قائد جيش أوكرانيا الجديد يحدد أولوياته الرئيسية في الحرب ضد روسيا

الجنرال سيرسكي يتبنى توسيع استخدام أنظمة الأسلحة غير المأهولة والحرب الإلكترونية

أولكسندر سيرسكي مع فولوديمير زيلينسكي (قناة زيلينسكي على تلغرام)
أولكسندر سيرسكي مع فولوديمير زيلينسكي (قناة زيلينسكي على تلغرام)
TT

قائد جيش أوكرانيا الجديد يحدد أولوياته الرئيسية في الحرب ضد روسيا

أولكسندر سيرسكي مع فولوديمير زيلينسكي (قناة زيلينسكي على تلغرام)
أولكسندر سيرسكي مع فولوديمير زيلينسكي (قناة زيلينسكي على تلغرام)

في أكبر تغيير لكبار القادة منذ اندلاع الحرب ضد روسيا، وفي وقت يموج بالتحديات، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الخميس، تعيين الكولونيل جنرال أولكسندر سيرسكي قائداً عاماً جديداً للقوات المسلحة بدلاً من الجنرال فاليري زالوجني. ومنح الرئيس الأوكراني زالوجني وسام «أبطال أوكرانيا».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع القائد الجديد لقواته (أ.ب)

وذكر سيرسكي أن إحدى أولوياته الرئيسية هي توسيع استخدام أنظمة الأسلحة غير المأهولة، مثل الطائرات المسيّرة والحرب الإلكترونية، للانتصار على القوات الروسية. وأضاف سيرسكي أن هذه التكنولوجيا مهمة في كفاح أوكرانيا لكسر خطوط الدفاع الروسية، وتحرير الأراضي المحتلة.

وبينما يلوح في الأفق عام ثالث من الحرب في أوكرانيا، وصف سيرسكي الإمداد السريع والفعال لقوات الخطوط الأمامية بأنه لا يقل أهمية، مشيراً إلى أن «حياة وصحة الجنود، كانت وما زالت، أهم قيمة للجيش الأوكراني».

قائد القوات الأوكرانية فاليري زالوجني الثاني من اليمين (رويترز)

وطلب الرئيس الأوكراني من القائد الجديد وضع خطة «واقعية» لعام 2024، في وقت تبدي فيه كييف قلقها من تشرذم الدعم الغربي لها بسبب خلافات داخلية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وحث المستشار الألماني أولاف شولتس، أثناء زيارته لواشنطن، الكونغرس الأميركي على صرف مساعدات لأوكرانيا «بسرعة».

وفي إطار حملته الانتخابية لولاية ثانية، يتفاوض بايدن منذ أشهر مع المعارضة الجمهورية على نص يتضمن مساعدات عسكرية لكييف تبلغ نحو 60 مليار دولار.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يتوسط جنوده خلال زيارته إلى الجبهة (أ.ب)

وفي أوكرانيا، يجعل القائد الأعلى الجديد، الذي وصفه زيلينسكي بأنه «الجنرال الأكثر خبرة في أوكرانيا»، من أولوياته «التخطيط بطريقة واضحة ومفصلة لأنشطة جميع الأجهزة» لتحقيق «النصر». وعليه حالياً التعامل مع واحدة من المشكلات الرئيسية التي تواجهها كييف وهي نقص الذخيرة. والتقى قائد الجيش الألماني كارستن بروير مع نظيره الأوكراني لإجراء محادثات في كييف بشأن مزيد من المساعدات الألمانية.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يكرم جندياً خلال زيارته لمنطقة زابوريجيا (أ.ب)

وقال القائد العام الجديد في أول تصريحات علنية منذ توليه مهامه إن القوات المسلحة بحاجة إلى التكيف، وابتكار أساليب جديدة للقتال لتحقيق النصر على الغزاة الروس.

وقال سيرسكي في منشور على «تلغرام»: «التغيير والتحسين المستمر لوسائل وأساليب الحرب هو السبيل الوحيد لتحقيق النجاح»، مشيراً إلى الطائرات المسيرة والحرب الإلكترونية بوصفها أمثلة للتكنولوجيا الجديدة التي من شأنها أن تساعد أوكرانيا على تحقيق النصر.

صور من الأضرار التي سببتها هجمات لمسيّرات روسية على قرية أوكرانية قرب أوديسا (إ.ب.أ)

ويأتي تغيير القادة في فترة صعبة لأوكرانيا التي فشلت في استعادة مناطق كبيرة منذ أواخر 2022، وتواجه الآن انقطاعاً محتملاً في المساعدات العسكرية من الولايات المتحدة، أكبر داعم لها. وتشن القوات الروسية حالياً هجوماً على بلدة أفدييفكا الأوكرانية الواقعة على خط الجبهة، في تصعيد للمساعي المتواصلة منذ شهور للسيطرة عليها.

رجال الإطفاء يحاولون إخماد حريق جرّاء هجوم بمسيّرات في خاركيف الجمعة (أ.ف.ب)

وتولى سيرسكي الذي كان قائداً للقوات البرية، قيادة عمليات الدفاع عن العاصمة الأوكرانية بنجاح في بداية الغزو الروسي والهجوم المضاد الخاطف في الشمال الشرقي، وهما من أكبر النجاحات في السنة الأولى من الحرب. وطالت سيرسكي انتقادات بعض الجنود الأوكرانيين خلال دفاع أوكرانيا عن بلدة باخموت الشرقية، حيث قُتل آلاف من الجانبين قبل انسحاب قوات كييف في مايو (أيار) 2023.

إخماد حريق جرّاء هجوم بمسيّرات في خاركيف الجمعة (أ.ف.ب)

وتزامناً، قالت روسيا إنها أحبطت هجوماً أوكرانياً بطائرات مسيّرة على «سفن نقل مدنية» روسية، مساء الجمعة، جنوب غربي البحر الأسود الذي يعد شرياناً رئيسياً لتصدير الحبوب والنفط من كلا البلدين. وذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيان منشور على تطبيق «تلغرام» أن مركبة مسيّرة بحرية أوكرانية اشتركت في الهجوم دُمرت، وأن نيران المدفعية أو الحرب الإلكترونية عطّلت بقية المركبات المسيّرة. والبحر الأسود ممر حيوي لصادرات الحبوب الروسية والأوكرانية. وفي يوليو (تموز) الماضي، رفضت روسيا تجديد اتفاق بوساطة تركية يسمح بالتصدير الآمن للحبوب عبر المنطقة.

وقال الجنرال سيرسكي: «هناك مهام جديدة على جدول الأعمال. أولاً يتعلق الأمر بتخطيط أعمال كل الأجهزة بشكل واضح ومفصل (...) مع الأخذ في الحسبان احتياجات خط الجبهة من أحدث الأسلحة التي قدمها الشركاء الدوليون». والجيش تنقصه الذخائر، بينما تراجعت المساعدة الغربية بشكل كبير منذ فشل الهجوم الأوكراني المضاد في صيف 2023.

ضربات روسية بالمسيّرات على خاركيف (رويترز)

وأضاف سيرسكي أن «التوزيع والتسليم السريع والمنطقي لكل ما هو ضروري للوحدات القتالية، كان ولا يزال، المهمة الرئيسية للخدمات اللوجيستية العسكرية».

وأكد الجنرال الذي كان قائداً للقوات البرية، أيضاً أن الحد من الخسائر البشرية هو أولويته وقال إن «حياة وصحة الجنود، كانتا دائماً وستظلان، القيمة الأساسية للجيش الأوكراني»، واعداً بتدريب جنود الوحدات القتالية بشكل أفضل.

وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف للصحافيين: «لا نعتقد أن (هذه الخطوة) عامل مؤثر في مسار العملية العسكرية الخاصة»، مشدداً على أن الهجوم «سيستمر حتى تتحقق الأهداف» المحددة له. وأكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقابلة طويلة أجراها معه المذيع الأميركي تاكر كارلسون، وبثّت، الخميس، أنّ هزيمة قواته في الحرب التي تخوضها في أوكرانيا «مستحيلة».

وقال بوتين للصحافي في صالة كبيرة، حيث كانا يجلسان وجهاً لوجه: «حتى الآن كانت هناك صيحات وأصوات تدعو إلى إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا في ساحة المعركة». وأضاف: «لكن الآن يبدو أنهم يدركون أنّ هذا أمر صعب تحقيقه، بل إنّه مستحيل. في رأيي، هذا الأمر مستحيل بحكم التعريف. هذا لن يحدث أبداً. ويبدو لي أنّ مَن هم في السلطة في الغرب يدركون الآن ذلك أيضاً». وتابع: «عليهم أن يفكروا في ما سيأتي بعد ذلك. نحن مستعدون لهذا الحوار».

وكثف الجيش الأوكراني هجماته بالمسيّرات والصواريخ على منشآت عسكرية ونفطية على الأراضي الروسية، وهي وسيلة لإرغام الجيش الروسي على سحب بعض عناصره وتجهيزاته من الجبهة نحو الخطوط الخلفية.

وتبنت الأجهزة الخاصة الأوكرانية هجوماً بمسيّرات استهدف ليلاً مصفاتي نفط في منطقة كراسنودار بجنوب روسيا، بينما أعلنت وزارة الدفاع الروسية من جهتها إسقاط 19 من هذه الطائرات، ليل الخميس - الجمعة.

ضربات روسية بالمسيّرات على خاركيف (رويترز)

وقال مصدر في الأجهزة الخاصة الأوكرانية لوكالة الصحافة الفرنسية إن «مسيّرات جهاز (الأمن الأوكراني) ضربت مصفاتي نفط في منطقة كراسنودار في الوقت نفسه: ليس فقط مصفاة إيلسكي، إنما أيضاً مصفاة أفيبسكي». وقال المصدر الأوكراني: «هاتان المصفاتان هما هدفان مشروعان. ليس فقط لأنهما تعملان للدفاع، وتزودان القوات الروسية بالوقود، إنما أيضاً ترتديان أهمية بالنسبة للاقتصاد الروسي».

وفي منطقة كراسنودار، أشارت أجهزة الطوارئ المحلية إلى اندلاع حريق في مصفاة للنفط في إيلسكي، من دون أن تؤشر إلى وجود رابط بين الحريق والهجمات الأوكرانية التي أعلنتها وزارة الدفاع الروسية.

ومن جهته، أعلن سلاح الجو الأوكراني أن روسيا أطلقت 16 مسيّرة إيرانية الصنع من طراز «شاهد» من قواعد في شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو، ومن منطقة كورسك. وفي منطقة سومي شمال شرقي أوكرانيا قُتل 3 أشخاص، وأصيب 4 آخرون في غارة روسية، حسبما أعلن وزير الداخلية الأوكراني، مساء الجمعة.


مقالات ذات صلة

روسيان يقرران بيع صالة رياضية في هلسنكي بسبب العقوبات

رياضة عالمية لم تعلق الوزارة على هوية مشتري الصالة وما سعر بيعها (وزارة الخارجية الفنلندية)

روسيان يقرران بيع صالة رياضية في هلسنكي بسبب العقوبات

قالت وزارة الخارجية الفنلندية اليوم الثلاثاء إن مالكين من روسيا لصالة رياضية في العاصمة الفنلندية قررا بيعها بعد تضررهما من عقوبات.

«الشرق الأوسط» (هلسنكي)
العالم قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

الخارجية الأميركية: جنود من كوريا الشمالية ينضمون لروسيا في الحرب

قالت وزارة الخارجية الأميركية، اليوم (الثلاثاء)، إن قوات من كوريا الشمالية بدأت الاشتراك في عمليات قتالية في صفوف القوات الروسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أوكرانيا تقول إن الروس يستعدون لتنفيذ عمليات هجومية في عدة اتجاهات (إ.ب.أ)

كييف تقول إن موسكو تستعد لشن هجوم في جنوب أوكرانيا

عززت روسيا قواتها العسكرية وكثفت قصفها تمهيدا لتنفيذ هجوم في الجبهة الجنوبية حيث لم تتغير مواقعها إلى حد كبير خلال الأشهر الأخيرة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته في زيارته الأولى لباريس منذ تسلمه منصبه الجديد (إ.ب.أ)

أوكرانيا والحلف الأطلسي محور الاتصالات الغربية استباقاً لخطط ترمب

المخاوف الغربية من خطط ترمب القادمة بالنسبة لأوكرانيا والحلف الأطلسي تهيمن على الاتصالات الراهنة.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا دبابة روسية مُدمَّرة على جانب طريق بمنطقة كورسك (أ.ب)

بوتين يسعى إلى استعادة كورسك قبل تنصيب ترمب

تشير تعيينات إدارة الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، التي لم تؤكد كلها بعدُ، إلى أن ملف الحرب في أوكرانيا قد لا يكون بهذه السوداوية المتوقعة.

إيلي يوسف (واشنطن)

أوكرانيا والحلف الأطلسي محور الاتصالات الغربية استباقاً لخطط ترمب

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته في زيارته الأولى لباريس منذ تسلمه منصبه الجديد (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته في زيارته الأولى لباريس منذ تسلمه منصبه الجديد (إ.ب.أ)
TT

أوكرانيا والحلف الأطلسي محور الاتصالات الغربية استباقاً لخطط ترمب

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته في زيارته الأولى لباريس منذ تسلمه منصبه الجديد (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته في زيارته الأولى لباريس منذ تسلمه منصبه الجديد (إ.ب.أ)

منذ الإعلان عن فوز الرئيس السابق دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية بولاية جديدة، تتمحور الاتصالات والمؤتمرات واللقاءات الغربية حول موضوعين متصلين: الأول يتناول مصير الحرب الروسية - الأوكرانية في حال قرر ترمب وقف دعم كييف بالسلاح والمال ومعرفة ما إذا كانت الدول الأوروبية قادرة على الحلول محل الطرف الأميركي، والثاني، مصير الحلف الأطلسي، وذلك على خلفية المخاوف التي ستترتب على تقليص الولايات المتحدة انخراطها في الحلف المذكور، ما سيطرح حكما موضوع أمن أوروبا ربما مع تراجع المظلة الأميركية ــ الأطلسية بما فيها شقها النووي.

وتبرز قراءة التصريحات الصادرة عن القادة الأوروبيين في الأيام الثمانية المنقضية محورية المخاوف المرتبطة بالموضوعين المشار إليهما، لا بل الهلع من أن يعمد ترمب إلى تنفيذ تهديداته التي كررها كثيرا من المرات خلال الحملة الانتخابية الأميركية.

بناء الركن الأوروبي للحلف الأطلسي

ومن بين القادة الغربيين، يبدو الرئيس الفرنسي الذي كان من أوائل المهنئين بفوز ترمب، الأكثر رغبة في أن يلعب دورا محوريا في هذه المرحلة كونه كان سباقا في الدعوة، منذ عام 2017، إلى بناء «الاستقلالية الاستراتيجية» الأوروبية التي تغطي بالطبع الجوانب العسكرية ولكن أيضا الصناعية والتكنولوجية والسيبرانية... بيد أن دعوته السابقة لم تلق الأصداء التي كان يطمح إليها.

إلا أن عودة ترمب إلى البيت الأبيض، وفق مصادر فرنسية، «أحدثت تغييرا في المقاربة الأوروبية»، لا، بل إن دولا أدارت ظهرها سابقا لدعوات ماكرون، تبدو اليوم مقتنعة برؤيته وأبرزها بولندا التي تحولت مع الحرب الروسية ــ الأوكرانية إلى بلد محوري في إطار الحلف الأطلسي.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال احتفالات الذكرى الـ106 لنهاية الحرب العالمية الأولى الاثنين في باريس (أ.ب)

ويومي الاثنين والثلاثاء، استقبل ماكرون رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر وأمين عام الحلف الأطلسي مارك روته الذي زار باريس للمرة الأولى منذ تسلمه منصبه الجديد. وبالطبع كان هذان الموضوعان محور المحادثات المطولة التي أجراها الثلاثة من أجل التوافق على رؤية تشجع ترمب وتقنعه بمواصلة دعم أوكرانيا والإبقاء على انخراط واشنطن في الحلف الأطلسي.

في كلمته إلى الصحافة ظهر الثلاثاء، ربط ماكرون أمن الغربيين بالحاجة إلى أوكرانيا قوية وإلى أوروبا قوية فضلا عن حلف أطلسي متماسك وقوي، معتبرا أن هذه الثلاثية «ستشكل الأجندة الغربية للأشهر والسنوات المقبلة». فالبنسبة لأوكرانيا، رأى ماكرون أن مواصلة دعمها، ما دامت في حاجة لذلك، «تعد الأولوية القصوى» و«الطريق الوحيد للذهاب إلى المفاوضات»، مضيفا، في ما يبدو أنه رسالة لترمب: «لا شيء يجب أن يقرر بشأن (مصير) أوكرانيا من غير الأوكرانيين ولا بالنسبة لأوروبا من غير الأوروبيين».

ماكرون المدافع الأول عن مبدأ الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية بمعية الجنرال تييري بوركها (رويترز)

بالمقابل، رأى ماكرون أنه يتعين على الأوروبيين «بناء الركن الأوروبي في إطار الحلف الأطلسي لأمن جناحيه على ضفتي المحيط، وهو ما تنتظره الإدارة الأميركية من الأوروبيين». وزاد ماكرون أنه «خلال فترات طويلة تحاشت أوروبا أن تتحمل أعباء أمنها معتبرة أنها تستفيد من منافع السلام من غير أن تدفع الثمن»، متبنيا بذلك اتهامات ترمب للقادة الأوروبيين المتكررة خلال ولايته الأولى. وللتذكير، فإن الأخير نبه الأوروبيين بأنه سيترك الباب مفتوحا للرئيس الروسي ليفعل ما يشاء بالبلدان الأوروبية التي لا تساهم كفاية بميزانية الحلف.

الرئيس إيمانويل ماكرون مجتمعاً الخميس في بودابست مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

ومرة أخرى، دافع ماكرون عن حاجة الأوروبيين إلى أجندة لاستقلالية أوروبا الاستراتيجية، ليصل إلى الحاجة لحلف أطلسي قوي «قادر على ردع أعدائنا ويكون مجهزا بخطط دفاعية محدثة وبقدرات (عسكرية) مضاعفة وبأسلحة متداولة بين جميع أعضائه...». وبنظره، «يتعين التعامل بجدية مع تعزيز القدرات الدفاعية والردعية للحلف»، مضيفا أن القوة النووية الفرنسية تعد جزءا من هذه القدرات.

توافق في المقاربة بين روته وماكرون

قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا برفقة الرئيس الأميركي جو بايدن في مقر المستشارية الألمانية ببرلين يوم 18 أكتوبر (أ.ب)

لا تختلف قراءة مارك روته عن مقاربة ماكرون أو المقاربة الغربية بشكل عام. فالأول يعد أن اللحظة الراهنة «بالغة الدقة بالنسبة للسلام والأمن عبر العالم»، منددا بالتحالف الذي بنته روسيا مع الصين وإيران وكوريا الشمالية. فمن جهة، يرى أن الثمن الذي تقدمه روسيا مقابل ما تحصل عليه من كوريا الشمالية {أسلحة وصواريخ ورجالا} وقوامه التمويل وتكنولوجيات يمكن بيونغ يانغ من تصنيع صواريخ قادرة على استهداف الأراضي الأميركية فضلا عن أوروبا والفضاء الأور ــ أطلسي إضافة إلى منطقة المحيط الهندي ــ الهادئ وبالطبع جوارها المباشر (كوريا الجنوبية واليابان).

أما ما تجنيه إيران من مبيعات السلاح إلى روسيا، فإنها «تستخدمه مع وكلائها في زعزعة استقرار الشرق الأوسط وتغذية الإرهاب». ولمواجهة هذه المخاطر، يدعو روته إلى المحافظة على الحلف الأطلسي وتعزيزه. وكما ماكرون، فإنه يرى أن التحدي الأول هو توفير الدعم المستدام لأوكرانيا التي «تتحضر لمواجهة فصل الشتاء الأقصى منذ عام 2022»، ملمحا بذلك إلى الصعوبات التي تواجهها القوات الأوكرانية ميدانيا.

وقال روته ما حرفيته: «لم يعد كافيا أن نمد كييف بما يمكنها من مواصلة القتال... بل يجب أن نقدم لها ما يجعلها في وضع القادر على تغيير مسار الصراع». كذلك دافع روته عن الحاجة لتعزيز قدرات الحلف الأطلسي الدفاعية «في عالم أصبح أكثر خطورة» منوها بالحاجة للإسراع في تعزيز التعاون ما بين أعضاء الحلف، من غير التلميح لما قد يقدم عليه الرئيس ترمب بعد تسلمه السلطة.

حتى اليوم، يبدو الغربيون في وضع ترقب ما سيصدر عن الرئيس الأميركي الـ47. وإذا كان الشعور العام عنوانه الحاجة لرص الصفوف، فإن كثيرا من القادة الغربيين وعلى راسهم ماكرون يتخوفون من أن يهرع بعض هؤلاء إلى واشنطن للحصول على «مباركة» ترمب والتأكد من وجود علاقة «مميزة» بينه وبينهم.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (يمين) يصافح الرئيس دونالد ترمب (د.ب.أ)

ومن بين هؤلاء رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان ورئيسة وزراء إيطاليا جيورجيا ميلوني، وأيضا رئيس الوزراء البريطاني ستارمر وآخرون غيرهم. ومن الأفكار التي طرحت في لقاء ماكرون ــ ستارمر، وفق الصحافة البريطانية، السعي لإقناع الرئيس بايدن بالسماح للأوكرانيين باستخدام صواريخ «ستورم شادو» البريطانية ونظيرتها الفرنسية «سكالب» لاستهداف العمق الروسي، وذلك قبل رحيله عن البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) القادم. والحال أن واشنطن رفضت حتى اليوم قبول الطلب الذي يصر عليه الأوكرانيون منذ أشهر طويلة. وفي سياق موازٍ، تريد باريس ولندن من تعزيز تسليح كييف تمكينها من أن تكون في موقع قوي عندما تنطلق المفاوضات التي لا محيد عنها لوضع حد للحرب القائمة.

يبقى أن وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو لا يريد الاستعجال في إطلاق الأحكام المسبقة بشأن ما ستكون عليه سياسة ترمب إزاء أوكرانيا، داعيا إلى «إعطاء الإدارة الأميركية (الجديدة) وقتها». إلا أنه لم يفته التذكير بأن أي مبادرات يجب أن تمكن أوكرانيا من أن تحدد نفسها التوقيت والشروط اللازمة للمشاركة في عملية التفاوض.