ما وراء تصاعد الهجمات واختطاف القطارات في جنوب غربي باكستان؟

احتجاز مئات الأشخاص على متن «جعفر إكسبريس» رهائن

سيارة إسعاف تنقل نعش جندي باكستاني قُتل على يد مسلحين نصبوا كميناً لقطار بإقليم بلوشستان في 13 مارس 2025 (أ.ب)
سيارة إسعاف تنقل نعش جندي باكستاني قُتل على يد مسلحين نصبوا كميناً لقطار بإقليم بلوشستان في 13 مارس 2025 (أ.ب)
TT
20

ما وراء تصاعد الهجمات واختطاف القطارات في جنوب غربي باكستان؟

سيارة إسعاف تنقل نعش جندي باكستاني قُتل على يد مسلحين نصبوا كميناً لقطار بإقليم بلوشستان في 13 مارس 2025 (أ.ب)
سيارة إسعاف تنقل نعش جندي باكستاني قُتل على يد مسلحين نصبوا كميناً لقطار بإقليم بلوشستان في 13 مارس 2025 (أ.ب)

كان إقليم بلوشستان المهمل في جنوب غربي باكستان مسرحاً لتمرد مستمر منذ سنوات، مع ارتفاع كبير في الهجمات خلال السنوات الأخيرة، مما يؤكد الصعوبات التي تواجهها الحكومة في إسلام آباد في التعامل مع التهديدات الأمنية التي لا تعد ولا تحصى.

أحد المصابين في هجوم على قطار «جعفر إكسبريس» يتلقى العلاج لدى وصوله إلى مستشفى كويتا في إقليم بلوشستان الخميس 13 مارس 2025 (أ.ب)
أحد المصابين في هجوم على قطار «جعفر إكسبريس» يتلقى العلاج لدى وصوله إلى مستشفى كويتا في إقليم بلوشستان الخميس 13 مارس 2025 (أ.ب)

إلا أن عملية اختطاف قطار ركاب، يوم الثلاثاء، كانت المرة الأولى التي يقوم فيها جيش تحرير بلوشستان المحظور بتنفيذ عملية واسعة النطاق بحسب تقرير لـ«أسوشييتد برس» الخميس، حيث احتجز مئات الأشخاص على متن قطار «جعفر إكسبريس» رهائن، ودخل في مواجهة مباشرة مع قوات الأمن الباكستانية حتى يوم الأربعاء.

أحد المصابين يتلقى العلاج لدى وصوله إلى مستشفى بإقليم بلوشستان الخميس 13 مارس 2025 (أ.ب)
أحد المصابين يتلقى العلاج لدى وصوله إلى مستشفى بإقليم بلوشستان الخميس 13 مارس 2025 (أ.ب)

وقال عبد الله خان، المحلل المستقل المقيم في إسلام آباد، لوكالة «أسوشييتد برس»، إن اختطاف القطار كان أسوأ هجوم يشنه جيش تحرير بلوشستان حتى الآن، وتوقع أن تصاب البلاد بالصدمة عندما تظهر التفاصيل النهائية، بما في ذلك عدد الضحايا الذي توقع أن يكون مرتفعاً. قُتل ما لا يقل عن 30 مسلحاً في تبادل أولي لإطلاق النار حول قطار جعفر السريع منذ أن هاجمت عناصر جيش تحرير بلوشستان القطار. وبحلول وقت متأخر من يوم الأربعاء، أنقذت قوات الأمن 190 من أصل 450 راكباً كانوا على متن القطار في البداية، وفقاً للمسؤولين.

صورة صادمة لجندي باكستاني يجلس بجوار نعش رفيقه الذي قُتل على يد مسلحين نصبوا كميناً للقطار في منطقة جبلية نائية بإقليم بلوشستان جنوب غربي البلاد في ماخ في 13 مارس 2025 (أ.ب)
صورة صادمة لجندي باكستاني يجلس بجوار نعش رفيقه الذي قُتل على يد مسلحين نصبوا كميناً للقطار في منطقة جبلية نائية بإقليم بلوشستان جنوب غربي البلاد في ماخ في 13 مارس 2025 (أ.ب)

مَن هم الانفصاليون؟ وما الذي يقاتلون من أجله؟ بلوشستان يعد أكبر إقليم في باكستان والأقل سكاناً في البلاد. كما أنه مركز للأقلية البلوشية العرقية في البلاد، التي يقول أفرادها إنهم يواجهون التمييز من قبل الحكومة.

وقد حارب الانفصاليون منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من أجل الحكم الذاتي - إن لم يكن الاستقلال التام - عن إسلام آباد، ومن أجل الحصول على حصة أكبر من الموارد الطبيعية التي يزخر بها الإقليم غير المتطور، مثل الغاز الطبيعي والنفط والمعادن.

تقارن بحركة «طالبان»

وعلى مر السنين، نمت قوة «جيش تحرير بلوشستان» مع مرور الوقت، مما دفع بعض المحللين إلى القول إن الجماعة اليوم تقارن بحركة «طالبان» الباكستانية من حيث التهديد الذي تشكله على البلاد.

وقد استهدف «جيش تحرير بلوشستان» قوات الأمن الباكستانية بانتظام، كما هاجم في الماضي المدنيين، بمَن فيهم مواطنون صينيون يعملون في مشاريع بمليارات الدولارات تتعلق بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني. كما شنّت هجمات خارج بلوشستان، بما في ذلك في كراتشي، أكبر مدن باكستان.

وعلى الرغم من إصرار الحكومة على أنها كبحت جماح أعمال العنف بصورة كبيرة، فإن الهجمات في بلوشستان لم تنحسر. كما تنشط جماعات متشددة أخرى في الإقليم.

لماذا الآن؟

أعلنت جماعة «جيش تحرير بلوشستان»، التي صنّفتها كل من باكستان والولايات المتحدة «منظمة إرهابية»، والتي يُقدر عدد مقاتليها بنحو 3000 مقاتل، مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع يوم الثلاثاء.

وتسعى هذه الجماعة إلى إقامة دولة بلوشية مستقلة، تشمل أراضي في باكستان وإيران وأفغانستان، حيث تعيش جماعة البلوش العرقية.

وتؤكد إسلام آباد أن «جيش تحرير بلوشستان» يتلقى الدعم من الهند المجاورة، وهي دولة منافسة ومسلحة نووياً مثل باكستان، على الرغم من أن نيودلهي نفت هذا الادعاء. كما تزعم الحكومة الباكستانية أن هناك درجة من التعاون بين «جيش تحرير بلوشستان» وجماعة «طالبان» الباكستانية، وهي الجماعة المسلحة الأبرز في البلاد.

ويقول محللون إن «جيش تحرير بلوشستان» أصبح أكثر جرأة منذ أن أنهت حركة «طالبان» الباكستانية وقف إطلاق النار مع الحكومة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، مما شجع على شن المزيد من الهجمات المسلحة في جميع أنحاء البلاد.

ما الصورة الكبرى؟ بصفة منفصلة عن الخصومة مع الهند، تتمتع باكستان أيضاً بعلاقة متوترة مع جارتها إيران، مما أسهم في انعدام الأمن في بلوشستان.

ويشترك البلدان في حدود يبلغ طولها 900 كيلومتر (560 ميلاً)، ولا تزال غير خاضعة للسيطرة إلى حد كبير، مما يسمح للمهربين والجماعات المسلحة بالتنقل بحرية.

وتتهم كلتا الحكومتين بعضهما بإيواء الجماعات المتمردة أو التسامح معها. وقال المحلل خان إن العوامل الاقتصادية هي التي تحرك الاضطرابات أيضاً، مضيفاً أن ذلك لا يبشر بالخير للاقتصاد الباكستاني.

وقال متسائلاً: «مَن سيأتي ويستثمر في باكستان إذا استمررنا في رؤية مثل هذه الهجمات». لقد ضخّت مبادرة «الحزام والطريق» التي أطلقتها بكين مليارات الدولارات في باكستان، لكنها أدت أيضاً إلى زيادة عزلة الأقلية البلوشية عن ذي قبل. ويقولون إن إسلام آباد تستغل موارد بلوشستان بينما تهمل المجتمعات المحلية.

ومع ذلك، قال سيد محمد علي، وهو محلل أمني باكستاني، إنه في حين أن الهجوم على القطار ربما يكون قد وفر لجيش تحرير بلوشستان «اهتماماً فورياً من الجمهور ووسائل الإعلام»، فإن الوفيات المحتملة بين المدنيين جراء الهجوم «سوف تُضعف في نهاية المطاف قاعدة دعمهم» بين سكان الإقليم.


مقالات ذات صلة

جنوب أفريقيا وتنزانيا وملاوي تعتزم سحب قواتها من شرق الكونغو

أفريقيا قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تغادر غوما متجهة إلى بوكافو تمر عبر بلدة ساكي شمال غربي غوما في شرق الكونغو الجمعة 28 مايو 2021 (أ.ب)

جنوب أفريقيا وتنزانيا وملاوي تعتزم سحب قواتها من شرق الكونغو

أعلن قادة أفارقة، الخميس، انسحاب آلاف الجنود من جنوب أفريقيا وتنزانيا وملاوي كان قد تم إرسالهم لقمع التمرد في شرق الكونغو الغني بالمعادن.

«الشرق الأوسط» (هراري - (زيمبابوي))
آسيا وصل مسؤولون أمنيون باكستانيون إلى محطة ماخ للسكك الحديدية بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» (أ.ب.أ)

شريف يزور المنطقة التي خطف بها مسلحون قطاراً في باكستان

زار رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إقليم بلوشستان، الخميس، تزامناً مع وصول عشرات الأشخاص الذين تم إنقاذهم من قطار خطفه مسلحون انفصاليون.

«الشرق الأوسط» (كويتا (باكستان))
آسيا الصحافية الروسية ناديجدا كيفوركوفا التي أُدينت بتهمة «تبرير الإرهاب» وغُرِّمت وأُطلق سراحها تتحدث مع صحافيين ومؤيدين لها عقب جلسة استماع بمحكمة في موسكو (رويترز)

إدانة صحافية روسية بارزة دافعت عن حقوق الفلسطينيين بـ«تبرير الإرهاب»

قضت محكمة روسية بإدانة صحافية بارزة بجرم «تبرير الإرهاب» بعد محاكمة أثارت جدلاً واسعاً؛ بسبب استنادها إلى معطيات نُشرت قبل سنوات على شبكات التواصل الاجتماعي.

رائد جبر (موسكو)
أفريقيا جنود نيجيريون بعد معارك ضد مجموعة إرهابية (صحافة محلية)

«داعش» يدمر قاعدة عسكرية في شمال نيجيريا

قُتل 4 جنود وأُصيب العشرات في هجوم مسلَّح عنيف شنَّه مقاتلو تنظيم «داعش» في غرب أفريقيا على قاعدة عسكرية تابعة لجيش نيجيريا، في ولاية بورنو.

الشيخ محمد (نواكشوط)
آسيا نقل عمال الإنقاذ نعشاً يحتوي على جثة ضحية من قطار ركاب هاجمه المتمردون عند وصوله إلى محطة سكة حديد في موتش بإقليم بلوشستان جنوب غربي باكستان الخميس 13 مارس 2025 (أ.ب)

رئيس الوزراء الباكستاني يلتقي ناجين وأفراداً من «الكوماندوز» الذين أنهوا هجوم القطار

توجه رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، إلى إقليم بلوشستان جنوب غربي باكستان، الخميس، للقاء الناجين من هجوم على قطار.

«الشرق الأوسط» (كويتا)

شريف يزور المنطقة التي خطف بها مسلحون قطاراً في باكستان

وصل مسؤولون أمنيون باكستانيون إلى محطة ماخ للسكك الحديدية بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» (أ.ب.أ)
وصل مسؤولون أمنيون باكستانيون إلى محطة ماخ للسكك الحديدية بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» (أ.ب.أ)
TT
20

شريف يزور المنطقة التي خطف بها مسلحون قطاراً في باكستان

وصل مسؤولون أمنيون باكستانيون إلى محطة ماخ للسكك الحديدية بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» (أ.ب.أ)
وصل مسؤولون أمنيون باكستانيون إلى محطة ماخ للسكك الحديدية بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» (أ.ب.أ)

زار رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إقليم بلوشستان، الخميس، تزامناً مع وصول عشرات الأشخاص الذين تم إنقاذهم من قطار خطفه مسلحون انفصاليون في جنوب غربي باكستان إلى مدينة كويتا بعد ساعات من قتل قوات الأمن جميع المهاجمين وعددهم 33 لإنهاء مواجهة استمرت يوماً كاملاً.

مسؤولو الأمن الباكستانيون يؤمّنون محطة قطار ماخ بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» (أ.ب.أ)
مسؤولو الأمن الباكستانيون يؤمّنون محطة قطار ماخ بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» (أ.ب.أ)

وجاءت زيارة شريف في وقت نفت فيه جماعة «جيش تحرير بلوشستان»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم، ادعاء الجيش بانتهاء المواجهة، مؤكدة أن «المعركة» مستمرة وأن رهائن لا يزالون محتجزين لديها.

وفجَّر المسلحون خطوط السكك الحديدية وفتحوا النار على قطار «جعفر إكسبريس» بينما كان في طريقه من كويتا عاصمة إقليم بلوشستان الغني بالمعادن إلى بيشاور في إقليم خيبر بختون خوا واحتجزوا رهائن عدة من بين 440 راكباً كانوا على متنه.

ويخوض المسلحون تمرداً مستمراً منذ عقود من أجل انفصال الإقليم الواقع في جنوب غربي البلاد والذي يضم مشروعات كبرى تقودها الصين مثل ميناء ومنجم للذهب والنحاس.

ووفقاً للجيش، قُتل ما مجموعه 21 رهينة وأربعة من رجال الأمن في المواجهة، لكن جيش تحرير بلوشستان، أكبر الجماعات العرقية المسلحة التي تقاتل الحكومة في بلوشستان، قال إنه جرى إعدام 50 رهينة.

مسؤولو الأمن الباكستانيون يؤمّنون محطة قطار ماخ بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» وهو قطار ركاب متجه من كويتا إلى بيشاور (أ.ب.أ)
مسؤولو الأمن الباكستانيون يؤمّنون محطة قطار ماخ بإقليم بلوشستان المضطرب 13 مارس 2025 بعد أن هاجم مسلحون مشتبه بهم قطار «جعفر إكسبرس» وهو قطار ركاب متجه من كويتا إلى بيشاور (أ.ب.أ)

وأعلنت الحكومة أن رئيس الوزراء في زيارة ليوم واحد إلى كويتا، حيث سيطلع خلالها على الوضع الأمني ​​في المنطقة.

وندد شريف بالهجوم في منشور على منصة «إكس»، الأربعاء، قائلاً إن «مثل هذه الأعمال الجبانة لن تهز عزم باكستان من أجل السلام».

وقالت السلطات إن 25 جثة نُقلت إلى محطة قطار محلية، ومنها إلى كويتا في سيارات إسعاف.

وأكدت حركة تحرير بلوشستان أن الأشخاص الذين «زعمت» باكستان إنقاذهم قد أطلقت الجماعة نفسها سراحهم.

وقال جياند بلوش، المتحدث باسم الجماعة، في بيان، الخميس: «الآن وقد تخلت الدولة عن رهائنها للموت، فإنها ستتحمل أيضاً مسؤولية مقتلهم».

وهددت جماعة جيش تحرير بلوشستان بالبدء في قتل الرهائن إذا لم تطلق السلطات سراح سجناء سياسيين ونشطاء ومفقودين من البلوش الذين قالت إنهم اختُطفوا على يد الجيش، وذلك خلال مهلة 48 ساعة.

وقال أرسلان يوسف، أحد الذين وصلوا إلى كويتا برفقة قوات الأمن، إن رجالاً مسلحين بقاذفات صواريخ وبنادق وأسلحة أخرى اقتحموا القطار الثلاثاء وبدأوا في إطلاق النار على الناس.

وأضاف يوسف أن المسلحين قسموا الركاب مجموعات على أساس المنطقة التي ينحدرون منها.

وتابع أنه «في بعض الأحيان أخذوا جنوداً وأعدموهم»، مشيراً إلى ركاب من جنود الجيش الباكستاني وأفراد قوات الأمن الأخرى الذين كانوا يسافرون على القطار في عطلة.

وأردف يوسف: «في أوقات أخرى، استهدفوا أفراداً بعينهم. وإذا كان لديهم ضغينة ضد شخص ما، كانوا يطلقون النار عليه على الفور».

وقال محمد تنوير، راكب آخر، إن الرهائن كانوا يتغذون على الماء فقط في أثناء احتجازهم.

وأظهرت لقطات مصورة لـ«رويترز» الرهائن الذين تم إنقاذهم يتلقون الإسعافات الأولية في محطة سكة حديد كويتا.