القلق الأمني يخيم على القمة الأوروبية... وقادتها يؤيدون تقديم التزامات دائمة لأوكرانيا

ناقشوا التبعات التي قد تنشأ عن لجوء قائد «فاغنر» وعدد غير معروف من مقاتليه إلى بيلاروسيا

قادة أوروبا خلال محادثات الطاولة المستديرة للقمة (إ.ب.أ)
قادة أوروبا خلال محادثات الطاولة المستديرة للقمة (إ.ب.أ)
TT

القلق الأمني يخيم على القمة الأوروبية... وقادتها يؤيدون تقديم التزامات دائمة لأوكرانيا

قادة أوروبا خلال محادثات الطاولة المستديرة للقمة (إ.ب.أ)
قادة أوروبا خلال محادثات الطاولة المستديرة للقمة (إ.ب.أ)

لتعزيز أمن أوكرانيا على المدى البعيد، حض الرئيس فولوديمير زيلينسكي قادة أوروبا على العمل على جولة جديدة من العقوبات بحق روسيا. وخلال قمة بروكسل، كرر القادة تنديدهم بحرب روسيا على أوكرانيا، وقالوا إن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء «جاهزون» للمساهمة في الالتزامات التي من شأنها أن تساعد أوكرانيا في الدفاع عن نفسها على المدى البعيد. وقال المسؤول عن السياسة الخارجية الأوروبية جوزيب بورّيل للصحافيين: «الدعم العسكري لأوكرانيا يتعين (أن يكون) طويل الأمد»، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي قد يؤسس صندوقا للدفاع الأوكراني على غرار صندوق السلام.

رئيس وزراء بلجيكا ألكساندر دي كرو يتحدث حول الدعم الأوروبي لأوكرانيا (أ.ف.ب)

وأضاف بوريل: «التدريب يجب أن يستمر وتحديث الجيش يجب أن يستمر. تحتاج أوكرانيا لالتزامنا حتى تواصل ضمان أمنها أثناء الحرب وبعد انتهائها».

وتقول مصادر أوروبية مسؤولة إن مفهوم «التعهدات الأمنية» الذي تقف فرنسا وراءه، قد يبقى مجرد حبر على ورق بسبب تردد دول عديدة في الذهاب أبعد من الصيغة الراهنة لتقديم المساعدات إلى أوكرانيا. وتخشى هذه الدول من أن حصول أوكرانيا على أسلحة هجومية أكثر تطوراً على غرار المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة إلى إسرائيل، قد يدفع موسكو إلى خيارات عسكرية أكثر خطورة.

وقالت المصادر، كما نقلت عنها «رويترز»، إن فرنسا، التي تدعو لتعزيز الدور الأمني والدفاعي للاتحاد الأوروبي، هي التي اقترحت نص البيان الختامي. لكن البيان جرى تعديله ليراعي مخاوف الدول المحايدة عسكريا وتلك التي تؤيد بشدة التعاون عبر ضفتي الأطلسي، مثل دول البلطيق التي ترى أن حلف شمال الأطلسي هو المسؤول الأساسي عن الأمن الأوروبي مع اضطلاع الولايات المتحدة بدور كبير. وقال النص النهائي للبيان إن الاتحاد الأوروبي سيسهم «مع الشركاء... ومع الاحترام الكامل للسياسات الأمنية والدفاعية لدول أعضاء بعينها». ويتماشى البيان مع مناقشة جرت بين دول أعضاء وقوى عسكرية بحلف شمال الأطلسي (الناتو) مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا حول إجراءات طمأنة أوكرانيا بشأن التزام الغرب بتعزيز أمنها على المدى البعيد.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية أورسولا فون در لاين

وتقول أوكرانيا إن أفضل طريقة لضمان أمنها وأمن أوروبا هي السماح لها بالانضمام إلى التكتل العسكري. لكن كييف أقرت أن ذلك غير ممكن أثناء الحرب ويدور خلاف بحلف شمال الأطلسي بشأن موعد حدوث ذلك بعد الحرب. وعبر زيلينسكي في كلمة أمام قادة الاتحاد الأوروبي عبر الإنترنت عن شكره لهم على الحزمة الحادية عشرة من العقوبات على روسيا التي أقرها الاتحاد في وقت سابق من الشهر الحالي بهدف منع المزيد من الدول والشركات من التحايل على العقوبات القائمة. وقال زيلينسكي وفقا لنص كلمته المنشور على الموقع الإلكتروني للرئاسة الأوكرانية: «من المهم عدم التوقف عن فرض العقوبات». وأشار أيضا إلى تمرد مجموعة فاغنر، قائلا: «كلما كانت روسيا أضعف وكان قادتها في خوف من حركات التمرد والانتفاضات، فسيخشون مضايقتنا. ضعف روسيا سيجعل الوضع آمنا بالنسبة للآخرين وهزيمتها ستحل مشكلة هذه الحرب».

وكان من المفترض أن تكون الأحداث المتلاحقة في روسيا منذ نهاية الأسبوع الماضي مبعثاً على الارتياح في الأوساط الأوروبية، لا سيما أن ثمة إجماعاً بين المحللين والمراقبين على أن التمرّد الذي قاده زعيم مجموعة فاغنر كان أقرب ما يكون إلى انقلاب على الكرملين وسلطة فلاديمير بوتين، ودليلاً على أن الرئيس الروسي لم يعد يملك السيطرة الكاملة على المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية أمام تعثّر العمليات الحربية في أوكرانيا.

لكن القلق كان هو الشعور الذي ساد أجواء القمة التي تختتم بها السويد اليوم رئاسة الاتحاد الدورية التي تنتقل خلال النصف الثاني من هذه السنة إلى إسبانيا، التي قرر رئيس حكومتها بيدرو سانتشيز أن يفتتحها غداً في كييف بلقاء مع فولوديمير زيلينسكي.

إسبانيا تتسلم رئاسة الاتحاد الدورية... وقرر رئيس حكومتها بيدرو سانتشيز أن يفتتح الدورة الجديدة غداً في كييف بلقاء مع فولوديمير زيلينسكي (إ.ب.أ)

قلق إزاء انعدام الرؤية الواضحة لما يحصل في الدوائر العليا للقرار العسكري الروسي والتداعيات المحتملة لهذا التمرّد الذي ما زال يكتنفه غموض كثيف، وقلق من التبعات التي قد تنشأ عن لجوء قائد «فاغنر» وعدد غير معروف من مقاتليه إلى بيلاروسيا التي أصبحت تضمّ جزءاً من ترسانة موسكو النووية، ومخاوف حذّرت منها البلدان المجاورة مثل بولندا وليتوانيا، وليتوانيا التي تستضيف بعد أسبوعين قمة حاسمة للحلف الأطلسي الذي شارك أمينه العام في القمة الأوروبية إلى جانب رئيس المجلس شارل ميشال.

وأعرب عدد من القادة الأوروبيين عن قلقهم الشديد من التطورات المحتملة التي قد تنشأ عن الوضع الجديد في بيلاروسيا، والتي قال بعضهم إنه يستحيل التكهّن بها، فيما دعا آخرون إلى إدراج مجموعة فاغنر على قائمة المنظمات الإرهابية.

وبدا واضحاً أن قادة الاتحاد يواجهون صعوبة في الموازنة بين موقف اعتبار تمرّد زعيم «فاغنر» وما أعقبه من تدابير تطهيرية في المؤسسة العسكرية شأناً روسياً داخلياً، والخشية من أن التصدّع الذي أحدثته هذه التطورات في نظام بوتين ستكون له تداعيات على الحرب الدائرة في أوكرانيا، وعلى الاتحاد الأوروبي.

وقد عبّر عن ذلك جوزيب بورّيل بقوله: «حتى الآن كنا نعد روسيا تهديداً للأمن الأوروبي، لأنها قوة عسكرية تمّ استخدامها من غير مبرر ضد أوكرانيا. أما الآن فقد أصبح لازماً التعامل معها كخطر بسبب زعزعة الاستقرار الداخلي فيها». واعتبر «أن بوتين ضعيفاً هو أكثر خطورة»، وأن فقدانه السيطرة الكاملة على النظام قد يدفعه إلى شن هجمات عسكرية كثيفة على أوكرانيا.

المستشار الألماني أولاف شولتس مع الرئيس الفرنسي (أ.ف.ب)

ويؤكد البيان الختامي للقمة على أن تغييرا في النظام السياسي الروسي ستكون له تداعيات أكيدة على الأمن الأوروبي تستدعي اليقظة والجهوزية المشتركة لمواجهته. وحذّر الرئيس الليتواني جيتاناس ناوسيدا من أن وجود عدد كبير من المقاتلين على درجة عالية من الخبرة في بيلاروسيا قد لا يشكّل تهديداً عسكرياً مباشراً، لكنه بالتأكيد سيكون منطلقاً لمحاولات تسلل إلى البلدان الأوروبية المجاورة لزعزعة الاستقرار فيها، خاصة بعد انكفاء مجموعة فاغنر عن مسرح المعارك الدائرة في أوكرانيا.

ومن جهتها كشفت رئيسة المفوضية أورسولا فون در لاين أن المعلومات المتوفرة لدى الأجهزة الأوروبية تفيد عن دور نشط لمجموعة فاغنر في تحريك تدفقات الهجرة من أفريقيا باتجاه بلدان الاتحاد الأوروبي، وحذّرت من دور مشابه على حدود الاتحاد الشرقية.

وقال المستشار الألماني أولاف شولتس إن ما قامت به مجموعة فاغنر في أوكرانيا وأفريقيا لا يغتفر، وهي تشكّل تهديداً للاستقرار في بلد مثل روسيا، مشدداً على أن هدف الاتحاد الأوروبي ليس تغيير النظام في روسيا، بل الحفاظ على استقلال أوكرانيا ووحدة أراضيها.

وبدا واضحاً من النقاش الذي دار بين القادة الأوروبيين حول التطورات الأخيرة في روسيا أن ثمة معسكرين بين البلدان الأعضاء: الأول يعد أن التصدّع الذي أصاب سلطة بوتين على الكرملين من شأنه أن يؤدي إلى فوضى قد تكون خطيرة على الاتحاد الأوروبي، لأنها تحصل في بلد يملك ترسانة نووية ضخمة، والثاني الذي يضمّ بلدان البلطيق ويرى أن التهديد الروسي قائم في جميع الحالات.

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

تحليل إخباري الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)

استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

ستثير الوثيقة التي صدرت الجمعة عن البيت الأبيض استياء الحلفاء التقليديين لواشنطن في أوروبا، لما تتضمّنه من انتقادات لاذعة لسياسات قادة «القارة العجوز».

أنطوان الحاج
أوروبا يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)

«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أمس (الجمعة)، أن الدرع الواقية في محطة تشرنوبل النووية بأوكرانيا لم تعد بإمكانها أداء وظيفتها الرئيسية

«الشرق الأوسط» (فيينا)
الولايات المتحدة​ المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف (أ.ب)

الولايات المتحدة وأوكرانيا تؤكدان أن أي تقدم نحو السلام يعتمد على روسيا

يعقد مفاوضون أوكرانيون ومبعوثو الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يوماً ثالثاً من المحادثات في ميامي السبت، مؤكدين أن إحراز أي تقدم نحو السلام يعتمد على روسيا.

«الشرق الأوسط» (ميامي)
أوروبا المستشار الألماني ميرتس مع الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الوزراء الكندي كارني (رويترز)

قلق أوروبي من «تسرع» أميركي لإنهاء الحرب في أوكرانيا

كشفت تقارير مضمون مكالمة حسّاسة جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الأوكراني

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا مبنى المحكمة الدولية في لاهاي (رويترز)

المحكمة الدولية: عقد جلسات استماع في غياب بوتين ونتنياهو وارد

اعتبر نائب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن عقد جلسات استماع في غياب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وارد.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)

البابا: لن نقف مكتوفي الأيدي أمام انتهاكات حقوق الإنسان

البابا ليو الرابع عشر يتحدث في الفاتيكان (أ.ب)
البابا ليو الرابع عشر يتحدث في الفاتيكان (أ.ب)
TT

البابا: لن نقف مكتوفي الأيدي أمام انتهاكات حقوق الإنسان

البابا ليو الرابع عشر يتحدث في الفاتيكان (أ.ب)
البابا ليو الرابع عشر يتحدث في الفاتيكان (أ.ب)

أكد البابا ليو الرابع عشر أمام سفراء جدد، اليوم (السبت)، أن الفاتيكان لن يقف مكتوف الأيدي أمام انتهاكات حقوق الإنسان في أنحاء العالم.

وهذه من أوضح التصريحات التي تكشف حتى الآن عن فلسفة البابا الأميركي، الذي انتُخب على رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم في مايو (أيار) عقب وفاة البابا فرنسيس.

وقال البابا أمام مجموعة السفراء الـ13: «أود أن أؤكد مجدداً أن الكرسي الرسولي لن يقف مكتوف الأيدي أمام التفاوتات الجسيمة، والظلم وانتهاكات حقوق الإنسان الأساسية في مجتمعنا العالمي الذي يزداد انقساماً وعرضة للصراعات».

و«الكرسي الرسولي» هو الهيئة الحاكمة للكنيسة التي يقودها البابا، ويمتلك سلطة روحية على 1.4 مليار كاثوليكي.

وأكد البابا أن «دبلوماسية الكرسي الرسولي تتجه باستمرار نحو خدمة خير البشرية، لا سيما من خلال مناشدة الضمائر، والإصغاء لأصوات الفقراء، أو الذين يعيشون في أوضاع هشّة، أو الذين يُدفعون إلى هامش المجتمع».

وبتركيزه على عدم المساواة، يبني ليو على أولويات سلفه البابا فرنسيس، الذي دافع عن حقوق المهاجرين وغيرهم من الفئات المستضعفة خلال حبريته.

وانتقد ليو، الذي أمضى قرابة 20 عاماً مبشّراً في البيرو، معاملة المهاجرين «غير المحترمة» في الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترمب.

والسفراء الجدد المعتمدون الذين استقبلهم الفاتيكان السبت، من أوزبكستان ومولدوفا والبحرين وسريلانكا وباكستان وليبيريا وتايلاند وليسوتو وجنوب أفريقيا وفيجي وميكرونيزيا ولاتفيا وفنلندا.


استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
TT

استراتيجية الأمن القومي الأميركي و«المعجزة» الأوروبية المنشودة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث قبل حفلة لمغني الأوبرا الإيطالي الضرير أندريا بوتشيللي في البيت الأبيض (أ.ب)

لم يكن مفاجئاً مضمون استراتيجية إدارة الرئيس دونالد ترمب للأمن القومي الأميركي التي تُصوّر الحلفاء الأوروبيين بوصفهم ضعفاء، وتسعى إلى إعادة تأكيد هيمنة الولايات المتحدة في النصف الغربي من الكرة الأرضية.

ستثير الوثيقة التي صدرت الجمعة 5 ديسمبر (كانون الأول) 2025 عن البيت الأبيض استياء الحلفاء التقليديين لواشنطن في أوروبا، لما تتضمّنه من انتقادات لاذعة لسياسات قادة «القارة العجوز» في شأنَي الهجرة، وحرية التعبير، إذ تُشير إلى أنهم يواجهون «احتمال امّحاء حضاريّ»، وتشكّك في مدى موثوقيتهم بأنهم شركاء للولايات المتحدة على المدى الطويل.

وتُجدّد الوثيقة، بلغة لا تخلو من البرودة، والنبرة التصادمية، تأكيد فلسفة ترمب القائمة على مبدأ «أميركا أولاً» الذي يعني عملياً عدم التدخل في الخارج، وتُعيد تقييم عقود من الشراكات الاستراتيجية، وتضع المصالح الأميركية فوق كل اعتبار.

هذه أول استراتيجية للأمن القومي -وهي وثيقة يُلزم القانون الإدارة بإصدارها- منذ عودة الرئيس الجمهوري إلى السلطة في 20 يناير (كانون الثاني) 2025. وتمثل سطورها قطيعة واضحة مع النهج الذي اعتمدته إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن، والتي سعت إلى إعادة تنشيط التحالفات بعد أن كانت قد تزعزعت خلال الولاية الأولى لترمب، وإلى كبح جماح روسيا الناهضة اقتصادياً بفضل صادراتها من النفط، والغاز.

*دور متراجع

سعى ترمب منذ عودته إلى البيت الأبيض إلى التوسّط لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية المستمرة منذ نحو أربع سنوات في أوكرانيا، وهو هدف تؤكد الاستراتيجية الجديدة أنه يدخل ضمن المصالح الحيوية لواشنطن الراغبة في تحسين علاقاتها مع موسكو بعد سنوات من التعامل مع روسيا بوصفها دولة منبوذة دولياً، وبالتالي يغدو إنهاء الحرب مصلحة أميركية أساسية من أجل «إعادة إرساء الاستقرار الاستراتيجي مع روسيا».

إطفائي يتعامل مع نيران أشعلها هجوم جوي روسي على العاصمة الأوكرانية كييف (أ.ف.ب)

وتنتقد الوثيقة حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين الذين وجدوا أنفسهم هذا العام الذي يطوي أيامه الأخيرة أمام قساوة إصرار ترمب على التخلص من أعباء الحرب الروسية-الأوكرانية، بينما يواجهون تحديات اقتصادية داخلية، إضافة إلى أزمة وجودية، و«حضارية»، وفق واشنطن.

الواقع أنه ليس مستغرباً أن يضمر «حجم» أوروبا في التفكير الاستراتيجي للولايات المتحدة. فالتاريخ يُظهر أن الاستراتيجية الكبرى الأميركية التي كانت في الغالب تتمحور على أوروبا لا بد أن تعكس تراجع خطر هيمنة قوة واحدة على القارة القديمة منذ مطلع الألفية، وظهور مراكز أخرى للنفوذ الجيوسياسي، والرهانات الجيواقتصادية. وهذا ما دفع الولايات المتحدة إلى إعطاء مناطق أخرى من العالم أهمية متزايدة. فبينما ركّز الرئيس جورج بوش الابن على الشرق الأوسط، أعلن كل رئيس جاء بعده -حتى وإن لم يُنفَّذ الأمر بشكل كامل- سياسات تهدف إلى «التحوّل نحو آسيا». وفي عهد ترمب، أضيفت أميركا اللاتينية إلى آسيا، وما قاله الرجل عن بنما، وما يفعله حيال فنزويلا، وبدرجة أقل نحو كولومبيا خير دليل على ذلك.

*جيل أميركي مختلف

تُظهر التحوّلات الديموغرافية في الولايات المتحدة أنّ «جيل الحرب الباردة»، الذي كان يميل تلقائياً بشيء من الحنين إلى «الأطلسية»، والجسور الثقافية الممتدة إلى الجزر البريطانية، واليابسة الأوروبية، يقترب من «التقاعد»، ويحلّ محلّه جيلٌ أصغر سناً، وأكثر تنوّعاً من الناحية العرقية، ويعيد النظر في الدور الأميركي على مستوى العالم. ونظراً للحذر العميق الذي يعتمل في نفس ترمب حيال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والاتحاد الأوروبي، كان طبيعياً أن يعمد في ولايته الثانية إلى إنزال أوروبا درجات في سلّم الأولويات، ومعها «الناتو» الذي أُنشئ عام 1949 للوقوف في وجه الاتحاد السوفياتي، ومنعه من مدّ نفوذه إلى أوروبا الغربية. فالتفاهم مع موسكو بشأن أوروبا ومناطق أخرى من الكوكب أفضل من إنفاق الأموال على حماية أوروبا «الاتكالية».

مبنى بيرلايمونت حيث مقر المفوضية الأوروبية في العاصمة البلجيكية بروكسل (أ.ف.ب)

خالف هذا التوجه تمسّك جميع الرؤساء الذين تولّوا الحكم في واشنطن بعد الحرب الباردة بالموقع الرئيس لأوروبا في الاستراتيجية الأميركية. فقد كانت أوروبا تُعدّ سوقاً رئيسة للبضائع، والخدمات الأميركية (خصوصاً الدفاعية)، وكان يمكن للحلفاء الأوروبيين أن يشكّلوا قوة مضاعِفة للنفوذ الأميركي في مناطق أخرى من العالم. وفي المقابل، كانت روسيا تهديداً لأمن أوروبا، وللنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، بما يشمل منطقة المحيط الهادئ، حيث تعمل موسكو على تعزيز مصالحها الخاصة، وتتماهى في مواقفها مع الصين.

*التحديات الثقيلة

جاء في وثيقة الاستراتيجية الأميركية أن «الركود الاقتصادي في أوروبا يقل أهمية عن الاحتمال الحقيقي والأكثر حدّة لحصول امّحاء حضاريّ».

وترى واشنطن أن أوروبا تضعف بسبب سياسات الهجرة التي تعتمدها، وتراجع معدلات الولادة، و«قمع حرية التعبير، وكبح المعارضة السياسية»، فضلاً عن «فقدان الهويات الوطنية، والثقة بالنفس».

تضيف الوثيقة: «إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فإن القارّة ستكون مختلفة تماماً في غضون 20 عاماً أو أقل. بالتالي، ليس من الواضح إطلاقاً ما إذا كانت بعض الدول الأوروبية ستملك اقتصادات وجيوشاً قوية بما يكفي لتبقى من الحلفاء الموثوقين (...). نحن نريد لأوروبا أن تبقى أوروبية، وأن تستعيد ثقتها الحضارية بنفسها».

إذا سلمنا بصحة هذا التصوّر، فإننا نستنتج فوراً أن على أوروبا أن تصدّ أو تلطّف تداعيات الخروج الأميركي المرجَّح من معمعة الحرب الروسية–الأوكرانية. فالقارة لا تملك القوة الكافية لرفد كييف بما يمكّنها من مواصلة الحرب، ومجاراة القوة العسكرية الروسية. ولا فائدة من رفع الإنفاق العسكري في دول أوروبية عديدة لإقامة توازن مستحيل مع القوة الروسية، في موازاة استنزاف اقتصادات متعثرة تعاني عجزاً هائلاً بـ«قيادة» ألمانيا التي يبلغ دينها العام 2.55 تريليون يورو، وهو ما يعادل نحو 62.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفرنسا (3.416 تريليون يورو، أي ما يعادل 115.8في المائة من الناتج المحلي).

لا شك في أنه يحق للاتحاد الأوروبي أن يشغل مقعداً إلى طاولة المفاوضات الجارية على قدم وساق بين واشنطن وموسكو لإنهاء الحرب في أوكرانيا التي تكتفي –رغم محاولات التجميل– بدور المتلقي. فالحرب مسرحها أوروبي، و«أهل الدار» معنيون بما يجري على أرضهم.

*التواصل أجدى من القطيعة

لن يتحقق المطلب الأوروبي إلا بإقامة خطوط اتصال بين بروكسل وموسكو، فبغير ذلك لا انخراط لأوروبا في صَوغ القرارات التي ستُتّخذ لإنهاء حرب أوكرانيا مع ما لذلك من انعكاسات على الأمن الأوروبي. وإن لم يحصل هذا الأمر فسيجد الأوروبيون أنفسهم يكتفون بردّ الفعل على تطوّرات تقودها واشنطن وموسكو، وبدرجة أقل كييف.

جنود من المشاة خلال تدريب عسكري فرنسي - بلجيكي مشترك في منطقة مفتوحة قرب بلدة سيسون بشمال شرقي فرنسا (أ.ف.ب)

أوروبا كبيرة، وغنية رغم العثرات الحالية، ومتقدمة تكنولوجياً. وهي تحتاج بالفعل إلى برنامج إعادة تسليح قوي يقنع موسكو -التي لا تريد حرباً مع أوروبا كما قال فلاديمير بوتين لكنها مستعدة لها– بالتفاوض الجدّي.

أما الورقة الثانية للإقناع فتكون بكسر الجمود بشأن الأصول الروسية المجمدة والمحتجَزة بموجب العقوبات التي أقرها الاتحاد الأوروبي على دفعات بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. فموسكو ستَنشد حلاً لتحرير أصولها الأوروبية التي تقدَّر قيمتها بـ210 مليارات دولار. أما الرأي الأوروبي القائل بضرورة استخدام هذه الأصول لدعم أوكرانيا، فمؤداه إطالة عمر الحرب، ووضع القارة في حالة مواجهة مع روسيا هي في غنى عنها.

ثمة من يقول إن الكرملين لا يفهم سوى لغة القوة، والبيت الأبيض لا يفهم سوى لغة الأعمال، وعلى أوروبا أن تتقن اللغتين. وثمة من يردّ على ذلك بالقول إن ما ورد عن البيت الأبيض صحيح، في حين أن ما ورد عن الكرملين مضلِّل.

ولعلّ الحقيقة أن كل هذه المعادلة لا ضرورة لها، وليس على أوروبا أن تتقن لغتين، بل عليها أن تُحسن إنجاب قادة حقيقيين يعرفون التاريخ ليضعوا رؤى لمستقبل يقيهم شرّ «الامّحاء الحضاري»، و«تلاشي الهويات»، فهل تتحقق «المعجزة»؟...


«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
TT

«الطاقة الذرية»: الدرع الواقية لمحطة تشرنوبل النووية تضررت

يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)
يُظهر منظر عام هيكل الاحتواء الآمن الجديد (NSC) فوق التابوت القديم الذي يغطي المفاعل الرابع التالف بمحطة تشرنوبل للطاقة النووية في تشرنوبل (رويترز)

أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة أمس (الجمعة)، أن الدرع الواقية في محطة تشرنوبل النووية بأوكرانيا، التي تم بناؤها لاحتواء المواد المشعة الناجمة عن كارثة 1986، لم تعد بإمكانها أداء وظيفتها الرئيسية للسلامة، بعد تعرضها لأضرار بسبب طائرة مسيرة، وهو ما اتهمت أوكرانيا روسيا بالمسؤولية عنه، بحسب «رويترز».

وقالت الوكالة إن عملية تفتيش الأسبوع الماضي لهيكل العزل الفولاذي الذي اكتمل في عام 2019، وجدت أن تأثير الطائرة المسيرة في فبراير (شباط)، أي بعد 3 سنوات من الصراع الروسي في أوكرانيا، أدى إلى تدهور الهيكل.

وقال رافائيل غروسي المدير العام للوكالة في بيان، إن «بعثة التفتيش أكدت أن (هيكل الحماية) فقد وظائف الأمان الأساسية، بما في ذلك القدرة على الاحتواء، ولكنها خلصت أيضاً إلى أنه لم يكن هناك أي ضرر دائم في هياكله الحاملة أو أنظمة المراقبة».

وأضاف غروسي أنه تم بالفعل إجراء إصلاحات «ولكن لا يزال الترميم الشامل ضرورياً لمنع مزيد من التدهور، وضمان السلامة النووية على المدى الطويل».

وذكرت الأمم المتحدة في 14 فبراير، أن السلطات الأوكرانية قالت إن طائرة مسيرة مزودة برأس حربي شديد الانفجار ضربت المحطة، وتسببت في نشوب حريق، وألحقت أضراراً بالكسوة الواقية حول المفاعل رقم 4 الذي دُمر في كارثة عام 1986.

وقالت السلطات الأوكرانية إن الطائرة المسيرة كانت روسية، ونفت موسكو أن تكون قد هاجمت المحطة.

وقالت الأمم المتحدة في فبراير، إن مستويات الإشعاع ظلت طبيعية ومستقرة، ولم ترد تقارير عن تسرب إشعاعي.

وتسبب انفجار تشرنوبل عام 1986 في انتشار الإشعاع بجميع أنحاء أوروبا، ودفع السلطات السوفياتية إلى حشد أعداد هائلة من الأفراد والمعدات للتعامل مع الحادث. وتم إغلاق آخر مفاعل يعمل بالمحطة في عام 2000.

واحتلت روسيا المحطة والمنطقة المحيطة بها لأكثر من شهر في الأسابيع الأولى من غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022، حيث حاولت قواتها في البداية التقدم نحو العاصمة الأوكرانية كييف.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أجرت التفتيش في الوقت نفسه الذي أجرت فيه مسحاً على مستوى البلاد للأضرار التي لحقت بمحطات الكهرباء الفرعية، بسبب الحرب التي دامت نحو 4 سنوات بين أوكرانيا وروسيا.