ثلاثة عناصر رئيسية ميزت اجتماع وزراء دفاع المجموعة الأطلسية، الخميس، في بروكسل، المخصص أصلاً لمراجعة الدعم الذي يقدمه الحلف لأوكرانيا. ويتمثل العنصر الأول في عجز الإدارة الأميركية، عن استصدار قانون من مجلسي الكونغرس (النواب والشيوخ) بالموافقة على اقتراح توفير دعم إضافي لأوكرانيا بقيمة تزيد على ستين مليار دولار. والثاني تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يوم السبت الماضي، وفيها يهدد الدول الأطلسية التي لا تخصص الأموال الكافية لميزانيتها الدفاعية، بالامتناع عن الدفاع عنها وعدم الالتزام بالفقرة الخامسة من معاهدة الدفاع الأطلسية المشتركة.
والثالث، الشكوى الأوكرانية من ضعف وصول الدعم العسكري لقواتها، سواء أكان من جهة الذخيرة (قنابل المدفعية والصواريخ) أو الالتزام بالدعم طويل الأمد لمنع روسيا من تحقيق انتصار ميداني.
ويمكن إضافة عنصر رابع يتناول المعلومات التي سربتها وزارة الدفاع الأميركية، بشأن رغبة روسية بنشر أسلحة نووية في الفضاء مضادة للأقمار الاصطناعية، وهو ما نفته موسكو واتهمت واشنطن بـ«فبركة أخبار زائفة».
بناء على ما سبق، عدّ اجتماع الخميس استثنائياً بسبب التحديات العديدة التي تعين على وزراء الدفاع وعلى الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ مواجهتها.
وعمد الأخير الذي زار واشنطن بحر هذا الأسبوع وأجرى محادثات مطولة مع مسؤولي الدفاع الأميركيين، إلى تمهيد الأرضية من أجل اجتماع ناجح. وكان همه الأول أن يبرز تحول أعضاء الحلف لجهة التزامهم بقاعدة تكريس 2 في المائة من ناتجهم الداخلي الإجمالي كمخصصات دفاعية. وأكد ستولتنبرغ أن 21 دولة (من أصل 31) ستبلغ هذه النسبة خلال العام الحالي، من بينها دول رئيسية؛ مثل ألمانيا وفرنسا. وتفيد المعلومات المتوافرة بأن 11 دولة فقط بلغت هذه النسبة، في عام 2023.
فضلاً عن ذلك، فقد أكد ستولتنبرغ، فيما يبدو أنه رد على دونالد ترمب، أن الدول الأوروبية وكندا قد زادوا من ميزانيات دفاعهم بنسبة 11 في المائة، وهو «ارتفاع غير مسبوق». وبالتوازي، لم يتردد في التنديد بالمماطلة الأميركية في إقرار الدعم لأوكرانيا، لا بل ذهب إلى عدّ أن هذا التأخر «بدأت تداعياته تظهر للعيان». وفي رسالة موجهة للطرف الأميركي، قال ستولتنبرغ إن «دعم أوكرانيا استثمار في أمننا».
وفي السياق عينه، قال وزير الدفاع البريطاني، غرانت شابس، إن الحلف قلق «باستمرار» من أن الذخيرة قد تنفد من أوكرانيا وطالب بفعل كل شيء لمساعدة أوكرانيا على صد الغزو الروسي.
وذهب نظيره وزير الدفاع الفنلندي، أنتي هياكيانين، في الاتجاه نفسه، بتأكيده أن الدعم لأوكرانيا يجب أن يستمر «ما دامت هناك حاجة له»، مشيراً إلى قرار بلاده مضاعفة إنتاج الذخيرة لتعزيز عمليات التسليم.
حقيقة الأمر، كما تقول مصادر أوروبية في باريس، أن القلق الأوكراني مرده ليس فقط استشعار القلق بالنسبة لتناقص الذخائر اليوم وانخفاض الدعم، بل التخوف من «سأم» الرأي العام الغربي من حرب لا تنتهي، ولا يبدو في الأفق، أنها ستنتهي في أجل معروف. تبرز هذه الظاهرة في استطلاعات الرأي المتواترة. أما التخوف الأكبر فإنه يأتي من الولايات المتحدة، ومن احتمال أن يفوز الرئيس السابق دونالد ترمب بالرئاسة مجدداً. وتكفي متابعة تصريحات ترمب الذي أجهض أنصاره في مجلس النواب، حتى اليوم، مشروع المساعدات الضخمة لأوكرانيا، لتفهم المخاوف الأوكرانية. من هنا، فإن زيلينسكي يتحرك في كل اتجاه وخصوصاً باتجاه الحلفاء الأوروبيين؛ رغبة منه في إيجاد «بديل» عن الدعم الأميركي في حال خسرته بلاده. لكن الخبراء كافة مجمعون على أن أوروبا «غير قادرة على الحلول محل الولايات المتحدة، خصوصاً في المجالات العسكرية والاستخبارية واللوجيستية...».
وأثارت تهديدات ترمب مخاوف ليس فقط أوكرانية، ولكن أيضاً أوروبية. فحتى اليوم، كانت الدول الأوروبية تعيش في ظل الحماية الأطلسية (البند الخامس) وخصوصاً المظلة النووية الأميركية، باعتبار أن ترسانة واشنطن هي الكبرى في العالم. والسؤال يتناول مصير هذه الحماية إذا انسحبت الولايات المتحدة من الحلف، أو رفض رئيسها تفعيل البند الخامس. من هنا، العودة إلى الالتفات إلى فرنسا وبريطانيا، وهما الدولتان النوويتان في أوروبا، والبدء بطرح موضوع المظلة النووية الأوروبية. لكنّ أمراً كهذا، يثير كمّاً لا يحصى من الأسئلة، وأولها: بيد من سيكون قرار اللجوء إلى السلاح النووي، وهل ستقبل باريس ولندن تسخير ترسانتيهما لصالح أطراف الحلف الأخرى؟
البحث لا يزال في بداياته. والشيء نفسه يصح عن المزاعم الأميركية بخصوص إمكانية نشر روسيا أسلحة نووية في الفضاء مضادة للأقمار الاصطناعية، ما يطرح إشكالية تسليح الفضاء نووياً...ولا شك في أن النقاش بشأن هاتين المسألتين سيشغل الحلف الأطلسي ومعه بقية العالم، لأشهر طويلة.