في الأسابيع القليلة الأولى من حرب أوكرانيا، كان السلام لا يزال ممكناً قبل الخسائر في الأرواح التي لا يمكن تصوّرها، وقبل تدمير البنية التحتية، وخسارة الأراضي في أوكرانيا، حسب ما يقول الكاتب الصحافي الأميركي تيد سنايدر، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».
وأضاف سنايدر، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، أن ذلك السلام كان ممكناً ثلاث مرات: المرة الأولى، في المحادثات التي أُجريت في بيلاروسيا، حيث أعلنت روسيا وأوكرانيا بعد 3 أيام فقط من العملية العسكرية الروسية الخاصة إجراء هذه المحادثات، والمرة الثانية في المحادثات التي قدم فيها الجانبان تنازلات كبيرة وتوسط فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت نفتالي بينيت الذي قام بزيارة مفاجئة إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محاولة للوساطة.
أما المرة الثالثة، فكانت في المحادثات التي جرت في إسطنبول مطلع أبريل (نيسان) العام الماضي، التي كانت أكثر المحادثات تفاؤلاً، إذا أجربت في ظل شعور الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بالإحباط في ما يتعلق باحتمال قبول انضمام بلاده لعضوية حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وفي المرات الثلاث كان من الممكن إنهاء الحرب بشروط ترضي أوكرانيا. وفي المرات الثلاث كانت أوكرانيا على استعداد للتخلي عن طلب الانضمام لعضوية «الناتو». وفي المرات الثلاث كانت واشنطن تعرقل المفاوضات.
ويضيف سنايدر، المتخصص في الشؤون الأميركية، أنه رغم أن الشروط التي تم التفاوض عليها كانت ترضي أهداف أوكرانيا، فإنها لم ترضِ الأهداف الأميركية. وطلبت الولايات المتحدة من أوكرانيا الاستمرار في القتال بدلاً من التفاوض ووعدتها بتوفير الأسلحة، والتدريب، والمعلومات الاستخباراتية «ما دام الأمر محتاجاً». وحرب الأيام الثلاثة التي كان ربما يتم وضع نهاية لها في بيلاروسيا، وحرب الأسبوع التي أسفرت عن اتفاق تم توقيعه مبدئياً، أصبحت حرباً مدتها عام ونصف العام الآن.
وأوضح سنايدر وهو كاتب عمود في موقع «Antiwar.com» الأميركي أن الولايات المتحدة دفعت أوكرانيا إلى القيام بهجوم مضاد كارثي، وهي تعلم أنها «لا تمتلك كل التدريب أو الأسلحة - ابتداءً من القذائف إلى الطائرات الحربية - التي كانت تحتاجها لطرد القوات الروسية». وبدلاً من ذلك اعتمد مسؤولو الولايات المتحدة على «الشجاعة والبراعة الأوكرانيتين» و«تصوروا قبول كييف الخسائر في الأرواح».
ويرى سنايدر أن هناك إدراكاً مبكراً في الغرب السياسي لأن الحرب لن تنتهي بانتصار عسكري لأوكرانيا، وأنها لن تنتهي بتحقيق الأهداف الضرورية لإرغام روسيا على الانصياع للمطالب الأوكرانية الرئيسية على مائدة المفاوضات. لقد انقضى وقت طويل على اللحظة التي كان يمكن أن تكون فيها أوكرانيا في أفضل وضع «على أرض المعركة لتكون في أقوى وضع ممكن على طاولة المفاوضات».
لقد كان من الممكن لو تحقق السلام في إسطنبول تجنب قتل وإصابة مئات الآلاف في أوكرانيا، التي من المحتمل أن تضطر الآن لتوقيع اتفاق بالشروط نفسها، ولكن بصورة أسوأ مما كان يمكنها توقيعه في إسطنبول.
وستظل أوكرانيا مضطرة لضمان الحياد، لكنها سوف تفعل ذلك دون أجزاء من مناطق دونباس وخيرسون وزابوريجيا على الأقل، التي كان من الممكن الاحتفاظ بها في ذلك الوقت.
ومنذ محادثات إسطنبول، عانت أوكرانيا من فقد عدد كبير من الأرواح وإصابة الكثيرين، وفقد أراضٍ، فقط لتوقع اتفاقاً كانت على استعداد لتوقيعه في بداية الحرب. تلك هي المأساة. فقد تم خوض كل الحرب لتنتهي بالطريقة نفسها التي كان من الممكن أن تنتهي بها بعد أسابيع من بدايتها، ولكن ستكون النهاية الأخيرة بشروط أسوأ تتعلق بالأراضي، وفي ظل خسارة أكبر في الأرواح.
واختتم سنايدر تقريره بالقول إن «بداية الحرب كانت خطأ روسيا؛ أما نهاية الحرب فسوف تكون خطأ أميركا».