لماذا تتعثر جهود مكافحة «الإرهاب» في الساحل الأفريقي؟

عقب هجمات قتلت العشرات في بوركينا فاسو

أشخاص نازحون ينتظرون في طابور توزيع الطعام عليهم في بوركينا فاسو (الأمم المتحدة)
أشخاص نازحون ينتظرون في طابور توزيع الطعام عليهم في بوركينا فاسو (الأمم المتحدة)
TT

لماذا تتعثر جهود مكافحة «الإرهاب» في الساحل الأفريقي؟

أشخاص نازحون ينتظرون في طابور توزيع الطعام عليهم في بوركينا فاسو (الأمم المتحدة)
أشخاص نازحون ينتظرون في طابور توزيع الطعام عليهم في بوركينا فاسو (الأمم المتحدة)

رغم التحذيرات المتكررة من أن منطقة الساحل في أفريقيا هي المركز الجديد لـ«الإرهاب العالمي»، تفيد تقارير دولية باستمرار «توسع نفوذ المجموعات المسلحة» في المنطقة.

==

رغم التحذيرات المتكررة من أن منطقة الساحل في أفريقيا هي المركز الجديد لـ«الإرهاب العالمي»، تفيد تقارير دولية وإحاطات من مسؤولين أمميين باستمرار «توسع نفوذ المجموعات المسلحة» في دول المنطقة، وهو ما يراه خبراء «دليلاً إضافياً على تعثر الجهود المحلية والإقليمية والدولية في مواجهة الظاهرة المتصاعدة، بسبب المقاربات العسكرية الأمنية القاصرة، وتجاهل العوامل الاقتصادية والتنموية».

وحسب تقارير صحافية، الجمعة، فإن «عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء هجمات إرهابية في بوركينا فاسو ارتفع إلى 40 قتيلاً خلال أسبوع واحد، بعد أن قُتل الخميس 20 شخصاً على الأقل في هجوم على عدة قرى في شمال البلاد»، وفق ما أفاد السكان ومصادر أمنية وكالة «الصحافة الفرنسية».

وجاءت الهجمات في بوركينا فاسو، بعد أيام قليلة من تقديم مارثا بوبي، مساعدة الأمين العام لشؤون أفريقيا إحاطة لمجلس الأمن، الثلاثاء، حذرت فيها من تفاقم الوضع الإنساني المتردي في منطقة الساحل بسبب الأزمة الأمنية.

وقالت بوبي إن «العنف في بوركينا فاسو يلقي بتحديات إنسانية متزايدة، حيث يحتاج حوالي 4.7 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية هذا العام، وتم تشريد أكثر من مليوني نازح داخلياً، بالمقارنة مع 3.5 مليون شخص احتاجوا إلى مساعدات إنسانية عام 2022».

المسؤولة الأممية نوهت كذلك بأن «8.8 مليون شخص احتاجوا إلى مساعدات إنسانية هذا العام في مالي، بينما يتوقع اتساع بؤر انعدام الأمن في بلدان غرب أفريقيا الساحلية».

وكان أحدث تقرير لـ«مؤشر الإرهاب العالمي»، صدر في مارس (آذار) الماضي، قال إن «منطقة الساحل الأفريقي تضم 43 في المائة من حالات الوفاة الناجمة عن الإرهاب في العالم»، وإن «هذه النسبة آخذة في الارتفاع».

وقال التقرير السنوي الذي يصدره «معهد الاقتصاد والسلام»، ومقره أستراليا، إن «المنطقة بذلك تتجاوز من حيث عدد الضحايا مناطق جنوب آسيا، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مجتمعة».

كما كشف أن «دولتين من دول منطقة الساحل، هما مالي وبوركينا فاسو، من بين دول العالم الخمس الأكثر تضرراً من الوفيات الناجمة عن الإرهاب، وأنه بتسجيل 1135 حالة وفاة بسبب الإرهاب في عام 2022، تكون بوركينا فاسو أكبر دولة تشهد وفيات إرهاب سنوية مقارنة بأي دولة أخرى».

نازحون في بوركينا فاسو يتجمعون في أحد المخيمات شمال شرق البلاد (الأمم المتحدة)

أحمد سلطان، الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة، قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن المؤشرات والإحصاءات تؤكد من جديد إخفاق المقاربات الغربية والمحلية والإقليمية في مواجهة تصاعد النفوذ الإرهابي في منطقة الساحل وفي أفريقيا عموماً»، معتبراً أن «سبب الإخفاق هو التركيز على المقاربات العسكرية والأمنية، بينما جذور الأزمة في تلك الدول اقتصادية وسياسية، حيث يزداد الفقر والتهميش في ظل حكومات هشة وموارد شحيحة، ما يخلق بيئة ناضجة ومواتية للتنظيمات الإرهابية».

ويشير عبد الفتاح الفاتحي، مدير «مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية» في المغرب، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «توسع نفوذ الجماعات الإرهابية يرجع إلى فشل دول الساحل في بناء أنظمة سياسية واقتصادية تتناسب وطبيعة البنى الاجتماعية لشعوبها، فضلاً عن فشل النخب الحاكمة في بناء نموذج تنموي اجتماعي يتجاوز واقع الفقر الذي تعززه التغيرات المناخية».

وفي فبراير(شباط) الماضي، خلصت مراجعة أصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (يو إن دي بي)، إلى أن «الحاجة الماسة للعمل، والشعور بالخذلان من الحكومات المتعاقبة، كانا من بين أهم الأسباب التي تدفع الشباب في أفريقيا؛ لاسيما منطقة الساحل، للالتحاق بشبكات التطرف».

وأظهر التقرير الأممي حينها أن «25 في المائة من المجندين المتطوعين في مثل هذه الجماعات، ذكروا أن فرص العمل كانت سببهم الرئيسي للالتحاق بها»، بينما سجل التقرير انخفاضاً بنسبة 57 في المائة في عدد الأشخاص الذين ينضمون إلى الجماعات المتطرفة لأسباب دينية.

ويشرح سلطان بأن «الجماعات الإرهابية توفر مصدراً للدخل لمجنديها وعائلاتهم، وتحل محل الحكومات العاجزة والهشة، ويستفيدون في ذلك من الحروب الإثنية والقبلية التي يفاقمها كذلك الفقر، والتهميش، وغياب التنمية والقانون».

ويتفق الفاتحي مع الرأي السابق، منوهاً بأن «واقع الفجوة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية بين الفئات المجتمعية في منطقة الساحل يولد حالة من التنافر، ويدفع في اتجاه الولاء لقيادات دينية محلية، ما يمكّن الجماعات المتطرفة من الهيمنة».

وأضاف الفاتحي أنه على المستوى الجيوسياسي «تخضع المنطقة لتنافس دولي كبير هدفه مصالح القوى المتدخلة، وهو ما برر التدخل الأجنبي، وفوَّت على القيادات السياسية الحاكمة خدمة متطلبات شعوبها، وارتهانها إلى ما يضمن استمرارية أنظمتهم السياسية بدعم أجنبي، وبالتبعية التمكين للجماعات الإرهابية».



للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
TT

للمرة الأولى منذ عقود... مقاتلات فرنسا تغادر سماء تشاد

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)
جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

سحب الفرنسيون من تشاد، الثلاثاء، مقاتلات عسكرية من طراز «ميراج 2000»، ليصبح البلد الأفريقي مترامي الأطراف والحبيس في قلب القارة السمراء، خالياً من أي مقاتلات فرنسية لأول مرة منذ أن نال استقلاله عن باريس قبل 6 عقود.

اليوم، أصبحت سماء تشاد هادئة من أزيز «الميراج» الفرنسية، وأغمضت العين الفرنسية التي ظلّت لعقود طويلة رقيباً لا يغفل على أرض تشاد الشاسعة، الممتدة من صحراء أوزو الحارقة شمالاً، وصولاً إلى أحواض بحيرة تشاد الرطبة في أقاصي الجنوب.

الطائرة التي تُمثّل فخر الصناعة العسكرية الفرنسية، ظلّت لسنوات طويلة صاحبة الكلمة الأولى في السماء التشادية، والسلاح الحاسم الذي تدخّل لقلب موازين السياسة أكثر من مرة، خصوصاً حين حاصر المتمردون القادمون من الشمال الرئيسَ الراحل إدريس ديبي في 2006 و2019.

بداية الرحيل

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية الثلاثاء (الجيش الفرنسي)

في حدود منتصف نهار الثلاثاء، كان الجنود الفرنسيون في قاعدة «غوسي» العسكرية في عاصمة تشاد إنجامينا، يتبادلون الابتسامات الباهتة مع أقرانهم التشاديين، فطغت على أجواء الوداع حميمية مصطنعة، وهم يستعدون لركوب طائرات «الميراج»، في رحلة ذهاب دون عودة، نحو فرنسا.

رفع الطيار العسكري الفرنسي يده بتحية عسكرية صارمة، من وراء زجاج طائرته النفاثة، وألقى نظرة أخيرة، ثم حلّق عالياً لتكون بذلك بداية انسحاب فرنسي من بلد دخله أجداده مستعمرين مطلع القرن العشرين، أي قبل 120 عاماً.

الجيش الفرنسي قال في بيان مقتضب تعليقاً على سحب طائراته العسكرية، إن القرار جاء بعد أن قررت تشاد إنهاء العمل باتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع فرنسا، يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وأضاف أن «وجود هذه الطائرات كان تلبية لحاجة سبق أن عبّر عنها الشريك (التشادي)».

فيما قال مصدر فرنسي إن وجود المقاتلات الفرنسية في تشاد لم يعُد مبرّراً بعد إنهاء التعاون العسكري بين البلدين، وأضاف أن «فرنسا تنهي نشر مقاتلاتها في قاعدة (غوسي) الجوية في إنجامينا. والجيش الفرنسي اتخذ قراراً بسحب طائراته الحربية».

رحيل تدريجي

وزير خارجية تشاد، عبد الرحمن كليم الله، نشر تغريدة مقتضبة على موقع «إكس»، قال فيها: «إنه بعد الانسحاب النهائي لمقاتلات (الميراج) الفرنسية وطائرة الدعم والإسناد، نفذت المرحلة الأولى من سحب القوات الفرنسية في تشاد».

كما نشرت الخارجية التشادية بياناً قالت فيه: «إن هذا الحدث يُمثل خطوة كبيرة في تنفيذ الجدول الزمني المتفق عليه بين الطرفين» بخصوص مغادرة القوات الفرنسية، قبل أن تشير إلى أنه «سيتم الترحيل التدريجي للقوات البرية خلال الأسابيع المقبلة».

ويوجد في تشاد نحو ألف جندي فرنسي، كانوا موجودين بموجب اتفاق تعاون عسكري موقع منذ عقود، وجرى تجديده عام 2019، ولكن تشاد قررت الشهر الماضي أن تنهيه من جانب واحد من أجل «تجسيد السيادة» على أراضيها.

وفي هذا السياق، قالت الخارجية التشادية إن الشعب التشادي «يتطلّع إلى مستقبل تحظى فيه السيادة الوطنية بالاحترام الكامل، وتتولى فيه القوات المسلحة الوطنية بشرف وكفاءة الدفاع عن أراضيها وأمن مواطنيها».

ولكنها في الوقت نفسه، شدّدت على «فكّ الارتباط (مع فرنسا) يتم بروح من الاحترام المتبادل والحوار البنّاء للحفاظ على العلاقات الثنائية بين تشاد وفرنسا في المجالات الاستراتيجية الأخرى ذات الاهتمام المشترك».

لجنة مشتركة

جنديان تشاديان خلال مناورات مع سلاح الجو الفرنسي (أرشيف الجيش الفرنسي)

ورغم أن البلدين لم يُعلنا أي تفاصيل حول الجدول الزمني لسحب القوات الفرنسية، فإن المصادر تؤكد تشكيل «لجنة مشتركة» تتولّى الإشراف على العملية، وقد عقدت هذه اللجنة اجتماعها الأول يوم الجمعة الماضي، دون إعطاء أي تفاصيل.

في هذه الأثناء، وصفت صحف فرنسية واسعة الانتشار من بينها «لوموند» ما يجري بأنه «صفعة موجعة» تتلقّاها فرنسا في بلد ظلّ لعقود يمثل حليفاً استراتيجياً في أفريقيا، واليوم يُعدّ آخر مركز نفوذ لفرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، حيث سبق أن انسحبت القوات الفرنسية من مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

ويصر الفرنسيون على أن ما يحدث في تشاد مختلف عما جرى في دول الساحل الأخرى؛ حيث وقعت قطيعة تامة مع باريس.

ويقول مصدر وصفه الإعلام الفرنسي بأنه قريب من الملف: «إن التشاديين لم يطلبوا سحب القوات بشكل فوري، وبهذه السرعة»، وأضاف: «نحن من أراد التحكم في الانسحاب» تفادياً لأي مفاجآت.