«جدري القردة» بات الآن «طارئة صحية عالمية»

منظمة الصحة ترفع مستوى التحذير بعد انتشار سلالات مميتة في عدة دول أفريقية

TT

«جدري القردة» بات الآن «طارئة صحية عالمية»

ممرض يأخذ عينة من طفل مصاب بـ«جدري القردة» في منطقة نيراغونغو بالقرب من غوما بإقليم شمال كيفو بجمهورية الكونغو الديمقراطية 19 يوليو 2024 (رويترز)
ممرض يأخذ عينة من طفل مصاب بـ«جدري القردة» في منطقة نيراغونغو بالقرب من غوما بإقليم شمال كيفو بجمهورية الكونغو الديمقراطية 19 يوليو 2024 (رويترز)

أكدت منظمة الصحة العالمية أن هناك خطراً من احتمال انتشار مرض «جدري القردة (Mpox)» مجدداً على المستوى الدولي بعد انتشاره عام 2022 وأن يصبح خطراً صحياً في عدد من الدول.

وأعلنت المنظمة الدولية أعلى حالة مستوى تحذير، أي «طوارئ صحية عامة مثيرة للقلق العالمى (public health emergency of international concern)»، بسبب ظهور سلالة جديدة فتاكة من فيروس «إم بوكس».

طبيب يعالج مريضاً مصاباً بـ«جدري القردة» في مركز علاج بإقليم شمال كيفو بجمهورية الكونغو الديمقراطية 19 يوليو 2024 (رويترز)

ويؤدي إعلان مستوى التحذير الدولي إلى إطلاق استجابات طارئة في بلدان العالم بموجب قواعد الصحة الدولية الملزمة قانوناً.

ويعد «إم بوكس» مرضاً مُعدياً يسبِّبه فيروس ينتقل إلى الإنسان من حيوان مصاب، ويمكن أن ينتقل أيضاً من إنسان إلى آخر من خلال الاتصال الجنسي، ويسبب حمى وأوجاعاً عضلية وآفات جلدية تشبه الدمامل.

وهذه هي المرة الثانية في ثلاث سنوات التي تعلن فيها المنظمة عن وباء الجدري «حالة طوارئ عالمية». يأتي هذا في الوقت الذي تجاوز فيه عدد الحالات المبلَّغ عنها حتى الآن هذا العام، أكثر من 15600 حالة و537 حالة وفاة وفقاً للمنظمة.

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس، في مؤتمر صحافي: «اليوم، اجتمعت لجنة الطوارئ وأبلغتني أنه من وجهة نظرها، يشكّل الوضع (طارئة صحية عالمية) تثير القلق دولياً. وقبلت بهذا الرأي».

وقال تيدروس إن «رصد سلالة جديدة من جدري القردة وتفشيها السريع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، ورصدها في بلدان مجاورة لم يسبق أن أبلغت عن إصابات بها، واحتمال تفشيها على نحو أكبر في أفريقيا وأبعد منها يثير قلقاً بالغاً».

ورغم أن بؤرة المرض تقع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فإنه جرى الإبلاغ عن 90 إصابة خلال الأسابيع الأخيرة في دول مجاورة، حيث يوجد خطر بتفشي المرض. وقال تيدروس إن 500 شخص على الأقل لقوا حتفهم في الموجة الحالية من تفشي المرض. إذ رُصدت مؤخراً سلالة «إم بوكس- أي» لأول مرة في أوغندا ورواندا وبوروندي وكينيا.

تُظهر هذه الصورة غير المؤرّخة التي قدّمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المُعدية صورة مجهرية إلكترونية ملوّنة لجزيئات جدري القردة (باللون الأحمر) الموجودة داخل خلية مصابة (باللون الأزرق) (أ.ب)

وأضاف: «من الواضح أن الاستجابة الدولية المنسَّقة ضرورية لوقف التفشي وإنقاذ الأرواح»، لافتاً إلى أن الجميع يجب أن يكونوا معنيين.

أتى القرار بعدما أعلنت الهيئة الصحية التابعة للاتحاد الأفريقي، الثلاثاء، حالة طوارئ صحية عامة بسبب تفشي الفيروس في القارة.

من جانبه، أعلن الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر أنه يعزز إجراءات الجهوزية في أنحاء أفريقيا، لا سيما في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية الأكثر تأثّراً. وأعرب عن «قلقه العميق» حيال تفشي الفيروس. وأفاد بأنه من خلال شبكته الواسعة، مستعد «للعب دور حاسم في احتواء انتشار المرض، حتى في المناطق التي يصعب الوصول إليها وحيث الحاجة تعد أكبر».

وكان المرض قد اكتُشف في جمهورية الكونغو الديمقراطية للمرة الأولى لدى البشر عام 1970، وانتشر إلى بلدان أخرى.

ولا يترتب على إعلان حالة الطوارئ أي عواقب ملموسة، بل إنها تهدف إلى تنبيه السلطات في أنحاء العالم كي تستعد لاحتمال تفشي المرض. ويتعلق مصدر القلق الرئيسي لدى منظمة الصحة العالمية بسلالة جديدة من الفيروس اكتُشفت أواخر عام 2023 شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية.

قوارير تحتوي على جرعات فردية من لقاح «جينيوس» ضد «جدري القردة» من مبرِّد بأحد مواقع التطعيم في باريس عام 2022 (أ.ب)

ويبدو أن المتحور الجديد الذي ظهر، والمعروف باسم «Clade 1b»، ينتشر بسهولة أكبر من خلال الاتصال الوثيق، خصوصاً بين الأطفال. وربما تكون هذه السلالة، وهي سلالة فرعية من سلالة (إم بوكس - آي)، معروفة باسم (آي بي) أكثر عدوى وتسبب أمراضاً أكثر خطورة من سلالات سابقة. ولم تصدر دراسات تفصيلية بعد.

قال جان كلود أوداهيوكا، من جامعة رواندا، كما نقلت عنه «سكاي نيوز» إن «1b» هو «بلا شك الأكثر خطورة حتى الآن من بين جميع سلالات Mpox المعروفة».

وتابع تيدروس أنه «خلال الشهر الماضي، سُجل نحو 90 إصابة بالسلالة (1بي) في 4 دول مجاورة لجمهورية الكونغو الديمقراطية، لم تُسجِّل حالات (إمبوكس) في الماضي، هي بوروندي وكينيا ورواندا وأوغندا».

ويعد إعلان الأربعاء الثاني من نوعه على التوالي بشأن جدري القردة، وإن كان الأخير يركّز على سلالة مختلفة للفيروس وأكثر فتكاً. وفي مايو (أيار) 2022، انتشرت الإصابات بجدري القردة حول العالم، أثّرت معظمها على الرجال المثليين وازدواجيي التوجّه الجنسي، نتيجة سلالة متفرّعة عن السلالة «2بي».

وتتسبب السلالة الفرعية من السلالة «1بي» التي تنتشر في جمهورية الكونغو الديمقراطية منذ سبتمبر (أيلول) 2023 في حالات مرض أكثر شدّة من السلالة «2بي»، مع معدل وفيات أعلى. ولم تُعلَن «طوارئ الصحة العامة التي تسبب قلقاً دولياً» غير 7 مرّات منذ عام 2009 بسبب انتشار إنفلونزا الخنازير، وفيروس شلل الأطفال، وإيبولا، وفيروس زيكا، وإيبولا مرة أخرى، ثم كوفيد، وجدري القردة.

وأفادت مديرة مركز إدارة الأوبئة والكوارث في جامعة «إيراسموس» في روتردام، ماريون كوبمانز، بأن إعلان «طوارئ الصحة العامة التي تسبب قلقاً دولياً» يؤدي إلى «رفع مستوى التأهّب عالمياً، وقد يسمح لمنظمة الصحة العالمية بالوصول إلى التمويل اللازم للاستجابة الطارئة». لكن «تبقى الأولويات ذاتها: الاستثمار في إمكانات التشخيص والاستجابة الصحية العامة ودعم العلاج والتطعيم»، وفق كوبمانز التي حذّرت من أن ذلك سيشكّل تحدياً نظراً لافتقار جمهورية الكونغو الديمقراطية وجيرانها إلى الموارد. وأضافت، كما جاء في تقرير وكالة الصحافة الفرنسية، أنه على المستوى العالمي، و«رغم توافر الموارد والإمكانات الصحية العامة الأساسية، فإنه لم يجرِ احتواء التفشي الدولي الذي بدأ عام 2022».

ويقول علماء من مراكز أفريقيا لمكافحة الأمراض والوقاية منها (Africa CDC) إنهم بحاجة إلى أكثر من 10 ملايين جرعة لقاح ولكن 200000 فقط هي المتاحة.

ظهور حالات إصابة بمرض «جدري القردة» في إقليم نيراجونجو بالقرب من غوما في إقليم شمال كيفو (رويترز)

وفق ليندري مورهولا ماسيريكا، منسق الأبحاث في مقاطعة جنوب كيفو، فإن السلالة الجديدة لها نفس أعراض الأنواع الأخرى ولكنها أكثر حدة. وأشار تحليل للمرضى الذين نُقلوا إلى المستشفى من أكتوبر (تشرين الأول) إلى يناير (كانون الثاني) في شرق الكونغو إلى أن الشكل الجديد من «Mpox» تسبب في البداية في أعراض وإصابات أخف في الغالب على الأعضاء التناسلية، مما يجعل من الصعب اكتشافها.

لا يوجد حالياً علاج معتمَد خصيصاً لعدوى «Mpox»، وفق مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها التي تقول إن الرعاية الداعمة والسيطرة على الألم ستساعد معظم المرضى المصابين بـ«Mpox» الذين لديهم أجهزة مناعية سليمة ولا يعانون من مرض جلدي، على التعافي من دون علاج طبي.

ومع ذلك، جرى تطوير لقاح من جرعتين للحماية من الفيروس، وهو متاح على نطاق واسع في الدول الغربية ولكن ليس في أفريقيا.


مقالات ذات صلة

السويد ترصد أول إصابة بالسلالة الجديدة من جدري القردة خارج أفريقيا

أوروبا طفل يعاني من جدري القردة في جمهورية الكونغو الديمقراطية (رويترز)

السويد ترصد أول إصابة بالسلالة الجديدة من جدري القردة خارج أفريقيا

أعلنت وكالة الصحة العامة في السويد، الخميس، رصد أول إصابة خارج أفريقيا بالسلالة الجديدة من جدري القردة الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية «طارئة صحية عالمية».

«الشرق الأوسط» (استوكهولم)
أفريقيا أفريقيا تواجه تحديات كبيرة في مكافحة «جدري القردة» منها نقص اللقاحات (رويترز)

غياب لقاحات «جدري القردة» يؤرق دولاً أفريقية

أثار إعلان الهيئة الصحية التابعة للاتحاد الأفريقي، الثلاثاء، «حالة طوارئ صحية عامة» بسبب تفشي جدري القردة (مبوكس) في القارة، قلقاً كبيراً.

محمد السيد علي (القاهرة)
أفريقيا ظهور حالات إصابة بمرض جدري القردة في إقليم نيراجونجو بالقرب من غوما إقليم شمال كيفو (رويترز)

جدري القردة «طارئة صحية عالمية»... ماذا نعرف عنه ولماذا يثير قلقاً؟

أعلنت منظمة الصحة العالمية جدري القردة «إمبوكس»، الأربعاء، طارئة صحية عالمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم طبيب يعالج مريض مصاب بجدري القردة في مركز علاج في إقليم شمال كيفو بجمهورية الكونغو الديمقراطية 19 يوليو 2024 (رويترز)

منظمة الصحة تعلن جدري القرود «طوارئ صحية عالمية»

أعلنت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الأربعاء)، جدري القرود حالة طوارئ صحية عامة على الصعيد العالمي لثاني مرة خلال عامين.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أفريقيا التوجيهات الصحية الرسمية تشير إلى أنه لا يمكن للأشخاص نقل عدوى جدري القردة إلا بعد ظهور الأعراض عليهم (رويترز)

إعلان جدري القردة «حالة طوارئ صحية عامة» في أفريقيا

أعلنت الهيئة الصحية التابعة للاتحاد الأفريقي، الثلاثاء، حالة طوارئ صحية عامة بسبب تفشي مرض جدري القردة (مبوكس) في القارة السمراء.


إعلان جدري القردة «حالة طوارئ صحية عامة» في أفريقيا

التوجيهات الصحية الرسمية تشير إلى أنه لا يمكن للأشخاص نقل عدوى جدري القردة إلا بعد ظهور الأعراض عليهم (رويترز)
التوجيهات الصحية الرسمية تشير إلى أنه لا يمكن للأشخاص نقل عدوى جدري القردة إلا بعد ظهور الأعراض عليهم (رويترز)
TT

إعلان جدري القردة «حالة طوارئ صحية عامة» في أفريقيا

التوجيهات الصحية الرسمية تشير إلى أنه لا يمكن للأشخاص نقل عدوى جدري القردة إلا بعد ظهور الأعراض عليهم (رويترز)
التوجيهات الصحية الرسمية تشير إلى أنه لا يمكن للأشخاص نقل عدوى جدري القردة إلا بعد ظهور الأعراض عليهم (رويترز)

أعلنت الهيئة الصحية التابعة للاتحاد الأفريقي، الثلاثاء، حالة طوارئ صحية عامة بسبب تفشي مرض جدري القردة (مبوكس) في القارة.

وقال جان كاسيا، رئيس المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، في تصريح إعلامي عبر الإنترنت: «أعلن بقلب مثقل، ولكن بالتزام لا يتزعزع تجاه شعوبنا ومواطنينا الأفارقة، أن جدري القردة حالة طوارئ صحية عامة تهدد الأمن على مستوى القارة».

لجنة الطوارئ في منظمة الصحة العالمية

كما ستجتمع لجنة الطوارئ التابعة لمنظمة الصحة العالمية لتقييم ما إذا كان سيتم إعلان أعلى مستوى من التأهب لمواجهة وباء جدري القردة المتفشي في عدة دول أفريقية.

وفي مذكرة أرسلتها إلى وسائل الإعلام، ذكرت المنظمة: «تم تحديد الاجتماع الأول للجنة الطوارئ الذي دعا إليه المدير العام لمنظمة الصحة العالمية (...) بشأن تفشي فيروس جدري القردة (إمبوكس 2024)، الأربعاء 14 أغسطس (آب)، (...) اعتباراً من الساعة 12:00 (10:00 بتوقيت غرينتش)».

ويعقد هذا الاجتماع عبر الإنترنت في جلسة مغلقة كالمعتاد.

وقال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس: «ستطلعني اللجنة على رأيها حول ما إذا كان الوباء يشكل حالة طوارئ صحية دولية، وفي هذه الحالة، ستقدم إليّ المشورة بشأن التوصيات الموقتة التي يتعين اتخاذها».

وكان قد أعلن، الأربعاء، أنه سيدعو لجنة الطوارئ إلى الاجتماع «في أقرب وقت ممكن».

وحالة الطوارئ الصحية العامة التي تثير قلقاً دولياً هي أعلى إنذار يمكن أن تطلقه منظمة الصحة العالمية.

ويمكن لتيدروس، بصفته المدير العام للمنظمة، أن يعلن حالة الطوارئ هذه بناءً على مشورة لجنة من الخبراء في هذا المجال.

يُعدّ إمبوكس (وكان يُعرف باسم مونكي بوكس سابقاً) مرضاً معدياً، يسببه فيروس ينتقل إلى الإنسان عن طريق حيوانات مصابة، ويمكن أن ينتقل أيضاً من إنسان إلى آخر عبر اتصال جسدي وثيق.

وتثير سلالة جديدة من الفيروس، رُصِدَت في جمهورية الكونغو الديمقراطية في سبتمبر (أيلول) 2023، وتم الإبلاغ عنها في بلدان أفريقية مجاورة، مخاوف من انتشار هذا الفيروس.

تشهد جمهورية الكونغو الديمقراطية أعلى نسبة لتفشي للفيروس، فقد تم تسجيل، حتى 3 أغسطس، 14479 إصابة و455 حالة وفاة، أي بمعدل 3 في المائة، حسب وكالة الصحة التابعة للاتحاد الأفريقي.

اكتُشف الفيروس للمرة الأولى لدى البشر عام 1970 في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

ويسبب المرض حمى وأوجاعاً عضلية والتهابات جلدية تشبه الدمامل.

وأعلنت منظمة الصحة العالمية أعلى مستوى من التأهب في 23 يوليو (تموز) 2022، في محاولة لاحتواء تفشي جدري القردة، ثم رفعته بعد أقل من عام، أي في مايو (أيار) 2023. وتسبب الوباء حينها في وفاة 140 شخصاً من بين نحو 90 ألف إصابة.

ارتفاع الإصابات والوفيات بكوت ديفوار

وأعلنت السلطات الصحية في كوت ديفوار ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بجدري القردة، وذلك بعد تسجيل 8 حالات جديدة. وقالت، في بيان، إن الإصابة الأولى بهذا الوباء سجلت في مقاطعة تابو في غرب البلاد، فيما سجلت الحالات الـ7 الأخرى في بلدات كوماسي ويوبوجون وأبوبو، في العاصمة أبيدجان.

أنابيب اختبار تحمل علامة «فيروس جدري القرود إيجابي» في هذه الصورة الملتقطة في 22 مايو 2022 (رويترز)

وأضافت السلطات الصحية أنه من الممكن انتقال العدوى من الحيوان إلى الإنسان أو العكس، داعية السكان إلى تجنب الاتصال بالحيوانات البرية.