باكستان: موجة من الهجمات الإرهابية تهز بلوشستان المضطربة

اعتداءات منسقة على ما لا يقل عن 4 مراكز للشرطة

تحسين إقبال تحمل صورة لابنها آصف إقبال الذي قُتل مع آخرين في هجمات مميتة لمسلحين انفصاليين في بلوشستان 27 أغسطس 2024 (رويترز)
تحسين إقبال تحمل صورة لابنها آصف إقبال الذي قُتل مع آخرين في هجمات مميتة لمسلحين انفصاليين في بلوشستان 27 أغسطس 2024 (رويترز)
TT

باكستان: موجة من الهجمات الإرهابية تهز بلوشستان المضطربة

تحسين إقبال تحمل صورة لابنها آصف إقبال الذي قُتل مع آخرين في هجمات مميتة لمسلحين انفصاليين في بلوشستان 27 أغسطس 2024 (رويترز)
تحسين إقبال تحمل صورة لابنها آصف إقبال الذي قُتل مع آخرين في هجمات مميتة لمسلحين انفصاليين في بلوشستان 27 أغسطس 2024 (رويترز)

لقي ما لا يقل عن 38 شخصاً مصرعهم في عدة هجمات في مقاطعة بلوشستان، منذ الأحد، فيما يبدو أنه جزء من حملة شنها انفصاليون مسلحون في المنطقة. وبدأت أعمال العنف بانفجارات هزت معسكراً للجيش في مقاطعة بلوشستان الباكستانية في وقت متأخر من ليلة الأحد، مما أسفر عن مقتل جندي واحد على الأقل، وفي توقيت متزامن تقريباً، اقتحم مسلحون ما لا يقل عن 4 مراكز للشرطة في المقاطعة، وفتحوا النار على الضباط، وأضرموا النيران في مركبات الشرطة، وفقاً لما ذكره مسؤولون محليون.

سيارة قيل إن مسلحين أضرموا فيها النار يوم الاثنين في إقليم بلوشستان الباكستاني (أ.ب)

وبحلول فجر اليوم التالي، كان المسلحون قد دمروا جسراً، مما تسبب في توقف عمل السكك الحديدية الرئيسية التي تمر عبره، ثم في وقت مبكر من صباح الاثنين، بلغت أعمال العنف ذروتها عندما أوقف المسلحون حركة المرور على طريق رئيسي سريع، وأطلقوا النار على المارة مما أدى إلى مقتل نحو عشرين شخصاً.

وعلى مدار مدة زمنية بلغت 24 ساعة، اجتاحت موجة العنف الجديدة التي نفذتها مجموعة انفصالية مسلحة مقاطعة بلوشستان في جنوب غربي باكستان، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 38 شخصاً، مما زاد من تفاقم الوضع الأمني المتدهور بالفعل في البلاد.

سيارة محترقة بالقرب من جسر سكة حديد رئيسي دمره مسلحون مشتبه بهم بكولبور في بلوشستان 28 أغسطس 2024 (إ.ب.أ)

وبدأت سلسلة الهجمات المُنسَّقة في بلوشستان، الأحد، عندما أعلنت جماعة «جيش تحرير بلوشستان» عن بدء عملية جديدة في المقاطعة، وتعد هذه الجماعة واحدة من عدة جماعات متمردة تطالب باستقلال المقاطعة عن الحكومة المركزية في إسلام آباد.

وقال المسؤولون إن الهجوم الأكثر دموية في الحملة حتى الآن وقع في منطقة «موساخيل» في بلوشستان عندما أوقف المسلحون حركة المرور على الطريق السريع، وطلبوا من ركاب الحافلات والشاحنات إظهار بطاقات هوياتهم.

كما أجبر المسلحون بعض الركاب على الخروج من المركبات، ثم أطلقوا النار عليهم وقتلوهم، وفقاً للمسؤولين.

وكان معظم الضحايا من مقاطعة البنغاب؛ إذ أضرم المسلحون النيران هناك فيما لا يقل عن 10 حافلات وشاحنات قبل الفرار من المنطقة.

جندي شبه عسكري يوقف ويفحص مركبات عند نقطة تفتيش أمنية بعد هجمات مميتة لمسلحين انفصاليين على مشارف كويتا في باكستان 27 أغسطس 2024 (رويترز)

ومن جانبهم، أدان المسؤولون الباكستانيون الهجمات على الفور، وطالبوا السلطات بإجراء تحقيق في كافة الحوادث، وقال رئيس الوزراء شهباز شريف في بيان: «لا نقبل أي شكل من أشكال الإرهاب في البلاد، وسنواصل معركتنا ضد الإرهاب حتى يتم القضاء على هذه الآفة بشكل كامل».

فشل استخباراتي من جانب الجيش

ويقول بعض الخبراء الأمنيين والمحللين إن هذه الهجمات المنسقة تشير إلى فشل استخباراتي من جانب الجيش الباكستاني القوي، الذي لطالما كان يمثل السُلطة المطلقة في البلاد.

وكانت السلطات الباكستانية قد صرَحت في السنوات الأخيرة بأنها نجحت في القضاء على التمرد الذي دام عقوداً، لكن الهجمات الأخيرة تحمل علامات مقلقة على أن جماعة «جيش تحرير بلوشستان» أصبحت أكثر قدرة من أي وقت مضى، وفقاً للمحللين.

ذروة التمرد

وقال محمد أمير رانا، وهو مدير معهد باكستان لدراسات السلام، والمعني بمراقبة العنف والتطرف، ومقره إسلام آباد: «هذه هي ذروة المرحلة الحرجة من التمرد»، مضيفاً أن موجة العنف الأخيرة أظهرت درجة أعلى من التنسيق والتخطيط من جانب «جيش تحرير بلوشستان»، مقارنةً بالهجمات السابقة.

ويقول مسؤولون عسكريون باكستانيون إن قوات الأمن ردت على كافة الهجمات وقتلت ما لا يقل عن 21 من المتمردين.

وجاء في بيان صادر عن الجناح الإعلامي للجيش الباكستاني أن «قوات الأمن ووكالات إنفاذ القانون الباكستانية ستظل عازمة، جنباً إلى جنب مع الأمة، على إحباط محاولات تخريب السلام والاستقرار والتقدم في بلوشستان».

وكانت أعمال الإرهاب قد تصاعدت في جميع أنحاء باكستان منذ انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان المجاورة في عام 2021، واستيلاء حركة «طالبان» على السُّلطة، فمنذ وصول الحركة إلى السُلطة في كابل، وجدت بعض الجماعات المسلحة ملاذاً آمناً على الأراضي الأفغانية، في حين دفعت الحملة التي قادتها «طالبان» لكبح جماح فرع تنظيم «داعش» في المنطقة إلى دفع مقاتليه نحو باكستان.

وخلال العام الأول لعودة «طالبان» إلى السُّلطة، ارتفع عدد الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء باكستان بنحو 50 في المائة مقارنةً بالعام السابق، وفقاً لـ«معهد باكستان لدراسات السلام»، وعلى مدار العامين الماضيين، استمر عدد الهجمات العنيفة في الارتفاع أيضاً.

وأدت أعمال العنف إلى زيادة وتيرة التوتر بين السلطات الباكستانية ومسؤولي حركة «طالبان»، الذين نفوا تقديم الدعم أو توفير الحماية للجماعات المسلحة، بمن في ذلك الانفصاليون البلوش، كما أنها أثارت مخاوف من أن المنطقة قد تصبح ملاذاً للجماعات الإرهابية الدولية، وأن صراعاً أوسع نطاقاً قد يندلع في المناطق الحدودية لباكستان.

وحتى الآن لم تتمكن السلطات الباكستانية من القضاء على العنف، كما تراجع الدعم العسكري الأميركي الذي كان يتم تقديمه في شكل أسلحة واستخبارات وتمويل وغير ذلك، والذي كان يتدفق بسخاء إلى البلاد منذ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان.

أسلحة ومعدات متطورة

ووفقاً للسلطات الباكستانية، فإن العديد من المسلحين مزودون بأسلحة ومعدات متطورة أميركية الصُنع، والتي استولوا عليها بعد انهيار الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة.

وقالت الشرطة الباكستانية إنها تشعر بأنها غير مُجهزة بشكل كافٍ للتعامل مع موجة أعمال العنف الجديدة هذه، ويقول السكان في المناطق المتضررة إنهم يشعرون بالإحباط المتزايد من استجابة الحكومة، واتهم البعض الجيش الباكستاني القوي بالتركيز بشكل أكبر على التدخل في الشؤون السياسية للبلاد، بدلاً من توفير الأمن للشعب.

ولطالما كانت بلوشستان، وهي المقاطعة القاحلة التي تمتد بين الحدود مع أفغانستان وإيران والبحر العربي، مسرحاً للكثير من أعمال العنف، وتعدّ المقاطعة، التي تعادل مساحتها مساحة ألمانيا تقريباً، غنية بالموارد في حين يسكنها نحو 12 مليون شخص فقط.

موقع لميناء عميق تديره الصين

كما تعد المنطقة أيضاً موقعاً لميناء عميق تديره الصين في «غوادر»، وهي جزء رئيسي من «مبادرة الحزام والطريق» الصينية في إسلام آباد، والتي كانت مصدراً حيوياً للاستثمار الأجنبي، وكذلك هدفاً للمسلحين الغاضبين.

ومنذ تأسيس باكستان في عام 1947، عانت المقاطعة من العديد من أعمال التمرد التي كانت مدفوعة، جزئياً على الأقل، بالرغبة في استغلال مواردها، وفي السنوات الأخيرة، استهدفت الجماعات المسلحة مشاريع التنمية الصينية في المنطقة، ورداً على ذلك، واجهت تلك الجماعات وسكان بلوشستان قمعاً شديداً من الدولة وانتهاكات لحقوق الإنسان، وفقاً لما ذكرته منظمات حقوق الإنسان.

وتعدّ جماعة «جيش تحرير بلوشستان» من بين الجماعات المتمردة الأكثر ثباتاً، فقد تأسست في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وبحلول عام 2020، بدت الجماعة وكأنها ضعفت بدرجة كبيرة بعد سنوات من عمليات مكافحة التمرد والانقسامات بين الجماعات الانفصالية، ولكنها عادت إلى الظهور بقوة مرة أخرى في السنوات الأخيرة، وهو ما ظهر بوضوح في العملية الأخيرة التي بدأت يوم الأحد.

وقالت جماعة «جيش تحرير بلوشستان»، في بيان أصدرته قبل الهجمات: «معركتنا ضد الجيش الباكستاني المحتل، وإذا تدخلت الشرطة، فإننا سنهاجمها أيضاً».

وتزامن إعلان الجماعة مع الذكرى الثامنة عشرة لوفاة الزعيم القبلي المؤثر في بلوشستان نواب أكبر بوغتي، الذي حمل السلاح ضد الحكومة الفيدرالية في عام 2005، وقُتل على يد قوات الجيش الباكستاني بعد عام، ويقول المحللون إن وفاته أدت إلى ضخ طاقة جديدة في التمرد في المنطقة.

وقد أثارت سلسلة الهجمات الأخيرة قلق سكان المقاطعة، الذين كان العديد منهم في حالة من التوتر الشديد بالفعل بعد تصاعد وتيرة أعمال العنف على مدى السنوات الثلاث الماضية.

وقال إسحاق حياة، وهو أحد سكان كويتا، عاصمة مقاطعة بلوشستان: «لقد أظهرت هجمات الليلة الماضية والهجمات السابقة أن المسلحين منظمون للغاية، لقد أدت الهجمات إلى زيادة مخاوف الناس بشكل حقيقي، نحن قلقون بشأن سلامتنا».

* «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

أفريقيا أنصار مرشح المعارضة باسيرو ديوماي فاي يحضرون مسيرة حاشدة في أثناء فرز نتائج الانتخابات الرئاسية (إ.ب.أ)

بوتين يتباحث مع الرئيس السنغالي حول الإرهاب في الساحل

مباحثات جرت، الجمعة، بين الرئيس الروسي ونظيره السنغالي، وتم خلالها الاتفاق على «تعزيز الشراكة» بين البلدين، والعمل معاً من أجل «الاستقرار في منطقة الساحل»

الشيخ محمد (نواكشوط)
شؤون إقليمية محتجون أشعلوا النار في الشوارع المحيطة ببلدية تونجلي في شرق تركيا بعد عزل رئيسه وتعيين وصي عليها (إعلام تركي)

تركيا: صدامات بين الشرطة ومحتجين بعد عزل رئيسي بلديتين معارضين

وقعت أعمال عنف ومصادمات بين الشرطة ومحتجين على عزل رئيسَي بلدية منتخبَين من صفوف المعارضة في شرق تركيا، بعد إدانتهما بـ«الإرهاب»، وتعيين وصيين بدلاً منهما.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان خلال اجتماع لجنة التخطيط بالبرلمان التركي (الخارجية التركية)

تركيا تحذر من جرّ العراق إلى «دوامة العنف»

حذرت تركيا من جرّ العراق إلى «دوامة العنف» في منطقة الشرق الأوسط، في حين رجحت «انفراجة قريبة» في ملف تصدير النفط من إقليم كردستان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا صورة أرشيفية لهجوم سابق في كابول (رويترز)

مقتل 10 أشخاص في هجوم على مزار صوفي بأفغانستان

قتل 10 مصلين عندما فتح رجل النار على مزار صوفي في ولاية بغلان في شمال شرقي أفغانستان، وفق ما أفاد الناطق باسم وزارة الداخلية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية أكراد يرفعون صور أوجلان في مظاهرة للمطالبة بكسر عزلته (رويترز)

تركيا: أوجلان إلى العزلة مجدداً بعد جدل حول إدماجه في حل المشكلة الكردية

فرضت السلطات التركية عزلة جديدة على زعيم حزب «العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان بعد دعوة رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي للسماح له بالحديث بالبرلمان

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

32 قتيلاً في أعمال عنف طائفية بباكستان

عناصر من الشرطة الباكستانية (أرشيفية - إ.ب.أ)
عناصر من الشرطة الباكستانية (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

32 قتيلاً في أعمال عنف طائفية بباكستان

عناصر من الشرطة الباكستانية (أرشيفية - إ.ب.أ)
عناصر من الشرطة الباكستانية (أرشيفية - إ.ب.أ)

قتل 32 شخصاً على الأقل في أعمال عنف طائفية جديدة في شمال غربي باكستان، وفق ما أفاد مسؤول محلي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» اليوم (السبت) بأنه بعد يومين من هجمات استهدفت أفراداً من الطائفة الشيعية أسفرت عن مقتل 43 شخصاً.

ومنذ الصيف، خلفت أعمال العنف بين السنة والشيعة في إقليم كورام الواقع في ولاية خيبر بختونخوا الواقعة على الحدود مع أفغانستان، نحو 150 قتيلاً.

والخميس، أطلق نحو عشرة مهاجمين النار على قافلتين تقلان عشرات العائلات الشيعية بمواكبة الشرطة في هذه المنطقة الجبلية. وقتل ما لا يقل عن 43 شخصاً ولا يزال «11 مصابا» في حالة «حرجة»، بحسب السلطات.

ومساء أمس (الجمعة)، بعد يوم طويل شيع خلاله الضحايا وساده التوتر في كورام على وقع مسيرات للشيعة نددت بـ«حمام دماء»، قال ضابط كبير في الشرطة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «الوضع تدهور». وأضاف «هاجم شيعة غاضبون مساء سوق باغان المحسوب خصوصاً على السنة» موضحاً أن «المهاجمين المزودين بأسلحة خفيفة ورشاشة وقذائف هاون أطلقوا النار» طوال ثلاث ساعات و«قام سنّة بالرد» عليهم.

من جهته، قال مسؤول محلي لم يشأ كشف هويته للوكالة إن «أعمال العنف بين المجموعتين الشيعية والسنية تواصلت (السبت) في أماكن مختلفة، وسجل مقتل 32 شخصاً في آخر حصيلة هم 14 من السنة و18 من الشيعة».

وذكر مسؤول محلي آخر هو جواد الله محسود أن «مئات المتاجر والمنازل تم إحراقها» في منطقة سوق باغان، لافتاً إلى «بذل جهود من أجل إعادة الهدوء، وتم نشر قوات أمنية والتأمت مجالس قبلية (جيرغا)».

ومحور النزاعات بين القبائل ذات المعتقدات المختلفة هو مسألة الأراضي في المنطقة، حيث تتقدم قواعد الشرف القبلية غالباً على النظام الذي تسعى قوات الأمن إلى إرسائه.