سباق روسي - أميركي على النفوذ في سماء النيجر

موسكو تعزز دائرة نفوذها غرب أفريقيا

المتحدث باسم المجلس العسكري في النيجر يرتدي بزة زرقاء ويحيط به عسكريون (أ.ب)
المتحدث باسم المجلس العسكري في النيجر يرتدي بزة زرقاء ويحيط به عسكريون (أ.ب)
TT

سباق روسي - أميركي على النفوذ في سماء النيجر

المتحدث باسم المجلس العسكري في النيجر يرتدي بزة زرقاء ويحيط به عسكريون (أ.ب)
المتحدث باسم المجلس العسكري في النيجر يرتدي بزة زرقاء ويحيط به عسكريون (أ.ب)

مضت ثمانية أشهر على الانقلاب العسكري في النيجر، كانت كافية ليحدث ما يخشاه الأميركيون، فالحكام العسكريين في نيامي وقعوا اتفاق تعاون عسكري مع روسيا، وبدأت الأربعاء وحدات مجموعة (فاغنر) التي أصبحت تحملُ اسم (الفيلق الأفريقي) الانتشار على أراضي النيجر، حيث يوجدُ 1100 جندي أمريكي.

إنَّه صراع جديد على النفوذ في واحد من أفقر بلدان العالم، تبلغُ مساحته أكثر من مليون ومائتي ألف كيلومتر مربع، وتختزن أرضه ثروات معدنية واعدة، ولكن أجواء هذا البلد الاستراتيجي هي مسرح الصراع بين الأمريكيين والروس.

 

صراع في الجو

حسب مصادر خاصة في النيجر، فإن مفاوضات سرية بين الطرفين الروسي والنيجري استمرت لعدة أسابيع، أسفرت عن صياغة اتفاق تعاون عسكري، يكون بموجبه العسكريون الروس البديل الجاهز والسريع لشغل الفراغ الذي خلفه الفرنسيون بعد انسحابهم العام الماضي، والأميركيون الذين طلبت منهم المغادرة.

تشير هذه المصادر إلى أن أول تجسيد للاتفاق الجديد، تمثل في طائرة شحن روسية من طراز (IL-76) حطت ليل الأربعاء - الخمس في مطار نيامي العسكري، وهو المطار الذي كان يتمركز فيه الجنود الفرنسيون قبل أن يحزموا أمتعتهم ويغادروا البلاد.

جنود روس من (الفيلق الأفريقي) يتحدثون بعد وصولهم إلى النيجر (تلفزيون حكومي)

كان على متن الطائرة الروسية منظومة للدفاع الجوي ومائة عسكري روسي من «الفيلق الأفريقي»، الاسم الجديد الذي منحته موسكو لمجموعة (فاغنر) الخاصة، بعد أن قتل زعيمها يفغيني بريغوجين في حادث تحطم طائرة أغسطس (آب) الماضي، ليتم وضع اليد على المجموعة العسكرية الخاصة وإعادة هيكلتها، بصفتها الذراع العسكرية والاقتصادية القوية لروسيا في أفريقيا.

وأعلنت سلطات النيجر بشكل رسمي أن هؤلاء العسكريين الروس «مدربون»، ومهمتهم الأولى هي نقل خبرة روسيا في محاربة الإرهاب إلى النيجر، تماماً كما حدث مع جارتيها مالي وبوركينا فاسو، حيث تخوض (فاغنر) معارك على الأرض إلى جانب الجيش الحكومي.

ويثير حصول النيجر على منظومة للدفاع الجوي كثيراً من الأسئلة، خاصة أنها تأتي ضمن اتفاق تعاون عسكري هدفه المعلن هو «الحرب على الإرهاب»، ولكن المجموعات الإرهابية التي تنشط في النيجر وفي شبه المنطقة لا تمتلكُ أي طائرات، رغم أن تقارير تحدثت في السابق عن امتلاك هذه المجموعات لطائرات مسيرة صغيرة الحجم تستخدم في شن أعمال انتحارية.

وهُنا يشير خبراء في النيجر إلى أن الهدف الحقيقي من منظومة الدفاع الجوي هو «تمكين جيش النيجر من استعادة السيادة على أجوائه، بعد أن كان لفترة طويلة يعتمد على فرنسا والولايات المتحدة في ذلك، وبعد انسحاب الفرنسيين بقي الأميركيون مسيطرين على أجواء النيجر».

طائرة الشحن الروسية وهي تحط في مطار نيامي العسكري (تلفزيون حكومي)

 

الحضور الأميركي

ينشر الأميركيون أكثر من ألف جندي في النيجر، بموجب اتفاقية للتعاون العسكري أعلن الحكام الجدد للنيجر، شهر مارس (آذار) الماضي، تعطيلها من طرف واحد، طالبين من الأميركيين الشروع في سحب قواتهم.

جاء قرار سلطات النيجر بعد تعثر مفاوضات مع الأميركيين استمرت لعدة أشهر، هدفها إيجاد صيغة جديدة للشراكة العسكرية بين البلدين، إلا أن الأميركيين كانوا يرفضون أن تقطع النيجر أي خطوة في اتجاه التعاون العسكري مع روسيا.

وسبق أن أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ذلك بشكل صريح، حين قال إن بلاده لن تقبل دخول فاغنر إلى النيجر، وحذر في الوقت ذاته من سعي المجموعة العسكرية الخاصة لاستغلال عدم استقرار الأوضاع هناك من أجل التمركز في النيجر.

وكان الأميركيون شريكاً مهماً للنيجر، حيث شيدوا قبل سنواتٍ قاعدة جوية للطائرات المسيرة (درون) في مدينة أغاديز (شمال النيجر)، كلفتهم أكثر من مائة مليون دولار، وتحمل اسم (القاعدة 201)، وهي ثاني أكبر قاعدة عسكرية للأميركيين في أفريقيا، بعد قاعدتهم الكبرى في جيبوتي.

وتتمركز في هذه القاعدة الجوية طائرات مسيرة أميركية، يمنحها موقعها الاستراتيجي القدرة على مراقبة مناطق شاسعة من الصحراء الكبرى، كما تشير تقارير غير رسمية إلى وجود قاعدة عسكرية سرية أميركية تتبع وكالة الاستخبارات في مدينة (ديركو) في أقصى شمال شرقي النيجر، غير بعيد من الحدود مع ليبيا والجزائر وتشاد.

وقبل أسبوعين أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالاً هاتفياً مع رئيس المجلس العسكري في النيجر الجنرال عبد الرحمن تياني، لم تكشف أي تفاصيل حوله، ولكن بعض المصادر تقول إنه جاء بعد أن نجحت المفاوضات السرية بين الطرفين لعقد اتفاق التعاون العسكري، فيما أعلنت جهات رسمية أنهما ناقشا «الشراكة الاستراتيجية» في مواجهة «التهديدات الراهنة».

وبعد أسبوع من ذلك، هاجم المجلس العسكري الحاكم في النيجر الولايات المتحدة، وقال المتحدث باسم المجلس إن الوجود العسكري الأميركي في النيجر لا يخدم مصالح البلاد، مشيراً في بيان صحافي يوم الأحد الماضي إلى أن الاتفاق العسكري مع الولايات المتحدة «تبين أنه مجرد صفقة حمقاء».

وأضاف: «كيف يمكننا الحديث عن مصالح النيجر، حين يرفض الأميركيون المتمركزون هُنا منحنا إحداثيات مواقع قواعد المجموعات الإرهابية التي تضربنا يومياً؟ كيف يمكننا الحديث عن مصالح النيجر حين لا تدفع الولايات المتحدة أي كوبيك (وحدة نقدية روسية) للنيجر مقابل تمركز جنودها على أراضينا؟».

في المقابل، لم يعلن الحكام العسكريون في النيجر أي معلومات حول الاتفاق العسكري الموقع مع روسيا، ولا المقابل الذي دفعته النيجر للحصول على منظومة الدفاع الجوي، ولا أي تفاصيل بخصوص مستقبل الوجود العسكري لروسيا في النيجر.

 

قوة ردع

المجلس العسكري في أول تعليق على وصول الأسلحة والجنود الروس، قال صباح (الجمعة) في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي إنه يأتي في إطار «تعزيز قدرات الدفاع والأمن».

ووصف المجلس منظومة الدفاع الجوي بأنها «مكسب استراتيجي» لأنها ستساهم في «الرفع من قدرات الدفاع عن البلد، لتصل إلى مستوى رادع، في سياق إقليمي تطبعه المخاطر الأمنية»، كما وصف روسيا بأنها «حليف تاريخي للنيجر في مجال الأمن والاستقرار».


مقالات ذات صلة

«أطباء بلا حدود»: انتشار «سريع» للكوليرا في جنوب السودان

أفريقيا أشخاص يتلقون جرعات من اللقاح المضاد لـ«الكوليرا» في جنوب السودان (أرشيفية - منظمة الصحة العالمية)

«أطباء بلا حدود»: انتشار «سريع» للكوليرا في جنوب السودان

حذّرت منظمة «أطباء بلا حدود»، في بيان اليوم (الجمعة)، من أن وباء الكوليرا «ينتشر سريعاً» في شمال جنوب السودان الذي يضم آلاف اللاجئين.

«الشرق الأوسط» (جوبا)
أفريقيا مرضى يتلقون العلاج ضد مرض جدري القردة في مستشفى كافومو في منطقة كاباري بإقليم جنوب كيفو في جمهورية الكونغو الديمقراطية 29 أغسطس 2024 (رويترز)

131 شخصاً توفوا بمرض مجهول في الكونغو الديمقراطية

أعلنت السلطات الصحية الكونغولية، اليوم (الخميس)، ارتفاع عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في جمهورية الكونغو الديمقراطية بسبب مرض غير معروف سابقاً إلى 131 شخصاً.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)
شمال افريقيا جانب من آخر اجتماع لمنتدى السلم والأمن الأفريقي في ديسمبر 2023 (الشرق الأوسط)

تبون ينتقد «انتقائية أممية» و«تجاوزاً صارخاً للشرعية الدولية»

العالم «يعيش اليوم على وقع تحولات عميقة وتوترات متزايدة تدفع المنظومة الدولية نحو مفترق طرق حاسم»

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
أفريقيا أعضاء من مجموعة «فاغنر» الروسية في مالي (أرشيفية - أ.ب)

بعد قرار تشاد... هل خسرت فرنسا آخر موطئ قدم في الساحل؟

تشاد تنهي اتفاق التعاون العسكري والأمني مع فرنسا، لتلتحق بركب دول الساحل؛ مالي والنيجر وبوركينا فاسو، التي دخلت في قطيعة مع فرنسا.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا وزير الخارجية الفرنسي جان - نويل بارو (د.ب.أ)

تشاد تلغي اتفاقيات التعاون الدفاعي مع فرنسا

أعلن وزير الخارجية التشادي عبد الرحمن كلام الله، أنّ بلاده ألغت اتفاقيات التعاون الأمني والدفاعي مع فرنسا، بعيد ساعات قليلة على زيارة نظيره الفرنسي.

«الشرق الأوسط» (نجامينا)

«أطباء بلا حدود»: انتشار «سريع» للكوليرا في جنوب السودان

أشخاص يتلقون جرعات من اللقاح المضاد لـ«الكوليرا» في جنوب السودان (أرشيفية - منظمة الصحة العالمية)
أشخاص يتلقون جرعات من اللقاح المضاد لـ«الكوليرا» في جنوب السودان (أرشيفية - منظمة الصحة العالمية)
TT

«أطباء بلا حدود»: انتشار «سريع» للكوليرا في جنوب السودان

أشخاص يتلقون جرعات من اللقاح المضاد لـ«الكوليرا» في جنوب السودان (أرشيفية - منظمة الصحة العالمية)
أشخاص يتلقون جرعات من اللقاح المضاد لـ«الكوليرا» في جنوب السودان (أرشيفية - منظمة الصحة العالمية)

حذّرت منظمة «أطباء بلا حدود»، في بيان، الجمعة، من أن وباء الكوليرا «ينتشر سريعاً» في شمال جنوب السودان الذي يضم آلاف اللاجئين.

وقالت المنظمة إن ما لا يقل عن 737 حالة تم رصدها خلال شهر في ولاية أعالي النيل، لافتةً إلى أن الوباء كان محصوراً في ملكال، عاصمة هذه الولاية التي كانت مركزاً للتبادلات التجارية قبل أن تؤوي لاجئين، لكنه تفشى في مناطق أخرى بينها العاصمة جوبا.

واستقبلت ملكال عدداً كبيراً من السودانيين الجنوبيين الذين عادوا إلى بلادهم هرباً من النزاع في السودان المجاور، حيث أحصي أكثر من 37 ألف إصابة بالكوليرا حسب المنظمة.

وقال رئيس بعثة «أطباء بلا حدود» في جنوب السودان زكريا مواتيا إن «الوضع في ملكال يبقى حرجاً، وما يقلقنا أن الوباء ينتشر في المناطق المجاورة»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

والكوليرا عدوى حادة تسبب الإسهال وتنجم عن تناول أطعمة أو شرب مياه ملوثة ببكتيريا ضمات الكوليرا، وفق منظمة الصحة العالمية.

وأفادت الأمم المتحدة الشهر الفائت بأنها حصلت على أكثر من 280 ألف جرعة من اللقاح المضاد للوباء لتوزيعها في المناطق المهددة بانتشاره.

وجنوب السودان هو من أفقر بلدان العالم رغم ثروته النفطية. وبعد عامين من استقلاله في 2011، انزلق إلى حرب أهلية دامية بين الخصمين سلفا كير (الرئيس) ورياك مشار (نائب الرئيس حالياً)، ما أسفر عن مقتل 400 ألف شخص وتهجير الملايين.