يقوم الرئيس الفرنسي غداً الأحد بزيارة هي الأولى من رئيس فرنسي إلى جمهورية منغوليا المحشورة جغرافياً واقتصادياً ما بين روسيا والصين، وذلك عقب اختتام قمة مجموعة السبع في مدينة هيروشيما اليابانية. وتأتي هذه الزيارة لوضع حد لغياب التواصل عالي المستوى بين باريس وأولان باتور، رغم أن بدايات العلاقات بين الطرفين تعود إلى القرن الثالث عشر، عندما أرسل الملك لويس التاسع المسمى «القديس لويس» رسولاً الى منغوليا هو الراهب الفرنسيسكاني غيوم دو ريبروك، من أجل إقامة علاقات مع ملكها، وهو حفيد الإمبراطور المغولي الشهير جنكيز خان.
وبهذه المناسبة، سوف يزور ماكرون بصحبة الرئيس المنغولي متحف جنكيز خان الذي سيعير متحف مدينة نانت الواقعة غرب البلاد مجموعة من مقتنياته، بمناسبة المعرض الذي سيقيمه المتحف الفرنسي عن القائد المغولي الشهير. وأقام الطرفان علاقات رسمية في عام 1960.
كثيرون تساءلوا عن الأسباب التي تدفع إيمانويل ماكرون لزيارة هذا البلد. والجواب جاء على لسان مصدر رئاسي، وذلك بمناسبة تقديمه لمشاركة الرئيس الفرنسي في قمة السبع. وقد وصف الزيارة بـ«المهمة». ووجه الأهمية الأول -حسب الإليزيه- أن منغوليا التي تبلغ مساحتها 1.56 مليون كيلومتر مربع، وعدد سكانها 2.9 مليون نسمة، غالبيتهم من الرحل، دولة ديموقراطية وذات اقتصاد ليبرالي. والأهم من ذلك أنها دولة تسعى لـ«تنويع شراكاتها» عملياً للخروج من وضع الدولة المنغلقة، وتريد باريس أن تطرح نفسها شريكاً موثوقاً وقادراً لمنغوليا؛ بحيث تتمكن من التعاطي مع موسكو وبكين من موقع مريح.
من هنا، فإن المصدر الفرنسي تحدث عن «التحدي الجيوستراتيجي» الذي تواجهه منغوليا، ورغبة باريس في مساعدتها على تخطيه. بيد أن السبب الرئيسي -كما يفهم من أقوال المصدر الفرنسي- أن باريس تهتم إلى جانب المسائل السياسية والاستراتيجية، بالسوق المنغولية وبإمكانات الاستثمار والتعاون في المشاريع المشتركة مع هذا البلد، كما أن عينها على ثرواته المعدنية التي تريد أن تكون لها حصة فيها.
وحتى اليوم، تمثل الصين الوجهة الرئيسية للصادرات المنغولية؛ إذ إنها تستوعب 86 في المائة من صادرات منغوليا التي نصفها من الفحم الحجري. وتسعى الولايات المتحدة للانفتاح على منغوليا لخفض الهيمنة الصينية على اقتصادها، مع ما يستتبع ذلك من تراجع نفوذ بكين السياسي.
تعتبر باريس أن هناك إمكانات للتعاون بين الطرفين، وأن ثمة «مساحة واسعة للاستثمار» في منغوليا التي تعتمد على الفحم الحجري بنسبة 90 في المائة لإنتاج طاقتها الكهربائية، ما يجعل التجمعات السكنية الكبرى -خصوصاً العاصمة- بالغة التلوث. من هنا تأتي حاجة منغوليا لخفض انبعاثات الكربون، وبالتالي ترى باريس أن تكنولوجياتها قادرة على أن تكون عوناً للطرف المنغولي.
وحسب الأكاديمي أنطوان مير، الباحث في المعهد الفرنسي للبحوث الاستراتيجية، فإن باريس وأولان باتور تسعيان إلى «تحقيق التوازن في علاقتهما الثنائية». بيد أن باريس تهتم بوجه خاص بما يختزنه باطن الأراضي المنغولية من ثروات معدنية، وتحديداً من اليورانيوم الطبيعي الضروري للاستخدامين المدني والعسكري. ومعروف أن فرنسا تعتمد حالياً على ما تحصل عليه من مناجم اليورانيوم في النيجر.
وقد وفرت هذه الثورة لمنغوليا، في السنوات العشر المنقضية، نمواً اقتصادياً ملحوظاً. ونقلت صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية عن مصادر رئاسية، أن لفرنسا حضوراً في القطاع النووي عبر شركة «أورانو» («أريفا» سابقاً) ولها مشروع متقدم؛ بيد أنه لم يصل بعد إلى مرحلة الإنتاج. من هنا، فإن باريس لن تكون وحدها في الساحة المنغولية، وبالتالي فإن تعزيز حضورها في هذا البلد يتطلب منها جهوداً متنوعة، سياسية واقتصادية واستثمارية، لبناء الشراكات التي تبحث عنها.