقي أوكرانيا في 25 نوفمبر 2024 وسط الغزو الروسي للبلاد (إ.ب.أ) play-circle 01:26

روسيا تعلن إسقاط 8 «صواريخ باليستية» أطلقتها أوكرانيا

قالت موسكو إن دفاعاتها الجوية أسقطت 8 صواريخ باليستية أطلقتها أوكرانيا وسط تصاعد التوتر مع استخدام كييف صواريخ بعيدة المدى زودها بها الغرب ضد روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا مدنيون أوكرانيون يرتدون زياً عسكرياً خلال تدريبات عسكرية نظمها الجيش الأوكراني في كييف (أ.ف.ب)

القوات الروسية تعتقل رجلاً بريطانياً يقاتل مع أوكرانيا في كورسك

قال مصدر أمني لوكالة الإعلام الروسية إن القوات الروسية ألقت القبض على بريطاني يقاتل مع الجيش الأوكراني في منطقة كورسك.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا المرشح لمنصب الرئيس كالين جورجيسكو يتحدّث لوسائل الإعلام في بوخارست (أ.ب)

مرشح مُوالٍ لروسيا يتصدّر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا

أثار مرشح مؤيّد لروسيا مفاجأة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية برومانيا، بحصوله على نتيجة متقاربة مع تلك التي حقّقها رئيس الوزراء المؤيّد لأوروبا.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)
أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)
TT

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)
أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)

اختار الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا رسمياً، الاثنين، المستشار أولاف شولتس مرشحاً له للانتخابات المبكرة المقررة في فبراير (شباط) على رغم تراجع شعبيته إلى مستويات غير مسبوقة بعد انهيار ائتلافه الحكومي.

وقال مصدر مقرب من الحزب اليساري الوسطي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن قيادته عبّرت «بالإجماع» عن تأييدها شولتس. وسيصادق أعضاء الحزب على الترشيح خلال مؤتمر في 11 يناير (كانون الثاني).

وكان شولتس (66 عاماً) قد أعلن رغبته في الترشح عن حزبه بعد انهيار ائتلافه الحكومي مع حزب الخضر والليبراليين في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني)، وواجه ضغوطاً داخل حزبه لترك منصبه لوزير الدفاع بوريس بيستوريوس الذي يتمتع بشعبية.

وزير الدفاع بوريس بيستوريوس الذي يتمتع بشعبية داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي (أ.ف.ب)

وقرر الاشتراكيون الديمقراطيون دعم أولاف شولتس رغم عدم تحسن حظوظ الحزب، الذي تظهر استطلاعات الرأي حصوله على نحو 15 في المائة فقط من نوايا التصويت.

وحصل ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي المعارض المحافظ على أكثر من ضعف هذه النسبة (33 في المائة)، كما يتقدم «حزب البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف على حزب شولتس حاصداً 18 في المائة من نوايا التصويت.

وكتبت مجلة «دير شبيغل» الألمانية أن أولاف شولتس هو «على الأرجح المرشح الأكثر ضعفاً وأقل شخصية مناسبة لتولي منصب المستشار رشحها الحزب الاشتراكي الديمقراطي على الإطلاق».

انهار الائتلاف الحكومي الألماني بزعامة شولتس، الذي تولى السلطة منذ نهاية عام 2021، بعد إقالة المستشار وزير المال الليبرالي كريستيان ليندنر إثر خلافات عميقة حول الميزانية والسياسة الاقتصادية التي يجب اتباعها، في خضم معاناة أكبر اقتصاد في أوروبا من أزمة صناعية.

«مستشار السلام»

ويكرر شولتس الهادئ الطباع قناعته بقيادة حزبه إلى النصر مرة أخرى، مذكراً بفوزه في انتخابات عام 2021 بخلاف كل التوقعات؛ إذ استفاد إلى حد كبير من انقسامات في المعسكر المحافظ.

المستشار أولاف شولتس ووزير الدفاع بوريس بيستوريوس بعد إعلان فوز الأول بترشيح الحزب ببرلين الاثنين (رويترز)

وتتمثل استراتيجيته هذه المرة، في تقديم نفسه على أنه رجل ضبط النفس في الدعم العسكري لأوكرانيا على أمل الاستفادة من النزعة إلى السلام المتجذرة لدى الألمان منذ الفظائع النازية، ومن أصوات المؤيدين لروسيا.

وأشار استطلاع حديث أجراه التلفزيون العام «آي آر دي» ARD، إلى أن 61 في المائة ممن شملهم يؤيدون قرار شولتس بعدم تزويد أوكرانيا بصواريخ «توروس» القادرة على ضرب عمق الأراضي الروسية.

ويتناقض هذا الموقف مع موقف حلفاء ألمانيا الرئيسين، الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.

وفي السياق نفسه، أثار الاتصال الهاتفي الذي أجراه شولتس مؤخراً مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الاستياء خصوصاً في كييف.

كما اتهمته المعارضة في ألمانيا، بالمساهمة في الـ«دعاية» الروسية وبالقيام بمناورة انتخابية تقدمه على أنه «مستشار السلام» قبل انتخابات خطيرة.

«خبرة كبيرة»

ولا يخفي المحافظون ارتياحهم لترشيح المستشار. وقال النائب ماتياس ميدلبرغ إن القرار «جيد بالنسبة لنا»، مضيفاً أن «بيستوريوس كان سيسبب إزعاجاً أكبر لائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي» المعارض المحافظ.

لكن أظهر شولتس مرات عدة قدرته على تحدي التوقعات، وهو سياسي مخضرم شغل منصب رئيس بلدية مدينة هامبورغ (شمال)، ونائب المستشارة أنجيلا ميركل (2005 - 2021) في حكومتها الأخيرة متولياً حقيبة المال.

وفي 2021، فاز من خلال تقديم نفسه على أنه الوريث الحقيقي للمستشارة المحافظة.

وينوي هذه المرة أيضاً أن يطمئن الناخبين من خلال تجربته، في خضم سياق جيوسياسي عالمي متوتر وغارق في المجهول بعد انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة.

وشددت رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي ساسكيا إسكين في تصريحات للإذاعة البافارية، الاثنين، على أن شولتس يتمتع بـ«خبرة كبيرة جداً، وبقدرة على المناورة، لا سيما على المستوى الدولي».