تعتزم الحكومة الإثيوبية عقد حوار وطني واسع، خلال العام المقبل، يشمل جميع أنحاء البلاد، بمشاركة ما يصل إلى 700 ألف إثيوبي، بحسب رئيس مفوضية الحوار الوطني، مسفين أريا.
وقال أريا، الأربعاء، إن «المشاورات الوطنية الإثيوبية ستُجرى في جميع أنحاء البلاد في العام الإثيوبي الجديد المقبل»، الذي يبدأ في سبتمبر (أيلول)، مضيفاً أن «ما يصل إلى 700 ألف إثيوبي سيشاركون بشكل مباشر في الحوار الوطني».
وسبق أن توقع أريا بدء الحوار في مايو (أيار) المقبل. ووفقاً لتصريحات رئيس المفوضية، التي نشرتها «وكالة الأنباء الإثيوبية» الرسمية، فإن ممثلي مجلس المجتمعات المدنية الإثيوبية، والمجلس المشترك للأحزاب السياسية الإثيوبية، ونقابة المعلمين الإثيوبيين، والمجلس الديني الإثيوبي، وقضاة محكمة، سيكونون من المشاركين، كما تم التوصل إلى اتفاق للعمل مع الإدارات المحلية لتهيئة الظروف المواتية لإجراء المشاورات في مناطق الصراع، ودعا الفنانين والشيوخ والزعماء الدينيين والسياسيين والمثقفين والشباب إلى «تعزيز تعاونهم مع مفوضية الحوار الوطني» لإنجاح الحوار.
ونهاية سبتمبر، العام الماضي، وقّعت الحكومة الإثيوبية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، اتفاقية تمكّن من تقديم دعم مالي يقدَّر بمبلغ 2.2 مليون دولار أميركي لتمويل حوار وطني، في البلاد التي تعاني من أزمات أمنية وسياسية واسعة.
وتسعى الحكومة الإثيوبية لاستثمار «النجاح النسبي»، الذي حققته، بعد توقيع «اتفاق سلام» مع متمردي إقليم تيغراي في شمال إثيوبيا، نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث تأمل في تعميمه بكل الأقاليم الإثيوبية، التي تعج بالجبهات الإثنية الرافضة للخضوع للحكومة المركزية في أديس أبابا، وعلى رأسها متمردو إقليم أوروميا، الذين يشغل إقليمهم معظم مناطق وسط البلاد، ويضم مجموعة من الفصائل المسلَّحة التابعة لشعب «الأورومو».
والشهر الماضي بدأت حكومة رئيس الوزراء أبي أحمد - الحاصل على جائزة «نوبل للسلام» عام 2019 - محادثات مع متمردي «الأورومو»، خشية انزلاق البلاد إلى حرب داخلية أخرى، غير أن الجلسة الأولى لم تفض إلى نتيجة، بينما لم يكشف الطرفان مصير تلك المحادثات.
ووفق تصريحات سابقة لتاجسي تشافو، رئيس مجلس النواب، فإن الحوار الوطني هو من «أولويات الحكومة، باعتباره السبيل الوحيد لحل التحديات التي تواجه إثيوبيا، من خلال بناء إجماع وطني حول القضايا الأساسية».
ويرى الدكتور عبد الرحمن أحمد محمد، عضو «المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية»، أن «حكومة أبي أحمد تسعى لاحتواء الاضطرابات التي تشتعل بين الحين والآخر في أقاليم عدة، فهي تحتاج إلى الاستقرار من أجل تحقيق مخططها للتنمية، لكنها تواجه كثيراً من الصراعات، التي تتنوع أسبابها ما بين إثنية تاريخية، وصراعات على مراكز السلطة، وأخرى اقتصادية».
ووفق تصريح الخبير الإثيوبي لـ«الشرق الأوسط»، فإنه رغم القلاقل التي تحدث بين الحين والآخر، وآخرها الأزمة بين الحكومة والمسلمين بسبب هدم مساجد عدة بإقليم أوروميا خلال الأسابيع الماضية، فإن «الحكومة قادرة على تجاوز تلك العقبات من خلال انفتاحها على الحوار مع الأطراف جميعاً، واستعدادها للنقاش حول أزماتهم، في ظل إدراك الجميع أن الوطن هو الخاسر من النزاع».
ويأتي إعلان قرب انطلاق «الحوار الوطني» في أعقاب تقرير لـ«هيومن رايتس ووتش»، صدر في الأول من يونيو (حزيران) 2023، اتهم الحكومة الإثيوبية بارتكاب «انتهاكات وعمليات قتل خارج نطاق القضاء، واعتقالات جماعية تعسفية، وعنف ضد المدنيين في مناطق تواجه الاضطرابات وانعدام الأمن»، وهو ما اعتبرته أديس أبابا «محاولة لعرقلة الجهود الوطنية من أجل السلام والمصالحة».
وقال مكتب الاتصالات الحكومية إن التقرير الأخير لـ«هيومان رايتس ووتش» هو «تصوير مضلل للوضع، يحاول تقويض التعايش السلمي، وتأجيج الصراع بين الشعوب والقوميات الإثيوبية». وأضاف المكتب في بيان، أمس، أن «المنظمة أصدرت هذه المزاعم دون إجراء تحقيق شامل وموثوق في جميع المناطق المتضررة من النزاع».
وذكر أنه بتوقيع «اتفاق بريتوريا للسلام» بين الحكومة وتيغراي، شرعت حكومة إثيوبيا في «إجراء مشاورات على مستوى البلاد حول خيارات السياسة الخاصة بالعدالة الانتقالية في إثيوبيا»، وتم إجراء عدد من المشاورات مع أصحاب المصلحة في الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والمجتمع الدولي، مؤكداً أن «عملية العدالة الانتقالية ستسمح بإجراء تحقيق شامل».