رحيل «الفارس الشمالي» سيلفيو برلسكوني... صانع سيرة إيطاليا الحديثة

أسّس أول حزب/شركة وأطلق الشعار الشهير: الحرية أو الشيوعية

برلسكوني يرد على تحية الحضور في ختام جملة حزبه «فورزا إيطاليا» للانتخابات العامة في 23 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)
برلسكوني يرد على تحية الحضور في ختام جملة حزبه «فورزا إيطاليا» للانتخابات العامة في 23 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)
TT

رحيل «الفارس الشمالي» سيلفيو برلسكوني... صانع سيرة إيطاليا الحديثة

برلسكوني يرد على تحية الحضور في ختام جملة حزبه «فورزا إيطاليا» للانتخابات العامة في 23 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)
برلسكوني يرد على تحية الحضور في ختام جملة حزبه «فورزا إيطاليا» للانتخابات العامة في 23 سبتمبر 2022 (أ.ف.ب)

سيلفيو برلسكوني، الرجل الذي رأس الحكومة الإيطالية ثلاث مرات وهو يجلس على عرش إمبراطورية إعلامية، والذي تجاوز مئات الفضائح القانونية والشخصية، انطفأ عن 86 عاماً تحت وطأة سرطان الدم المزمن الذي كان يعاني منه منذ سنوات، وانطفأت معه إحدى الأساطير التي أحاط نفسه بها، وكان طبيبه الخاص يحرص على تغذيتها بتصريحات متعاقبة تؤكد أن «الفارس» الذي وضع أسس الشعبوية في إيطاليا قادر على النهوض من كل الكبوات.

لا شك في أن برلسكوني كان الشخصية الأوسع تأثيراً في إيطاليا خلال العقود الثلاثة المنصرمة، مستنداً دائماً إلى ثروته الطائلة التي تخيّم شكوك كثيرة حول بداياتها، وإلى القنوات التلفزيونية الترفيهية التي كان بواسطتها يوجّه المسار الاستهلاكي في البلاد. وهو الذي أسّس أول حزب/ شركة يقوم على شرائع السوق وليس على المعتقدات والمبادئ القديمة. وكان أول من أطلق الشعار الشهير: الحرية أو الشيوعية، وأرسى ثقافة النجاح المادي والصعود الاجتماعي والمحسوبية التي ترسخت في عمق المجتمع الإيطالي الذي نادراً ما استطاع مقاومة إغراءاته.

برلسكوني خلال احتفال بيوم الجمهورية في روما في 2 يونيو 2009 (أ.ف.ب)

جمع برلسكوني بين السياسة والرياضة والتسويق التجاري، في مزيج ساحر استسلم له الإيطاليون، وكان ممهداً للحركات الشعبوية التي توجّها وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، والتي تقوم على صورة الرجل العصامي القادر على نقل سيرة نجاحه الشخصي إلى إدارة الشأن العام.

من التهم الكثيرة التي لاحقه القضاء بشأنها، الدعارة مع القاصرات، والتنصّت غير القانوني على خصومه، والتواطؤ مع المافيا، والفساد المالي، لكن ترسانته القانونية التي كانت تضمّ عشرات المحامين اللامعين ووزراء العدل الذين كان يضعهم في خدمته قبل تكليفهم بشؤون إدارة حقائبهم، سمحت له بالإفلات من العقاب، على الرغم من أنه في إحدى المرات أسقطت عضويته من مجلس الشيوخ، وصدر في حقه حكم نافذ بتأدية خدمات اجتماعية بدل دخول السجن بسبب تقدمه في السن.

ولد سيلفيو برلسكوني في كنف عائلة متوسطة في مدينة ميلانو، وكان معروفاً بسرعة بديهته، وظرفه وقدراته الخطابية والتواصلية التي مكنته مطلع خمسينات القرن الفائت من كسب رزقه كمطرب على متن السفن السياحية برفقة صديق عمره الذي يرأس اليوم إمبراطوريته الإعلامية، قبل أن ينتقل إلى القطاع العقاري الذي بنى عليه ثروته عبر مشروعات سكنية ضخمة في مدينة ميلانو وضواحيها ليملك بعد ذلك ناديها الرياضي الأشهر.

برلسكوني متوسطاً الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما والرئيس الروسي السابق دمتري ميدفديف خلال قمة الـ20 في لندن في 2 أبريل 2009 (أ.ف.ب)

أواسط ثمانينات القرن الماضي، قرر برلسكوني خوض غمار المعترك السياسي الإيطالي المعقد، في وقت بدأت تظهر عليه علامات السأم من ثنائية الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الشيوعي الذي كان أقوى الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية. أدرك يومها أن غالبية الإيطاليين تطمح إلى التقليل من الآيديولوجيا والمزيد من الحريات والرفاهية، وراح يمدّ أذرع إمبراطوريته الإعلامية بشراء الصحف والمجلات ودور النشر، إلى جانب المحطات التلفزيونية التي لم يتخلّ عن ملكيتها خلال توليه المناصب الرسمية على الرغم من المحاولات الكثيرة التي بذلها خصومه السياسيون في البرلمان وأمام المحاكم.

أخطأ اليسار الإيطالي في تقديره لظاهرة برلسكوني خلال بدايتها، وبلغت فداحة الخطأ حد الاستهزاء به والتخلي له عن مساحة واسعة من المشهد السياسي المقفر الذي لم يتردد لحظة في الانقضاض عليه مدججاً بجيشه الإعلامي الذي مكّنه من الوصول إلى السلطة والهيمنة على المسرح الثقافي طوال ثلاثة عقود متتالية.

ولم يتوان برلسكوني عن الإمساك بجميع المفاتيح الاجتماعية التي جعلت ملايين الإيطاليين يحلمون بأن يكونوا مثله ويعطوه شيكاً سياسياً على بياض في الانتخابات، واشترى نادي إيه. سي. ميلان لكرة القدم ليتربع على أحد عروش الديانة العلمانية لإيطاليا، وأغدق عليه الأموال بسخاء ليفوز خمس مرات بالكأس الأوروبية وثماني مرات بالدوري الإيطالي، ويرفع برلسكوني إلى مصاف الرموز الرياضية الكبرى.

وكان من الطبيعي أن يستمد اسم الحزب، الذي أسسه من الشعار الذي يردده مشجعو الفريق الوطني الإيطالي «فورزا إيطاليا» في المنافسات، وأحاط نفسه بمجموعة من كبار المسؤولين في مؤسساته، والشخصيات اللامعة، ومشاهير السينما والتلفزيون، وعدد من الوجوه البارزة في الحزب الديمقراطي المسيحي الذي كان يلفظ أنفاسه الأخيرة. وقد تمكّن برلسكوني من تولّي رئاسة الحكومة ثلاث مرات على مدى سبعة عشر عاماً، متفوقاً بذلك على جوليو آندريوتي الشخصية الأساسية الأخرى في المشهد الإيطالي بعد الحرب العالمية.

برلسكوني يلقي كلمة لدى مغادرته منصبه رئيساً للوزراء في 16 مايو 2006 (إ.ب.أ)

نسف الحزب الذي أسسه «الفارس» القادم من الشمال دعائم السياسة الإيطالية العميقة، وزرع البذرة الصامتة، التي أنبتت كل الظواهر اللاحقة من ماتّيو رنزي، الذي هدم الصرح اليساري العتيق، إلى حركة «النجوم الخمس» وزعيم حزب «الرابطة» اليميني المتطرف الذين يمكن عدُّهم جميعاً لقطاء أسلوب برلسكوني في مقاربة السياسة والعمل البرلماني في إيطاليا.

في عام 2011، وصل قطار برلسكوني السياسي إلى محطته الأخيرة بعد سلسلة من الإخفاقات والأخطاء الاقتصادية الجسيمة التي وضعت إيطاليا في غرفة العناية الأوروبية الفائقة، واستنفدت صبر شركائه الأوروبيين الذين أجبروه على الاستقالة التي بدأت معها مرحلة الاحتضار السياسي الذي وصل إلى خواتيمه اليوم مع وفاته.



بعد وثائقي «بي بي سي»... 40 بلاغاً جديداً يتضمّن اتهامات بالاعتداء الجنسي بحق محمد الفايد

مالك متجر «هارودز» الراحل محمد الفايد (رويترز)
مالك متجر «هارودز» الراحل محمد الفايد (رويترز)
TT

بعد وثائقي «بي بي سي»... 40 بلاغاً جديداً يتضمّن اتهامات بالاعتداء الجنسي بحق محمد الفايد

مالك متجر «هارودز» الراحل محمد الفايد (رويترز)
مالك متجر «هارودز» الراحل محمد الفايد (رويترز)

أعلنت شرطة لندن أمس (الجمعة)، أنها تلقت 40 بلاغاً عن حالات اغتصاب واعتداء جنسي ارتكبها مالك متجر «هارودز» الراحل محمد الفايد منذ عرض «بي بي سي» أول الاتهامات، ضمن وثائقي بثته في 19 سبتمبر (أيلول) الماضي، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأوضحت شرطة العاصمة أنّ هذه الاتهامات الأربعين تُضاف إلى 21 تهمة حُوّلت إلى الشرطة قبل بث الوثائقي: 4 منها تتعلق بالاغتصاب، و16 باعتداءات جنسية وواحدة بالاتجار بالجنس.

ومنذ بث الوثائقي، تلقت الشرطة «40 تقريراً جديداً متعلقاً بـ40 ضحية ومرتبطاً بجرائم مثل الاعتداء الجنسي والاغتصاب بين 1979 و2013»، بحسب بيان لها.

وسيتم «التدقيق بهذه التقارير» لتحديد ما إذا كان من الممكن أن تؤدي، أم لا، إلى ملاحقات قضائية ضد أشخاص آخرين غير محمد الفايد الذي توفي في أغسطس (آب) 2023 عن 94 عاماً، و«لا يوجد أي احتمال لإدانته»، بحسب الشرطة.

وتتهم نحو 200 امرأة، بعضهنّ كنّ قاصرات خلال فترة الوقائع، الفايد، باغتصابهنّ والاعتداء عليهنّ جنسياً. ومحمد الفايد هو والد رفيق الأميرة ديانا الأخير، دودي، الذي توفي معها في حادث سيارة بباريس في 31 أغسطس 1997.

وقال فريق «جاستيس فور هارودز سورفايفرز» المؤلف من محامين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» الجمعة، إنه بات يمثل 116 امرأة من مختلف أنحاء العالم، ويصل إليه يومياً شهادات جديدة تتضمن اتهامات في حق رجل الأعمال.

وأعلن المتجر البريطاني الخميس، أنه بدأ مفاوضات للتوصل إلى تسوية خارج القضاء مع أكثر من 200 امرأة. وسبق لـ«هارودز» أن توصّل في الماضي إلى تسويات لعدد من النزاعات المرتبطة بالفايد.

وأعلنت «بي بي سي» الخميس، أنها تلقت 65 شهادة جديدة منذ بث الوثائقي.

وأشار محامو «جاستيس فور هارودز سورفايفرز» خلال الأسابيع الأخيرة، إلى «أدلة موثوق بها على وقوع اعتداءات جنسية في عقارات وشركات أخرى تابعة للفايد، بينها نادي (فولهام) الإنجليزي لكرة القدم» الذي اشتراه عام 1997.

وأوضحوا أنهم يمثلون نساء كنّ يعملن في فندق «ريتز» بباريس الذي يملكه الفايد أيضاً.