ماذا تعني علاقات روسيا المتنامية مع «طالبان»؟

مقاتلو «طالبان» يقومون بدورية على الطريق في قندهار جنوب كابل (أ.ب)
مقاتلو «طالبان» يقومون بدورية على الطريق في قندهار جنوب كابل (أ.ب)
TT

ماذا تعني علاقات روسيا المتنامية مع «طالبان»؟

مقاتلو «طالبان» يقومون بدورية على الطريق في قندهار جنوب كابل (أ.ب)
مقاتلو «طالبان» يقومون بدورية على الطريق في قندهار جنوب كابل (أ.ب)

تتجه روسيا إلى بناء علاقات أكثر قوة مع حركة «طالبان» الأفغانية للخروج من الخناق الذي يفرضه عليها الغرب على خلفية حربها المستمرة في أوكرانيا.

ويقول المحلل والكاتب الروسي رسلان سليمانوف، المتخصص في قضايا الشرق الأوسط، في تحليل نشره موقع مؤسسة «كارنيجي» للسلام الدولي إن روسيا هي واحدة من عدد قليل من الدول في العالم، التي تسعى بنشاط لتعزيز علاقتها مع «إمارة أفغانستان الإسلامية»، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

وفي حين أن حركة «طالبان»، التي تحكم أفغانستان لا تزال تصنف رسمياً منظمة إرهابية محظورة في روسيا، فإن ذلك لم يمنع موسكو من دعوة قياداتها إلى المنتديات الاقتصادية ومناقشة المشاريع المشتركة الطموحة.

ويرى سليمانوف أنه في حين أن فرص توثيق العلاقات الاقتصادية والثقافية محدودة، يأمل الكرملين في تحقيق مكاسب جدية. ولا تتداخل آيديولوجية «طالبان» في معارضة القيم الغربية مع روايات روسيا المعادية للغرب فحسب، بل يمكن أن تشمل الفوائد الأخرى للتعاون الوصول إلى طرق تجارية جديدة (التخفيف من تأثير العقوبات الغربية) وتحسين سمعة موسكو كحليف للجنوب العالمي.

وعندما كانت «طالبان» مسؤولة عن أفغانستان بين عامي 1996 و2001، كانت الصداقة مع روسيا حلماً بعيد المنال. وكبداية، اعترفت «طالبان» باستقلال جمهورية الشيشان الروسية في شمال القوقاز. ثانياً، كانت موسكو تحاول بناء علاقات جيدة مع الغرب. ودعم الرئيس الروسي الشاب آنذاك فلاديمير بوتين غزو أفغانستان عام 2001 من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.

ولكن مع تدهور علاقة روسيا مع الغرب، تغيرت نظرة الكرملين إلى «طالبان».

وفي أغسطس (آب) 2021، عندما اقتربت «طالبان» من كابل، هرع الدبلوماسيون الغربيون إلى إغلاق السفارات وإخلائها. لكن السفارة الروسية ظلت مفتوحة، وفي غضون يومين من الاستيلاء عليها، أصبح السفير الروسي ديمتري جيرنوف أول دبلوماسي أجنبي يلتقي بممثلي «طالبان». وبعد ذلك اللقاء، أعلن جيرنوف أن مقاتلي طالبان «رجال عقلانيون»، وبدأت «طالبان» في توفير الأمن للسفارة الروسية.

ويقول سليمانوف إن الكرملين كان متعاطفاً باستمرار مع خطاب «طالبان» الحاد المعادي للغرب. وأعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عن شماتتها علناً بفشل تحالف الناتو في أفغانستان في أغسطس 2021، مشيرة إلى أنه كان ينبغي على الحلف قضاء وقت أقل في التدرب على الصراع مع روسيا والمزيد من الوقت في التركيز على عملياته هناك.

ويضيف أن التاريخ جزء حتمي من أي نقاش حول العلاقات بين موسكو وكابل.

ومن خمسينات إلى ثمانينات القرن العشرين، ساعد الاتحاد السوفياتي في بناء الصناعة في أفغانستان ومرافق الري والجسور وثلاثة مطارات وأكثر من ألف كيلومتر من الطرق، من بين أمور أخرى. وغالباً ما يمكن رؤية السيارات سوفياتية الصنع والمعدات العسكرية السوفياتية الصدئة في شوارع أفغانستان، والعديد من أفراد الجيل الأكبر سناً يتحدثون الروسية.

لكن هذه ليست أكثر من مجرد مخلفات من الماضي. فلا تتمتع موسكو بالنفوذ الذي كانت تتمتع به في أفغانستان من قبل. ويريد الشباب الأفغان الوصول إلى الولايات المتحدة، وروسيا ليست سوى خيار احتياطي.

أولاً، كان من الصعب على الأفغان الحصول على تأشيرات روسية بسبب إغلاق القسم القنصلي للسفارة الروسية. ثانياً، إذا حكمنا من خلال المحادثات الأخيرة مع الأفغان في كابل، فإن الكثيرين يرون الآن روسيا مكاناً خطيراً، حيث تضرب الطائرات المسيرة العاصمة بانتظام. ثالثاً، فُقدت أدوات ثقافية سابقة، إذ لا توجد برامج تعليمية أو ثقافية روسية واسعة النطاق مثل تعليم اللغة في أفغانستان، ولا يبدو أن أحداً يريد تنظيمها.

كما أن العلاقة الاقتصادية ليست في حالة جيدة. فهناك 4 في المائة فقط من واردات أفغانستان البالغة 289 مليون دولار جاءت من روسيا في الأشهر الـ12 المنتهية في 20 مارس (آذار) 2023، وفقاً للهيئة الوطنية للإحصاء والمعلومات في البلاد. وتتخلف روسيا كثيراً عن دول مثل إيران، التي توفر 20 في المائة من واردات أفغانستان والصين (18في المائة) وباكستان (16في المائة).

وقد أعلنت موسكو عن اهتمامها بسلسلة كاملة من المشاريع الطموحة التي تشمل أفغانستان مثل بناء خط أنابيب الغاز بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند والسكك الحديدية العابرة لأفغانستان، التي تربط أوزبكستان وباكستان. ولكن هذه الأمور لا تزال بعيدة المنال، ويرجع ذلك إلى حدٍ كبير إلى المشاكل الأمنية في أفغانستان.

وتردد في العام الماضي أن روسيا وعدت بتزويد أفغانستان بمليون طن من البنزين ومليون طن من الديزل و500 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال سنوياً.

بالإضافة إلى ذلك، من المفترض الآن أن تقوم موسكو بتسليم مليوني طن من القمح إلى أفغانستان كل عام. وأكدت روسيا الاتفاق، لكن مصادر «طالبان» تشير إلى أن عمليات التسليم الفعلية أقل بكثير مما وعدت به روسيا، ومن الواضح أن «طالبان» تريد المزيد من التعاون مع روسيا. وفي كل اجتماع مع المسؤولين الروس، يسعون إلى خطة لنقل العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد وتخفيف قواعد التأشيرات. وبعد كل شيء، يظل الكرملين شريكاً مناسباً.

ولا ينزعج المسؤولون الروس، على عكس نظرائهم الغربيين، من مسائل تعليم المرأة، التي تحظرها «طالبان» بحكم الأمر الواقع، أو غيرها من مسائل حقوق الإنسان.

لكن ما يقلق موسكو، بحسب سليمانوف، هو الإرهاب. واختبرت روسيا ذلك في أفغانستان بشكل مباشر في 5 سبتمبر 2022، عندما فجَّر انتحاري نفسه خارج السفارة في كابل، مما أسفر عن مقتل اثنين من الدبلوماسيين الروس.

وأعلن تنظيم «داعش - خراسان» مسؤوليته عن الهجوم.

وتُبعد «طالبان» مخاوف روسيا بشأن الأمن وتؤكد أنها لم تعد تعاني من مشكلة إرهاب. وصحيح أن الديناميكية إيجابية، إذ كان هناك انخفاض بنسبة 75 في المائة في الهجمات الإرهابية في أفغانستان في عام 2022 مقارنة بالعام السابق، وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي الذي أصدره المعهد الأسترالي للاقتصاد والسلام. ومع ذلك، لا يزال المؤشر يصنف أفغانستان على أنها أخطر دولة في العالم بالنسبة للإرهاب.

وبطريقة أو بأخرى، من أولويات الكرملين تعميق العلاقات مع كابل. ومن الناحية الرمزية، أصدرت روسيا العام الماضي ترخيصاً لمسؤول في «طالبان» لتمثيل أفغانستان دبلوماسياً في روسيا. وهناك عدد قليل من الدول الأخرى في العالم اتخذ مثل هذه الخطوة.

وبالنظر إلى عزلتها الاقتصادية عن الغرب، ليس لدى موسكو العديد من الخيارات عندما يتعلق الأمر ببناء علاقات تجارية. وهذا هو السبب في أن الشراكة مع أفغانستان مهمة للكرملين (هناك ديناميكية مماثلة تعمل عندما يتعلق الأمر بعلاقات روسيا مع سوريا وإيران). إنها أيضاً وسيلة للقيادة الروسية لطمأنة نفسها بأنها ليست وحدها في قناعاتها المعادية للغرب.

ويخلص سليمانوف إلى أن الخطوة التالية المحتملة لموسكو هي إزالة «طالبان» رسمياً من قائمة روسيا للمنظمات الإرهابية والاعتراف بالحكومة في كابل.

ولكن حتى تلك الخطوات ستكون رمزية بحتة. ومن غير المرجح أن تفعل الكثير لتعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين.


مقالات ذات صلة

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

شؤون إقليمية رجل شرطة روسي يقف حارساً عند قبر الجندي المجهول في حديقة ألكسندر خارج الكرملين بموسكو (إ.ب.أ)

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

احتجت إيران، الحليف الوثيق لموسكو، لدى السلطات الروسية بعد عملية توقيف «عنيفة» لطالبَين إيرانيين في مدينة قازان الروسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا سفينة تتبع كوريا الشمالية في ميناء روسي (صورة نشرتها مجموعة «أوبن سورس سنتر»)

لقطات جوية تظهر انتهاك كوريا الشمالية للعقوبات المفروضة على النفط الروسي

خلص تحليل لصور التقطتها أقمار اصطناعية إلى ترجيح أن كوريا الشمالية تلقت أكثر من مليون برميل من النفط من روسيا على مدى ثمانية أشهر.

«الشرق الأوسط» (سيول)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)

بوتين يأمر بـ«اختبارات» في الوضع القتالي للصاروخ «أوريشنيك»

أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنتاج كمية كبيرة من الصاروخ الباليستي الجديد فرط الصوتي «أوريشنيك» ومواصلة اختباره في الأوضاع القتالية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)

روسيا: تصرفات بايدن بشأن أوكرانيا محاولة لـ«إفساد» عمل إدارة ترمب

نقلت وكالة «سبوتنيك» للأنباء عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله (الجمعة) إن تصرفات إدارة الرئيس بايدن بشأن أوكرانيا محاولة لـ«إفساد» عمل إدارة ترمب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا قبة مبنى مجلس الشيوخ في الكرملين خلف برج سباسكايا وسط موسكو 4 مايو 2023 (رويترز)

روسيا: قصف أوكرانيا بصاروخ فرط صوتي تحذير للغرب

قال الكرملين، الجمعة، إن الضربة التي وُجّهت لأوكرانيا باستخدام صاروخ باليستي فرط صوتي تم تطويره حديثاً تهدف إلى تحذير الغرب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

TT

ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)
صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)

أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، بإطلاق بلاده صاروخاً جديداً فرط صوتي على مصنع أسلحة أوكراني. وهذا السلاح، غير المعروف حتى الآن، استخدمته روسيا للمرة الأولى ضد أوكرانيا ولتحذير الغرب.

فيما يلي ما نعرفه عن هذا الصاروخ التجريبي الذي أُطلق عليه اسم «أوريشنيك»:

آلاف الكيلومترات

حتى استخدامه يوم الخميس، لم يكن هذا السلاح الجديد معروفاً. ووصفه بوتين بأنه صاروخ باليستي «متوسط المدى»، يمكنه بالتالي بلوغ أهداف يتراوح مداها بين 3000 و5500 كيلومتر، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي قبل إطلاقه (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

وحسب الرئيس الروسي، فإن إطلاق الصاروخ كان بمثابة تجربة في الظروف القتالية؛ مما يعني أن هذا السلاح لا يزال قيد التطوير. ولم يعطِ أي إشارة إلى عدد الأنظمة الموجودة، لكنه هدّد بإعادة استخدامه.

تبلغ المسافة بين منطقة أستراخان الروسية التي أُطلق منها صاروخ «أوريشنيك»، الخميس، حسب كييف، ومصنع تصنيع الأقمار الاصطناعية بيفدينماش الذي أصابه الصاروخ في دنيبرو (وسط شرق أوكرانيا)، تقريباً 1000 كيلومتر.

وإذا كان لا يدخل ضمن فئة الصواريخ العابرة للقارات (التي يزيد مداها على 5500 كيلومتر) يمكن لـ«أوريشنيك» إذا أُطلق من الشرق الأقصى الروسي نظرياً أن يضرب أهدافاً على الساحل الغربي للولايات المتحدة.

وقال الباحث في معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح (Unidir) في جنيف، بافيل بودفيغ، في مقابلة مع وسيلة الإعلام «أوستوروزنو نوفوستي»، إن «(أوريشنيك) يمكنه (أيضاً) أن يهدّد أوروبا بأكملها تقريباً».

وحتى عام 2019 لم يكن بوسع روسيا والولايات المتحدة نشر مثل هذه الصواريخ بموجب معاهدة القوى النووية متوسطة المدى الموقّعة في عام 1987 خلال الحرب الباردة.

لكن في عام 2019 سحب دونالد ترمب واشنطن من هذا النص، متهماً موسكو بانتهاكه؛ مما فتح الطريق أمام سباق تسلح جديد.

3 كلم في الثانية

أوضحت نائبة المتحدث باسم «البنتاغون»، سابرينا سينغ، للصحافة، الخميس، أن «(أوريشنيك) يعتمد على النموذج الروسي للصاروخ الباليستي العابر للقارات RS - 26 Roubej» (المشتق نفسه من RS - 24 Yars).

وقال الخبير العسكري إيان ماتفييف، على تطبيق «تلغرام»، إن «هذا النظام مكلف كثيراً، ولا يتم إنتاجه بكميات كبيرة»، مؤكداً أن الصاروخ يمكن أن يحمل شحنة متفجرة تزن «عدة أطنان».

في عام 2018، تم تجميد برنامج التسليح «RS - 26 Roubej»، الذي يعود أول اختبار ناجح له إلى عام 2012، حسب وكالة «تاس» الحكومية، بسبب عدم توفر الوسائل اللازمة لتنفيذ هذا المشروع «بالتزامن» مع تطوير الجيل الجديد من أنظمة «Avangard» التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ويُفترض أنها قادرة على الوصول إلى هدف في أي مكان في العالم تقريباً.

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي على متن شاحنة مدولبة (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

حسب بوتين فإن الصاروخ «أوريشنيك» «في تكوينه غير النووي الذي تفوق سرعته سرعة الصوت» يمكن أن تصل سرعته إلى 10 ماخ، «أو 2.5 إلى 3 كيلومترات في الثانية» (نحو 12350 كلم في الساعة). وأضاف: «لا توجد أي طريقة اليوم للتصدي لمثل هذه الأسلحة».

عدة رؤوس

أخيراً، سيتم تجهيز «أوريشنيك» أيضاً بشحنات قابلة للمناورة في الهواء؛ مما يزيد من صعوبة اعتراضه.

وشدد بوتين على أن «أنظمة الدفاع الجوي المتوفرة حالياً في العالم، وأنظمة الدفاع الصاروخي التي نصبها الأميركيون في أوروبا، لا تعترض هذه الصواريخ. هذا مستبعد».

وأظهر مقطع فيديو للإطلاق الروسي نُشر على شبكات التواصل الاجتماعي، ست ومضات قوية متتالية تسقط من السماء وقت الهجوم، في إشارة -حسب الخبراء- إلى أن الصاروخ يحمل ست شحنات على الأقل. يقوم هذا على تجهيز صاروخ بعدة رؤوس حربية، نووية أو تقليدية، يتبع كل منها مساراً مستقلاً عند دخوله الغلاف الجوي.