رئيس الوزراء التايلاندي: وظيفتي هي تسويق بلادي للعالم

أشاد في حوار مع «عرب نيوز» بالإصلاحات «المذهلة» في السعودية... ودعا زعماء العالم إلى ضمان وقف النار في غزة

رئيس وزراء تايلاند خلال الحوار مع رئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز»
رئيس وزراء تايلاند خلال الحوار مع رئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز»
TT

رئيس الوزراء التايلاندي: وظيفتي هي تسويق بلادي للعالم

رئيس وزراء تايلاند خلال الحوار مع رئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز»
رئيس وزراء تايلاند خلال الحوار مع رئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز»

لعلّ المؤشر الأكبر على التوازن الدقيق الذي تلعب عليه تايلاند بين الشرق والغرب هو اقتراح رئيس وزرائها على صحيفة «عرب نيوز» إجراء المقابلة معه في مقهى «ستاربكس» المحلي، الموجود في الحيّ الصيني في يوم رأس السنة الصينية الذي يُعدّ عيدًا مهمًا جدًا.

ولكن، سريتا تافيسين ليس بسياسي عادي. فقبل تولّيه رئاسة الوزراء، كان تافيسين رجل أعمال ناجحًا ومعروفًا بكونه يدير جدول أعماله بدقّة شديدة. وفي الواقع، بدأ حديثه بالقول إن من مسؤوليّته «بيع تايلاند»، وهو أمر لم يحدث في الماضي بحسب قوله. أمّا الآن، وبعد مرور ستة أشهر تقريبًا على تولّيه منصبه، اعتبر عملاق العقارات الذي قرّر خوض غمار السياسة، أن الأولوية بالنسبة له تكمن في السفر وإخبار العالم بأن أبواب بلاده مشرّعة أمام الراغبين بالعمل معها.

وعند سؤاله عن الطريقة التي تمكّنت من خلالها تايلاند من تحقيق هذا التوازن بين علاقاتها مع الشرق والغرب، لا سيما وأن الصين (وهي ثاني أكبر شريك تجاري لتايلاند وتتشارك معها عنصرًا عرقيًا ونفوذًا ثقافيًا) لا تتّفق مع الولايات المتحدة (وهي الشريك التجاري الأكبر لبانكوك وتتعاون معها أيضًا في المجال الأمني)، أجاب تافيسين قائلًا: «طبعاً، لأننا دولة محايدة ولسنا على صراع مع أي جهة. ويمكنك بالتالي أن تلتقي بأشخاص من أوروبا الشرقيّة وروسيا والصين والهند واليابان وكوريا وأوروبا، وأميركا».

أشخاص يصلون من أجل الحظ السعيد بمناسبة ليلة رأس السنة القمرية الصينية في تايلاند (إ.ب.أ)

وكونه رجل أعمال سابق، يُدرك تافيسين جيّدًا أين تكمن الفرص الرئيسية، حيث تتصدّر دولة واحدة هذه القائمة: المملكة العربية السعودية. وفي الواقع، طُلب إجراء هذه المقابلة مع صحيفة «عرب نيوز» في الأساس بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لإعادة تفعيل العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وتايلاند، والتي عُلّقت منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي حتّى شهر يناير (كانون الثاني) 2022 على خلفيّة حادث دبلوماسي.

شهدت العلاقات، منذ المصالحة، تحسنًا هائلًا بسبب التبادلات التجارية والاستثمارية الجديدة وأوجه التواصل المتبادل بين شعبي البلدين. ومع ذلك، رأى تافيسين أنه من الممكن جدًا تعزيز العلاقات أكثر، مشيرًا إلى أن ما رآه خلال زيارته للمملكة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قد أعجبه جدًا.

وقال شارحًا: «التقيت بمسؤولين من شركة سابك، الذين يركّزون على كلّ الأعمال الزراعية. كما التقيت بشركة مسؤولين من أرامكو، وهي أكبر شركة نفط في العالم. والتقيت أيضًا بمسؤولين من صندوق الاستثمارات العامة، أي صندوق الثروة السيادية، وبولي العهد الأمير محمد بن سلمان». وأضاف: «أذهلني حجم ما تحاولون القيام به والإمكانات التي تتمتّع بها البلاد. أعيد وأكرّر، إن الاستثمارات العابرة للحدود التي قمتم بها حول العالم هي أمر يجب على باقي دول العالم تقديره ومحاكاته».

واستكمالًا لحديثه عن السعودية، قال تافيسين: «أنتم لا تتمتّعون بقوّة مالية فحسب، بل إنكم قادرون أيضًا على تحديد ما لا تمتلكونه ومحاولة تأمينه لبلدكم. فعلى سبيل المثال، يعدّ الأمن الغذائي مهمًا جدًا». وأتى أيضًا على ذكر بعض مشاريع المملكة مثل «الخدمات اللّوجستية ومشروع ذا لاين (مشروع نيوم المميز) ومطار الرياض» الذي قال إن «حجمه سيصبح ضعف حجم مطار دبي خلال السنوات العشر القادمة. إنه لأمر مثير للإعجاب. إنه فعلًا كذلك».

وفي مجرى حديثه عن سياسات السعودية البيئية، بما في ذلك مبادرة السعودية الخضراء التي تهدف إلى زراعة 10 مليارات شجرة في مختلف مناطق المملكة خلال السنوات المقبلة، قال تافيسين إنه يمكن لتايلاند أن تقدم الدعم اللازم في هذا المجال، لا سيما عبر تصدير الشتلات لإعادة زراعتها.

وتعدّ اليد العاملة إحدى أهم صادرات تايلاند، حيث للعمال التايلانديين وجود في العديد من القطاعات حول العالم. وبحسب تافيسين، زعزع التصعيد الأخير للصراع بين إسرائيل وحركة «حماس» بشكل كبير واحدةً من أكثر الأسواق ربحيةً بالنسبة للعمالة التايلاندية المتخصّصة، أي إسرائيل. فخلال هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قُتل حوالي 1200 شخص، كان من بينهم ما لا يقلّ عن 39 مواطنًا تايلانديًا. كما احتجز نحو 240 رهينةً، من بينهم 32 عاملًا تايلانديًا، تمّ إطلاق سراح 23 منهم حتّى الآن نتيجة صفقة منفصلة للإفراج عن الرهائن أبرمت بين تايلاند و«حماس» بوساطة أطراف ثالثة.

رئيس وزراء تايلاند سريتا تافيسين (رويترز)

ويريد تافيسين إطلاق سراح باقي الرهائن. وتساءل قائلًا: «هل نحن جزء من الصراع؟ لسنا طرفًا في الصراع. كلّ ما نريده هو تحقيق السلام والازدهار المشترك. كلّ ما نريده هو ضمان سلامة شعبنا. كلّ ما نريده هو إطلاق سراح الرهائن الثمانية المتبقين. ولا زلنا، حتّى هذه اللّحظة، لا نعرف ما إذا كانوا على قيد الحياة». وتساءل: «هل نحن المسؤولون عمّا حصل؟ كلا. فقد ذهبنا إلى هناك للمساعدة في تنمية الاقتصاد. إن هؤلاء الأشخاص ليسوا بجواسيس. كانوا يعملون في الحقل».

وعلى رغم الأذى الذي لحق بالمواطنين التايلانديين خلال هجوم السابع من أكتوبر، ضمّت تايلاند صوتها إلى صوت الدول الأخرى التي دعت إسرائيل إلى وقف حملتها الانتقامية ضدّ قطاع غزة، مُتمسّكةً بالتالي بسياسة الحياد التي تنتهجها. وقال تافيسين: «نريد وقفًا لإطلاق النار. (عندما أتحدّث مع قادة العالم، أسألهم): كيف يمكن إنهاء هذا الصراع؟ كيف يمكننا أن نتحدث عن الطاقة الخضراء والتنمية الاقتصادية والتجارة والتبادل التجاري، بينما الناس يموتون؟ ليس من الصواب فعل ذلك، ليس من الصواب».

ولا يُعدّ هذا الصراع الإقليمي الوحيد الذي وجد فيه العمال التايلانديون أنفسهم بحاجة للإجلاء. فعندما بدأت الأزمة في السودان في 15 أبريل (نيسان) الماضي، فتحت السعودية مجالها الجوي أمام القوات الجوية الملكية التايلاندية لإجلاء مواطنيها من السودان، وهو أمر أكد تافيسين أنه موضع امتنان.

ويشكّل المسلمون حوالي 5 في المائة من سكان تايلاند، حيث يسافر آلاف المواطنين التايلانديين كلّ عام إلى السعودية لأداء مناسك الحج. وقد استمرّ هذا الأمر حتّى في السنوات الطويلة التي كانت خلالها العلاقات بين البلدين مقطوعةً. وأشار هنا إلى أنه «كان الملايين من الأشخاص يتوجّهون إلى مكة المكرمة».

كما قال المسلمون التايلانديون الذين تحدثوا إلى صحيفة «عرب نيوز» إنهم يرغبون في أن تزيد الحكومة عدد الحجاج المسموح لهم بالسفر إلى السعودية لأداء مناسك الحج وعدد الرحلات الجوية المُتوفّرة. وتعليقًا على ذلك، قال تافيسين: «لم أكن على علم بأن الأعداد ليست كافيةً. وبالطبع، لديهم رحلاتهم الجوية المتوجّهة إلى هناك. كوننا حكومة أتت من الشعب، علينا الاستماع إلى ما يحتاجه الناس».

شهدت المقاطعات الجنوبية ذات الأغلبية المسلمة في تايلاند عقودًا من الاضطرابات. ونتيجةً لذلك، يقول تافيسين إن حكومته تعمل على تعزيز الاقتصاد المحلي في الجنوب من أجل تشجيع الاستقرار في تلك المنطقة. وأضاف: «إذا ما كنتم تتابعون أخبار تايلاند لفترة طويلة، ستكونون على علم بأنه كان هناك مشكلة في أقصى الجنوب، حيث شهدت ثلاث أو أربع مقاطعات في أقصى الجنوب بعض المشاكل مؤخّرًا». وشدّد قائلًا: «أودّ أن يحصل عدد أكبر من الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية على دخل أكبر من المنتجات الزراعية».


مقالات ذات صلة

جرائم غزة تكرّس نتنياهو «مطلوباً دولياً»

شؤون إقليمية فلسطيني داخل «مستشفى كمال عدوان» يحمل طفلاً من ضحايا غارة إسرائيلية استهدفت بيت لاهيا شمال قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

جرائم غزة تكرّس نتنياهو «مطلوباً دولياً»

في سابقة تاريخية، كرست مذكرة اعتقال أصدرتها «المحكمة الجنائية الدولية»، أمس، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «مطلوباً دولياً» جراء اتهامه مع آخرين

«الشرق الأوسط» (عواصم)
المشرق العربي هوكستين خلال اجتماعه مع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش هرتسي هليفي (وزارة الدفاع)

إسرائيل تستقبل هوكستين بغارات على ضاحية بيروت

استقبلت إسرائيل، المبعوث الأميركي آموس هوكستين، بغارات مكثفة على الضاحية الجنوبية لبيروت ومدينة صور في الجنوب، بعد ساعات على وصوله إلى تل أبيب قادماً من بيروت،

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي كتائب «حزب الله» العراقية رهنت مصير «وحدة الساحات» بما يقرره «حزب الله» اللبناني (إكس)

العراق يحمّل أميركا مسؤولية أي هجمات إسرائيلية عليه

أفادت الحكومة العراقية بأن الولايات المتحدة، تتحمّل، وفقاً لاتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية، مسؤولية «الردع والرد على أي هجمات خارجية تمس الأمن

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي جنود إسرائيليون خلال العملية البرية داخل قطاع غزة (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد جنوده في معارك بشمال غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الخميس، مقتل أحد جنوده في معارك في شمال قطاع غزة. وأضاف أن الجندي القتيل يدعى رون إبشتاين (19 عاماً) وكان ينتمي إلى لواء غيفعاتي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الهولندي كاسبار فيلدكامب (أ.ب)

إلغاء زيارة وزير الخارجية الهولندي لإسرائيل

ذكرت وكالة الأنباء الهولندية «إيه إن بي»، اليوم الخميس، أن زيارة مقررة لوزير الخارجية الهولندي إلى إسرائيل أُلغيت.

«الشرق الأوسط» (أمستردام )

باكستان: 38 قتيلاً في هجمات على حافلات ركاب

شرطي باكستاني يقف خارج مركز تعرّض لأضرار جزئية بسبب احتجاجات (إ.ب.أ)
شرطي باكستاني يقف خارج مركز تعرّض لأضرار جزئية بسبب احتجاجات (إ.ب.أ)
TT

باكستان: 38 قتيلاً في هجمات على حافلات ركاب

شرطي باكستاني يقف خارج مركز تعرّض لأضرار جزئية بسبب احتجاجات (إ.ب.أ)
شرطي باكستاني يقف خارج مركز تعرّض لأضرار جزئية بسبب احتجاجات (إ.ب.أ)

كشف نديم أسلم تشودري، رئيس وزراء إقليم خيبر بختون خوا الباكستاني، إن 38 قتيلاً على الأقل و29 مصاباً سقطوا عندما فتح مسلحون النار على حافلات ركاب الخميس، وفقاً لوكالة «رويترز».

وأضاف تشودري أن امرأة وطفلاً من بين قتلى الهجوم الذي وقع في منطقة كورام القبلية بشمال غربي البلاد.

وأردف قائلاً: «إنها مأساة كبرى، ومن المرجح أن يرتفع عدد القتلى. والتوتر مستمر بين الشيعة والسُّنة منذ عقود بسبب نزاع على أراضٍ في المنطقة القبلية المتاخمة لأفغانستان». ولم تعلن أي جماعة حتى الآن مسؤوليتها عن الهجوم.

وقال زيارات حسين، وهو واحد من سكان باراتشينار، لـ«رويترز» عبر الهاتف: «كانت هناك قافلتان من حافلات الركاب، إحداهما تنقل الركاب من بيشاور إلى باراتشينار، والأخرى من باراتشينار إلى بيشاور، عندما فتح مسلحون النار عليهما».

وأضاف أن «أقارب له كانوا في القافلة المسافرة من بيشاور».

وندد الرئيس الباكستاني، آصف علي زرداري، في بيان بشدة بالهجوم.