مالي تصعد على الحدود... وموريتانيون يشكون من معاملة «غير إنسانية»

اعتقال العشرات في قرى حدودية خلال الأسابيع الأخيرة

جنود ماليون يستقلون شاحنة صغيرة تحمل مدفعاً رشاشاً في 13 نوفمبر 2018 في غاو بعد هجوم انتحاري بسيارة مفخخة خلال الليل أدى إلى مقتل 3 أشخاص (أ.ف.ب)
جنود ماليون يستقلون شاحنة صغيرة تحمل مدفعاً رشاشاً في 13 نوفمبر 2018 في غاو بعد هجوم انتحاري بسيارة مفخخة خلال الليل أدى إلى مقتل 3 أشخاص (أ.ف.ب)
TT

مالي تصعد على الحدود... وموريتانيون يشكون من معاملة «غير إنسانية»

جنود ماليون يستقلون شاحنة صغيرة تحمل مدفعاً رشاشاً في 13 نوفمبر 2018 في غاو بعد هجوم انتحاري بسيارة مفخخة خلال الليل أدى إلى مقتل 3 أشخاص (أ.ف.ب)
جنود ماليون يستقلون شاحنة صغيرة تحمل مدفعاً رشاشاً في 13 نوفمبر 2018 في غاو بعد هجوم انتحاري بسيارة مفخخة خلال الليل أدى إلى مقتل 3 أشخاص (أ.ف.ب)

يكافح محمد محمود، لنسيان «الآلام» التي تعرض لها على يد الجيش المالي وعناصر من مجموعة «فاغنر» العسكرية الروسية، حتى تمنى الموت بعدما ظن أنه لن يعود إلى أسرته في موريتانيا.

وقال محمود إنه اعتاد منذ سنوات العبور إلى الأراضي المالية، حيث يمارس تجارة بيع الماشية في الأسواق الأسبوعية هناك، إلى أن شاءت الظروف أن تعترضه دورية للجيش المالي و«فاغنر» عند بئر واعتقلته.

وأضاف في حديث لوكالة «أنباء العالم العربي» عبر الهاتف، أن الدورية اقتادته أولاً إلى معتقل في الصحراء، مقيداً بالسلاسل لتبدأ الرحلة «الأشد والأحلك في حياتي»، على حد وصفه.

دورية لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في كيدال (مالي) 23 يوليو 2015 (رويترز)

وتابع: «تم احتجازي في ظروف غير إنسانية، حيث تعرضت لتعذيب شديد وصعقات كهربائية، وتعرضت للضرب المبرح والإهانة بشكل يومي».

وأوضح محمود أنهم طلبوا منه إعطاء معلومات عن هوية عناصر الجماعات المسلحة وأماكن اختبائهم مقابل إطلاق سراحه، لكنه رفض ونفى معرفته بهم. وتابع: «أبلغت الجيش المالي أنني مواطن موريتاني يمارس التجارة ولا علاقة لي بأي نشاط إرهابي».

واعتقل الجيش المالي و«فاغنر» في الأسابيع الأخيرة، العشرات من الموريتانيين في قرى حدودية، متهماً إياهم بالتعاون مع الجماعات المسلحة والمتمردين الذين ينشطون في شمال مالي.

أرشيفية لقادة من بوركينا فاسو مع جنود في قرى محاذية لمالي حيث تدور معارك ضد الإرهابيين

وتشهد حدود البلدين اضطرابات أمنية بالتزامن مع تنفيذ الجيش المالي و«فاغنر» عملية عسكرية طالت قرى على الحدود. واضطر عدد من السكان إلى النزوح من قراهم خوفاً من الاعتقالات، مطالبين الحكومة الموريتانية بالتدخل لحمايتهم.

ومن بين هؤلاء، سلكه التي نزحت من قريتها إلى مدينة عدل بكرو تاركة بيتها وممتلكاتها، بحثاً عن الأمان الذي تقول إنه غاب عن المنطقة منذ أسابيع.

وتقول سلكه إنها نزحت بسبب الخوف الشديد من تصاعد العنف والاعتداءات التي تقوم بها القوات المالية وميليشيات «فاغنر» ضد المدنيين في المنطقة.

وتضيف في اتصال مع وكالة «أنباء العالم العربي»: «يعتقلون الأبرياء ويمارسون أساليب تعذيب بشعة، وينفذون حملات ترهيب ليلاً تهدف إلى زعزعة استقرارنا وإرهابنا».

وتابعت: «نعيش في حالة من الخوف وعدم الاستقرار، ولا يمكننا العيش بأمان في بيوتنا. نطالب بحماية دولية لحقوقنا وسلامتنا».

رسائل طمأنة

وسعياً لطمأنة السكان على الحدود، أعلنت الحكومة في منطقة الحوض الشرقي، أن موريتانيا بجيشها وحكومتها «قادرة على الدفاع عن نفسها؛ لكن لن تكون سريعة في رد مخرب، وستتعامل مع كل الأغلاط والتجاوزات بصرامة وحزم، وبحكمة وتأنٍ في الوقت ذاته».

وقال والي الحوض الشرقي أسلم ولد سيدي في اجتماع مع سكان المنطقة، إن ما حصل على الحدود الموريتانية - المالية، ناتج عن تداخل كبير بين القرى التابعة للبلدين.

عناصر من «فاغنر» في شمال مالي (أرشيفية - أ.ب)

ومع تصاعد غضب الموريتانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، أعلنت الحكومة البدء في اتخاذ إجراءات دولية بعد تصاعد وتيرة الاعتداءات على المواطنين.

وقال وزير البترول والطاقة والمعادن الناني ولد اشروقه، إن الحوادث التي تقع خارج حدود البلاد لها إجراءات دولية خاصة، مشيراً إلى أن الحكومة الموريتانية اتخذتها.

وأضاف ولد اشروقه في مؤتمر صحافي أسبوعي للحكومة، أن الحدود الموريتانية - المالية، غير مستقرة وتعيش على وقع كثير من عمليات الكر والفر بين الجماعات المسلحة والسلطات المالية.

وتابع: «أكرر أن قواتنا المسلحة وجيشنا على استعداد تام للدفاع عن الحوزة الترابية، وسيكون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه المساس بحوزتنا الترابية عن قصد وسنرد له الصاع صاعين»، وفق تعبيره.

كما أجرى الجيش الموريتاني لأول مرة منذ سنوات، مناورات عسكرية على الحدود الشرقية في ظل العملية العسكرية التي يجريها الجيش المالي على الحدود.

وقال وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين، إنه لا توجد أي مشكلة سياسية أو حدودية مع مالي، مشدداً على أن بلاده لن تقبل في الوقت نفسه بأي مساس بأمن مواطنيها.

وعبر الوزير في لقاء مع السكان المحليين في مدينة عدل بكرو، بالقرب من الشريط الحدودي أمس (الأحد)، عن أسف الحكومة وألمها وإدانتها لتلك الأحداث التي «تضرر منها مواطنونا، سواء في القرى الحدودية أو داخل البلد الشقيق مالي».

وربط الوزير الأحداث الأخيرة بما قال إنه «تحول سياسي وأمني» تعيشه مالي، عادّاً أنه «ليس جديداً ويجب تسييره كما سبق أن جرى في تسعينات القرن الماضي».

وتابع: «كونوا مطمئنين على أنكم في دولتكم، وبالتالي فإن وجودكم وأمنكم ونشاطكم الزراعي والرعوي يجب أن تستمروا فيه بطريقة طبيعية وعادية، لأنه لا توجد أي مشكلة».

كما شدد الوزير على ضرورة تقليص وجود الموريتانيين في المناطق الحدودية مع مالي، إلى أن يتم تجاوز هذه الأوضاع.

أزمة في العلاقات

وتشهد العلاقات الموريتانية - المالية أزمة دبلوماسية صامتة، بعد اختراق مجموعة «فاغنر» الحدود ودخولها موريتانيا خلال مطاردة عناصر مسلحة من مالي، في واقعة فاقم منها فرض مالي تأشيرة على الموريتانيين لدخول أراضيها وتقييد حركة العبور بين البلدين.

ومنذ أن استعانت مالي بمجموعة «فاغنر» الروسية عام 2021 في حربها على المجموعات المسلحة في الشمال، زادت حدة الحوادث الأمنية على الحدود مع موريتانيا التي تقول إن جيش مالي أعدم مواطنين واعتقل آخرين بالتعاون مع عناصر «فاغنر».

مقاتل من حركة انفصالية في أزواد (أ.ف.ب)

كما استدعت وزارة الخارجية الموريتانية الشهر الماضي، سفير مالي، لتنقل احتجاجها على «ما يتعرض له مواطنون موريتانيون أبرياء عزل من اعتداءات متكررة داخل الأراضي المالية»، كما ورد في بيان.

ورغم الغضب الشعبي وبدء الحكومة برفع نبرتها ضد مالي، لم تعلق السلطة الانتقالية في باماكو رسمياً على كلام نواكشوط.

ويكتفي الجيش المالي في بياناته بالتطرق إلى الأهداف التي يحققها في حربه «ضد الإرهاب» في الشمال، مؤكداً أنه يخوض عملية «لتطهير» البلاد منه.

ومن بين المناطق التي أعلن الجيش المالي بداية هذا الشهر عن عمليات عسكرية بها، منطقة نارا على الحدود مع موريتانيا، إذ قال إنه «دمر ملجأ للجماعات الإرهابية المسلحة».

وأضاف في بيان أنه حيد عدداً من المسلحين، وصادر 6 دراجات نارية، بالإضافة إلى معدات حربية تتكون من أجهزة اتصال لاسلكية وقاذفات صواريخ مضادة للدبابات وسترات مضادة للرصاص وبنادق. وتشير التقارير إلى أن شمال دولة مالي المعروف محلياً باسم «إقليم أزواد»، مقبلٌ على حرب جديدة، وهو إقليمٌ يتعدد اللاعبون المسلحون فيه، فمن جهة يسعى الجيش المالي مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية الخاصة، للسيطرة على مدن الشمال بعد انسحاب قوات بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (مينوسما)، ومن جهة أخرى تسيطر حركات مسلحة من الطوارق والعرب على مناطق من الإقليم، وذلك بموجب اتفاق سلام موقع مع باماكو، كما يسيطر «القاعدة» و«داعش» في مناطق أخرى من الإقليم، ما يجعله منطقة مهيأة للاشتعال.


مقالات ذات صلة

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج يضطلع «اعتدال» بمهام منها رصد وتحليل المحتوى المتعاطف مع الفكر المتطرف (الشرق الأوسط)

«اعتدال» يرصد أسباب مهاجمة «الفكر المتطرف» الدول المستقرّة

أوضح «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرّف (اعتدال)» أن استقرار الدول «يفيد التفرغ والتركيز على التنمية؛ خدمة لمصالح الناس الواقعية».

غازي الحارثي (الرياض)
أفريقيا جنود نيجيريون مع جنود من القوة الإقليمية المختلطة لمحاربة «بوكو حرام» (صحافة محلية)

​نيجيريا... مقتل 5 جنود وأكثر من 50 إرهابياً

سبق أن أعلن عدد من كبار قادة الجيش بنيجيريا انتصارات كاسحة في مواجهة خطر «بوكو حرام»

الشيخ محمد (نواكشوط)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
TT

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان؛ أي ما يناهز 60 في المائة من سكان هذا البلد الذي يعاني من العنف والكوارث المناخية، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان، أفقر دول العالم، بسبب أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة منذ عقود، ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من السودان المجاور الذي يعيش حرباً.

وتوقع أحدث تقرير أصدرته الأمم المتحدة ويستند إلى مؤشر «آي بي سي» (الإطار المتكامل لتصنيف الأمن الغذائي) الذي يتضمن خمسة مستويات لعتبة الجوع، زيادة في عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر آخر تقييم للوضع أن 7.69 مليون شخص، من ضمنهم 2.1 مليون طفل، سيواجهون في أبريل (نيسان) خطر «عدم التمكن من استهلاك كمية كافية من الغذاء، يعرض حياتهم أو سبل عيشهم لخطر فوري» (أي في المستوى الثالث أو أكثر)، مقابل 7.1 مليون هذا العام.

وسيجد من بينهم 63 ألفاً أنفسهم في وضع «كارثة» غذائية (المرحلة 5) التي تسبق المجاعة.

وتقول ماري إلين ماكغروارتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان في بيان: «عاماً بعد عام، نلاحظ أن الجوع يبلغ أعلى مستوياته في جنوب السودان».

وأوضحت: «عندما نعاين المناطق التي تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، فمن الواضح أن مزيجاً من اليأس والنزاع والأزمة المناخية هو السبب الرئيسي».

ويواجه جنوب السودان المعرّض للكوارث المناخية، أسوأ فيضانات منذ عشرات السنين أدت إلى نزوح 380 ألف شخص وتضرر 4.1 مليون، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا).

كما ينبغي أن يتعامل مع وصول 810 آلاف شخص فروا من الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 في السودان المجاور، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد السياسي، تعاني البلاد من الشلل وينخرها الفساد والخلافات الناجمة عن الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل 400 ألف شخص ونزوح الملايين بين عامَي 2013 و2018.

كما أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) إرجاء أول انتخابات في تاريخ البلد كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) لعامين.

وتعرّض اقتصاد جنوب السودان إلى ضربة كبيرة حرمته من مصدر عائداته الرئيسي عندما انفجر أنبوب رئيسي للنفط في السودان في فبراير (شباط)؛ ما أدى إلى تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.