الشيخة حسينة... «سيدة بنغلاديش الحديدية» تحت ضغط الشارع

رئيس وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة تتحدث خلال مؤتمر صحافي حول الاشتباكات الأخيرة في 27 يوليو (أ.ف.ب)
رئيس وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة تتحدث خلال مؤتمر صحافي حول الاشتباكات الأخيرة في 27 يوليو (أ.ف.ب)
TT

الشيخة حسينة... «سيدة بنغلاديش الحديدية» تحت ضغط الشارع

رئيس وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة تتحدث خلال مؤتمر صحافي حول الاشتباكات الأخيرة في 27 يوليو (أ.ف.ب)
رئيس وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة تتحدث خلال مؤتمر صحافي حول الاشتباكات الأخيرة في 27 يوليو (أ.ف.ب)

أسهمت رئيسة الوزراء البنغلاديشية، الشيخة حسينة، في إنقاذ البلاد من الحكم العسكري، لكن عهدها في السلطة شهد اعتقالات جماعية لخصومها السياسيين وعقوبات على قواتها الأمنية بتهمة انتهاك حقوق الإنسان.

وتواجه «السيدة الحديدية»، المتهمة بالتسلط، احتجاجات جماهيرية بدأت في يوليو (تموز) الماضي، بمَسيرات يقودها طلاب جامعيون ضد قرار إعادة فرض حصص توظيف في القطاع العام، لكنها تحوّلت إلى أحد أكبر الاضطرابات خلال 15 عاماً من حكمها، مع مطالبة المعارضة بتنحّيها.

اتسمت الاحتجاجات بالسلمية إلى حد كبير، حتى تعرَّض المتظاهرون لاعتداءات من الشرطة وجماعات طالبية مُوالية للحكومة لقيت إدانة دولية.

وفازت رئيسة الوزراء، البالغة 76 عاماً، بولاية خامسة في رئاسة الوزراء، خلال يناير (كانون الثاني) الماضي، بعدما قاطعت المعارضة الاقتراع الذي قالت إنه لم يكن حُراً ولا نزيهاً. وحينذاك، وصفت الشيخة حسينة حزب المعارضة الرئيسي بأنه «منظمة إرهابية». ويتهم خصومها حكومتها بارتكاب سلسلة من الانتهاكات لحقوق الإنسان؛ من بينها قتل نشطاء معارضين.

الشيخة حسينة هي ابنة ثوري قاد البلاد إلى الاستقلال، وقد أشرفت على نمو اقتصادي متسارع في بلدٍ وصفه وزير الخارجية الأميركي السابق، هنري كيسنجر، ذات يوم، بأنه «ميؤوس منه». وفي العام الماضي، وعدت بتحويل بنغلاديش إلى «دولة مزدهرة ومتقدمة»، لكن في البلاد نحو 18 مليون شاب عاطلين عن العمل، وفق الأرقام الرسمية.

رجلان يمران أمام مركز تسوق أضرم فيه المتظاهرون النار في داكا الأحد (أ.ب)

صعود اقتصادي

كانت حسينة في السابعة والعشرين من عمرها وخارج البلاد، عندما اغتال ضباط عسكريون منشقّون والدها، رئيس الوزراء الشيخ مجيب الرحمن، مع والدتها وإخوتها الثلاثة، في انقلاب عام 1975.

عاشت ست سنوات في المنفى، قبل أن تعود وتتولى قيادة حزب رابطة عوامي، الذي كان يتزعمه والدها، وتبدأ صراعاً دام عقداً جعلها تخضع لفترات طويلة من الإقامة الجبرية. وتحالفت حسينة مع الحزب الوطني البنغلاديشي، الذي تتزعمه خالدة ضياء، للإطاحة بالدكتاتور العسكري حسين محمد إرشاد عام 1990. لكن سرعان ما اختلفتا، وهيمن التنافس بينهما منذ ذلك الحين على السياسة في بنغلاديش.

وشغلت حسينة منصب رئيسة الوزراء لأول مرة عام 1996، لكنها خسرت أمام ضياء بعد خمس سنوات، ثم جرى سجنهما بتُهم فساد عام 2007 بعد انقلاب قامت به حكومة مدعومة من الجيش، قبل إسقاط التهم عنهما، والسماح لهما بخوض الانتخابات في العام التالي. وفازت حسينة بأغلبية ساحقة في الاقتراع، وهي تمسك منذ ذلك الوقت بالسلطة.

في هذه الأثناء، تعاني ضياء، البالغة 78 عاماً، مشكلات صحية وهي محتجَزة في المستشفى بعد أن حُكم عليها بالسجن لمدة 17 سنة في عام 2018 بتُهم فساد، كما يقبع كبار قادة حزبها خلف القضبان أيضاً.

ويُشيد مؤيدو الشيخة حسينة بقيادتها بنغلاديش، خلال طفرة اقتصادية ملحوظة تعود إلى حد كبير لقطاع الصناعة وغالبية قواه العاملة من النساء، ويتركز نشاطه في مجال النسيج وتصدير الملابس.

وبعدما كانت بنغلاديش إحدى أفقر دول العالم عندما نالت استقلالها عن باكستان عام 1971، صارت تحقق نمواً بمعدل يزيد على 6 في المائة سنوياً منذ عام 2009. وانخفضت معدلات الفقر وأصبح أكثر من 95 في المائة من السكان، البالغ عددهم 170 مليون نسمة، يستفيدون من الكهرباء، وتَجاوز نصيب الفرد من الدخل مستوى الهند عام 2021.

لقيت حسينة إشادة دولية لفتحها أبواب بنغلاديش لمئات الآلاف من اللاجئين الروهينغا الفارّين من الحملة العسكرية عام 2017 في ميانمار المجاورة. كما نالت الإشادة الحملة التي أطلقتها ضد المتشددين الإسلاميين في الدولة ذات الأغلبية المسلمة، بعد أن اقتحم خمسة متطرفين محليين مقهى في داكا يرتاده رعايا غربيون وقتلوا 22 شخصاً عام 2016.

متظاهرون أمام سيارة تحترق خلال تجدد الاحتجاجات ضد الحكومة في العاصمة البنغلايشية داكا الأحد (أ.ب)

إسكات المعارضة

لكن عدم تسامح حكومتها تجاه المعارضة أثار الاستياء داخلياً وقلقاً في عواصم أجنبية أبرزها واشنطن. وجرى إعدام خمسة من كبار القادة الإسلاميين، وشخصية معارِضة بارزة، خلال العقد الماضي، بعد إدانتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، خلال حرب الاستقلال الدامية عام 1971. وبدلاً من تضميد جراح ذلك الصراع، أثارت المحاكمات احتجاجات حاشدة وصدامات عنيفة. ووصف مُعارضوها المحاكمات بأنها صورية، وعدُّوها ذات دوافع سياسية لإسكات الخصوم.

وفرضت الولايات المتحدة عقوبات عام 2021 على فرع النخبة من قوات الأمن البنغلاديشية، وسبعة من كبار ضباطها بسبب اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان. وفي مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة، تصرّ الشيخة حسينة على أن همها الوحيد هو خدمة مصلحة بلدها.

والشهر الماضي، قامت بجولة في مناطق بداكا تضررت، خلال أيام من الاضطرابات الدامية، بينها محطة مترو كانت من بين عدد من المباني الحكومية التي جرى إحراقها أو تخريبها. وقالت للصحافيين: «على مدى 15 عاماً بنيتُ هذا البلد»، مندّدة بالأضرار التي لحقت البنية التحتية، متسائلة: «في ماذا قصّرت في خدمة الناس؟».



مقتل 3 أشخاص في بنغلاديش مع تصاعد العنف

المتظاهرون يلوحون بالأعلام الوطنية وهم يقفون فوق تمثال راجو التذكاري لمكافحة الإرهاب خلال احتجاج في دكا يوم 4 أغسطس 2024 للمطالبة بالعدالة للضحايا الذين تم اعتقالهم (أ.ف.ب)
المتظاهرون يلوحون بالأعلام الوطنية وهم يقفون فوق تمثال راجو التذكاري لمكافحة الإرهاب خلال احتجاج في دكا يوم 4 أغسطس 2024 للمطالبة بالعدالة للضحايا الذين تم اعتقالهم (أ.ف.ب)
TT

مقتل 3 أشخاص في بنغلاديش مع تصاعد العنف

المتظاهرون يلوحون بالأعلام الوطنية وهم يقفون فوق تمثال راجو التذكاري لمكافحة الإرهاب خلال احتجاج في دكا يوم 4 أغسطس 2024 للمطالبة بالعدالة للضحايا الذين تم اعتقالهم (أ.ف.ب)
المتظاهرون يلوحون بالأعلام الوطنية وهم يقفون فوق تمثال راجو التذكاري لمكافحة الإرهاب خلال احتجاج في دكا يوم 4 أغسطس 2024 للمطالبة بالعدالة للضحايا الذين تم اعتقالهم (أ.ف.ب)

لقي 3 أشخاص على الأقل حتفهم، وأصيب عشرات، بعد اندلاع أعمال عنف بعدة مناطق في بنغلاديش، الأحد، بعد يومين من دعوة المتظاهرين لـ«العصيان المدني» في أنحاء البلاد، للمطالبة بعزل حكومة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة.

يشارك الطلاب في احتجاج للمطالبة بالعدالة للضحايا الذين قُتلوا في الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحصص في جميع أنحاء البلاد (د.ب.أ)

وقد وقعت اشتباكات بين المتظاهرين وأنصار حزب «رابطة عوامي» الحاكم، ما أسفر عن مقتل شخصين على الأقل في منطقة مونشيجاني، على بعد نحو 30 كيلومتراً جنوب العاصمة دكا، حسبما قال أبو هنا محمد جمال، أحد الأطباء بمستشفى المنطقة للصحافيين.

ولقي زعيم محلي بالجناح الطلابي للحزب «القومي البنغلاديشي» المعارض، حتفه، بعدما تعرض لإطلاق النار في اشتباك بين الشرطة والمتظاهرين، حسبما قال ميزانور رحمان، الزعيم المحلي للحزب. وأضاف أن أكثر من 30 شخصاً أصيبوا خلال الاشتباكات في ماجورا، على بعد نحو 200 كيلومتر جنوب غربي دكا.

تصاعد الدخان من مقر جامعة بانغاباندو شيخ مجيب الطبية بعد اشتباك بين الطلاب وأنصار الحكومة خلال احتجاج في دكا يوم 4 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

وقد تصاعدت أعمال العنف عقب دعوة قادة الطلاب، السبت، للعصيان المدني، بعدما رفضوا مقترح الحكومة إنهاء العنف عبر الحوار. وكانت السلطات قد استجابت لطلبات الطلاب المتعلقة بإصلاح نظام الحصص الوظيفية، بعدما أسفرت الاحتجاجات في منتصف الشهر الماضي عن مقتل أكثر من 200 شخص.

في غضون ذلك، أصدرت هيئة الاتصالات في بنغلاديش أمراً بوقف خدمات «الموبايل إنترنت- الجيل الرابع» للمرة الثانية خلال 3 أسابيع، لمواجهة الاحتجاجات. وذكرت شبكة «تي في» الخاصة المستقلة، أن 9 أشخاص لقوا حتفهم في اشتباكات بخمس مقاطعات، الأحد. وذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء أن آلافاً خرجوا للشوارع في دكا، مطلع الأسبوع.

المتظاهرون يلوحون بالأعلام الوطنية وهم يقفون فوق تمثال راجو التذكاري لمكافحة الإرهاب خلال احتجاج في دكا يوم 4 أغسطس 2024 للمطالبة بالعدالة للضحايا الذين تم اعتقالهم (أ.ف.ب)

وقد أضرم المتظاهرون، الأحد، النيران، في سيارات عند جامعة طبية حكومية، ومستشفى، بالقرب من ميدان شاهباج الذي يعد موقعاً شهيراً في العاصمة. وكانت الحكومة قد ألغت في عام 2018 نظام الحصص الذي كان يخصص 56 في المائة من الوظائف لفئات معينة، من بينها أبطال الحرب والنساء والأقليات العرقية وذوي الاحتياجات الخاصة. ولكن المحكمة العليا كانت قد أمرت في يونيو (حزيران) بإعادة الحصة السابقة، ما أدى لنزول الطلاب إلى الشوارع.