فرنسا تتعامل مع «محاولة انقلابية» في النيجر

مع تنحية محمد بازوم يخسر الغربيون حليفاً استراتيجياً

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدث في بور موريسبي عاصمة بابوا غينيا الجديدة الجمعة (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدث في بور موريسبي عاصمة بابوا غينيا الجديدة الجمعة (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تتعامل مع «محاولة انقلابية» في النيجر

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدث في بور موريسبي عاصمة بابوا غينيا الجديدة الجمعة (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يتحدث في بور موريسبي عاصمة بابوا غينيا الجديدة الجمعة (أ.ف.ب)

بين بلدان الساحل الخمسة (موريتانيا، مالي، بوركينا فاسو، النيجر، تشاد)، تحتل النيجر المرتبة الأولى في الانقلابات العسكرية التي عرفتها منذ ثلاثين عاماً

وما لا يتذكره الكثيرون أن محاولة انقلابية جرت ضد الرئيس محمد مازوم في عام 2021 قبل يومين من تنصيبه رئيساً وقد نجا منها. كذلك حصلت محاولة انقلابية ثانية لكنها خجولة العام الماضي. ومن غير احتساب المحاولة التي حصلت مساء الأربعاء الماضي بمبادرة من الحرس الجمهوري وقائده، فإن النيجر وهي أحد أفقر بلدان العالم، عاشت أربعة انقلابات عسكرية. إلا أنها في عام 2021، عرفت انتقالاً سلمياً للسلطة عقب انتخابات عامة حرة أوصلت بازوم إلى رئاسة الجمهورية. بيد أن عدوى الانقلابات انتقلت إليها في العامين الأخيرين بعد الانقلاب الذي حصل في مالي، وأفضى في نهاية المطاف إلى خروج قوة «برخان» العسكرية الفرنسية من البلاد بعد ثمانية أعوام من وجود مركز وصل في أعلى مراحله إلى نشر 5 آلاف جندي لمحاربة الحركات المتشددة والإرهابية. ثم جاء دور بوركينا فاسو، العام الماضي، حيث طغمة عسكرية استولت على السلطة، وكانت نتيجتها أنها، كما باماكو، طلبت خروج قوة الكوماندوس الفرنسية المرابطة قرب العاصمة.

السؤال اليوم يدور حول ما ستؤول إليه العلاقة بين باريس ونيامي، ليس فقط بالنسبة للقوة العسكرية الفرنسية المشكّلة من 1500 رجل، والتي تشارك القوات النيجرية محاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة المسماة «الحدود المثلثة» (مالي وبوركينا فاسو والنيجر)، ولكن أيضاً العلاقات السياسية والاقتصادية.

وتجدر الإشارة إلى أن كثيرين كانوا ينظرون إلى محمد بازوم على أنه «رجل فرنسا»؛ للعلاقة الخاصة، التي تربطه بالرئيس إيمانويل ماكرون، وللتسهيلات التي وفرها لفرنسا من أجل إعادة انتشار قوتها المنسحبة من مالي على أراضي بلاده.

وبشكل عام، يعد بازوم مقربا من الغرب، وإضافة إلى باريس، من الولايات المتحدة التي تشغل قاعدة عسكرية أرضية - جوية يرابط فيها 1100 عسكري أميركي قريباً من مدينة «ديركو» الواقعة شمال شرقي النيجر وتستخدم منطلقا لمسيرّات (درون) وكالة المخابرات المركزية والقوات الأميركية. ووجود هذه القاعدة السرية ذاع بعد أن كشفت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» في عام 2018. وكانت المسيّرات الأميركية توفر معلومات قيّمة لقوة «برخان» الفرنسية. إلا أن وظيفتها الحقيقية توفير أرضية لانطلاق المسيّرات المستخدمة في ملاحقة التنظيمات «الجهادية» والإرهابية في مالي والنيجر وليبيا ومناطق أفريقية أخرى.

جندي فرنسي من قوة عملية «برخان» في مالي في 27 مارس 2019 (أ.ف.ب)

وعلى الرغم من الوجود القوي لقوتين عسكريتين غربيتين رئيسيتين في النيجر مع أجهزة مخابراتهما، فإنهما لم تفلحا في المحافظة على حليفهما محمد بازوم. بيد أن فرنسا ما زالت تأمل ببقائه في السلطة، وهو ما يفهم من التصريحات التي أدلت بها وزيرة الخارجية كاترين كولونا التي ترافق الرئيس ماكرون في جولته في المحيط الهادئ.

فقد قالت كولونا للصحافيين، الجمعة، إن الرئيس الفرنسي «تحدث عدة مرات» إلى نظيره النيجري، وإن باريس ما زالت تنظر فيما حصل في نيامي على أنه «محاولة انقلابية» وليس انقلاباً ناجزاً أي أنه أصبح أمراً واقعاً ونهائياً.

ولأول مرة منذ العملية الانقلابية، ندد ماكرون بـ«أقسى العبارات بالانقلاب العسكري» الذي وصفه بـ«غير الشرعي والخطير جداً ليس فقط بالنسبة للنيجريين ولكن بالنسبة لكل المنطقة... لهذه الأسباب، نحن ندعو لإطلاق سراح الرئيس بازوم وللعودة إلى المسار الدستوري».

ونقلت كولونا أن بازوم «الرئيس المنتخب ديمقراطياً» أبلغ ماكرون أنه «بصحة جيدة»، مضيفة: «نحن نطالب ليس فقط بإطلاق سراحه، ولكن أن يتمتع أيضاً بالأمن الكامل هو وأسرته، وهو الشرط المسبق للعودة إلى المسار الدستوري».

وبحسب الوزيرة الفرنسية، فإن هناك «احتمالات للخروج من الأزمة إذا استمع المسؤولون عن المحاولة (الانقلابية) للدعوات التي توجهها لهم الأسرة الدولية». وما زالت باريس تعتبر أن الوضع في نيامي لم يستقر بعد، وأن تراجع الانقلابيين ما زال ممكناً. ومن الواضح أن فرنسا تراهن، بالتوازي، على الدور الذي يمكن أن تلعبه المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا كما أيضا لمنظمة «إيغاد» التي تضم سبع دول من شرق أفريقيا. وتوقعت كولونا أن تعقد «المجموعة» قمتها يوم الأحد. وتأمل باريس أن تعمد «المجموعة» التي تحظى بدعمها إلى «فرض عقوبات» على النيجر، على غرار ما حصل مع مالي وبوركينا فاسو.

جنود من الجيش الفرنسي يقومون بدوريات على ناقلات مدرعة خلال عملية برخان في شمال بوركينا فاسو (أرشيفية: أ.ف.ب)

وأفاد بيان للخارجية الفرنسية أن كولونا نوهت بـ«وحدة الرأي والمقاربة» بين باريس والأفارقة، وعزمها على دعمها للجهود الإقليمية لـ«إعادة بازوم إلى وظيفته الدستورية من غير تأخير». وفي الحالتين الأخيرتين، لم تفض عقوبات المجموعة التي تضمنت فرض العزلة السياسية والعقوبات الاقتصادية والتجارية، لا إلى تراجع الانقلابيين في باماكو وواغادوغو، ولا إلى أن يحترموا الوعود التي قطعوها للمجموعة الاقتصادية وللأسرة الدولية بالعودة إلى المسار الدستوري والذهاب إلى انتخابات وإعادة السلطة إلى المدنيين.

وسبق للمجموعة أن بادرت إلى إدانة الانقلاب وطالبت بالإفراج عن الرئيس بازوم الذي تعتبره «الرئيس الشرعي والقانوني للنيجر» المعترف به. ويتمتع بازوم بدعم الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي. وسبق لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن هاتفه ليؤكد له وقوف واشنطن إلى جانبه، وهو ما كررته السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة. وأفاد بيان للخارجية الفرنسية بأن كولونا على تواصل دائم مع شركاء فرنسا الإقليميين والدوليين، وتحديداً مع بلينكن. أخشى ما تخشاه باريس وواشنطن وبقية الغربيين أن تستدير نيامي نحو موسكو على غرار ما فعلت باماكو وواغادوغو. وإذا حصل أمر كهذا، فإن الغربيين يكونون قد خسروا حليفاً يمكن الاعتماد عليه في منطقة تشهد أكبر الأنشطة «الجهادية» والإرهابية. والظاهرة المقلقة لباريس تمثلت بسماع أصوات في المظاهرات تطالب بخروج قواتها من النيجر على غرار ما حصل في مالي وبوركينا فاسو، وبظهور أعلام روسية مرفوعة. وفي أي حال، فإن ما هو جار في النيجر يعكس تهافت الحضور والتأثير الفرنسيين في منطقة الساحل وانقطاع «العلاقة الاستراتيجية» القائمة منذ عقود بين باريس ونيامي منذ استقلال النيجر في عام 1960.

ومع تراجع الحضور الفرنسي والغربي، يقوى الحضور الروسي والصيني والتركي، وكلها قوى يرى فيها الفرنسيون والغربيون بشكل عام منافسين خطرين في منطقة اعتادوا أن يمتلكوا فيها لعقود ناصية القرار.



عدد النازحين داخلياً في أفريقيا ازداد 3 مرات خلال 15 عاماً

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم «زمزم» للنازحين (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم «زمزم» للنازحين (أ.ف.ب)
TT

عدد النازحين داخلياً في أفريقيا ازداد 3 مرات خلال 15 عاماً

سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم «زمزم» للنازحين (أ.ف.ب)
سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم «زمزم» للنازحين (أ.ف.ب)

أدت النزاعات وأعمال العنف والكوارث الطبيعية في أفريقيا إلى زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين أجبروا على مغادرة منازلهم، ووصل عدد النازحين داخلياً إلى 35 مليوناً بنهاية العام الماضي، وفق «مركز رصد النزوح الداخلي».

وقالت مديرة المركز، ألكسندرا بيلاك، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن النازحين داخلياً الأفارقة يمثلون وحدهم نحو نصف عدد الأشخاص الذين أجبروا على الفرار من منازلهم في كل أنحاء العالم للعثور على ملاذ في مكان آخر ببلادهم.

وأضافت: «لقد شهدنا ارتفاع عدد النازحين داخلياً في القارة الأفريقية 3 مرات خلال الـ15 عاماً الماضية»، مضيفة أن «معظم حالات النزوح الداخلي هذه ناجمة عن النزاعات وأعمال العنف والكوارث الطبيعية».

ويظهر تقرير صادر عن «مركز رصد النزوح الداخلي» أن «المستويات المتصاعدة من الصراعات والعنف مسؤولة عن النزوح الداخلي لنحو 32.5 مليون شخص في أفريقيا. وقد نزح 80 في المائة منهم في 5 بلدان هي: جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا ونيجيريا والصومال والسودان».

وأشار المركز إلى أن «اتفاقية الاتحاد الأفريقي لحماية ومساعدة النازحين داخلياً في أفريقيا (اتفاق كمبالا)» أداة مهمة لمعالجة المشكلة.

ووضع هذا الاتفاق، الذي اعتُمد في عام 2009 ودخل حيز التنفيذ خلال ديسمبر (كانون الأول) 2012، معياراً دولياً بوصفه الاتفاق الإقليمي الأول والوحيد الملزم قانوناً بشأن النزوح الداخلي.

ومذاك، صادقت 24 دولة أفريقية على الاتفاق، ووضع كثير منها أطراً قانونية وقدمت استثمارات كبيرة لمعالجة المشكلة. لكن الحكومات تجد صعوبة في التعامل معها.

وعدّت بيلاك أن «مفتاح المشكلة» يكمن في «فعل المزيد بشأن بناء السلام والدبلوماسية وتحويل الصراعات».