المسيّرات الإيرانية في أوكرانيا تهديد في سماء أوروبا

«الشرق الأوسط» اطلعت على وثائق رسمية وأدلة من الميدان على تصديرها

طائرة دون طيار «شاهد - 129» خلال معرض في طهران فبراير 2016 (أ.ف.ب)
طائرة دون طيار «شاهد - 129» خلال معرض في طهران فبراير 2016 (أ.ف.ب)
TT

المسيّرات الإيرانية في أوكرانيا تهديد في سماء أوروبا

طائرة دون طيار «شاهد - 129» خلال معرض في طهران فبراير 2016 (أ.ف.ب)
طائرة دون طيار «شاهد - 129» خلال معرض في طهران فبراير 2016 (أ.ف.ب)

مثّلت الحرب في أوكرانيا مسرحاً لاختبار أحدث الأسلحة المتقدمة، والدفع بالتقنيات الحربية المتطورة إلى ميادين القتال المحتدمة. وقفزت الطائرات المسيّرة سريعاً إلى الواجهة لتمثل سلاحاً رئيسياً على جانبي الجبهة. وأبرز هذه الطائرات هي المسيّرات إيرانية الصنع، التي شرعت القوات الروسية في استخدامها لضرب أهداف عسكرية وبنى تحتية أوكرانية.

مطلع خريف عام 2022، بدأ الجيش الروسي باستخدام المسيّرات الإيرانية من طرازَي «شاهد - 131» و«شاهد - 136» في هجماته ضد أهداف عسكرية أوكرانية، بينها مواقع مدفعية ومنصات إطلاق صواريخ ونقاط اتصالات، لتبدأ بعدها موسكو بشن هجمات أوسع وأكثر تنسيقاً على مجموعة من الأهداف الاستراتيجية الأوكرانية، وكذلك المدنية، وأبرزها محطات الطاقة.

أسلحة ومعدات كانت البحرية البريطانية صادرتها خلال عملياتها في منطقة الخليج

ففي أعقاب الهجوم على جسر القرم خريف عام 2022، الذي أقرّت المخابرات الأوكرانية أخيراً بالوقوف وراءه، شنّت موسكو سلسلة من الهجمات المنسقة التي طالت محطات الطاقة الرئيسية في العاصمة الأوكرانية (كييف).

تصدير المسيّرات الانتحارية

وقد اطلعت «الشرق الأوسط» على وثائق رسمية بريطانية، حملت أدلة على انتهاكات إيران لقرار مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة رقم 2216، الذي يحظر تصدير الأسلحة لجماعة الحوثي في اليمن، والقرار 2231 الذي يمثل جانباً من خطة العمل المشتركة الشاملة التي وقعتها طهران مع الأطراف الدولية، ويقيّد التصنيع الإيراني وانتشار الأسلحة التي تنتهك نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ.

الوثائق قدمت أدلة على انتهاكات إيران لحظر نشر الأسلحة، حيث حملت الوثائق إثباتات قدمتها القوات المسلحة الأوكرانية لوزارة الدفاع البريطانية من ميدان الحرب، تؤكد استخدام روسيا طائرات انتحارية إيرانية الصنع من طرازَي «شاهد - 131» و«شاهد - 136»، جرى جمع حطامها من الميدان وفحصه.

جانب من عمليات البحرية البريطانية في خليج عمان لمكافحة تهريب الأسلحة

كما حملت الوثائق إثباتات من عمليات البحرية البريطانية في منطقة الخليج، التي تمكّنت خلال نشاطها الأمني في المنطقة من اعتراض سفينتين، ومصادرة أسلحة إيرانية متطورة، بينها محركات لصواريخ باليستية من طراز «351»، وعدد من صواريخ أرض - جو، كانت في طريقها إلى جماعة الحوثي، إلى جانب أدلة من عملية أخرى جرت خلالها مصادرة عدد من الصواريخ المضادة للدروع وقطع لصواريخ باليستية ومسيّرات كانت أيضاً في طريقها إلى اليمن.

أدلة من ميدان الحرب في أوكرانيا

وتشير التقديرات البريطانية الرسمية إلى أن إيران زوّدت روسيا بأكثر من 400 طائرة هجومية دون طيار، مؤكدة أن طهران تواصل تزويد روسيا بالمسيّرات من طراز «شاهد» على وجه الخصوص. وأشارت الوثائق، التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، إلى أن القوات الأوكرانية استعادت أمثلة عدة على المسيّرات التي تنقلها إيران إلى روسيا من طرز «شاهد - 131» و«شاهد - 136» و«مهاجر - 6»، وجرى فحص حطامها وتحليله في مختبرات في أوكرانيا وخارجها.

من جانبها، قامت القوات الأوكرانية بتزويد وزارة الدفاع البريطانية بأمثلة على المسيّرات الإيرانية التي تستخدمها روسيا في هجماتها.

«شاهد - 131»

طائرة «شاهد - 131» هي طائرة انتحارية دون طيار، إيرانية الصنع والتصميم، جرى عرضها أول مرة وفق المعطيات في معرض الدفاعات الإيراني عام 2015. ومنذ ذلك الوقت سُجل استخدامها في الشرق الأوسط، لا سيما في الهجمات التي طالت منشآت نفطية في السعودية عام 2019. وقامت إيران بتصدير الطائرات إلى روسيا، التي بدورها استخدمتها في هجماتها بعد غزو أوكرانيا، وأطلقت عليها اسم «جيران - 1»، وفق المعطيات الرسمية.

مقارنة بين مسيّرتَي «شاهد - 131» هاجمتا أهدافاً في الشرق الأوسط وأوكرانيا

وتشير التحليلات البريطانية إلى أن المسيّرات الإيرانية مزوّدة برأس حربي متفجر مثبت على مقدمتها، وتمكن برمجته مسبقاً باستخدام نظام ملاحة متطور من طراز «GNSS-INS» لمهاجمة أهداف ثابتة. وتكشف المعطيات عن أن نظام الملاحة مصمم ليكون قادراً على مقاومة الأنظمة الدفاعية للتشويش على المسيّرات واعتراضها. هذه المسيرات جرت استعادة حطامها من ميدان الحرب في أوكرانيا، تم تحليله من قبل وزارات دفاع ووكالات استخبارات غربية. وتشير نتائج التحليلات التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» إلى أن المسيّرات المستخدمة في أوكرانيا مطابقة لتلك التي جرى استخدامها في هجمات في منطقة الشرق الأوسط. وتؤكد التقارير الغربية أن نقل إيران هذه المسيّرات يمثل انتهاكاً لقرار مجلس الأمن 2231، إذ يتجاوز مداها 300 كيلومتر.

«شاهد - 136»

أما طائرة «شاهد - 136»، فهي طائرة هجومية انتحارية أيضاً من تصمم وتصنيع إيراني، سُجّل استخدامها لأول مرة في اليمن في سبتمبر (أيلول) عام 2020، قبل أن يكشف الحوثيون عن استخدامها هناك في ربيع عام 2021. وقامت إيران بعرض الطائرة في أكثر من مناسبة، آخرها في شهر مايو (أيار) من العام الحالي، وفقاً للتقارير الغربية الرسمية. وتشير التقارير إلى أن هذا الطراز من المسيّرات استُخدم في هجمات طالت سفناً في خليج عمان، كما رُصد استخدامها مرات عدة في أوكرانيا.

طائرة «شاهد - 136» في معرض إيراني كما تظهرها الوثائق

وتؤكد التحليلات أن طائرة «شاهد - 136» أكبر حجماً من طائرة «شاهد - 131»، ومزوّدة بمحرك أكبر شبيه بمحرك المسيّرة «ليمباخ - 500» ألمانية الصنع. وتتميز هذه الطائرات بقدرتها على مهاجمة أهداف متحركة ومزوّدة بنظام اتصال عبر الأقمار الاصطناعية يتيح إمكانية التحكم عن بُعد وخارج مجال الرؤية، ما يحمل إشارة لتطور قدرات هذه المسيرات.

ويصل مدى هذه المسيرات إلى 2500 كيلومتر، وهي مزوّدة برأس حربي وزنه 40 كيلوغراماً. وأشارت التحليلات الغربية للأدلة والحطام إلى تطابق المسيّرات في أوكرانيا مع تلك التي استُخدمت في هجمات في الشرق الأوسط.

وتشير سجلات التدريبات الإيرانية مطلع عام 2022 إلى أن البحرية البريطانية صادرت شحنة من الأسلحة احتوت على قطع مسيّرات وأنظمة تحكم في خليج عمان، كانت في طريقها إلى اليمن. وأشارت تحليلات سجلات الطيران والصور التي جرت استعادتها من أنظمة التخزين، إلى أن رحلات التجارب والتدريبات على هذه الطائرات تمت في ميادين ومواقع غرب العاصمة الإيرانية (طهران).

سجلات رحلات التدريب على المسيّرات الإيرانية تظهر مواقع في طهران

الباحث في المعهد الملكي البريطاني، د. توبياس بورك، قال لـ«الشرق الأوسط» إن هناك إقراراً غربياً متزايداً في الآونة الأخيرة بالمسيّرات الإيرانية وقدراتها، وأوضح أن المسيّرات والصواريخ إيرانية الصنع مثلت «عنصراً رئيسياً» في طبيعة التهديد الأمني القائم خلال السنوات الأخيرة.

وأضاف أن الحكومات الغربية لطالما كانت تميل إلى التركيز بشكل أكبر في علاقتها مع إيران على البرنامج النووي، بيد أن إدخال الطائرات الإيرانية دون طيار إلى مسرح الحرب في أوكرانيا «قد جلب نوعاً من التهديد الذي تشكله هذه الطائرات دون طيار على الغرب، التي باتت اليوم أقرب إلى بلدانهم، وبالتالي ينصب تركيز هذه الدول عليها».

تكنولوجيا المسيّرات في أيدي الميليشيات

وحول التهديد الذي يحمله وصول هذه التقنيات والمسيّرات إلى الجماعات والميليشيات المسلحة، سواء في الشرق الأوسط أو حول العالم، قال د. بورك إن هذا يمثل تهديداً، حيث إن «شركاء إيران، مثل حزب الله أو الحوثيين، لن يكونوا قادرين على الحصول على المسيّرات فحسب، بل يمكن أن يكتسبوا كذلك التكنولوجيا والمعرفة بكيفية تطوير وصنع المسيّرات. لذلك، أعتقد بأن الخطوة النوعية التي يمكن أن تأتي في المستقبل هي أننا لن نكون أمام انتشار السلاح فحسب، بل انتشار التكنولوجيا»، مشيراً إلى أنه في تلك المرحلة سيغدو التعامل مع سلسلة التوريد وممرات التهريب «أكثر صعوبة».

وقال د. بورك إن إدخال هذه الأسلحة الإيرانية في حرب في أوكرانيا بات الأولوية الأمنية للحكومات الأوروبية كلها، مضيفاً أن «امتلاك طرف في الحرب أسلحة إيرانية يجعل محاولة قطع تلك الأسلحة والتصدي لها أولوية بالنسبة للحكومات الغربية»، مشيراً إلى أن الصواريخ والطائرات دون طيار «قفزت إلى قمة الأجندة، وهذا سيشكل ملامح تعامل الحكومات الغربية مع إيران من الآن فصاعداً».


مقالات ذات صلة

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

العالم الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون يسير أمام عدد كبير من جنود بلاده (د.ب.أ)

واشنطن: القوات الكورية الشمالية ستدخل الحرب ضد أوكرانيا «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن اليوم (السبت) أن بلاده تتوقع أن آلافاً من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته المسائية عبر الفيديو (ا.ف.ب)

زيلينسكي يتهم بوتين بارتكاب جرائم حرب «جديدة»

اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بارتكاب جرائم حرب جديدة بعد الهجوم الصاروخي على مدينة دنيبرو بصاروخ جديد متوسط المدى.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)

البنتاغون: صاروخ بوتين لن يغير مسار حرب أوكرانيا

قلَّلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من أهمية الهجوم الذي نفذته روسيا، الخميس، ضد أوكرانيا، بصاروخ باليستي تجريبي جديد. كما أكدت أنْ لا شيء يدعو إلى تغيير

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (ا.ب)

أوستن: قوات كوريا الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك في الحرب «قريباً»

أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، اليوم (السبت)، أن بلاده تتوقع أن الآلاف من القوات الكورية الشمالية المحتشدة في روسيا ستشارك «قريباً» في القتال ضد أوكرانيا

«الشرق الأوسط» (سيدني)

«تهيمنان على برامج التصفح على الهواتف»... بريطانيا تحقق بشأن «أبل» و«غوغل»

شعار «غوغل» على هاتف محمول (أ.ف.ب)
شعار «غوغل» على هاتف محمول (أ.ف.ب)
TT

«تهيمنان على برامج التصفح على الهواتف»... بريطانيا تحقق بشأن «أبل» و«غوغل»

شعار «غوغل» على هاتف محمول (أ.ف.ب)
شعار «غوغل» على هاتف محمول (أ.ف.ب)

قالت هيئة المنافسة والأسواق في المملكة المتحدة، اليوم الجمعة، في تقرير إن شركتي «أبل» و«غوغل» لا توفران للمستهلكين خياراً حقيقياً لبرامج التصفح على الإنترنت للهواتف المحمولة، وأوصت بإحالتهما إلى تحقيقٍ بموجب القواعد الرقمية الجديدة في المملكة المتحدة، والتي من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ العام المقبل.

ووجهت هيئة المنافسة والأسواق انتقادات لشركة «أبل»، قائلة إن تكتيكات الشركة المصنعة لهاتف آيفون تعيق الابتكار عن طريق منع المنافسين من منح المستخدمين ميزات جديدة مثل تحميل صفحات الإنترنت بشكل أسرع.

وأفاد تقرير الهيئة بأن شركة «أبل» تفعل ذلك من خلال تقييد تطبيقات الويب المتطورة، والتي لا يتطلب الأمر تنزيلها من تطبيق لمتجر التطبيقات، ولا تخضع لعمولات تطبيق متجر التطبيقات.

وقالت هيئة المنافسة والأسواق البريطانية إن «هذه التطبيقات غير قادرة على الانطلاق بشكل كامل على الأجهزة التي تعمل بنظام تشغيل (آي أو إس) الذي طورته شركة (أبل)»، وجاء ذلك في تقرير مؤقت للهيئة عن تحقيقها بشأن برامج تصفح الهواتف المحمولة، والذي شرعت فيه بعد أن خلصت دراسة أولية إلى أن شركتي «أبل» و«غوغل» لديهما سيطرة فعالة على «الأنظمة البيئية المحمولة».

وتوصل تقرير هيئة المنافسة والأسواق أيضاً إلى أن شركتي «أبل» و«غوغل» تتلاعبان بالخيارات المقدمة لمستخدمي الهواتف المحمولة؛ لجعل برامج التصفح الخاصة بهما هي «الخيار الأكثر وضوحاً أو سهولة».

وقالت الهيئة إن اتفاقاً لتقاسم الإيرادات بين شركتي التكنولوجيا الكبيرتين في الولايات المتحدة «يقلل بشكل كبير من حوافزهما المالية» للتنافس في مجال برامج تصفح الهواتف المحمولة على نظام التشغيل «آي أو إس» الذي تصنعه شركة «أبل» لأجهزة آيفون.

وقالت الشركتان إنهما «ستتعاونان بشكل بناء» مع هيئة المنافسة والأسواق.

وذكرت شركة «أبل» أنها لا توافق على نتائج تقرير الهيئة، وأعربت عن قلقها من أن تؤدي التوصيات إلى تقويض خصوصية وأمن المستخدم.

وأشارت شركة «غوغل» إلى أن انفتاح نظام تشغيل «آندرويد» للأجهزة المحمولة الخاص بها «ساعد في توسيع الاختيار وخفض الأسعار، وأتاح الوصول إلى الهواتف الذكية والتطبيقات»، وأنها «ملتزمة بالمنصات المفتوحة التي توفر الإمكانيات للمستهلكين».