البحث في عقوبات أوروبية على المستوطنين مرتكبي أعمال العنف في الضفة

وزراء خارجية «الاتحاد» سيسعون الاثنين للتغلّب على انقساماتهم

بيت فلسطيني تعرَّض لاعتداءات على يد عدد من المستوطنين في الضفة الغربية (إ.ب.أ)
بيت فلسطيني تعرَّض لاعتداءات على يد عدد من المستوطنين في الضفة الغربية (إ.ب.أ)
TT

البحث في عقوبات أوروبية على المستوطنين مرتكبي أعمال العنف في الضفة

بيت فلسطيني تعرَّض لاعتداءات على يد عدد من المستوطنين في الضفة الغربية (إ.ب.أ)
بيت فلسطيني تعرَّض لاعتداءات على يد عدد من المستوطنين في الضفة الغربية (إ.ب.أ)

جاء في أحد مقاطع الرسالة التي نشرها الرئيس الأميركي جو بايدن بتاريخ 18 نوفمبر (تشرين الثاني)، في صحيفة «واشنطن بوست»، ما حرفيته: «قلتُ للمسؤولين الإسرائيليين، بشكل قاطع، إن عنف المتطرفين في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين يجب أن يتوقف، وإن الذين يقترفون هذه الأعمال تتعين محاسبتهم».

وأضاف: «إن الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ مبادرات خاصة يمكن أن تتضمن حجب التأشيرات عن المتطرفين الذين يهاجمون المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية».

وقتها، نُظِر إلى مبادرة بايدن على أنها محاولة لتحسين صورة الولايات المتحدة التي وقفت قلباً وقالباً مع إسرائيل، ودافعت عن مواقفها، وقدمت لها الدعم العسكري والمالي، ووفَّرت لها الحماية السياسية والدبلوماسية، وقطعت الطريق على أي مطالبة بوقف لإطلاق النار في غزة.

لكن تهديدات بايدن لم تكن كلاماً في الهواء؛ فيوم الثلاثاء الماضي أعلنت الخارجية الأميركية أن واشنطن «تبنَّت سياسة جديدة في موضوع التشدُّد؛ بتوفير تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة» ضد الأشخاص الذين «أقدموا على ممارسات ضد السلام والأمن والاستقرار في الضفة الغربية، وتحديداً من خلال ارتكاب أعمال عنف...»، في إشارة إلى المستوطنين. وجاء في البيان الأميركي الصادر عن وزير الخارجية أنطوني بلينكن، أنه يتعين على إسرائيل «اتخاذ تدابير إضافية من أجل حماية المدنيين الفلسطينيين ضد هجمات المتطرفين».

منزل أسرة فلسطينية أحرقه مستوطنون في يونيو 2023 (د.ب.أ)

المفارقة أن شيئاً كهذا لم يصدر عن الاتحاد الأوروبي لا فردياً ولا جماعياً، رغم البيانات الصادرة عن العديد من دوله التي تندِّد بعنف المستوطنين وممارساتهم. وقالت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم الخارجية الفرنسية، أمس، إن أعمال العنف ضد الفلسطينيين «يجب أن تتوقف، والمسؤولية تقع على السلطات الإسرائيلية التي يتعيَّن عليها أن تحاسب المسؤولين عنها». أضافت: «نحن، من جهتنا، سوف نتحمل مسؤولياتنا وننظر في اتخاذ تدابير تمنع (المسؤولين عن العنف) من دخول الأراضي الفرنسية وتجميد أموالهم في فرنسا وعلى المستوى الأوروبي».

وتفيد المعلومات المتوفرة بأن موضوع فرض عقوبات على مرتكبي أعمال العنف بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية سيتم بحثه على مستوى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين المقبل، في بروكسل.

وأكدت الخارجية الفرنسية، أن الوزيرة كاترين كولونا «سوف تثير هذه المسألة» في الاجتماع المذكور. ولأن زمن الانتقال إلى التنفيذ ليس متضحاً بعد؛ لا على المستوى الفرنسي ولا الأوروبي، ولأنه لا لوائح متوافرة عن الأشخاص الضالعين في أعمال العنف، فإن البحث على مستوى الاتحاد الأوروبي سوف يتواصل، علماً بأن هناك انقسامات بين أعضائه.

تنديد فرنسي

والأربعاء، نددت الخارجية الفرنسية بممارسات المستوطنين «تحت أنظار الجيش الإسرائيلي». وسبق للرئيس ماكرون شخصياً، وأكثر من مرة، أن أدان العنف المذكور.

وإذا كانت هناك إشارة إيجابية؛ فقد أتت من برلين التي أكدت دعمها لاتخاذ إجراءات من هذا النوع، رغم دعمها المطلق لإسرائيل، ورفضها قبول وقف إطلاق النار. ووفق المستشار الأماني أولاف شولتس، فإن أمراً كهذا «سيفيد (حماس) التي تستطيع التقاط أنفاسها وإعادة تنظيم صفوفها».

ولكن هناك 3 دول مرشَّحة لأن تعارض قراراً على المستوى الأوروبي بهذا الخصوص، وهي تحديداً النمسا والتشيك والمجر، المعروفة بعلاقاتها الوثيقة مع إسرائيل، وخصوصاً المجر. إلا أن الخطوة الأميركية من شأنها أن «تشجع» الأوروبيين، وفق مصدر دبلوماسي أوروبي في باريس، على اقتفاء أثر واشنطن.

وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في أستراليا بمناسبة زيارة رسمية في 4 ديسمبر (أ.ف.ب)

انتقاد يعفي من حرج عزة

وبحسب هذا المصدر، فإن التصويب على المستوطنين بالنسبة للطرفين (الأميركي والأوروبي) «أسهل من انتقاد ما تقوم به إسرائيل في غزة، رغم التحذيرات والنداءات الصادرة عن الأمم المتحدة بشخص أمينها العام، أنطونيو غوتيريش، والمسؤولين عن المنظمات والوكالات المتفرعة عنها، مثل (الأونروا) و(منظمة اليونيسيف) و(منظمة الصحة الدولية) وغيرها».

وترى مصادر أخرى أن استدارة أوروبية محتملة، رغم الانقسامات الداخلية، يمكن النظر إليها على أنها محاولة مزدوجة الأهداف؛ فمن جهة، يُراد منها أن تحسِّن صورة الأوروبيين وإظهار أنهم يسعون إلى سياسة «متوازنة» في المواقف ما بين إسرائيل والفلسطينيين. ومن جهة ثانية، التعويض عن عجزهم في التأثير على مسار الحرب في غزة، حيث الطرف الخارجي الوحيد الذي تحسب له إسرائيل الحساب هو الجانب الأميركي، وليس أبداً الأوروبي.

ومرة أخرى، يبدو أن الطرف الأوروبي ينتظر «الإشارة» من واشنطن للتجرؤ على القيام بخطوة ما إزاء حرب يبدو فيها مكبل اليدين.

وعلى أي حال، فإن توصل الأوروبيين إلى اتفاق بشأن العقوبات التي لا تتجاوز الحد الأدنى سيحتاج إلى أسابيع، بينما الوضع الميداني في الضفة الغربية متفجِّر. ووفق وزارة الصحة الفلسطينية، فإن 258 فلسطينياً قُتلوا في الضفة منذ السابع من أكتوبر.

ثمة اقتناع يعبر عنه أكثر من طرف أوروبي غير رسمي، مفادها أن عقوبات الحد الأدنى، في حال تم إقرارها على المستوى الأوروبي، لن يكون لها كبير الأثر على الوضع الميداني؛ ففي حالة فرنسا، لا يحتاج حامل جواز السفر الإسرائيلي لتأشيرة دخول، وهو يحق له الدخول إلى فرنسا والإقامة فيها لمدة لا تزيد على 90 يوماً من غير تأشيرة، ومن غير أن يكون متوجباً عليه أن يعلن عن حضوره على الأراضي الفرنسية بأي شكل من الأشكال.

ثم إن كثيراً من الإسرائيليين يحملون جنسية مزدوجة؛ ما يعفيهم غالباً من التأشيرة في مجموعة دول «شينغن». والأمر نفسه معمول به أميركياً حيث لم يعد الإسرائيلي بحاجة لتأشيرة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي.

انقسام مستمر

ليست انقسامات الأوروبيين بشأن الملف الفلسطيني جديدة؛ فخلال العقود والسنوات الماضية، فشلوا فشلاً ذريعاً حتى في تنفيذ قرارات اتخذوها جماعياً، مثل فرض قيود على منتجات المستوطنات التي تروجها إسرائيل في الفضاء الأوروبي. ولا شيء يمكن أن يجمع إسبانيا وألمانيا بالنسبة للملف الفلسطيني؛ فرئيس الحكومة الإسبانية ومعه نظيره البلجيكي أعربا عن استعدادهما، مؤخراً، ومن قرب الحدود مع غزة، للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بينما تحجم برلين حتى عن انتقاد إسرائيل ما يشكل بالنسبة إليها خطاً أحمر ترفض اجتيازه.

بالمقابل، فإن الأوروبيين سيبحثون، الاثنين، في فرض عقوبات على «حماس». واستبقت باريس الاجتماع بالإعلان، الثلاثاء، عن تجميد أموال يحيى السنوار زعيم «حماس» في غزة، ومحمد الضيف قائد كتائب القسام، ومساعده مروان عيسى. ويبدو اتفاق الأوروبيين بشأن العقوبات على «حماس» التي يعدّونها تنظيماً إرهابياً أكثر يسراً بعكس الحال مع إسرائيل.


مقالات ذات صلة

النفط يرتفع في مستهل تعاملات الأسبوع... والخام الأميركي يقترب من 70 دولاراً

الاقتصاد حفارات النفط تعمل بالقرب من كالغاري في مقاطعة ألبرتا الكندية (أ.ب)

النفط يرتفع في مستهل تعاملات الأسبوع... والخام الأميركي يقترب من 70 دولاراً

ارتفعت أسعار النفط خلال جلسة الاثنين، بعد أن أظهرت بيانات أميركية تباطؤ التضخم بأكثر من المتوقع؛ مما أنعش الآمال في مزيد من تيسير السياسات النقدية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا أوربو وكريسترسون وميلوني وكالاس وميتسوتاكيس خلال اجتماعهم في فنلندا اليوم (أ.ف.ب)

رئيس الوزراء الفنلندي: روسيا تشكل «تهديداً دائماً» للاتحاد الأوروبي

عَدَّ رئيس الوزراء الفنلندي بيتيري أوربو، اليوم الأحد، أن روسيا تشكل «تهديداً دائماً وخطراً» للاتحاد الأوروبي.

«الشرق الأوسط» (هلسنكي)
شؤون إقليمية جانب من اجتماع مجلس الشؤون العامة للاتحاد الأوروبي (إعلام تركي)

الاتحاد الأوروبي يضغط على تركيا لتنفيذ إصلاحات لنيل عضويته

كرّر الاتحاد الأوروبي مطالبة تركيا باستيفاء المعايير المؤهلة للحصول على عضويته، ولا سيما مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعبير وسيادة القانون.

الاقتصاد ترمب يلقي تصريحاً في مار-إيه-لاجو في بالم بيتش، فلوريدا، 16 ديسمبر 2024 (رويترز)

ترمب يهدد أوروبا... زيادة شراء النفط والغاز الأميركي أو مواجهة الرسوم

قال الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، إن الاتحاد الأوروبي قد يواجه فرض رسوم جمركية إذا لم يسع لتقليص العجز التجاري المتزايد مع الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
العالم السفينة الصينية حاملة البضائع «يي بينغ 3» راسية وتخضع للمراقبة من قبل سفينة دورية بحرية دنماركية (لا تظهر في الصورة) في بحر كاتيغات بالقرب من مدينة غرانا في غوتلاند بالدنمارك 20 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

الشرطة الأوروبية تحقق بشأن سفينة صينية كانت بالقرب من كابلات اتصالات تعرضت لأضرار

رافق رجال شرطة أوروبيون الخميس، رجال شرطة صينيين للتحقيق بشأن سفينة صينية كانت قرب اثنين من كابلات الاتصالات لحقت بهما أضرار في قعر بحر البلطيق الشهر الماضي.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)

رئيس الوزراء الفنلندي: روسيا تشكل «تهديداً دائماً» للاتحاد الأوروبي

أوربو وكريسترسون وميلوني وكالاس وميتسوتاكيس خلال اجتماعهم في فنلندا اليوم (أ.ف.ب)
أوربو وكريسترسون وميلوني وكالاس وميتسوتاكيس خلال اجتماعهم في فنلندا اليوم (أ.ف.ب)
TT

رئيس الوزراء الفنلندي: روسيا تشكل «تهديداً دائماً» للاتحاد الأوروبي

أوربو وكريسترسون وميلوني وكالاس وميتسوتاكيس خلال اجتماعهم في فنلندا اليوم (أ.ف.ب)
أوربو وكريسترسون وميلوني وكالاس وميتسوتاكيس خلال اجتماعهم في فنلندا اليوم (أ.ف.ب)

عَدَّ رئيس الوزراء الفنلندي بيتيري أوربو، اليوم الأحد، أن روسيا تشكل «تهديداً دائماً وخطراً» للاتحاد الأوروبي، مشدداً على الحاجة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي ودعم أوكرانيا، وفق ما أوردته «وكالة الصحافة الفرنسية».

واستضاف أوربو قمة حول الأمن والهجرة، بمشاركة مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس.

وقال رئيس الحكومة الفنلندي، للصحافيين بعد القمة، إن «الوضع الأمني تغيّر»، مضيفاً «روسيا تشكّل تهديداً دائماً وخطراً للاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية».

وأكد أوربو وجوب تعزيز القوة العسكرية للدفاع عن أوروبا «بكل الوسائل الممكنة»، مع «استكشاف جميع الخيارات المالية»، دون ذكر أي خطط ملموسة لزيادة الميزانيات الدفاعية.

ووافقته كالاس قائلة إن «روسيا تشكل تهديداً مباشراً للأمن الأوروبي»، لافتة إلى أن «الأمن يشمل عناصر مختلفة».

وتابعت: «نشهد في جميع أنحاء أوروبا هجمات هجينة مختلفة، سواء أكانت أعمال تخريب أم هجمات إلكترونية، إضافة إلى أسطول ظل خطراً وتشويشاً على نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس)، وإلحاق أضرار بالكابلات، وأيضاً استخدام الهجرة سلاحاً».

واتهمت فنلندا موسكو بتدبير موجة هجرة في خريف عام 2023، بعد وصول نحو ألف مهاجر دون تأشيرات إلى حدودها الشرقية مع روسيا، والتي يبلغ طولها 1340 كيلومتراً.

وقال أوربو إن ضمان أمن حدود فنلندا مع روسيا، والتي أشار إليها بكونها أيضاً حدود الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «ناتو»، «مسألة وجودية لفنلندا ولدول الاتحاد الأوروبي وحلفاء الناتو».

كما أشار إلى أن الدول «يجب أن تستمر في تقديم الدعم لأوكرانيا ما دامت هناك حاجة، ومهما طال ذلك».