المسار الروماني البديل للسفن الأوكرانية في البحر الأسود

دلتا الدانوب تقدّم بديلاً خالياً من المخاطر نسبياً مقارنة مع أوديسا على البحر الأسود

صورة وزعتها السلطات المحلية الأوكرانية في أوديسا لأضرار لحقت بمركز لتخزين الحبوب نتيجة قصف روسي اليوم الأربعاء (إ.ب.أ)
صورة وزعتها السلطات المحلية الأوكرانية في أوديسا لأضرار لحقت بمركز لتخزين الحبوب نتيجة قصف روسي اليوم الأربعاء (إ.ب.أ)
TT

المسار الروماني البديل للسفن الأوكرانية في البحر الأسود

صورة وزعتها السلطات المحلية الأوكرانية في أوديسا لأضرار لحقت بمركز لتخزين الحبوب نتيجة قصف روسي اليوم الأربعاء (إ.ب.أ)
صورة وزعتها السلطات المحلية الأوكرانية في أوديسا لأضرار لحقت بمركز لتخزين الحبوب نتيجة قصف روسي اليوم الأربعاء (إ.ب.أ)

بعد مرور أكثر من أسبوعين وسط زحام مروري في البحر الأسود حيث تنتظر سفن الشحن دورها للدخول إلى دلتا نهر الدانوب لتحميل الحبوب الأوكرانية، وصل البحارة المصريون في النهاية إلى أرض صلبة نهاية الأسبوع الماضي، وجددوا مخزونهم المتناقص من المياه العذبة والأغذية.

لكن ابتهاجهم بامتلاك ما يكفي من الطعام والشراب اختلط بالانزعاج، إذ إنهم بعد وقفتهم القصيرة لتحميل المؤن في ميناء سولينا الروماني المطل على البحر الأسود، سوف يتوجهون إلى قناة سولينا، أحد فروع نهر الدانوب داخل أراضي حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ثم إلى امتداد من النهر حيث هاجمت روسيا في الأسابيع الأخيرة مرفأين نهريين أوكرانيين.

قال أحد أفراد الطاقم المصري، وهو من الإسكندرية، ولم يذكر سوى اسمه الأول، إسماعيل: «الوضع خطير للغاية هناك الآن، انفجارات في كل مكان».

عندما انسحبت روسيا من اتفاق الشهر الماضي لتوفير ممر آمن للسفن التي تحمل الحبوب في أوديسا وغيرها من الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود، بدا أن دلتا الدانوب تقدّم بديلاً خالياً من المخاطر نسبياً، وإن كانت مزدحمة للغاية. لكن روسيا سعت منذ ذلك الوقت إلى نسف هذه الفكرة بقصف مرافق شحن الحبوب الأوكرانية هناك أيضاً. كما تأججت المخاوف بين البحارة يوم الأحد عندما أطلقت سفينة دورية روسية طلقات تحذيرية على سفينة شحن تبحر عبر البحر الأسود، وصعدت القوات الروسية مؤقتاً على متنها، ما يؤكد تهديد موسكو السابق بالتعامل مع أي سفن تحاول الوصول إلى أوكرانيا على أنها معادية.

كانت سفينة الشحن في طريقها إلى سولينا ثم إلى الدلتا في «إيزميل»، أحد ميناءين أوكرانيين على نهر الدانوب هاجمتهما روسيا منذ يوليو (تموز) الماضي. كما عملت أوكرانيا على تضخيم المخاوف بشأن التهديدات الموجهة إلى سفن الشحن بمهاجمة السفن الروسية في البحر الأسود.

سفينة تحمل حبوباً من أوكرانيا وراء سفينة شحن أخرى قرب إسطنبول في نوفمبر 2022 (رويترز)

لكن مع تزايد المخاطر في الممرات المائية في أوكرانيا وما حولها، حافظت قناة سولينا - وهي امتداد يبلغ 40 ميلاً من المياه يمتد من البحر الأسود إلى الموانئ الرومانية والأوكرانية والمولدوفية في دلتا نهر الدانوب - على تدفق الحبوب، لتصبح من الممرات الحيوية. وبفضل مظلة الحماية التي يوفرها حلف شمال الأطلسي، فهي شريان حياة آمن حتى الآن بالنسبة لأوكرانيا.

كانت هذه القناة معروفة جيداً خارج دوائر الشحن البحري كنقطة جذب لمراقبي الطيور وغيرهم من محبي الطبيعة، لكنها صارت الآن تحظى باهتمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كنقطة اختناق استراتيجية وحاسمة لتصدير الحبوب الأوكرانية.

بعد اجتماع عُقد يوم الجمعة بين مسؤولين أوروبيين وأميركيين في مدينة غالاتي الساحلية في رومانيا، قال جيمس أوبراين، منسق العقوبات في إدارة بايدن، إن حجم الحبوب الأوكرانية المصدّرة عبر نهر الدانوب «سوف يزيد على الضعف». لم يُحدد إطاراً زمنياً. غير أن المسؤولين ناقشوا إجراءات تهدف ليس فقط إلى إبقاء قناة سولينا مفتوحة، وإنما إلى توسيع دورها كذلك، بما في ذلك تركيب معدات ملاحية جديدة بحيث يمكن للسفن استخدامها على مدار الساعة، وليس فقط خلال ساعات النهار.

قال أوبراين إنه قبل الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا العام الماضي، كانت شحنات الدانوب تحمل 100 ألف طن من الحبوب الأوكرانية شهرياً. وفي الأشهر الـ 18 التي تلت ذلك، زاد هذا الرقم بمقدار عشرة أضعاف، ليصل إلى ما مجموعه أكثر من 20 مليون طن.

يشير المشهد الذي جرى مؤخراً على شاطئ قرب سولينا إلى أن الجهود الروسية الرامية إلى قطع طرق الشحن في دلتا نهر الدانوب - تماماً كما فعلت مع حركة المرور إلى موانئ البحر الأسود في أوكرانيا - قد فشلت في الوقت الراهن. بجانب المصطافين على الشاطئ، تنتظر مجموعة من السفن في البحر للحصول على فرصة لدخول قناة سولينا. وفي يوم الاثنين، كانت أكثر من 80 سفينة قيد الانتظار.

ولتسريع حركة المرور وتخفيف الازدحام، شرعت رومانيا في تجنيد مرشدين بحريين من الجيش يعرفون الطريق ومخاطرها لاستكمال قائمة المرشدين المدنيين الذين يرشدون السفن إلى وجهاتها من سولينا.

قالت ماجدة كوبتشينسكا، كبيرة مسؤولي النقل بالمفوضية الأوروبية، في غالاتي يوم الجمعة إنه يجري النظر أيضاً في إمكانية تصدير الحبوب الأوكرانية عبر الموانئ البولندية وموانئ بحر البلطيق والبحر الأدرياتيكي، ولكن «ثبت أن وصلة الدانوب هي الأكثر كفاءة».

صورة وزعها مركز الاتصالات الاستراتيجية على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) لطائرة روسية خلال تفتيش سفينة شحن تركية في البحر الأسود يوم 14 أغسطس الحالي (رويترز)

مع ذلك، يقول سورين غرينديانو، وزير النقل الروماني، إنه لكي تعمل هذه الطريق بكامل طاقتها تحتاج أوكرانيا إلى تقليل اعتمادها على موانئها النهرية والبدء في شحن المزيد من الحبوب من الموانئ الرومانية على نهر الدانوب. واستشهد بميناءي غالاتي وبريلا، القريبين من الحدود الأوكرانية، ولكنهما محميان بعضوية رومانيا في حلف شمال الأطلسي. وقال الوزير غريندانو إن رومانيا «لا تحاول جني المال» من آلام أوكرانيا. لكن بعد أن استثمرت رومانيا بكثافة في البنية الأساسية لميناء الدانوب - أحد التغييرات هو خط سكة حديد في غالاتي يستخدم نفس المسارات واسعة النطاق مثل أوكرانيا - تشعر رومانيا بالحيرة لأن حركة المرور إلى موانئها عن طريق السفن التي تجمع الحبوب الأوكرانية كانت متواضعة للغاية. قال غريندانو في مقابلة في بوخارست: «لقد استثمرنا الكثير من المال في غالاتي. لكنهم لا يستخدمونها. ولا أعرف لماذا لا يستخدمونها».

لقد استثمرنا الكثير من المال في غالاتي. لكنهم لا يستخدمونها. ولا أعرف لماذا لا يستخدمونها

سورين غرينديانو، وزير النقل الروماني

جني محصول الشعير من حقل في منطقة قريبة من العاصمة الأوكرانية كييف يوم 10 أغسطس الحالي (أ.ب)

من جهته، قال وزير البنية التحتية الأوكراني، أوليكسندر كوبراكوف، في حديث أدلى به يوم الجمعة بعد اجتماعه مع مسؤولين أوروبيين وأميركيين، إن الموانئ الرومانية يمكن أن تشهد «زيادة في كميات» الحبوب من بلاده في المستقبل، لكنه أضاف أن ذلك سيعتمد على المزيد من العمل لتحسين خطوط السكك الحديدية. والانتقال إلى الموانئ الرومانية يعني أن أوكرانيا سوف تخسر رسوم تحميل كبيرة وغير ذلك من العائدات.

مع ازدحام الدخول إلى قناة سولينا، سعت أوكرانيا إلى فتح طريق ثانية إلى الشمال عن طريق تجريف قناة بيستروي، وهو ممر مائي أوكراني متصل بفرع آخر من نهر الدانوب. لكن القناة المجروفة ضحلة للغاية وخطرة للغاية لأنها تمر عبر الأراضي الأوكرانية و«يمكن قصفها في أي لحظة»، على حد تعبير الوزير غريندانو. كما أن استخدامها، من وجهة نظر رومانيا، ينتهك أيضاً اتفاق عام 1948 بشأن إدارة المرور عبر الدلتا وحماية «الحقوق السيادية للدول المطلة على نهر الدانوب». أضاف غريندانو أن الموانئ النهرية الأوكرانية ليست عرضة للهجوم فحسب، وإنما لا تمتلك القدرة على تحميل كميات كبيرة من الحبوب.

كانت موانئ الأنهار في أوكرانيا تلعب بالفعل دوراً متزايد الأهمية حتى قبل أن تصبح مياه البحر الأسود القريبة من أوكرانيا بالغة الخطورة. وفي النصف الأول من العام الحالي، شُحن ما يقرب من 11 مليون طن من المنتجات الزراعية الأوكرانية، وهو ما يقرب من 11.5 مليون طن جرى التعامل معها عام 2022 بالكامل، الأمر الذي جذب الانتباه الروسي.

صورة وزعتها السلطات المحلية الأوكرانية في أوديسا لأضرار لحقت بمركز لتخزين الحبوب نتيجة قصف روسي اليوم الأربعاء (إ.ب.أ)

قال المؤرخ الروماني قسطنطين أرديليانو إن الجهود المبذولة لإبقاء دلتا الدانوب مفتوحة تعيد مُجريات الدراما التي ظهرت للمرة الأولى بين روسيا والغرب قبل نحو 200 سنة. عندما ضمت الإمبراطورية الروسية الدلتا عام 1829، وأنشأت محطة للحجر الصحي في سولينا، وأغضبت بريطانيا والدول الغربية الأخرى المتعطشة للحبوب المنتجة في الأراضي الزراعية الغنية في المنطقة، وذلك باستحداث الفحوصات الصحية لعرقلة حركة الشحن. انتهى التعطيل بهزيمة روسيا في حرب القرم عام 1856، والتي أرغمتها على التخلي عن السيطرة على الدلتا إلى ائتلاف من البلدان الأوروبية التي شرع مهندسوها بشق قناة سولينا وتقويمها.

تقول سورين نيكولا، المديرة البارزة في هيئة نهر الدانوب السفلى، وهي وكالة حكومية رومانية مسؤولة عن إدارة حركة المرور داخل قناة سولينا وخارجها «إن سولينا أشبه بالطريق السريعة». وعلى النقيض من مياه البحر الأسود على طول الساحل الأوكراني، كانت منطقة البحر قُبالة ساحل رومانيا بالقرب من سولينا آمنة حتى الآن. وتخرج معظم السفن التي تحمل الحبوب على طول نهر الدانوب من قناة سولينا وتسافر إلى «كونستانتا»، أكبر ميناء روماني على البحر الأسود، على بعد 85 ميلاً فقط من الساحل. في كونستانتا، تُنقل شحناتها إلى سفن أكبر، تخرج بعد ذلك من البحر الأسود عبر مضيق البوسفور، ثم تُبحر إلى موانئ بعيدة.

قالت وزارة الدفاع الرومانية في رد مكتوب على أسئلة إن كونستانتا «برزت كطريق رئيسية بديلة للحبوب منذ انسحاب موسكو من صفقة الحبوب في البحر الأسود». وأضافت الوزارة أنه بُغية الحفاظ على سلامتها، فإن قدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع - التي يُطلق عليها اسم «عيون السماء» التابعة لحلف شمال الأطلسي، «تنتشر على مدار الساعة فوق رومانيا ومياهها الإقليمية في البحر الأسود» في الوقت الحالي. كما أن الشواطئ المزدحمة بالقرب من الميناء، لا تدل على الذعر في سولينا، حيث هز قصف روسيا جزيرة «سنيك» (جزيرة الثعبان) الأوكرانية، التي لا تبعد سوى 25 ميلاً، نوافذ المنازل في العام الماضي.

قالت إيوانا توميسكو، وهي مديرة متجر على رصيف الميناء يخدم السياح المهتمين بالحياة البرية والنباتية في الدلتا، إن «الناس اعتادوا هنا على الحرب كما اعتادوا على كورونا تماماً».

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

لقاء بايدن وشي لا يبدد عدم اليقين بين القوتين العظميين

العالم الرئيس الصيني شي جينبينغ يشارك في أعمال منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في ليما عاصمة بيرو (أ.ب)

لقاء بايدن وشي لا يبدد عدم اليقين بين القوتين العظميين

بايدن يحذّر من حقبة «تغيير سياسي كبير»، ويصف التحالف الروسي الكوري الشمالي بأنه «خطير ومزعزع للاستقرار».

إيلي يوسف (واشنطن) إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع لهما في اليابان عام 2019 (رويترز)

مكالمة «شولتس - بوتين» تخلط الأوراق وزيلينسكي يسعى لإنهاء الحرب عبر «خيار دبلوماسي»

زيلينسكي يسعى إلى إنهاء الحرب عبر «خيار دبلوماسي»، واستعداد روسي لمواصلة الاتصالات مع ألمانيا، وموسكو تنتظر «أفكاراً محددة» من ترمب.

رائد جبر (موسكو)
أوروبا وزير الخارجية الياباني تاكيشي إيوايا (يسار) ووزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيغا في كييف (رويترز)

اليابان: مشاركة كوريا الشمالية في حرب أوكرانيا تضر بأمن شرق آسيا

حذّر وزير الخارجية الياباني، السبت، من أن دخول قوات كورية شمالية الحرب في أوكرانيا سيكون له تأثير «كبير للغاية» على الأمن في شرق آسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

زيلينسكي: إذا تحدثنا وحدنا مع بوتين... أوكرانيا ستكون الخاسرة

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة إن المفاوضات مع نظيره الروسي دون دعم (غربي) ستجعل أوكرانيا تخسر المفاوضات.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا السفينة الحربية الأوكرانية التركية «كورفيت آضا» (موقع ديفينس تورك نت)

بوتين وشولتس يتصارحان هاتفياً حول أوكرانيا

أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشار الألماني أولاف شولتس، أمس الجمعة، محادثة «صريحة» بـ«مبادرة» من برلين بشأن النزاع في أوكرانيا. وقال الكرملين

«الشرق الأوسط» (برلين - موسكو)

مكالمة «شولتس - بوتين» تخلط الأوراق وزيلينسكي يسعى لإنهاء الحرب عبر «خيار دبلوماسي»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)
TT

مكالمة «شولتس - بوتين» تخلط الأوراق وزيلينسكي يسعى لإنهاء الحرب عبر «خيار دبلوماسي»

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ف.ب)

بدا السبت أن المكالمة الهاتفية الأولى منذ سنتين بين المستشار الألماني أولاف شولتس، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أحدثت هزة في الأوساط السياسية الأوروبية، وأثارت مخاوف جدية في أوكرانيا.

وفي حين أكد «الكرملين» أن الحوار مع برلين «سوف يتواصل»، فإن الرئيس فولوديمير زيلينسكي أعرب عن مخاوف بسبب «كسر عزلة بوتين»، لكنه أقر بأن الحرب في بلاده قد تنتهي في غضون العام المقبل، عبر خطوات منتظرة من جانب الإدارة الأميركية الجديدة، وتحدث عن «الخيار الدبلوماسي» لوضع حد للصراع.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشار الألماني أولاف شولتس (أ.ف.ب)

ومع توالي ردود الفعل الغربية على المكالمة التي جرت، الجمعة، بمبادرة من الجانب الألماني، برز الارتياح الروسي الواسع لنتائج المحادثات، مع إشارات إلى أن التطور «بعث رسالة سيئة» إلى زيلينسكي، وأن القيادة الأوكرانية تتعامل مع واقع سياسي جديد بعد فوز الرئيس المنتخب دونالد ترمب في الولايات المتحدة، واتضاح ميل الأوروبيين إلى فتح قنوات الاتصال المجمدة مع «الكرملين»، وفقاً لتعليقات وسائل الإعلام الحكومية الروسية.

ومع أن المكالمة لم تحدد نتائج، ولم تصل إلى اتفاقات واضحة بشأن توسيع الحوار الروسي الألماني، خصوصاً أن الطرفين حددا خلالها المواقف المعلنة سابقاً لكل منهما، فإن التوافق على استئناف عمل قنوات الحوار عكس ارتياحاً لدى «الكرملين»، وأعرب الناطق باسمه، ديمتري بيسكوف، عن قناعة بمواصلة النقاشات التي بدأت بين الجانبين.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقاء خارج موسكو في 15 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

في المقابل، عكست تعليقات برلمانيين ومسؤولين في كييف مخاوف جدية لدى الأوكرانيين، بأن المكالمة قد تشكل نقطة تحول في العلاقات الروسية الأوروبية، خصوصاً على خلفية تأثير فوز ترمب على المشهد حول أوكرانيا، والملفات المتعلقة بمواصلة دعم كييف عسكرياً ومالياً.

وكشفت أوساط في الديوان الرئاسي الأوكراني عن أن زيلينسكي حاول ثني شولتس عن إجراء المكالمة التي رأى أنها «تكسر عزلة بوتين»، وأبلغه أن الرئيس الروسي «لا يريد حلولاً سياسية نهائية بل استراحة مؤقتة لإعادة تنظيم هجومه».

ورغم ذلك بدا في تعليقات زيلينسكي الأولى أنه يستعد للتعامل مع واقع جديد، خصوصاً مع التطورات في الولايات المتحدة، ورأى أنه «مع وجود دونالد ترمب في البيت الأبيض، سينتهي الصراع بشكل أسرع»، وزاد في مقابلة تلفزيونية أنه «ستنتهي الحرب، لكن لا يوجد تاريخ محدد. بالطبع، مع سياسة هذا الفريق، الذي سيقود البيت الأبيض الآن، ستنتهي الحرب بشكل أسرع. هذا هو نهجهم، وهذا هو وعدهم لمجتمعهم (..) إنه أمر مهم للغاية بالنسبة إليهم».

ووفقاً لزيلينسكي، فإن ترمب «يعرف موقف أوكرانيا»، ولم تكن هناك تعليقات ضدها من الرئيس الأميركي المنتخب، وفي إشارة نادرة قال زيلينسكي إن «علينا أن نفعل كل شيء لإنهاء الحرب بالوسائل الدبلوماسية، إنه أمر مهم»، وأضاف أنه يتوقع أن تساعد الإدارة الأميركية الجديدة، بقيادة ترمب، في إنهاء الحرب بسرعة من دون أن يقدم تفاصيل.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

وتحدث زيلينسكي في مقابلة أجرتها معه إذاعة أوكرانيا عن وضع «معقد للغاية» على الجبهة الشرقية؛ حيث يحرز الجيش الروسي تقدماً سريعاً أمام الجيش الأوكراني الذي يفتقر إلى العدد والعتاد، وأوضح الرئيس الأوكراني أن الجيش الروسي يتقدم أمام القوات الأوكرانية؛ لأن التزود بالأسلحة والمجندين الجدد «بطيء». إلى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، السبت، السيطرة على قريتين جديدتين في منطقة دونيتسك.

وقالت وزارة الدفاع الروسية، السبت، إن القوات الروسية سيطرت على قريتي ماكاريفكا وخريخوريفكا في منطقة دونيتسك الأوكرانية. وتقع ماكاريفكا إلى الجنوب من فيليكا نوفوسيلكا بينما تقع خريخوريفكا، التي تطلق عليها موسكو اسمها السابق ليننسكوي، إلى الغرب من بلدة سيليدوف التي سيطرت عليها روسيا الشهر الماضي.

وقال زيلينسكي: «من جانبنا، يجب أن نبذل قصارى جهدنا لضمان انتهاء هذه الحرب العام المقبل. علينا أن ننهيها بالوسائل الدبلوماسية. وأعتقد أن هذا مهم جداً».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مجتمعاً الخميس في بودابست مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

ورداً على سؤال حول الشروط التي يجب توفرها لبدء المفاوضات، عدَّ الرئيس الأوكراني أن ذلك ممكن في حال «لم تكن أوكرانيا وحدها مع روسيا» وإذا كانت «قوية»، في نداء ضمني لحلفائها الغربيين، وأوضح الرئيس الأوكراني: «إذا لم نتحدث سوى مع بوتين ووجدنا أنفسنا في الظروف الحالية غير مدعومين ببعض العناصر المهمة، أعتقد أن أوكرانيا ستكون الخاسرة في هذه المفاوضات»، وأشار إلى أن هذا لن يؤدي إلى «نهاية عادلة» للحرب.

وكان ترمب، الذي يتولى المنصب في يناير (كانون الثاني)، قد قال إنه سيسعى إلى اتفاق سريع بين كييف وموسكو لإنهاء الحرب، لكنه لم يحدد أي شروط، بما في ذلك ما سيحدث، على سبيل المثال، بالنسبة للأراضي الأوكرانية، التي تسيطر عليها القوات الروسية، منذ عام 2022.

يشار إلى أن زيلينسكي يطالب بأن يتضمن أي اتفاق سلام انسحاب روسيا من كامل الأراضي الأوكرانية، وهو ما يرفضه بوتين.

في الوقت ذاته، برزت ردود فعل غربية متباينة بعد المكالمة، وأعلنت مجموعة الدول الصناعية السبع أنها ستواصل دعم أوكرانيا، وأكد زعماء المجموعة (فرنسا والولايات المتحدة واليابان وكندا والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا) على «دعمهم الثابت لأوكرانيا طالما كان ذلك ضرورياً»، وبحسب البيان «مجموعة السبع تؤكد التزامها بفرض تكلفة باهظة على روسيا من خلال العقوبات وضبط الصادرات وتدابير أخرى فعالة. نبقى متحدين بجانب أوكرانيا».

وجاء في البيان الصادر عن إيطاليا التي تتولى الرئاسة الدورية لمجموعة السبع، أن «روسيا تبقى العقبة الوحيدة أمام سلام عادل ودائم»، وأضاف: «بعد ألف يوم من الحرب، ندرك المعاناة الهائلة التي عانى منها الشعب الأوكراني»، وأشار الزعماء إلى «الدعم الثابت لأوكرانيا»، موضحين: «نقف متضامنين ونساهم في نضالها من أجل السيادة والحرية والاستقلال وسلامة الأراضي وإعادة الإعمار».

الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك 27 سبتمبر 2024 (أ.ب)

وقد طالبت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، السبت، خلال مؤتمر حزب الخضر، في مدينة فيسبادن الألمانية، بتزويد أوكرانيا بأنظمة أسلحة بعيدة المدى، وأوضحت: «حان الوقت الآن لنجد أخيراً القوة للقيام بما يفعله شركاؤنا بالفعل»، مشيرة إلى أن دولاً أوروبية أخرى مثل بريطانيا وفرنسا تزود أوكرانيا بالفعل بصواريخ كروز، إلا أن بيربوك لم تتطرق إلى ذكر صواريخ كروز من طراز «توروس» بشكل مباشر.

وكان شولتس جدد قبل أيام رفضه تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى تسعى كييف للحصول عليها لضرب العمق الروسي، وأشار إلى أن برلين تبذل جهداً لضمان ألا تصبح طرفاً في الصراع.

سكان أمام منزل متضرر بهجوم طائرة مسيّرة في منطقة أوديسا بجنوب أوكرانيا (أ.ف.ب)

وسبق لشولتس أن اتخذ موقفاً ضد توريد صواريخ «توروس» إلى أوكرانيا، وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وصف المستشار الألماني احتمال إرسال صواريخ كروز بعيدة المدى «توروس» إلى أوكرانيا بـ«خطوة خاطئة»، مؤكداً أنه «لن يرسل أسلحة من شأنها أن تسهم في تأجيج الصراع».

في السياق ذاته، أُعلن، السبت، عن زيارة مفاجئة لوزير الخارجية الياباني، تاكيشي إيوايا، إلى أوكرانيا؛ لإجراء محادثات مع المسؤولين، في خطوة تظهر على ما يبدو التزام طوكيو تجاه كييف في قتالها ضد الروس، وأعلنت وزارة الخارجية أن إيوايا وصل إلى أوكرانيا قادماً من بيرو، بعدما حضر اجتماعاً اقتصادياً إقليمياً هناك، وفق وكالة أنباء «كيودو» اليابانية.

وزير الخارجية الروسي خلال اجتماع الأسبوع الماضي في العاصمة الكازاخية آستانة (رويترز)

وبعد وصوله أوكرانيا بالقطار الذي استقله من بولندا، التقى إيوايا نظيره الأوكراني، أندريه سيبيها، السبت، وأعلن عن لقاء لاحق مع زيلينسكي وفق مسؤول بالوزارة.

وكانت الحكومة الألمانية أعلنت أن المستشار شولتس حثّ الرئيس الروسي على إنهاء الحرب في أوكرانيا وسحب القوات، مشدداً على أن ألمانيا ستدعم أوكرانيا ما دام اقتضى الأمر.

وأضاف المتحدث أن شولتس أبلغ بوتين أيضاً أن روسيا يجب أن ترتب لمفاوضات مع أوكرانيا بهدف تحقيق سلام عادل ودائم، وأوضح المتحدث الألماني أن شولتس تحدث مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي هاتفياً قبل الاتصال ببوتين، وأنه سيعاود الاتصال بزيلينسكي بعد اتصاله بالرئيس الروسي.

من جهته، أعلن «الكرملين» في بيان، أن بوتين أبلغ شولتس في الاتصال، أن أي اتفاق محتمل لإنهاء الحرب في أوكرانيا يجب أن يعكس «الواقع الجديد على الأرض»، وذكر بيان «الكرملين» أن بوتين قال لشولتس، إن «الاتفاقات المحتملة يجب أن تأخذ في الاعتبار المصالح الأمنية لاتحاد روسيا، وتنطلق من الواقع الجديد على الأرض، والأهم من ذلك معالجة الأسباب الجذرية للنزاع».

الرئيس الأميركي جو بايدن خلال لقائه نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالبيت الأبيض في سبتمبر 2023 (أ.ف.ب)

اللافت أن شولتس أعلن في اليوم نفسه أن ترمب «ليست لديه أفكار واضحة حول سبل إنهاء الصراع في أوكرانيا»، رغم وعوده الانتخابية بأنه قادر على وضع حد سريعاً للحرب في هذا البلد.

من جهته أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، السبت، أن موسكو تنتظر اتضاح الأفكار لدى الإدارة الأميركية الجديدة في هذا الشأن، وقال إن روسيا مستعدة للتعامل مع الأطراف التي تعمل على إنهاء الصراع، لكنها «تنتظر أفكاراً محددة من جانب إدارة ترمب».