تقارير: تطورات كاراباخ تُظهر أن روسيا المنغمسة بالحرب في أوكرانيا لم تعد شرطي القوقاز

روسيا المنغمسة بالحرب في أوكرانيا لم تعد شرطي القوقاز

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (وسط) ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان (يمين الصورة) والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يحضرون مؤتمراً صحافياً عقب اجتماعهم الثلاثي في سوتشي بروسيا في 26 نوفمبر 2021 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (وسط) ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان (يمين الصورة) والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يحضرون مؤتمراً صحافياً عقب اجتماعهم الثلاثي في سوتشي بروسيا في 26 نوفمبر 2021 (رويترز)
TT

تقارير: تطورات كاراباخ تُظهر أن روسيا المنغمسة بالحرب في أوكرانيا لم تعد شرطي القوقاز

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (وسط) ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان (يمين الصورة) والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يحضرون مؤتمراً صحافياً عقب اجتماعهم الثلاثي في سوتشي بروسيا في 26 نوفمبر 2021 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (وسط) ورئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان (يمين الصورة) والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يحضرون مؤتمراً صحافياً عقب اجتماعهم الثلاثي في سوتشي بروسيا في 26 نوفمبر 2021 (رويترز)

في حين أنّ مباحثات السلام بين أذربيجان وانفصاليّي إقليم ناغورنو كاراباخ الأرمن، انطلقت الخميس، غداة انتصار باكو في عملية عسكرية خاطفة، تطرح تطورات كاراباخ الأخيرة تساؤلات حول مدى احتفاظ روسيا المنشغلة بالحرب في أوكرانيا، بنفوذها في خاصرتها الجنوبية بالقوقاز، حيث اعتبرت تقارير صحافية كثيرة أن موسكو تخسر نفوذها في هذه المنطقة ولم تعد شرطي حدود هناك.

 

أذربيجان تشن هجوماً خاطفاً

شنت أذربيجان، الثلاثاء 19 سبتمبر (أيلول)، هجوماً خاطفاً على انفصاليّي ناغورنو كاراباخ (الأرمن المدعومين من أرمينيا). بعد مرور أقل من 24 ساعة على اندلاع الأعمال القتالية، توصّل طرفا النزاع في الإقليم إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، عكس ملامحه الأولى فرض أذربيجان سيطرتها على الإقليم وإذعان السلطات الانفصالية لشروط باكو، خصوصاً لجهة الاستعداد لتسليم السلاح وإفساح المجال لتعزيز السيطرة العسكرية المباشرة للقوات الأذرية على المؤسسات الحيوية في الإقليم. وقد انطلقت مباحثات السلام بين أذربيجان وانفصاليي الإقليم الأرمينيين الخميس.

صورة ملتقطة في 19 سبتمبر 2023 تظهر دخاناً يتصاعد من ضربات المدفعية على قمة تل خارج ستيباناكيرت عاصمة المنطقة الانفصالية (ناغورنو كاراباخ) التي يسكنها الأرمن داخل الحدود الأذربيجانية (أ.ف.ب)

أعاد تقرير لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، صدر الأربعاء، انتصار أذربيجان الأخير إلى نتاج تغييرات في ميزان القوى، حيث أطلقت حرب روسيا في أوكرانيا قوى جديدة في مناطق الصراعات المجمدة في الفضاء السوفياتي السابق. وقد استفادت باكو من دعم تركيا وعائداتها النفطية، و«انشغال موسكو، شرطي المنطقة السابق، في الصراع ضد جارتها الكبيرة في الجنوب (أوكرانيا)».

وفق التقرير، أدى غزو روسيا لأوكرانيا إلى تجديد إمكانية استخدام القوة لتغيير الحدود، ما زاد الحيز المتاح لأذربيجان للمناورة. وقد ترك شلل النظام الدولي منذ الحرب في أوكرانيا مجالاً واسعاً للتدخل العسكري الأذربيجاني، في حين لم تعد روسيا شرطي القوقاز.

الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف يلقي خطابه للشعب الأذربيجاني بعد العملية العسكرية الأذربيجانية في ناغورنو كاراباخ في باكو بأذربيجان، 20 سبتمبر 2023 (إ.ب.أ)

حرب ناغورنو كاراباخ الأولى

تعود جذور الصراع بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورنو كاراباخ إلى أواخر الحقبة السوفياتية حيث كانت الدولتان جزءاً من الاتحاد السوفياتي.

وناغورنو كاراباخ، المعروف باسم آرتساخ لدى الأرمن، هو منطقة جبلية تقع في الطرف الجنوبي من سلسلة جبال كاراباخ، داخل أذربيجان. وهو إقليم معترف به دولياً كجزء من أذربيجان، لكن سكانه البالغ عددهم 120 ألف نسمة هم في الغالب من العرق الأرمني. لديهم حكومتهم الخاصة القريبة من أرمينيا، ولكن غير معترف بها رسمياً من قبل أرمينيا أو أي دولة أخرى، وفق وكالة «رويترز» للأنباء.

وبحسب «رويترز»، مع بدء انهيار الاتحاد السوفياتي، اندلعت حرب كاراباخ الأولى (1988 - 1994) بين الأرمن وجيرانهم الأذريين. وقُتل حوالي 30 ألف شخص، وانتهى الأمر بالجانب الأرميني بالسيطرة على ناغورنو كاراباخ نفسها ومساحات من 7 مناطق أذرية محيطة.

جندي من أصل أرميني يقصف بالمدفعية أثناء قتال مع القوات الأذربيجانية في منطقة ناغورنو كاراباخ الانفصالية، في هذه الصورة المنشورة في 29 سبتمبر 2020 (رويترز)

حرب 2020

تمكنت أذربيجان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، من خلال صراع قصير، من استعادة بعض الأراضي التي خسرتها سابقاً في ناغورنو كاراباخ وما حولها. ومنذ ذلك الحين، لم يتمكن البلدان من التوصل إلى اتفاق بشأن تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة روسية، والذي أعقب النزاع.

وكان الهدف الأساسي لأذربيجان، بحسب تقرير صدر الثلاثاء عن مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، هو استخدام انتصارها العسكري في عام 2020 لتسهيل التنمية الاقتصادية الإقليمية والتواصل، وتحديداً من خلال تأمين الوصول إلى الطرق والسكك الحديدية إلى منطقة ناختشيفان (غرب كاراباخ) وما وراءها إلى تركيا. وهذا يتطلب عبور الأراضي الأرمينية، ولم تسفر المفاوضات بين الجانبين الأرميني والأذري عن نتائج ملموسة.

لكن رئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، اعترف في مايو (أيار) 2023 بسيادة أذربيجان على ناغورنو كاراباخ، بحسب «لوفيغارو».

جنود أذربيجانيون في مركز تدريب وتجنيد عسكري وسط صراع ناغورنو كاراباخ، بالقرب من مدينة غانجا بأذربيجان، 23 أكتوبر 2020 (رويترز)

تراجع النفوذ الروسي بأرمينيا

منذ تفكك الاتحاد السوفياتي، كانت أرمينيا شريكاً أمنياً مهماً لروسيا، وتستضيف واحدة من القواعد العسكرية الروسية القليلة على أراضٍ أجنبية، علماً أن أرمينيا ظلت أيضاً عضواً في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي تحالف أمني لدول الاتحاد السوفياتي السابق، طورته موسكو كردّ على منظمة حلف شمال الأطلسي «الناتو».

ولكن أرمينيا عملت على نحو كبير على التخلص من نفوذ موسكو، وخصوصاً عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وعدم تدخل روسيا عسكرياً لحماية أرمينيا بعد هجوم أذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ الانفصالي الأرميني في عام 2020.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يمين) يلتقي رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان في سوتشي بروسيا، 9 يونيو 2023 (رويترز)

ففي وقت سابق من هذا العام، نفى رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بشكل مباشر إعلان الكرملين أن منظمة معاهدة الأمن الجماعي ستستضيف تدريبات هذا العام في أرمينيا. كما رفض إرسال قوات للمشاركة في تلك التدريبات التي أجريت في نهاية المطاف في بيلاروسيا في وقت سابق هذا الشهر. حتى إن رئيس الوزراء الأرميني قال مؤخراً إن أرمينيا ارتكبت «خطأ استراتيجياً» باختيارها الاعتماد على روسيا وحدها لضمان أمنها.

وسبق لباشينيان أن قال في يناير (كانون الثاني)، مع تزايد التوترات بين يريفان وموسكو: «نحن لا ننتقد قوات حفظ السلام الروسية (في كاراباخ)، لكننا نعرب عن قلقنا بشأن أنشطتها، وهذا القلق له جذور طويلة الأمد».

ومنذ ذلك الحين، وصلت العلاقة بين الحليفين التقليديين إلى أدنى مستوى تاريخي، حيث قام باشينيان بعدة تحركات توضيحية، منتقداً ومبعداً بلاده عن روسيا أثناء محاولته مغازلة النفوذ في الغرب، وفق تقرير أصدرته الأربعاء صحيفة «غارديان» البريطانية.

رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي تتلقى زهوراً من رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان خلال اجتماع في يريفان بأرمينيا في 18 سبتمبر 2022 (رويترز)

موسكو تتراجع عن دعم يريفان

عندما شنّت أذربيجان هجومها الثلاثاء على المنطقة الانفصالية الجبلية، أوضحت موسكو أن قواتها ليس لديها أي نية لمنع باكو من قصفها، بحسب تقرير صحيفة «غارديان».

ووفق صحيفة «غارديان»، فإن تقاعس روسيا في ناغورنو كاراباخ ليس جديداً. وبسبب انشغالها بحربها في أوكرانيا، لم تتحرك موسكو في الغالب عندما أنشأت أذربيجان نقطة تفتيش أمنية جديدة على طول ممر لاتشين في الربيع الماضي (الذي يصل إقليم ناغورني كاراباخ بأرمينيا)، ما أدى إلى قطع تدفق الأشخاص والبضائع بين أرمينيا والإقليم الانفصالي.

ولم تتمكن الوحدة الروسية المنتشرة في ناغورنو كاراباخ بعد وقف إطلاق النار عام 2020 من منع الأعمال العسكرية الأذربيجانية، بحسب تقرير «لوفيغارو»، ولا منع باكو من فرض حصارها على ممر لاتشين.

منظر يظهر نقطة تفتيش أذربيجانية عند مدخل ممر لاتشين، وهو الرابط البري الوحيد لمنطقة ناغورنو كاراباخ الانفصالية التي يسكنها الأرمن مع أرمينيا، 30 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

«بالنسبة للأرمن، تظل روسيا حليفاً فشل مرتين على التوالي (في حماية أرمينيا)»، يقول ثورنيك غوردادزي، الأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس والمتخصص في شؤون القوقاز.

هذه هي المرة الثانية خلال 3 سنوات، التي تتخلى فيها روسيا عن أرمينيا الضعيفة، التي اعتمدت على دعمها العسكري. منذ فبراير (شباط) 2022، لم تعد موسكو تبدو قادرة على حماية أحد في المنطقة، حتى فرض نفسها كصانعة للسلام، وفق «لوفيغارو».

ومن خلال التخلي عن أرمينيا للمرة الثانية، تريد موسكو أيضاً «منع أذربيجان من الاقتراب أكثر من اللازم من تركيا»، توضح ماري دومولين، مديرة برنامج أوروبا، التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

متظاهرون يتجمعون لدعم كاراباخ للمطالبة بإعادة فتح ممر لاتشين الذي يربط منطقة ناغورنو كاراباخ بأرمينيا والتنديد بأوضاع الأزمة في المنطقة، في يريفان، في 2 سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

أرمينيا تتجه نحو الغرب

في هذا الإطار، اعتبر تقرير لمجلة «فورين بوليسي» الأميركية، صدر الثلاثاء، أن اهتمام روسيا في صراع ناغورنو كاراباخ هو للحفاظ على دور موسكو كقوة إقليمية مهيمنة، وليس بالضرورة لضمان السلام. وهذا ما يفسر استمرار انتهاكات وقف إطلاق النار بين أرمينيا وأذربيجان، على الرغم من نشر 2000 جندي حفظ سلام روسي في ناغورنو كاراباخ في أعقاب حرب 2020. وتشعر أرمينيا، الحليف القديم والعضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا، بالإحباط بشكل متزايد من موقف موسكو، حيث تراجعت يريفان مؤخراً عن استضافة تدريبات منظمة معاهدة الأمن الجماعي، واختارت بدلاً من ذلك إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة من 11 إلى 20 سبتمبر 2023.

في هذه الصورة المنشورة التي التقطتها وزارة الدفاع الأرمينية، ونشرتها في 11 سبتمبر 2023، يحضر جنود أميركيون حفل افتتاح التدريبات المشتركة بين أرمينيا والولايات المتحدة «إيغل بارتنر 2023» (شريك النسر 2023) في مركز «زار» للتدريب خارج أشتاراك بأرمينيا (أ.ف.ب)

وعلّق نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، على وقت التدريبات المشتركة بين أرمينيا والولايات المتحدة، قائلاً إن التدريبات، التي تشارك فيها أرمينيا، وهي عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (العسكري الموالي لموسكو)، تتعارض مع «روح» الشراكة العسكرية للحلف، بحسب تقرير صدر الأربعاء عن صحيفة «بوليتيكو» الأميركية.

ولا تشير تحركات أرمينيا بالضرورة إلى تحول أوسع نطاقاً بعيداً عن روسيا، لأن الروابط الاقتصادية والأمنية والسياسية بين البلدين متأصلة للغاية. ومع ذلك، فإن هذه التحركات تُظهر أن موقف موسكو في المنطقة أصبح أكثر هشاشة. ولم تؤدِ حرب روسيا في أوكرانيا إلى تركيز الغالبية العظمى من القوات العسكرية الروسية في أوكرانيا فحسب، بل شكلت أيضاً تحدياً للموقف الدبلوماسي لموسكو، الذي يتطلع إلى الحفاظ على الوضع الراهن في كاراباخ بشروطه الخاصة، وفق تقرير «فورين بوليسي».

ممثلون للمجتمع الأرميني في ناغورنو كاراباخ ولحكومة أذربيجان وممثل عن فرقة حفظ السلام الروسية يحضرون محادثات السلام في مدينة يفلاخ الأذربيجانية، الخميس 21 سبتمبر 2023 (أ.ب)

توتر العلاقات الروسية الأرمينية

أدى الابتعاد عن موسكو من جانب رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، الذي حاول منذ تخلي روسيا عن أرمينيا عام 2020، أن ينوع تحالفاته من خلال الاقتراب من الغرب، إلى إثارة سخط الكرملين. فإضافة إلى مشاركة أرمينيا في مناورات عسكرية مع الولايات المتحدة، قدمت أيضاً مساعدات إنسانية إلى كييف، حيث زارتها السيدة الأرمينية الأولى، ما زاد من إرسال الإشارات المزعجة تجاه موسكو، وفق «لوفيغارو».

يقول تيغران غريغوريان، الخبير السياسي المقيم في يريفان، لصحيفة «موسكو تايمز» (صحيفة روسية تصدر من أمستردام)، في تقرير نُشر الثلاثاء، إن اندلاع القتال بين أذربيجان وإقليم ناغورني كاراباخ (المدعوم من أرمينيا) جاء في الوقت الذي أصبحت فيه العلاقات بين أرمينيا وروسيا، التي من المفترض أن تعمل كضامن أمني، أكثر توتراً في الأسابيع الأخيرة.

أحد أفراد قوات حفظ السلام الروسية يقف بجوار دبابة بالقرب من الحدود مع أرمينيا، بعد توقيع اتفاق لإنهاء الصراع العسكري بين أذربيجان والقوات المنتمية للعرقية الأرمينية، في منطقة ناغورنو كاراباخ، 10 نوفمبر 2020 (رويترز)

واعتبر غريغوريان أنه «بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، لم تتمكن موسكو من الوفاء بالتزاماتها، والآن تبنت بعض مواقف الجانب الأذربيجاني من الصراع».

وأضاف: «يبدو أن روسيا وأذربيجان لديهما علاقات أوثق الآن من أرمينيا وروسيا... العلاقات بين يريفان وموسكو تتدهور منذ فترة».

وسبق لرئيس وزراء أرمينيا، نيكول باشينيان، أن قال في يناير، مع تزايد التوترات بين يريفان وموسكو: «نحن لا ننتقد قوات حفظ السلام الروسية (في كاراباخ)، لكننا نعرب عن قلقنا بشأن أنشطتها، وهذا القلق له جذور طويلة الأمد».

ومنذ ذلك الحين، وصلت العلاقة بين الحليفين التقليديين الروسي والأرميني إلى أدنى مستوى تاريخي، حيث قام باشينيان بعدة تحركات توضيحية منتقداً ومبعداً بلاده عن روسيا أثناء محاولته مغازلة النفوذ في الغرب.

صورة مأخوذة من مقطع فيديو مقدم من الخدمة الصحافية لوزارة الدفاع الروسية تظهر مدنيين يصلون إلى معسكر قوات حفظ السلام الروسية بالقرب من ستيباناكيرت في ناغورنو كاراباخ، 21 سبتمبر 2023 (إ.ب.أ)

مواقف الكرملين من أحداث كاراباخ

نقلت صحيفة «غارديان» عن رئيس لجنة الدفاع بالبرلمان الروسي، أندريه كارتابولوف، قوله يوم الثلاثاء، بعد بدء هجوم أذربيجان على ناغورنو كاراباخ، في بيان ردده مسؤولون روس آخرون خلال النهار: «طالما أن قوات حفظ السلام (الروسية في ناغورنو كاراباخ) نفسها ليست مهددة بأي شيء، فليس لها الحق في استخدام الأسلحة (لصد قوات أذربيجان)».

حتى إن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، بدا وكأنه يوافق ضمنياً على تصرفات باكو، قائلاً إن أذربيجان تتصرف «على أراضيها».

متظاهرون أرمن يتجمعون خلال احتجاج على تعامل حكومة بلادهم مع الوضع في منطقة ناغورنو كاراباخ... خارج المبنى الحكومي في وسط يريفان بأرمينيا، 20 سبتمبر 2023 (إ.ب.أ)

وعزا خبراء سلبية موسكو تجاه أرمينيا إلى الكراهية الشخصية التي يكنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان كزعيم وصل إلى السلطة في أرمينيا على موجة الثورة. وقال فلاديمير باستوخوف من جامعة كوليدج لندن: «تأمل موسكو في حدوث ثورة مضادة سريعة في يريفان، وتفترض أن الهزيمة (للانفصاليين الأرمن) في كاراباخ ستعجّل بها»، حسبما أفادت صحيفة «بوليتيكو».

وتقول ماري دومولين، المتخصصة في المجلس الأوروبي لصحيفة «لوفيغارو» في هذا السياق: «لم يشعر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالودّ تجاه رئيس الوزراء الأرميني باشينيان، الذي وصل إلى السلطة بعد ثورة. بعد حرب 2020 (بين أذربيجان وأرمينيا) كان بوتين بحاجة إلى باشينيان لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار (الموقّع بين باكو ويريفان وموسكو). اليوم يفضل بوتين حكومة جديدة أكثر تأييداً لروسيا في يريفان».

وتفضل موسكو، بحسب تقرير «لوفيغارو»، حلاً لأرمينيا على النمط الجورجي، من خلال اكتساب الكرملين سلطة في يريفان موالية لروسيا.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يشارك في مؤتمر عبر الفيديو مع مجموعة من المعلمين الحائزين على جوائز في مقر ولاية نوفو - أوغاريوفو خارج موسكو بروسيا، في 5 أكتوبر 2022 (رويترز)

الإعلام الروسي وتطورات الثلاثاء

سارع النقاد والشخصيات الإعلامية الموالية للكرملين إلى تضخيم أحداث يوم الثلاثاء في كاراباخ لصالح موسكو، وألقوا اللوم على رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان بسبب «تملقه للغرب». ووصفت مارغريتا سيمونيان، رئيسة تحرير محطة «آر تي» الروسية الحكومية، التصعيد بأنه «مأساوي ويائس ومتوقع»، وقارنت باشينيان بيهوذا.

وكتبت سيمونيان على «تلغرام»: «باشينيان يطالب قوات حفظ السلام الروسية بالدفاع عن كاراباخ. ماذا عن الناتو؟».

وكتب المحلل السياسي الموالي للكرملين سيرغي ماركوف على «تلغرام»: «لقد خانت القيادة الأرمينية روسيا منذ فترة طويلة. أصدقاء أرمينيا الرئيسيون الآن هم أعداء روسيا؛ فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة».

امرأة تحمل علم كاراباخ بينما يشارك جمع في مسيرة في يريفان بأرمينيا في 21 سبتمبر 2023 في أعقاب العمليات العسكرية الأذربيجانية ضد القوات الانفصالية الأرمينية في ناغورنو كاراباخ (أ.ف.ب)

تهديد لروسيا ومخاطر تطهير عرقي

اعتبر ثورنيك غوردادزي، أستاذ العلوم السياسية بباريس والمتخصص في القوقاز، أن الأذربيجانيين، الذين هم في موقع قوة الآن، قد يحاولون «طرد الروس من كاراباخ» (كقوة حفظ سلام). وإذا نجحوا في هذا الأمر، سيكون ذلك بمثابة نموذج للمناطق الانفصالية الأخرى في المنطقة حيث توجد قوات روسية، مثل أوسيتيا الجنوبية، وأبخازيا، حتى ترانسنيستريا، وذلك من خلال إعطاء الأولوية للسيادة الكاملة على الأراضي، لدولة تضم أقلية انفصالية، وهذا إذا حصل فلن يكون في صالح موسكو.

ويخلق هجوم باكو الخاطف معادلة جيوسياسية معقدة، على الأقل كما كانت من قبل. كما أن خطر التطهير العرقي للأرمن في ناغورنو كاراباخ لم يختفِ مع استسلام الانفصاليين. وإذا قررت باكو مواصلة هجومها، فقد تتواجه أذربيجان وأرمينيا وجهاً لوجه. ومن خلال تحدي الحدود المعترف بها دولياً في أوكرانيا، فتح النظام الروسي الباب أمام كل أنواع الخلافات. منذ فبراير 2022، اهتزت جميع جدران البيت الروسي (السوفياتي) القديم، وفق تقرير صحيفة «لوفيغارو».


مقالات ذات صلة

تصعيد الوضع في أوكرانيا... هل يتحول إلى مواجهة مفتوحة أم للتأثير على ترمب؟

أوروبا صورة أرشيفية لترمب وستولتنبرغ خلال قمة «الناتو» في واتفورد البريطانية ديسمبر 2019 (أ.ب)

تصعيد الوضع في أوكرانيا... هل يتحول إلى مواجهة مفتوحة أم للتأثير على ترمب؟

القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستدخل الحرب ضد أوكرانيا "قريبا" وكييف كرانيا تطالب بأنظمة دفاع جوي حديثة للتصدي لصواريخ روسيا

إيلي يوسف (واشنطن)
العالم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز) play-circle 01:41

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة بعد الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)

البنتاغون: صاروخ بوتين لن يغير مسار حرب أوكرانيا

قلَّلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من أهمية الهجوم الذي نفذته روسيا، الخميس، ضد أوكرانيا، بصاروخ باليستي تجريبي جديد. كما أكدت أنْ لا شيء يدعو إلى تغيير

إيلي يوسف (واشنطن)

خطة هولندية لمكافحة «معاداة السامية»

اشتباكات في أمستردام بعد مباراة كرة قدم بين مكابي تل أبيب وأياكس بالقرب من محطة أمستردام سنترال (رويترز)
اشتباكات في أمستردام بعد مباراة كرة قدم بين مكابي تل أبيب وأياكس بالقرب من محطة أمستردام سنترال (رويترز)
TT

خطة هولندية لمكافحة «معاداة السامية»

اشتباكات في أمستردام بعد مباراة كرة قدم بين مكابي تل أبيب وأياكس بالقرب من محطة أمستردام سنترال (رويترز)
اشتباكات في أمستردام بعد مباراة كرة قدم بين مكابي تل أبيب وأياكس بالقرب من محطة أمستردام سنترال (رويترز)

أعلنت الحكومة الهولندية، اليوم الجمعة، إطلاق خطة جديدة لمكافحة «معاداة السامية»، بعد أسبوعين من صدامات بين مشجعي كرة قدم إسرائيليين وشبان، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وخصص مجلس الوزراء مبلغاً إضافياً قدره 4.5 مليون يورو سنوياً لهذه الخطة، سيجري استخدام جزء منه لتعزيز أمن المؤسسات اليهودية والكنس.

وقال وزير العدل ديفيد فان ويل: «للأسف، ازدادت معاداة السامية في هولندا، خلال العام الماضي، كما أظهرت الأحداث التي وقعت في أمستردام قبل أسبوعين».

بعد مباراة في الدوري الأوروبي «يوروبا ليغ» بين أياكس أمستردام وفريق مكابي تل أبيب الإسرائيلي، في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تعرّض مشجعون للأخير إلى الملاحقة والضرب في شوارع العاصمة الهولندية، ما أدى إلى إصابة عدد من الأشخاص بجروح، وإثارة سخط في كثير من العواصم الغربية.

واندلعت حوادث متفرقة قبل المباراة، شملت هتافات معادية للعرب رددها مشجعو مكابي وحرق علم فلسطيني في ساحة دام المركزية، قبل أن يتعرض أنصار الفريق الإسرائيلي لأعمال عنف.

وعَدَّت إسرائيل والسلطات الهولندية أن هذه الأحداث «معادية للسامية».

ونُقل خمسة من مشجعي مكابي إلى المستشفى لفترة وجيزة؛ لتلقي العلاج بعد إصابتهم في أعمال العنف التي أثارت غضب قادة غربيين.

وتشمل استراتيجية الحكومة أيضاً تشكيل فريق عمل معنيّ بمعاداة السامية، وإصدار قوانين أكثر صرامة بشأن «تمجيد الإرهاب» والتحقيق في أعمال العنف المرتكبة خلال الاحتجاجات.

كما سيجري استهداف مشجعي كرة القدم من أجل القضاء على الهتافات المعادية للسامية في الملاعب.

وقال رئيس الوزراء ديك شوف، للصحافيين: «إنه مزيج من القمع والوقاية».