ماذا تنتظر أفريقيا من «بريكس»؟

عشية استضافة جوهانسبرغ القمة الـ15 للمجموعة

استعدادات مكثفة في جنوب أفريقيا لاستضافة قمة «بريكس» بجوهانسبرغ (رويترز)
استعدادات مكثفة في جنوب أفريقيا لاستضافة قمة «بريكس» بجوهانسبرغ (رويترز)
TT

ماذا تنتظر أفريقيا من «بريكس»؟

استعدادات مكثفة في جنوب أفريقيا لاستضافة قمة «بريكس» بجوهانسبرغ (رويترز)
استعدادات مكثفة في جنوب أفريقيا لاستضافة قمة «بريكس» بجوهانسبرغ (رويترز)

تنطلق، الثلاثاء، وعلى مدى ثلاثة أيام بمدينة جوهانسبرغ الجنوب أفريقية، أعمال القمة الـ15 لتجمع دول «بريكس»، الذي يضم خمس دول هي: الصين والهند والبرازيل وروسيا وجنوب أفريقيا، وسط اهتمام دولي لافت بالتجمع الذي بات يُنظر إليه كتجسيد لمساعي الكثير من القوى الدولية لبناء «عالم متعدد الأقطاب»، وإنهاء هيمنة الولايات المتحدة على قيادة العالم.

ومن المنتظر أن تبحث القمة التي يغيب عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، توسيع قاعدة العضوية بالتجمع، إذ ترغب نحو 40 دولة في الانضمام إلى «بريكس»، كما يناقش القادة المشاركون مقترح إصدار عملة موحدة، وهو ما قد يؤثر، حال إقراره، في هيمنة الدولار الأميركي على المعاملات الاقتصادية الدولية.

ويرى خبير العلاقات الدولية الجنوب أفريقي، الدكتور كينغسلي ماكوبيلا، أن المشكلة التي ستواجه قمة «بريكس» المقبلة هي تعدد الدول الراغبة في الانضمام، وكل منها يحمل ما يدعم ترشحه، إضافةً إلى رغبة التجمع في الاستفادة من تمديد نفوذه عبر ضم المزيد من الأعضاء.

ويعتقد ماكوبيلا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن المشكلة تكمن في المعايير التي سيتم تبنيها لضم المزيد من الأعضاء، لكنه يرى أن دولة أفريقية على الأقل ستحظى بفرصة للانضمام، معتبراً ذلك بمثابة تأكيد لتوجه «بريكس» على الانفتاح على القارة، التي تنظر إلى التجمع على أنه «ملاذ حقيقي في مواجهة السياسات الغربية التي لم تؤدِّ بدول القارة إلا إلى مزيد من المعاناة واستمرار الفقر وتفاقم أزمة الديون».

وتعاني دول القارة الأفريقية من أزمة تفاقم الديون، فحسب تقديرات البنك الدولي فإن ديون بلدان القارة السمراء قُدرت بنحو تريليون دولار في 2022، وتعاني 22 دولة أفريقية من عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين، حسب صندوق النقد الدولي.

ويشكو معظم الدول الأفريقية من «عدم توازن وغياب للعدالة» في تعامل مؤسسات التمويل الدولي معها، وبرزت تلك الانتقادات خلال قمة «ميثاق التمويل العالمي الجديد»، التي عُقدت في باريس قبل شهرين، ودعت خلالها دول أفريقية عدة إلى «تبني نظام أكثر عدالة للتمويل الدولي».

وفي عام 2014، دشن تجمع «بريكس» بنك التنمية الجديد برأس مال أوّلي قدره 50 مليار دولار، وانضمت إليه اقتصادات نامية وناشئة من خارج «بريكس»، وتمثل تلك المؤسسات بديلاً لكيانات دولية مشابهة مثل البنك وصندوق النقد الدوليين، اللذين يرى كثير من دول العالم النامي أن الولايات المتحدة والدول الغربية تهيمن على إدارتهما، إذ حصلت أوروبا على سبيل المثال على قروض من صندوق النقد أكثر بـ13 ضعفاً مما حصلت عليه أفريقيا، حسب أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة.

ضابط شرطة يوجه حركة المرور خارج مركز المؤتمرات قبل قمة «بريكس» (أ.ف.ب)

ويشير إبراهيم إدريس، الخبير بالشؤون الأفريقية المقيم في الولايات المتحدة، إلى أن ما تريده أفريقيا من تجمع «بريكس» لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية، رغم أهمية الاقتصاد في تحريك العلاقات الدولية حالياً، لافتاً إلى أن أفريقيا «تسعى إلى الحصول على دعم سياسي أيضاً».

ويضيف إدريس لـ«الشرق الأوسط» أن الكثير من دول القارة الأفريقية «باتت أقرب لحسم مواقفها بالابتعاد عن المنظومة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة»، ضارباً عدة أمثلة على ذلك، منها تصويت الكثير من دول القارة في الأمم المتحدة على عكس الاتجاه الذي تقوده واشنطن، واتخاذ دول مثل إريتريا توجهاً واضحاً نحو الصين وروسيا، إضافةً إلى تطوير دول مثل مصر والجزائر وجنوب أفريقيا علاقات اقتصادية وعسكرية وسياسية متنامية مع دول أعضاء في «بريكس».

ويعتقد الخبير في الشؤون الأفريقية، أن «بريكس» بات يمثل «ملاذاً آمناً» لكثير من دول القارة الساعية إلى مواجهة نفوذ «الاستعمار الجديد» الذي تقوده دول غربية على غرار ما يجري في منطقة غرب أفريقيا، مضيفاً أن تلك الدول «لا تستطيع الصمود في تلك المواجهة دون دعم من قوى وازنة وبخاصة في مجلس الأمن».

ويضم تجمع «بريكس» حالياً ما يزيد على 40 في المائة من سكان ومساحة العالم، حيث يضم أهم خمسة اقتصادات ناشئة في العالم، وهي في الوقت ذاته من أكبر دول العالم مساحة وأكثرها كثافة سكانية، وتحظى دولتان من أعضائه (الصين وروسيا) بعضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي، كما تنتج دول التجمع أكثر من 30 في المائة من السلع والخدمات عالمياً.

ويدفع هذا التوسع اللافت لـ«بريكس» الخبير المصري في الشؤون الأفريقية رامي زهدي، إلى الاعتقاد أن التعاون بين دول القارة الأفريقية وبين التجمع أصبح «أولوية قصوى» في المرحلة المقبلة، سواء اتخذ هذا التعاون شكل الانضمام الرسمي، أو عبر توسيع نطاق التعاون مع التجمع اقتصادياً وتجارياً وسياسياً.

ويُعرب زهدي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عن اعتقاده أن ثمة «ثقة أفريقية متنامية» في المنظومة الاقتصادية والسياسية التي تقدمها دول مثل الصين وروسيا لدول القارة في مقابل تآكل الثقة في الدول الغربية، وبخاصة ذات الماضي الاستعماري منها كفرنسا، مشيراً إلى أن دولاً مثل الصين وروسيا لا ترهنان دعمهما لدول القارة بشروط سياسية أو بقضايا مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما يجعل التعامل مع دول القارة «أكثر يسراً»، وبخاصة إزاء احتياجات ذات أهمية لدول القارة مثل الغذاء والبنية التحتية والاستثمار في مجالات كالتعليم والتكنولوجيا.


مقالات ذات صلة

شابات أفريقيات وُظّفن للعمل في روسيا خُدعن لبناء مسيّرات تستخدم في أوكرانيا

أوروبا تظهر هذه الصورة الملتقطة عبر الأقمار الصناعية مباني بالمنطقة الاقتصادية الخاصة «ألابوغا» في تتارستان في روسيا على بعد نحو 1000 كيلومتر شرق موسكو في 28 سبتمبر 2024 بعد عامين ونصف عام من غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا (أ.ب)

شابات أفريقيات وُظّفن للعمل في روسيا خُدعن لبناء مسيّرات تستخدم في أوكرانيا

اكتشفت شابات أفريقيات أن الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي، التي وعدتهن بسفر مجاني وعمل في مجال الضيافة، هي فخ وقعن فيه للعمل في مصنع مسيرات في روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
رياضة عالمية قوة مصر الهجومية اكتملت بانضمام مرموش مهاجم أينتراخت فرانكفورت وهداف الدوري الألماني (أ.ف.ب)

المنتخب المصري يسعى لحسم بطاقة التأهل عبر بوابة موريتانيا

المنتخبات العربية تمتلك فرصاً كبيرة لضمان تأهلها المبكر إلى نهائيات كأس الأمم الأفريقية في المغرب.

أفريقيا لقي 36 شخصاً على الأقل حتفهم حتى الآن بعدما غرق مركب يقل نحو 300 شخص في نيجيريا (رويترز)

36 قتيلاً في غرق مركب بنيجيريا ومخاوف من حصيلة تتخطى المائة

لقي 36 شخصاً على الأقل حتفهم، فيما تسري مخاوف من أن يكون 100 آخرون في عداد القتلى، بعدما غرق مركب يقلّ نحو 300 شخص في شمال وسط نيجيريا.

«الشرق الأوسط» (أبوجا)
أوروبا الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلاً الخميس على مدخل قصر الإليزيه ملك كمبوديا نورودوم سيهاموني قبل يوم من افتتاح القمة الفرنكوفونية (إ.ب.أ)

القمة الفرنكوفونية في فرنسا تواجه التحديدات العالمية

تلتئم القمة الفرنكوفونية في فرنسا في ظل مواجهة التحديدات العالمية وتراجع اللغة الفرنسية وصعوبات باريس في أفريقيا.

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل الفريق الأول موهوزي موسيفيني قائد قوات الدفاع الشعبية بجمهورية أوغندا (الرئاسة المصرية)

مصر لتعزيز التعاون العسكري مع أوغندا

أكدت مصر حرصها على تعزيز التعاون الثنائي مع أوغندا، لاسيما المجال العسكري، وذلك خلال استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قائد قوات الدفاع الشعبية بأوغندا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)
TT

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)

أعلنت السلطات في دولة بنين اعتقال قائد الحرس الجمهوري ورجل أعمال مُقرّب من رئيس البلاد ووزير سابق في الحكومة، إثر تورّطهم في مخطط لقلب نظام الحكم بالقوة، في البلد الذي كان يعد واحداً من أكثر ديمقراطيات أفريقيا استقراراً، ولكنه يشهد منذ سنوات توتراً سياسياً متصاعداً، واتهامات بالتحول نحو «الديكتاتورية».

وقالت السلطات القضائية، الأربعاء، على لسان المدعي العام لدى محكمة الجرائم الاقتصادية والإرهاب، إن «قائد الحرس الجمهوري المكلف بحماية رئيس الدولة، تلقى اتصالات من الوزير السابق أوزوالد هوميكي، ورجل الأعمال أوليفييه بوكو لتنفيذ انقلاب بالقوة يوم 27 سبتمبر (أيلول) 2024».

وفي هذه الأثناء أعلنت محكمة الجرائم الاقتصادية والإرهاب، أنها اعتقلت قائد الحرس الجمهوري دجيمون ديودوني تيفويدجي، في حدود الساعة الواحدة من فجر يوم الثلاثاء الماضي، حين كان يتسلّم من وزير الرياضة السابق أوزوالد هوميكي، أكياساً من النقود تجاوزت قيمتها مليوني يورو.

وقال المدعي العام إن القائد العسكري والوزير السابق جرى اعتقالهما «أثناء عملية تسليم مبلغ مليار وخمسمائة مليون فرنك غرب أفريقي (ما يزيد قليلاً عن مليوني يورو)»، مشيراً إلى أن المحكمة قررت «فتح تحقيق لتحديد جميع الأشخاص المتورطين» في محاولة الانقلاب.

وتشير المعلومات الصادرة عن السلطات القضائية في بنين إلى أن المبالغ التي كان الوزير السابق ينوي تسليمها لقائد الحرس الجمهوري مصدرها رجل الأعمال أوليفييه بوكو، الصديق المقرب من الرئيس باتريس تالون، وفي نفس الليلة اعتقل رجل الأعمال.

خلفيات سياسية

رجل الأعمال أوليفييه بوكو (60 عاماً)، كان حتى وقت قريب واحداً من أكثر الرجال قرباً من الرئيس باتريس تالون، وهو مالك مجموعة «Dfa» للإمدادات الغذائية، ويوصف بأنه اليد اليمنى للرئيس تالون منذ نحو 20 عاماً.

إلا أن العلاقة بينه الرئيس ورجل الأعمال بدأت تتوتر منذ العام الماضي، حين بدأ رجل الأعمال يظهر طموحات سياسية ورغبة في حكم البلاد، وبدأت تتشكل كتل سياسية تدعم ترشح رجل الأعمال للانتخابات الرئاسية المقبلة (2026)، وأصبح يقدم من طرف بعض الأوساط على أنه الخليفة المثالي للرئيس الحالي باتريس تالون.

وفي عام 2023، استقال وزير الرياضة السابق أوزوالد هوميكي (المعتقل معه حالياً)، بعد أن دعا إلى دعم ترشح أوليفييه بوكو لخلافة الرئيس تالون، الذي يحكم بنين منذ 2016، وأعيد انتخابه عام 2021، ويمنعه الدستور الحالي من الترشح لولاية رئاسية ثالثة.

وتشير أوساط سياسية عديدة إلى أن تالون استاء كثيراً من طموحات رجل الأعمال، وهو الذي يرفض الإفصاح عن مستقبله السياسي، وإن كان يفكر في تعديل الدستور للبقاء في الحكم لفترة أطول، كما سبق وفعل عدد من قادة أفريقيا، رغم ما ينطوي ذلك على مخاطر سياسية.

ردود فعل

على المستوى الداخلي في بنين، تزيد هذه الاعتقالات من تعقيد الوضع السياسي، وذلك ما عبرت عنه مجموعة من المحامين عقدت مؤتمراً صحافياً يوم الثلاثاء، قالت فيه إن على السلطات أن تفرج فوراً عن أوليفييه بوكو، قبل أن يصفوا اعتقاله بأنه «اختطاف خارج القانون».

وقال المحامون: «في الوقت الذي نعقد فيه هذا المؤتمر الصحافي، لا يمكن لعائلته ولا نحن كمحامين عنه، معرفة مكان أو حالة السيد بوكو، الذي ربما يكون محروماً من الطعام وخاصة من أدويته». وأضاف المحامون أن «هذا الانتهاك الصارخ للإجراءات القانونية يحدث في سياق لم يكن فيه السيد بوكو عرضة لأي إجراء قضائي، ولم يتم استدعاؤه أو إصدار أي أمر بالقبض عليه».

من جهة أخرى، أصدرت مجموعة سياسية تدعم ترشح بوكو للرئاسة في عام 2026، بياناً دانت فيه اعتقاله ووصفته بأنه «انتهاك خطير للحقوق الأساسية»، و«اضطهاد سياسي واضح»، و«أساليب قمعية غير مقبولة».

ويأتي هذا الاعتقال ليدعم خطاب المعارضة حين تتهم الرئيس باتريس تالون بالتحول نحو الحكم الاستبدادي في بنين، التي كانت تُعتبر واحدة من أكثر الديمقراطيات استقراراً في المنطقة.

السياق الدولي

بعد اعتقال رجل الأعمال وقائد الحرس الرئاسي، واتهامه بمحاولة قلب نظام الحكم، يزداد الوضع السياسي غموضاً في بنين، خاصة فيما يتعلق بمستقبل الديمقراطية، في ظل موجة الانقلابات التي تجتاح دول غرب أفريقيا.

وتعد دول الساحل، المحاذية لدولة بنين، بؤرة موجة الانقلابات العسكرية، وهي مركز الصراع الدائر بين روسيا والصين من جهة، والغرب من جهة أخرى، والذي أصبحت دائرته تتسع لتشمل دول غرب أفريقيا عموماً.

وتقعُ دولة بنين في عمق غرب أفريقيا، مطلة على المحيط الأطلسي، وخاصة خليج غينيا الاستراتيجي، وتحدها من الشمال دولتا النيجر وبوركينا فاسو، وهما البلدان اللذان يحكمان من طرف الجيش، وتوجها نحو التحالف مع روسيا، بعد قطيعة علنية مع الغرب، وخاصة فرنسا.

وسبق أن وجهت دول الساحل (النيجر، مالي وبوركينا فاسو) اتهامات إلى بنين بأنها تحولت إلى مركز للقواعد العسكرية والاستخباراتية الفرنسية، بل إن النيجر قطعت العام الماضي جميع اتفاقيات التعاون الأمني والعسكري مع بنين، وأغلقت الحدود بين البلدين.

واندلعت إثر ذلك أزمة حادة بين النيجر وبنين، تتعلق بتصدير إنتاج النيجر من النفط، وهي الدولة الحبيسة التي كانت تعتمد على الموانئ في بنين، ودخلت الصين على الخط لنزع فتيل الأزمة، بصفتها متضررة من الأزمة حيث تتولى استغلال أكبر الحقول النفطية في النيجر.