كيف يمكن للصين الاستيلاء على تايوان دون أن تطلق طلقة واحدة؟

رسم توضيحي لسفينة وطائرة حربية أمام العلمين الصيني والتايواني (رويترز)
رسم توضيحي لسفينة وطائرة حربية أمام العلمين الصيني والتايواني (رويترز)
TT

كيف يمكن للصين الاستيلاء على تايوان دون أن تطلق طلقة واحدة؟

رسم توضيحي لسفينة وطائرة حربية أمام العلمين الصيني والتايواني (رويترز)
رسم توضيحي لسفينة وطائرة حربية أمام العلمين الصيني والتايواني (رويترز)

حذّر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن من أن الجيش الصيني قد يعزل تايوان، ويشل اقتصادها، ويجعلها تستسلم دون إطلاق رصاصة واحدة، وفق ما ذكرته شبكة «سي إن إن» الأميركية.

وركّز المحللون والخبراء الاستراتيجيون العسكريون لفترة طويلة على خيارين رئيسيين متاحين للصين للتعامل مع تايوان، وهما: الغزو الشامل، أو الحصار العسكري.

وتزايدت المخاوف من أن يفي الحزب الشيوعي الصيني بوعده بالسيطرة على تايوان ذات يوم، وبالقوة إذا لزم الأمر، في السنوات الأخيرة، بسبب تصرفات الرئيس الصيني شي جين بينغ العدوانية بشكل متزايد تجاه الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، وأدى رفض الصين إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا إلى تفاقم هذه المخاوف.

لكن مركز الدراسات الأميركي حذّر في تقرير حديث من أن هناك طريقاً ثالثة، وهي الطريق التي ستجعل من الصعب على الولايات المتحدة وغيرها من الديمقراطيات ذات التفكير المماثل مواجهتها إلا وهي: الحجر الصحي.

وباستخدام تكتيكات «المنطقة الرمادية» - وهي إجراءات أقل بقليل مما يمكن عدّه أعمال حرب - يمكن لخفر السواحل الصيني، وما يسمى بالميليشيا البحرية ومختلف أجهزة الشرطة وهيئة السلامة البحرية البدء في فرض حجر صحي كامل أو جزئي على تايوان، وربما قطع الوصول إليها، وقد تلعب القوات البحرية والجوية والبرية للجيش الصيني أدواراً مساعدة فقط.

جندي صيني يراقب التدريبات العسكرية للصين حول تايوان (أ.ب)

وقال التقرير: «إن الصين زادت بشكل كبير من ضغوطها على تايوان في السنوات الأخيرة، ما أثار المخاوف من أن التوترات قد تتحول إلى صراع مباشر، في حين جرى إعطاء الكثير من الاهتمام للتهديد بالغزو، لكن لدى بكين خيارات إلى جانب الغزو لإجبار تايوان أو معاقبتها أو ضمها».

وفي قمة الدفاع لحوار شانغريلا في سنغافورة في وقت سابق من هذا الشهر، حذّر وزير الدفاع الصيني الأدميرال دونغ جون، أولئك الذين يدعمون أي تحركات لاستقلال تايوان «سينتهي بهم الأمر إلى التدمير الذاتي».

وانتقد «القوى الخارجية لبيعها الأسلحة، وإجراء اتصالات رسمية غير قانونية» مع تايوان، وقال: «سنتخذ إجراءات حازمة للحد من استقلال تايوان، والتأكد من عدم نجاح مثل هذه المؤامرة مطلقاً».

وظهرت تكتيكات المنطقة الرمادية التي تنتهجها الصين بشكل صارخ هذا الأسبوع، عندما اشتبكت سفن خفر السواحل الصينية مع قوارب البحرية الفلبينية في بحر الصين الجنوبي.

وأظهرت مقاطع الفيديو قوات صينية تهدد الفلبينيين بأسلحة بيضاء، وقالت مانيلا: «إن أحد جنودها فقد إبهامه في حادث تصادم بتحريض من الصين».

وكان مستوى العنف خطوة كبيرة مقارنة بالاشتباكات السابقة بالقرب من جزيرة سكند توماس شول، إذ تحتفظ الفلبين بسفينة حربية في المياه التي تطالب بها كل من بكين ومانيلا.

وعلى نحو مماثل، أصبح التخويف العسكري والاقتصادي الذي تمارسه بكين ضد تايوان أكثر وضوحاً في عهد الرئيس الصيني الحالي.

ويشير التقرير إلى أن خفر السواحل الصيني - مثل معظم قوات خفر السواحل حول العالم - يعد وكالة لإنفاذ القانون. وهذا يعني أنها تستطيع إيقاف وتنظيم حركة الشحن حول الجزيرة، فيما يُسمى بالحجر الصحي، وهو يختلف عن الحصار.

وأوضح التقرير: «الحجر الصحي عملية تقودها قوات إنفاذ القانون للسيطرة على الحركة البحرية أو الجوية داخل منطقة معينة، في حين أن الحصار هو في المقام الأول ذو طبيعة عسكرية».

ويقول الخبراء إن القانون الدولي يعد الحصار عملاً من أعمال الحرب.

ويوضح التقرير: «أن الحجر الصحي الذي يقوده خفر السواحل الصيني ليس إعلان حرب ضد تايوان»، ومن شأنه أن يضع الولايات المتحدة في موقف صعب، إذ إن واشنطن ملزمة قانوناً - بموجب قانون العلاقات مع تايوان - بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها، كما تزودها بأسلحة دفاعية.

وذهب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أبعد من الإلزام القانوني، قائلاً: «إنه سيستخدم القوات الأميركية لحماية تايوان، وهو تحذير يبدو أنه ينحرف عن موقف واشنطن السابق المتمثل في (الغموض الاستراتيجي)، والذي تراجع عنه مسؤولو البيت الأبيض».

ولكن إذا تدخلت السفن أو الطائرات العسكرية الأميركية فيما تقول الصين إنها عملية لإنفاذ القانون، فقد يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها تبدأ الأعمال العدائية العسكرية.

ويقدر التقرير أعداد خفر السواحل الصيني بنحو 150 سفينة عابرة للمحيطات و400 سفينة أصغر، مثل البحرية الصينية، وهي أكبر قوة في العالم من حيث حجم الأسطول.

وتمتلك بكين مئات السفن الإضافية في وكالة هيئة السلامة البحرية التابعة لها والميليشيا البحرية، وقوارب الصيد المدمجة في الجيش الصيني وقوات إنفاذ القانون.

ويقول التقرير: «إن خفر السواحل التايواني، الذي لديه 10 سفن فقط عابرة للمحيطات، ونحو 160 سفينة أصغر، يفتقر إلى العدد اللازم لصد جهود الحجر الصحي».

ويشير مؤلفو التقرير إلى أن إجراءات الحجر الصحي التي اتخذتها بكين قد تكون محدودة للغاية، ولا يزال لها تأثير على خنق تايوان اقتصادياً.

وأضافوا أن «الاستعداد الصيني الواضح لتفتيش ومصادرة عدد قليل من السفن التجارية فقط يمكن أن يكون له تأثير رادع كبير»، ويشير التقرير إلى أن إجراءات البحث والمصادرة المحدودة لها تأثير على الرحلات الجوية إلى تايوان، إذ يمكن بسهولة تمديد الحجر الصحي ليشملها، ولن تحتاج سوى مجموعة قليلة من الرحلات الجوية لتحذير الطائرات الصينية ليكون لها تأثير خانق على حركة المرور بأكملها.

وفي الوقت نفسه، فإن الحجر الصحي، وليس الحصار، لن يتطلب من الصين إغلاق أو تقييد الوصول إلى مضيق تايوان، وهذا يعني أن واشنطن وحلفاءها قد يخسرون واحدة من أكبر مطالباتهم بالتدخل بموجب القانون الدولي، والحفاظ على حرية الملاحة في ممر مائي دولي.

وقال التقرير: «إذا جرى تصوير الحجر الصحي على أنه عملية لإنفاذ القانون، فيمكن للصين أن تعلن بسهولة نهاية العملية، وتدعي أنها حققت أهدافها. ولإبقاء الأمور أكثر بساطة، قد لا تحتاج الصين حتى إلى استخدام كلمة (الحجر الصحي) لبدء عملية لعزل تايوان».

وبموجب مزاعمها بأن تايوان أرض صينية، قد تطلب بكين تقديم إقرارات جمركية قبل أن تتمكن السفن من الرسو في تايوان، وبالنسبة لأولئك الذين لا يمتثلون، يمكن أن يكون لآليات التنفيذ تأثير سلبي على جميع عمليات الشحن.

وجد المحللون الذين راجعوا التقرير، وتحدثوا إلى الشبكة الأميركية، أنه معقول، ولكن كانت لديهم أيضاً شكوك حول الكيفية التي قد تسير بها الأمور. وذكر البعض أن الاقتصاد لا يلعب بالضرورة لصالح بكين.

وحذر الخبراء من أن الجهود المبذولة لزعزعة الوضع الراهن عبر مضيق تايوان قد تؤدي إلى مزيد من تآكل التجارة الخارجية لبكين.


مقالات ذات صلة

وزير خارجية الصين يطالب بوقف شامل لإطلاق النار في الشرق الأوسط دون تأخير

آسيا وزير الخارجية الصيني وانغ يي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 28 سبتمبر 2024 (رويترز)

وزير خارجية الصين يطالب بوقف شامل لإطلاق النار في الشرق الأوسط دون تأخير

قال وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، اليوم (السبت)، إنه يجب ألا يكون هناك أي تأخير في التوصل إلى «وقف شامل لإطلاق النار» في الشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا جندي روسي يطلق طائرة مُسيرة صغيرة خلال أحد التدريبات (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

الاتحاد الأوروبي قلق إزاء تقرير عن إنتاج روسيا طائرات مُسيرة بدعم صيني

قالت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي إن التكتل يساوره «قلق بالغ» إزاء تقرير ذكر أن روسيا تطوِّر برنامج طائرات مُسيرة هجومية بدعم من الصين.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)
رياضة عالمية الإسبانية سارة سوريبيس خلال مواجهتها أمام الصينية شينيو (الشرق الأوسط)

«دورة بكين»: الإسبانية سوريبيس تورمو تفوز برابع أطول لقاء بتاريخ التنس للسيدات

فازت الإسبانية سارة سوريبيس تورمو برابع أطول مباراة في تاريخ مسابقات التنس للسيدات، الخميس، خلال مشاركتها ببطولة الصين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا الرئيس الصيني شي جينبينغ (أ.ب)

«اختفاء» اقتصادي صيني بارز بعد انتقاد الرئيس في محادثة خاصة

اختفى أحد كبار الاقتصاديين في الصين بعد تأديبه لانتقاده رئيس البلاد شي جينبينغ خلال محادثة خاصة في منصة إلكترونية. ووفقاً لصحيفة «غارديان» البريطانية، فإن تشو…

«الشرق الأوسط» (لندن)

الرئيس السريلانكي الجديد يتعهّد «بذل قصارى جهده» للنهوض بالبلاد

الرئيس السريلانكي الجديد أنورا كومارا ديساناياكا مجتمعاً مع كبار ضباط الجيش والشرطة بعد أدائه اليمين الدستورية في كولومبو الاثنين (إ.ب.أ)
الرئيس السريلانكي الجديد أنورا كومارا ديساناياكا مجتمعاً مع كبار ضباط الجيش والشرطة بعد أدائه اليمين الدستورية في كولومبو الاثنين (إ.ب.أ)
TT

الرئيس السريلانكي الجديد يتعهّد «بذل قصارى جهده» للنهوض بالبلاد

الرئيس السريلانكي الجديد أنورا كومارا ديساناياكا مجتمعاً مع كبار ضباط الجيش والشرطة بعد أدائه اليمين الدستورية في كولومبو الاثنين (إ.ب.أ)
الرئيس السريلانكي الجديد أنورا كومارا ديساناياكا مجتمعاً مع كبار ضباط الجيش والشرطة بعد أدائه اليمين الدستورية في كولومبو الاثنين (إ.ب.أ)

تولى أنورا كومارا ديساناياكا، أول رئيس يساري في تاريخ سريلانكا، مهامه اليوم (الاثنين)، متعهداً «بذل قصارى جهده» للنهوض بالبلاد، بعد عامين من أزمة مالية غير مسبوقة أثرت في جزء كبير من السكان وفرضت عليهم سياسة تقشف حادة.

وأدى ديساناياكا اليمين في العاصمة كولومبو، أمام رئيس المحكمة العليا جايانثا جاياسوريا خلال مراسم نقلتها التلفزيونات.

وقال الرئيس الجديد (55 عاماً) في كلمة مقتضبة: «أنا أعرف تماماً أهمية التفويض الذي حصلت عليه... أنا لست مشعوذاً، ولست ساحراً. سأطلب مشورة الآخرين وسأبذل قصارى جهدي (...) مسؤوليتي هي المشاركة في الجهد الجماعي للخروج من هذه الأزمة».

وقالت «وكالة الصحافة الفرنسية» إن العشرات من أنصار الرئيس الجديد في أثناء تأديته اليمين تجمعوا أمام مبنى الرئاسة ملوحين بصوره وبأعلام سريلانكا.

وحسب النتائج التي نشرتها اللجنة الانتخابية، الأحد، حصل حزب «جبهة تحرير الشعب» على 42.3 في المائة من الأصوات، في حين حلّ الرئيس المنتهية ولايته رانيل ويكريميسينغه (75 عاماً) في المركز الثالث بحصوله على 17.27 في المائة منها.

مناصرون للرئيس الجديد أمام مبنى الرئاسة خلال أدائه اليمين الدستورية الاثنين (إ.ب.أ)

وترك أنورا كومارا ديساناياكا زعيم حزب «جبهة تحرير الشعب» الذي كان وراء تمردَين دمويين في السبعينات والثمانينات، الكفاح المسلح وحوّل اهتمامه إلى اقتصاد السوق، وحصل على دعم شعبي واسع، إذ أدان خلال حملته الزعماء «الفاسدين» المسؤولين في نظره عن الفوضى التي حدثت عام 2022.

وقبل إعلان فوزه، أعلن ديساناياكا أنه لن «يمزّق» خطة الإنقاذ الموقعة مع صندوق النقد الدولي عام 2023 بعد مفاوضات طويلة، والبالغة قيمتها 2.9 مليار دولار.

وقال عضو المكتب السياسي في حزب «جبهة تحرير الشعب» اليساري، بيمال راتناياكي: «إنه نص ملزم، لكنه يحتوي على بند لإعادة التفاوض».

ووعد ديساناياكا بخفض الضرائب والرسوم على المنتجات الغذائية والأدوية لتأثيرها في السكان.

وقالت فروة عامر، من مركز «إيجا سوسايتي»، إنه «بالنسبة إلى ديساناياكا الذي وعد بعصر جديد وبضمان الاستقرار وتشجيع التغيير، ستكون التوقعات عالية».

في عام 2022، شهدت سريلانكا أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، وأدت إلى احتجاجات في الشوارع أطاحت بالرئيس -آنذاك- غوتابايا راجاباكسا، الذي حاصر متظاهرون غاضبون قصره واقتحموه شاكين من التضخم ونقص الإمدادات. واضطر الرئيس السابق إلى الفرار من البلاد.

وخلفه ويكريميسينغه الذي قاد سياسة تقشف قاسية وزاد الضرائب وخفّض بشكل جذري الإنفاق العام.

وتمكّن ويكريميسينغه خلال العامين اللذين أمضاهما في منصبه من إعادة الهدوء إلى الشارع.

الرئيس السريلانكي الجديد أنورا كومارا ديساناياكا خلال أدائه اليمين الدستورية الاثنين (إ.ب.أ)

لكن خطة الإنقاذ تركت ملايين السريلانكيين يكافحون من أجل العيش. وأكد البنك الدولي أن بداية التعافي في سريلانكا أدت إلى زيادة نسبة الفقر الذي بات يطول حالياً أكثر من ربع السكان البالغ عددهم 22 مليوناً.

وقال الرئيس المنتهية ولايته، مساء الأحد، إن «التاريخ سيحكم على جهودي، ويمكنني القول بثقة إنني بذلت كل ما في وسعي لإعادة الاستقرار إلى البلاد».

وأمام الدبلوماسيين الذين تمت دعوتهم لحضور مراسم تنصيبه، أكد ديساناياكا للذين يقولون إنه يفضّل الصين على الهند، أنه سيتعاون مع الجميع من أجل تنمية سريلانكا.

وقال: «نحن عازمون على العمل لصالح بلادنا مع الدول الأخرى، بغض النظر عن الخلافات بين القوى» الكبرى.

وفي بكين، شدد الرئيس الصيني شي جينبينغ على «الأهمية الكبرى» التي يوليها «لتطوير العلاقات» مع سريلانكا، وفق تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي الصيني عقب تنصيب الرئيس السريلانكي. والصين هي إحدى الدول الدائنة الرئيسية لسريلانكا.

وقبل أن يؤدي الرئيس الجديد اليمين الدستورية، قدّم رئيس الوزراء دينيش غوناواردينا استقالته، ما يفتح الطريق أمام تعيين حكومة جديدة.

ومن المقرر إجراء انتخابات تشريعية العام المقبل. ويشغل حزب «جبهة تحرير الشعب» 3 مقاعد فقط من أصل 225 مقعداً.