تستضيف برلين، اليوم (الخميس)، الاجتماع السابع لوزراء خارجية ما يسمى «مجموعة ميونيخ»، التي تضم ألمانيا وفرنسا ومصر والأردن؛ للنظر في تطورات النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، فيما هدفها المعلن والرئيسي يتمثل في إعادة إطلاق المفاوضات بين الطرفين؛ للتوصل إلى حل سياسي؛ وفق المحددات الدولية المعروفة.
ويأتي هذا الاجتماع الذي دعت إليه وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، المنتمية إلى حزب «الخضر»، فيما الحرب دائرة بين التنظيمات الفلسطينية في غزة، وتحديداً «الجهاد الإسلامي» وإسرائيل.
ورغم الجهود التي بذلتها مصر وأميركا من أجل التهدئة والامتناع عن التصعيد، فإن الحرب متواصلة والجيش الإسرائيلي يواصل عمليات القصف الجوي التي تستهدف قادة «الجهاد»، ولا تستثني المدنيين الذين سقط منهم العشرات.
من هنا، المفارقة بالنسبة لعمل المجموعة المذكورة، ذلك أن هدفها الأسمى المتمثل بدفع الطرفين إلى طاولة المفاوضات يبدو بمثابة سراب، حيث إن أهدافاً أكثر تواضعاً، مثل التي أسفر عنها اجتماعا العقبة وشرم الشيخ في الأسابيع الأخيرة، بقيت حبراً على ورق بسبب عدم احترام إسرائيل لالتزاماتها التي تعهدت بها أمام الدول التي شاركت في الاجتماعين المشار إليهما.
تعود نشأة المجموعة لشهر فبراير (شباط) من عام 2020، حيث أطلقت على هامش أعمال مؤتمر ميونيخ للأمن. وعقدت ستة اجتماعات بعضها عن بُعد بسبب جائحة «كوفيد». وجاء أفضل تعبير عن أهداف المجموعة في البيان المشترك الذي صدر عقب لقاء الوزراء الأربعة في القاهرة في شهر يناير (كانون الثاني) عام 2021، الذي حمل الدعوة إلى «الاستئناف الفوري للمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، على أساس حل الدولتين القائم على ضمان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة على أساس حدود 1967، وقرارات مجلس الأمن الدولي»، والتركيز على «ضرورة وقف الأنشطة الاستيطانية، وأهمية التمسك بالوضع التاريخي والقانوني القائم للأماكن المقدسة في القدس».
وأشار البيان إلى اتفاقيات التطبيع «اتفاقيات أبراهام»، من حيث ضرورة أن تسهم في حل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، على أساس حل الدولتين، وبما يُحقق السلام الشامل والدائم، والترحيب بجهود تحقيق المصالحة الفلسطينية، وإجراء الانتخابات «الفلسطينية» في آنٍ واحد.
واليوم، أصدرت الخارجية الفرنسية بياناً عن مشاركة الوزيرة كاترين كولونا في الاجتماع جاء فيه: «إعادة التأكيد على عزم فرنسا على العمل من أجل خفض التصعيد، والمساهمة في الجهود كافة التي تسعى لإعادة وصل خيوط الحوار السياسي بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أساس حل الدولتين والمحددات الدولية المتعارف عليها». كذلك أشار البيان إلى أهمية «إعادة فتح أفق سياسي لإيجاد حل للصراع، ومساندة كل مبادرة تسهل ذلك، بما فيها تدابير الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين».
ولم يفت البيان الترحيب بالجهود التي بذلتها مصر والأردن والولايات المتحدة في العقبة وشرم الشيخ، والتعبير عن دعم باريس لها، مشدداً على ضرورة تنفيذ التعهدات التي صدرت عن الطرفين. وذكر البيان الفرنسي أن كولونا سوف تشدد على ضرورة الامتناع عن أي «بادرة أحادية»، مثل تواصل التوسع الاستيطاني الذي من شأنه تغذية العنف، فضلا عن التذكير بأهمية المحافظة على الوضع القائم التاريخي للأماكن المقدسة في القدس، وأهمية الدور الخاص المنوط بالأردن فيها.
المفارقة أن الكلام الدبلوماسي شيء والواقع الميداني والسياسي شيء آخر. فمنذ عقود، يتعاقب تشكيل اللجان مختلفة الأحجام، ولعل أبرزها اللجنة الرباعية التي ضمت الأمم المتحدة والولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، وبقيت توصياتها حبرا على ورق. ووفق مصدر دبلوماسي في باريس، فإن ما ينقص هذه اللجان والمجموعات ومنها مجموعة ميونيخ، هو القرار السياسي الذي من شأنه أن يحرك الوضع بالضغط على الطرف الإسرائيلي.
والواضح اليوم أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، وهي الأكثر يمينية وعنصرية في تاريخ إسرائيل ستصم أذنيها عن الدعوات الخارجية التي صدرت عن مجموعة ميونيخ أو عن أي هيئة دولية أو إقليمية أخرى. ولذا، فإن البيان الذي سيصدر عن المجموعة وتصريحات الوزراء المشاركين، لن يجد ذلك الطريق إلى التطبيق من غير توافر وسيلة ضغط جدية على الطرف الإسرائيلي الذي يأمن، وفق ما هو واضح، الجانبين الأميركي والأوروبي.