الرئيس البرازيلي يبدأ بحصد انتصارات بعد انطلاقة باهتة لولايته

الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (وسط) وزوجته (إ.ب.أ)
الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (وسط) وزوجته (إ.ب.أ)
TT

الرئيس البرازيلي يبدأ بحصد انتصارات بعد انطلاقة باهتة لولايته

الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (وسط) وزوجته (إ.ب.أ)
الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (وسط) وزوجته (إ.ب.أ)

بدأ الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا تحقيق نجاحات، بعد انطلاقة باهتة لولايته، مع نمو في الاقتصاد وإحراز انتصار في البرلمان، لكن تحديات كبيرة لا تزال تنتظره.

وأظهر استطلاعٌ أجراه «معهد كويست جينيال»، الأسبوع الماضي، ارتفاع نسبة الآراء المؤيدة له إلى 60 في المائة، مقابل 51 في المائة في أبريل (نيسان)، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية». حينها كان سجل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا متبايناً، لأول مائة يوم من ولايته الثالثة على رأس أكبر دولة في أميركا اللاتينية.

ويعود ذلك بشكل خاص إلى التصريحات المتسرّعة وانعدام الثقة في مجتمع الأعمال، على خلفية أجواء متوترة جداً، بعد الانتخابات التي شهدت مواجهة حادة مع سَلَفه اليميني المتطرف جايير بولسونارو.

وبعد أسبوع من تنصيبه، انفجر الوضع لينزلق، في 8 يناير (كانون الثاني) إلى أعمال شغب استهدفت مقارّ السلطة في العاصمة برازيليا.

لكن بدا أن النصف الثاني من العام يسير في صالح الزعيم اليساري.

وقال ليوناردو باز نيفيش، المحلل السياسي في معهد الاقتصاد البرازيلي «مؤسسة جيتوليو فارغاس»، لوكالة «فرنس برس»: «قبل 4 أو 5 أشهر، كان من الصعب توقع أن تكون الحكومة في وضع جيد كهذا».

كما لم يكن من الوارد قبل أشهر تبنِّي «مجلس النواب» في «الكونغرس»، الثلاثاء الماضي، قواعد مالية جديدة تتيح لحكومته تمويل برامجها الاجتماعية، عندما كانت الحكومة تعاني من سلسلة انتكاسات في «مجلس النواب».

ورأت أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الفيدرالية في ريو دي جانيرو، مايرا غولارت، أن «الحكومة أظهرت قدرتها على تنظيم نفسها بشكل أفضل، للحصول على الدعم اللازم»، ما يُعدّ أمراً حيوياً ومعقداً تماماً داخل برلمان محافظ إلى حد كبير.

لكن هذا الدعم له ثمنه، إذ ينبغي أن يُجري لولا تعديلاً وزارياً خلال وقت قريب، لمكافأة أحزاب الوسط بمنحها حقائب وزارية.

ويضاف إلى هذا النجاح انتصار كبير آخر حققه، في مطلع يوليو (تموز)، ويتمثل في تمرير إصلاح ضريبي، وهو ما كان يتوق إليه القطاع الاقتصادي منذ عقود. ويتعيّن على «مجلس الشيوخ» التصويت على النص؛ لاعتماده.

ورفعت «وكالة فيتش»، الشهر الماضي، تصنيف ديون البرازيل إلى «بي بي»، مرحِّبة بالإصلاحات الاقتصادية التي نفّذتها الحكومة.

وقال وزير المالية فرناندو حداد، الأربعاء، على هامش «قمة بريكس» في جوهانسبرغ التي حضرها لولا، إن «الإصلاح الضريبي والقواعد المالية الجديدة ستمكّننا من تحقيق نمو أكبر وأكثر استدامة، سواء من الناحية الاجتماعية والبيئية أم التضخم».

كما يبدو أن التضخم تحت السيطرة، ما دفع «المصرف المركزي»، في الثاني من أغسطس (آب)، إلى خفض معدل الفائدة، للمرة الأولى منذ 3 سنوات، وهو ما كان يدعو إليه لولا منذ أشهر.

وإذ يرى أن الإصلاحات بمثابة «إشارة قوية» من الحكومة، لا يبدو الخبير الاقتصادي المستقل بيدرو باولو سيلفيرا مقتنعاً تماماً.

ويقول: «لكي يجري احترام القواعد المالية الجديدة، يتعين زيادة الإيرادات، ويبدو هذا صعباً».

ويعوِّل خبراء على نمو يتراوح بين 2 و2.5 في المائة، هذا العام، لكن السياق الاقتصادي لا يزال غامضاً، كما أنه يتعين على الحكومة الاستجابة لتوقعات اجتماعية هائلة.

وحصل لولا، لأول مرة خلال ولايته، على نسبة مؤيدين (50 في المائة)، وتخطّت نسبة المعارضين (46 في المائة) في صفوف الإنجيليين الذين صوّتوا بكثافة لصالح بولسونارو. ويدل ذلك، وفق غولارت، بشكل خاص على «تراجع الاستقطاب والتطرف».

وكان بولسونارو، على غرار المحيطين به، عرضة لفضائح متكررة. مُنع بولسونارو من الترشّح للرئاسة مدى 8 سنوات، مما حرَمَه من السباق الرئاسي في عام 2026 على خلفية اتهامات، غير مثبَتة بأدلة، مفادها أن النظام الانتخابي للبلاد مَشوب باحتيال واسع النطاق.

وفي هذه الأثناء، يهتم لولا بتعزيز مكانته الدولية. وفي مطلع هذا الشهر، استضاف قادة دول منطقة الأمازون لحضور قمة في مدينة بيليم، بشمال البرازيل، حيث من المقرر عقد «مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب 30)» في عام 2025.

وقد استنكرت المنظمات البيئية عدم تبنّي تعهدات ملموسة، لكن البرازيل عزّزت حضورها بصفتها «دولة أساسية في النقاش حول المناخ»، وفق ليوناردو باز نيفيش.

وتمكّن لولا خصوصاً من تحقيق تقدم واعد على هذه الجبهة، مع تراجع إزالة الغابات في منطقة الأمازون، خلال الأشهر السبعة الأولى من ولايته، بنسبة 42.5 في المائة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.



«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» انحاز إلى جانب الفئات الاجتماعية الأقل حظاً والكاهن االبيروفي غوستافو غوتيرّيس لعب دوراً مهماً في هذه الحركة (أ.ف.ب)
«لاهوت التحرر» انحاز إلى جانب الفئات الاجتماعية الأقل حظاً والكاهن االبيروفي غوستافو غوتيرّيس لعب دوراً مهماً في هذه الحركة (أ.ف.ب)
TT

«لاهوت التحرر» يفقد مؤسّسه الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً

«لاهوت التحرر» انحاز إلى جانب الفئات الاجتماعية الأقل حظاً والكاهن االبيروفي غوستافو غوتيرّيس لعب دوراً مهماً في هذه الحركة (أ.ف.ب)
«لاهوت التحرر» انحاز إلى جانب الفئات الاجتماعية الأقل حظاً والكاهن االبيروفي غوستافو غوتيرّيس لعب دوراً مهماً في هذه الحركة (أ.ف.ب)

مطلع العقد السادس من القرن الماضي شهدت أميركا اللاتينية، بالتزامن مع انتشار حركات التحرر التي توّجها انتصار الثورة الكوبية، نشوء تيّار لاهوتي مسيحي، في الكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية، تحت اسم «لاهوت التحرر» (Liberation Theology)، يقوم على مبدأ أساسي يرى أن الإنجيل يفرض خيار الانحياز إلى الفقراء، ويستند إلى العلوم الإنسانية والبحوث الاجتماعية لتحديد وسائل تفعيل هذا الخيار.

شهدت أميركا اللاتينية في العقد السادس من القرن الماضي نشوء تيّار لاهوتي مسيحي في الكنيستين الكاثوليكية والإنجيلية تحت اسم «لاهوت التحرر» (أ.ف.ب)

أوّل الذين استخدموا هذا المصطلح كان الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس والعالم اللاهوتي الإنجيلي البرازيلي روبيم آلفيش في سلسلة من البحوث التي استندت إلى نتائج أعمال مجمع الفاتيكان الثاني، وإلى دراسات لاهوتية عدّة وضعها كهنة ومبشرون مسيحيون أوروبيون في النصف الأول من القرن الفائت، خصوصاً في ألمانيا لمواجهة محاولات الحركة النازية وضع يدها على الكنيسة.

ومع انتشار هذا التيّار في أوساط العمال والطبقات الشعبية، أصبح دعاته يتعرّضون للانتقاد والملاحقة من جانب المؤسسة الكنسية التي راحت تتهمهم بترويج الفكر الشيوعي والتحريض على التمرد والتخريب. وفي عام 1954 طلب البابا بولس الثاني عشر من جميع «الكهنة العمال» أن يعودوا إلى ممارسة نشاطهم الرعوي والكف عن «التحريض السياسي».

امرأة تصلي على جثمان الكاهن الكاثوليكي البيروفي غوستافو غوتيرّيس في العاصمة ليما (أ.ف.ب)

يعدّ المؤرخون أن «لاهوت التحرر» نشأ في مثل هذه الأيام من عام 1954 مع صدور الوثيقة الختامية لمجمع الفاتيكان الثاني التي تضمّنت تعريفاً جديداً للعلاقة بين الكنيسة الكاثوليكية والعالم، عندما اجتمع عدد من أساقفة أميركا اللاتينية الذين كانوا يشاركون في ذلك المجمع، وتعهدوا تطبيق توصيات تلك الوثيقة في بلدانهم.

مع بداية النصف الثاني من القرن الفائت نشط تيار «لاهوت التحرر» في جميع أرجاء أميركا اللاتينية، وانتشر دعاته على نطاق واسع في البرازيل، والمكسيك، والأرجنتين، ونيكاراغوا والسلفادور.

البابا فرنسيس بابا الفاتيكان (أ.ف.ب)

الأب أوسكار روميروس، رئيس أساقفة سان سلفادور، عُدَّ حليفاً لثورة سلفادور ضد الطغمة العسكرية الحاكمة وتكلم ضد الظلم الاجتماعي والعنف، وحظي باحترام القوى اليسارية عالمياً في السبعينات من القرن الماضي. اغتيل عام 1980 خلال تقديمه موعظة الأحد أمام كنيسته، لكن لم تتم إدانة أي شخص في الجريمة، رغم أن الأمم المتحدة افتتحت تحقيقاً حول عملية الاغتيال. وتبين أن أحد قادة القوى اليمينية هو من أعطى الأوامر لعملية الاغتيال. في عام 2015 عدّه البابا فرانسيس شهيداً وفي عام 2018 أصبح قديساً.

وعندما انتصرت الثورة الساندينية في نيكاراغوا في يوليو (تموز) 1979، كان بين أعضاء الحكومة التي شكّلتها أربعة كهنة من حملة لواء «لاهوت التحرر»، أبرزهم وزير الثقافة إرنستو كاردينال الذي شاعت صورة له بعد سنوات راكعاً يتلقى التوبيخ من البابا البولندي يوحنا بولس الثاني الذي رفض مصافحته خلال زيارته إلى نيكاراغوا، الذي كان وضع بين الأهداف الرئيسية لحبريته محاربة الشيوعية في أوروبا ولاهوت التحرر الذي وصفه بأنه خطر أساسي يهدد الكنيسة.

في جنازة مارشلو بيريز الكاهن الكاثوليكي (أ.ف.ب)

وكانت مخاوف المحافظين من انتشار هذا التيار قد دفعت بالحملة الانتخابية للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان إلى وضع وثيقة في عام 1980، أدرجت فيها مكافحة لاهوت التحرر ضمن أهداف استراتيجية الأمن القومي، وجاء فيها «تلعب الكنيسة الأميركية اللاتينية دوراً حيوياً في تحديد مفهوم الحرية السياسية. لكن استطاعت القوى الماركسية اللينينية استخدام الكنيسة سلاحاً سياسياً ضد الملكية الخاصة ونظام الإنتاج الرأسمالي، ونشرت في أوساط المؤمنين أفكاراً شيوعية أكثر منها مسيحية».

مساء الثلاثاء الماضي غاب غوستافو غوتيرّيس عن 96 عاماً، بعد أن أحدثت بحوثه ودراساته ثورة في منهجية النشاط الكنسي والخطاب الديني المسيحي، استحق عليها التكريم والإثناء في الكثير من الأوساط الأكاديمية في أميركا اللاتينية والعالم.

تخرّج غوتيرّيس في كلية الطب بجامعة ليما، ثم نال إجازة في الفلسفة وعلوم النفس من جامعة لوفان الكاثوليكية في بلجيكا، وإجازة في اللاهوت من جامعة ليون الفرنسية وأخرى من جامعة روما. درّس اللاهوت في جامعة البيرو الكاثوليكية، وفي عدد من الجامعات الأميركية. حاضر عشرات المرات في الولايات المتحدة وأوروبا، وشارك بصفته مستشاراً لاهوتياً في أعمال مجمع الفاتيكان الثاني، وفي عام 2003 نال جائزة «أمير أستورياس» الإسبانية عن مسيرته ومساهماته في العلوم الإنسانية.

أفراد من السكان الأصليين من قبيلة «ماشكو بيرو» على نهر لاس بيدراس في مقاطعة مادري دي ديوس في بيرو (أ.ب)

في عام 1971 صدر له «آفاق لاهوت التحرر» الذي يعدّه الباحثون أكثر المؤلفات تأثيراً في المشهد اللاهوتي العالمي، والذي يقال إن البابا الراحل بنيديكت كان يجهد في أبحاثه ومنشوراته لدحض الكثير من الأفكار التي يتضمنها ويدعو إلى اعتناقها. وكان غوتيرّيس أهدى ذلك المؤلف إلى كاهن برازيلي تعرّض للتعذيب قبل اغتياله على يد «فرقة اصطياد الشيوعيين» إبان الحكم الدكتاتوري.

اللاهوت بمفهوم غوتيرّيس هو اتحاد تام ودائم بين الفكر والفعل، وتنديد صريح بالمظالم التي يتعرض لها الفقراء، والتزام اجتماعي تجاه الفئات الضعيفة والمهمشة، ومواجهة حتمية مع النظام الاستعماري والليبرالي الجديد في أميركا اللاتينية، النظام الذي أطلق عليه البابا فرنسيسكو «عولمة اللامبالاة».

عندما سئل غوتيرّيس عن رأيه في مقولة اللاهوتي الإنجيلي البريطاني وليام تمبل بأن الباحث اللاهوتي هو إنسان فطن ومثقف يمضي حياته بين الكتب بحثاً عن أجوبة دقيقة حول أسئلة لا يطرحها أحد، أجاب: «الأسئلة التي أطرحها أنا هي التالية: أين سينام الفقراء؟ كيف نخاطب الله انطلاقاً من معاناة الأبرياء؟ وكيف نتحدث عن القيامة عندما يموت الفقراء قبل الأوان؟ وكيف نتحدث عن الله الآب عندما لا يكون الناس إخوة وأخوات؟».