هل تنجح مالي في إنقاذ «اتفاق السلام» المتعثر؟

بعد دعوة المجلس العسكري المتمردين لاستئناف الحوار

مدرعة تابعة لقوات حفظ السلام تجوب شوارع تمبكتو (أرشيفية)
مدرعة تابعة لقوات حفظ السلام تجوب شوارع تمبكتو (أرشيفية)
TT

هل تنجح مالي في إنقاذ «اتفاق السلام» المتعثر؟

مدرعة تابعة لقوات حفظ السلام تجوب شوارع تمبكتو (أرشيفية)
مدرعة تابعة لقوات حفظ السلام تجوب شوارع تمبكتو (أرشيفية)

تُهدد التوترات المتصاعدة بين السلطة العسكرية في مالي، وجماعات انفصالية متمردة في الشمال بـ«تقويض (اتفاق السلام) المتعثر بين الطرفين»، وبينما اتهم المتمردون (الثلاثاء) السلطة العسكرية بـ«استهداف مواقعهم»، قالت الحكومة إنها «تسعى من جانبها لإنقاذ الاتفاق عبر الدعوة إلى العودة إلى طاولة المفاوضات». في السياق، أشار خبراء إلى أن «إنقاذ الاتفاق بين الطرفين (مستبعد)، الأمر الذي قد ينذر بوضع (مُعقد)».

ومنذ أشهر يتصاعد التوتر في مالي، حيث تتهم «تنسيقية حركات أزواد»، مقاتلات الجيش بقصف مواقعها. واتهم المتمردون الأزواديون (الثلاثاء) القوات المسلحة بشنّ ضربات جديدة على مواقعهم. وقال متحدث باسم «تنسيقية حركات أزواد» لوكالة الصحافة الفرنسية: إن «القوات المسلحة نفذت غارات جوية على مواقعها في النفيس بمنطقة كيدال لليوم الثاني على التوالي». ولم يذكر تفاصيل عن الخسائر.

وكانت «تنسيقية حركة أزواد» قد أكدت (مساء الاثنين) أن المجلس العسكري «اختار بشكل قاطع ومتعمد التصعيد باتجاه الأعمال العدائية المفتوحة، مع عواقب كارثية حتماً»، في حين أعلن الجيش المالي أن هجماته «استهدفت مجموعة من الجماعات الإرهابية المسلحة». ودعا المجلس العسكري (الاثنين) الجماعات المسلحة في الشمال إلى «إعادة إحياء الحوار». وأضاف أن «الحكومة لا تزال ملتزمة بالاتفاق»، وأيضاً بـ«وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه العام السابق».

و«تنسيقية حركات أزواد» هو تحالف من الطوارق الذين يشكّلون أغلبية في المنطقة، والذين ثاروا في شمال مالي عام 2012 على الحكومة، في الوقت نفسه الذي تحركت فيه جماعات «إرهابية» لتستغل التوتر وتنفذ هجمات واسعة. وفي عام 2015 وقّعت «تنسيقية حركات أزواد» وأحزاب أخرى «اتفاق سلام» برعاية جزائرية مع حكومة مالي المدنية آنذاك أنهى رسمياً التمرد الإقليمي.

ويرى الخبير الموريتاني في الشؤون الأفريقية، عبد الرحمن ودادي، أن «إنقاذ الاتفاق (مستبعد) في ظل إصرار المجلس العسكري على عدم تطبيق ما تم التوصل إليه في الاتفاق (الهش)؛ لأن السلطة تظن أنها تستطيع حسم الأمور عسكرياً؛ لكن هذا أثبت فشله تاريخياً».

ويعتقد ودادي أن «الجزائر ما زالت تستطيع ممارسة المزيد من الضغوط على الطرفين؛ كي لا تنزلق الأمور إلى مواجهة شاملة بين الطرفين؛ وهو ما سيتسبب في وضع (أمني كارثي) على الجميع».

وكان تقرير لخبراء أمميين صدر في 26 أغسطس (آب) الحالي، ذكر أن مسلحي تنظيم «داعش» ضاعفوا سيطرتهم على الأراضي التي يسيطرون عليها في مالي في أقل من عام، في حين يستفيد منافسوهم المرتبطون بتنظيم «القاعدة» من حالة الجمود والضعف الملحوظ للجماعات المسلحة التي وقعت اتفاق 2015.

وأمام بعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما) مهلة حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل للانسحاب، بعد عقد من الزمن عملت فيه على تحقيق الاستقرار الأمني في البلاد.

ويعتقد المحلل السياسي المالي، محمد أغ إسماعيل، أن إنقاذ الاتفاق مستبعد رغم أنه «من مصلحة السلطة العسكرية إجراء (حوار فاعل ومثمر) مع الأزواديين؛ لأنه دون ذلك الحوار سينزلق الوضع الأمني في شمال البلاد إلى ما هو أسوأ، وسيتوسع نفوذَا (داعش) و(القاعدة) هناك، لا سيما في ظل انسحاب القوات الأممية». وقال أغ إسماعيل لـ«الشرق الأوسط»: إن السلطة العسكرية تعلم مطالب تلك الحركات والتي نص عليها اتفاق الجزائر، وتتمركز حول «منح الحكم الذاتي لإقليم الأزواد، وإدماج المجموعات الأزوادية المسلحة في الجيش المالي وإيلاء الاهتمام بالمنطقة تنموياً»، وهو ما ترى الجماعات الأزوادية أنها بنود «لم يلتزم المجلس بتنفيذها».


مقالات ذات صلة

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

شمال افريقيا بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

بفوز رئيس جديد محسوب على المعارضة، لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تتجه الأنظار نحو مصير مذكرة التفاهم الموقعة مع إثيوبيا والتي تعارضها الصومال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وصلت إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو (رويترز)

تلميح إثيوبيا لـ«عدم خروج قواتها من الصومال» يعمق التوتر في القرن الأفريقي

تلميح إثيوبي باحتمال عدم خروج قواتها المشاركة بـ«حفظ السلام» في مقديشو بعد قرار صومالي باستبعادها رسمياً بنهاية العام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا التصويت في انتخابات الرئاسية بإقليم «أرض الصومال» (وكالة الأنباء الصومالية)

كيف تنعكس انتخابات «أرض الصومال» على توترات «القرن الأفريقي»؟

أجرى إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، الأربعاء، انتخابات رئاسية مرتقبة، في ظل تساؤلات حول تأثير نتائجها على توترات منطقة القرن الأفريقي.

أحمد إمبابي (القاهرة)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
TT

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان؛ أي ما يناهز 60 في المائة من سكان هذا البلد الذي يعاني من العنف والكوارث المناخية، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان، أفقر دول العالم، بسبب أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة منذ عقود، ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من السودان المجاور الذي يعيش حرباً.

وتوقع أحدث تقرير أصدرته الأمم المتحدة ويستند إلى مؤشر «آي بي سي» (الإطار المتكامل لتصنيف الأمن الغذائي) الذي يتضمن خمسة مستويات لعتبة الجوع، زيادة في عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر آخر تقييم للوضع أن 7.69 مليون شخص، من ضمنهم 2.1 مليون طفل، سيواجهون في أبريل (نيسان) خطر «عدم التمكن من استهلاك كمية كافية من الغذاء، يعرض حياتهم أو سبل عيشهم لخطر فوري» (أي في المستوى الثالث أو أكثر)، مقابل 7.1 مليون هذا العام.

وسيجد من بينهم 63 ألفاً أنفسهم في وضع «كارثة» غذائية (المرحلة 5) التي تسبق المجاعة.

وتقول ماري إلين ماكغروارتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان في بيان: «عاماً بعد عام، نلاحظ أن الجوع يبلغ أعلى مستوياته في جنوب السودان».

وأوضحت: «عندما نعاين المناطق التي تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، فمن الواضح أن مزيجاً من اليأس والنزاع والأزمة المناخية هو السبب الرئيسي».

ويواجه جنوب السودان المعرّض للكوارث المناخية، أسوأ فيضانات منذ عشرات السنين أدت إلى نزوح 380 ألف شخص وتضرر 4.1 مليون، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا).

كما ينبغي أن يتعامل مع وصول 810 آلاف شخص فروا من الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 في السودان المجاور، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد السياسي، تعاني البلاد من الشلل وينخرها الفساد والخلافات الناجمة عن الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل 400 ألف شخص ونزوح الملايين بين عامَي 2013 و2018.

كما أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) إرجاء أول انتخابات في تاريخ البلد كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) لعامين.

وتعرّض اقتصاد جنوب السودان إلى ضربة كبيرة حرمته من مصدر عائداته الرئيسي عندما انفجر أنبوب رئيسي للنفط في السودان في فبراير (شباط)؛ ما أدى إلى تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.