تصاعد التوترات إثر استهداف أفغانستان بغارات جوية باكستانية

أصدقاء الماضي باتوا أعداء بسبب العنف عبر الحدود

وصف رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إيواء المسلحين الباكستانيين في أفغانستان بأنه «خط أحمر» (غيتي)
وصف رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إيواء المسلحين الباكستانيين في أفغانستان بأنه «خط أحمر» (غيتي)
TT

تصاعد التوترات إثر استهداف أفغانستان بغارات جوية باكستانية

وصف رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إيواء المسلحين الباكستانيين في أفغانستان بأنه «خط أحمر» (غيتي)
وصف رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إيواء المسلحين الباكستانيين في أفغانستان بأنه «خط أحمر» (غيتي)

أدَّت الغارات الجوية التي تشنها الطائرات الحربية الباكستانية داخل أفغانستان إلى تصعيد التوترات في الأيام الأخيرة بمنطقة مضطربة بالفعل. وقد تدهورت العلاقات التي كانت وثيقة، بين قادة باكستان وحركة «طالبان» الأفغانية، وأصبحت الاشتباكات العنيفة عبر الحدود متكررة بشكل مثير للقلق.

كانت الحكومة الباكستانية قد التزمت الصمت رسمياً إزاء الضربات في أفغانستان، يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

ولكن المسؤولين الأمنيين قالوا سرّاً إن الجيش الباكستاني استهدف مخابئ حركة «طالبان» الباكستانية، وهي الجماعة المتشددة المسلحة التي نفَّذت سلسلة من الهجمات الإرهابية داخل باكستان، بحسب تقرير لـ«نيويورك تايمز»، الأربعاء.

جندي باكستاني يراقب الحدود مع أفغانستان (إ.ب.أ)

وقال مسؤولو الأمن إن العديد من كبار المتشددين من حركة «طالبان» الباكستانية لقوا مصرعهم في الضربات الجوية التي جاءت بعد أيام من تعرُّض 16 جندياً باكستانياً لكمين، ومقتلهم في منطقة حدودية. وقال نظام «طالبان» في أفغانستان إن عشرات المدنيين قُتِلوا في الغارات، بمن فيهم عائلات باكستانية لاجئة.

أفغان أُصيبوا في غارة جوية باكستانية الأسبوع الماضي (غيتي)

وأدانت الجماعة الهجمات، بوصفها انتهاكاً صارخاً للسيادة الأفغانية، وقالت إنها ردَّت بشن هجمات على «عدة نقاط» داخل باكستان. ولم يصدر أي تعليق رسمي عن المسؤولين في باكستان بشأن تلك الهجمات. إلا أنهم قالوا إنهم أحبطوا عملية توغُّل عبر الحدود قام بها مسلحون قالوا إن سلطات «طالبان» قامت بتسهيلها.

وكانت الغارات الجوية ثالث عملية عسكرية كبيرة للجيش الباكستاني على الأراضي الأفغانية منذ عودة حركة «طالبان» إلى السلطة في أغسطس (آب) 2021، والثانية في العام الماضي وحده.

جندي يقوم بفحص الأشخاص الذين يعبرون إلى باكستان على الحدود الأفغانية الثلاثاء الماضي (إ.ب.أ)

اتهام طالبان الأفغانية

ويتهم المسؤولون الباكستانيون «طالبان» الأفغانية بتوفير ملجأ لحركة «طالبان» الباكستانية، وهي تهمة ينفيها قادة «طالبان» الأفغانية. ويدافع المسؤولون الباكستانيون عن عمليات التوغُّل داخل أفغانستان بوصفها ضرورية للحد من هجمات حركة «طالبان» الباكستانية على المواطنين والجنود الباكستانيين، وكذلك على المواطنين الصينيين المشاركين في مشاريع ضمن «مبادرة الحزام والطريق»، وهي برنامج الاستثمار في البنية التحتية لدى بكين.

وقال رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، يوم الجمعة، خلال اجتماع مع وزراء الحكومة، في إشارة إلى أفغانستان: «هذا خط أحمر بالنسبة لنا؛ إذا كانت حركة (طالبان) الباكستانية تعمل من هناك، فهو أمر غير مقبول بالنسبة لنا».

تحديات عميقة في الداخل

وأضاف قائلاً: «سوف ندافع عن سيادة باكستان بأي ثمن». الواقع أن الحكومتين الباكستانية والأفغانية اللتين تواجهان تحديات عميقة في الداخل، لديهما من الأسباب ما يكفي لمنع انزلاق التوترات إلى صراع أوسع نطاقاً.

ولكن تصاعد هجمات حركة «طالبان» الباكستانية، أثناء شنِّها حملة دموية ضد الدولة الباكستانية فرض ضغوطاً هائلة على قادة البلدين، وفقاً لما ذكره سيد أختر علي شاه، وهو ضابط شرطة كبير سبقت له الخدمة في إقليم خيبر بختونخوا المتاخم لأفغانستان. يجب على الحكومة الباكستانية أن تُظهر لشعبها أنها سترد على الهجمات، حتى بالوقت الذي تواجه فيه البلاد أزمات متعددة تعوق حربها ضد الإرهاب، بما في ذلك ضعف الحكم والقيود الاقتصادية.

وبعد هجوم شنته حركة «طالبان» الباكستانية على مركز حدودي في سبتمبر (أيلول) أيلول 2023. شنت باكستان حملة على الأفغان الذين لا يحملون وثائق رسمية، فقامت بترحيل أكثر من 800 ألف شخص إلى أفغانستان.

يجلس اللاجئون الأفغان بجانب أمتعتهم في مركز تسجيل عند وصولهم من باكستان بالقرب من الحدود الأفغانية في منطقة سبين بولداك بإقليم قندهار - 20 نوفمبر 2023 (أ.ف.ب)

كما شددت باكستان القيود التجارية على أفغانستان غير الساحلية للضغط على حركة «طالبان». من جانبها، تجد حركة «طالبان» الأفغانية نفسها عالقة بين مطالب باكستان باتخاذ إجراءات ضد حركة «طالبان» الباكستانية والحوافز المحلية القوية لعدم القيام بذلك. وقال السيد شاه إنه من خلال مقاومة توسُّلات جار أقوى، تعمل حركة «طالبان» الأفغانية على تأجيج المشاعر القومية بين الأفغان، مما يساعد الحركة على إظهار صورتها كحكام شرعيين لأفغانستان بدلاً من كونهم المتمردين في السابق. وقد تخشى «طالبان» الأفغانية أيضاً من أن تؤدي حملة على حركة «طالبان» الباكستانية، التي تتقاسم معها معتقدات جهادية وروابط عميقة الجذور، إلى انقسام صفوف الجماعة المسلحة.

تهديد من «داعش - خراسان»

وقد يدفع ذلك بالمقاتلين نحو تنظيم «داعش» في أفغانستان، المعروف باسم «داعش» - خراسان، الذي يشكل تهديداً متزايداً لحكومة «طالبان». تمثل إحباطات باكستان من حركة «طالبان» الأفغانية تحولاً حاداً، عندما سيطرت «طالبان» على أفغانستان قبل 3 سنوات، عدّته باكستان في البداية نصراً استراتيجياً. ولقد عجل الانسحاب الأميركي بسقوط حكومة أشرف غني في كابل، التي اعتبرتها الحكومة الباكستانية داعمة للهند، خصم باكستان اللدود. بالإضافة إلى ذلك، كانت باكستان متفائلة بأن نظام «طالبان» الجديد سيكبح جماح حركة «طالبان» الباكستانية.

وكانت هذه الآمال تستند إلى فكرة أن «طالبان» ستكافئ باكستان على الدعم السري الذي قدمته خلال الحرب التي قادتها الولايات المتحدة. لكن صعود حركة «طالبان» أدى، بدلاً من ذلك، إلى تنشيط الجماعة المسلحة التي تضم نحو 6000 مقاتل.

وقد استفادت حركة «طالبان» الباكستانية من الموارد الجديدة، بما في ذلك الأسلحة المتطورة من صنع الولايات المتحدة التي تمت مصادرتها خلال سيطرة «طالبان» على أفغانستان، والإفراج عن مئات المقاتلين من السجون الأفغانية. وبتشجيع أكبر، صعّدت الجماعة من هجماتها داخل باكستان، مستهدفة قوات الأمن والشرطة على وجه الخصوص.

وكان العام الذي انتهى للتو الأكثر دموية في عقد من الزمان بين المدنيين وقوات الأمن الباكستانية؛ حيث قُتل 1612 شخصاً في 444 هجوماً إرهابياً، وفقاً لـ«مركز البحوث والدراسات الأمنية»، وهو مجموعة بحثية، مقره العاصمة الباكستانية إسلام آباد.

وقال الخبراء إن باكستان ارتكبت خطأ استراتيجياً في حساباتها إزاء حركة «طالبان» الأفغانية. وقال عبد الباسط، وهو زميل بارز مشارك في كلية إس راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة: «التوقعات ليست استراتيجية».

وقال: «إن اتفاقاً واضحاً ومكتوباً كان ينبغي إبرامه مع حركة (طالبان) فيما يتعلق بممارسات مكافحة الإرهاب منذ البداية. اتخذت الدولتان بعض الخطوات في محاولة لتحسين العلاقات.

وفي اليوم نفسه الذي وقعت فيه الغارات الجوية الأخيرة، كان المبعوث الباكستاني الخاص المعين حديثاً، محمد صادق، يجتمع في كابل مع كبار مسؤولي «طالبان»، بمن فيهم وزير الداخلية سراج الدين حقاني، ووزير الخارجية أمير خان متقي. كما عالجت حركة «طالبان» الأفغانية أيضاً مخاوف باكستان، من خلال إعادة توطين بعض مقاتلي حركة «طالبان» الباكستانية في وسط أفغانستان، وإبعادهم عن المنطقة الحدودية.


مقالات ذات صلة

إردوغان تحت ضغط المعارضة لصمته تجاه الحوار مع أوجلان

شؤون إقليمية صمت إردوغان تجاه الحوار مع أوجلان يعرضه لضغوط المعارضة (الرئاسة التركية)

إردوغان تحت ضغط المعارضة لصمته تجاه الحوار مع أوجلان

يواجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ضغوطاً من المعارضة لتوضيح موقفه من الاتصالات مع زعيم حزب «العمال» الكردستاني عبد الله أوجلان في مسعى لحل المشكلة الكردية

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان مستقبلاً رئيس وزراء إقليم كردستاني العراق مسرور بارزاني (الرئاسة التركية)

تركيا: استضافة لافتة لرئيس وزراء كردستان ورئيس حزب «حراك الجيل الجديد»

أجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مباحثات مع رئيس وزراء إقليم كردستان العراق مسرور بارزاني، بالتزامن مع زيارة رئيس حزب «حراك الجيل الجديد»، شاسوار عبد الواحد

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا جنود ماليون خلال تدريبات عسكرية على مواجهة الإرهاب (أ.ف.ب)

تنظيم «القاعدة» يهاجم مدينة مالية على حدود موريتانيا

يأتي الهجوم في وقت يصعّد تنظيم «القاعدة» من هجماته المسلحة في وسط وشمال مالي، فيما يكثف الجيش المالي من عملياته العسكرية ضد معاقل التنظيم.

الشيخ محمد (نواكشوط)
المشرق العربي مقاتلان من الفصائل الموالية لتركيا في جنوب منبج (أ.ف.ب)

تحذيرات تركية من سيناريوهات لتقسيم سوريا إلى 4 دويلات

تتصاعد التحذيرات والمخاوف في تركيا من احتمالات تقسيم سوريا بعد سقوط نظام الأسد في الوقت الذي تستمر فيه الاشتباكات بين الفصائل و«قسد» في شرق حلب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ علم أميركي يرفرف في مهب الريح خلف سياج من الأسلاك الشائكة في معسكر السجن الأميركي في خليج غوانتانامو (د.ب.أ)

بايدن يدفع جهود إغلاق غوانتانامو بنقل 11 سجيناً لعُمان

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنها نقلت 11 رجلاً يمنياً إلى سلطنة عُمان، هذا الأسبوع، بعد احتجازهم أكثر من عقدين من دون تهم في قاعدة غوانتانامو.

علي بردى (واشنطن )

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)
طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)
طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)

قدمت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الثلاثاء)، تطمينات بشأن فيروس «إتش إم بي في»، وهو عدوى تنفسية تنتشر في الصين، مؤكدةً أن الفيروس ليس جديداً أو خطيراً بشكل خاص.

وقالت متحدثة باسم منظمة الصحة العالمية إن المنظمة على اتصال بالمركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها. وأشارت إلى أنه تم إبلاغ منظمة الصحة العالمية بأن العديد من التهابات الجهاز التنفسي تنتشر في الصين، كما هو معتاد في فصل الشتاء، بما في ذلك «الإنفلونزا و(آر إس في) و(كوفيد - 19) و(إتش إم بي في)».

وبدأت وسائل الإعلام الصينية في أوائل ديسمبر (كانون الأول) تتناول ارتفاع حالات الإصابة بفيروس الالتهاب الرئوي البشري «إتش إم بي في»، وهو ما أثار مخاوف صحية عالمية بعد 5 أعوام على اندلاع جائحة «كوفيد - 19» في الصين.

إلا أن بكين ومنظمة الصحة العالمية كانتا تحاولان تهدئة المخاوف في الأيام الأخيرة.

وقالت مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية في جنيف، إن فيروس «إتش إم بي في» يجذب الكثير من الاهتمام لأنه ليس اسماً مألوفاً، ولكن تم اكتشافه في عام 2001.

وأوضحت أن «إتش إم بي في» هو فيروس شائع ينتشر في الشتاء والربيع.

وأضافت هاريس أن «مستويات التهابات الجهاز التنفسي التي تم الإبلاغ عنها في الصين تقع ضمن المستوى المعتاد لموسم الشتاء... وأفادت السلطات بأن استخدام المستشفيات أقل حالياً مما كان عليه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، ولم تكن هناك إعلانات أو استجابات طارئة».