«شريك مُغرٍ على طريق الحرير»... لماذا تعزز الصين نفوذها في أفغانستان؟

تُظهر هذه الصورة التي تم التقاطها في 28 يناير 2024 صورة عامة لمجمع تشاينا تاون الذي يضم العديد من الشركات الصينية في كابل بأفغانستان (أ.ف.ب)
تُظهر هذه الصورة التي تم التقاطها في 28 يناير 2024 صورة عامة لمجمع تشاينا تاون الذي يضم العديد من الشركات الصينية في كابل بأفغانستان (أ.ف.ب)
TT

«شريك مُغرٍ على طريق الحرير»... لماذا تعزز الصين نفوذها في أفغانستان؟

تُظهر هذه الصورة التي تم التقاطها في 28 يناير 2024 صورة عامة لمجمع تشاينا تاون الذي يضم العديد من الشركات الصينية في كابل بأفغانستان (أ.ف.ب)
تُظهر هذه الصورة التي تم التقاطها في 28 يناير 2024 صورة عامة لمجمع تشاينا تاون الذي يضم العديد من الشركات الصينية في كابل بأفغانستان (أ.ف.ب)

في وقت لم تعترف معظم دول العالم بحكومة طالبان منذ عودتها إلى الحكم، تعمل الصين على تنمية روابطها الدبلوماسية والاقتصادية مع أفغانستان، ما يثير ارتياح كابول، وفق تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.

تحافظ بكين على علاقات جيدة مع دولة يعتبرها معظم العالم منبوذة، وتعقد مع قادتها بانتظام اجتماعات وزارية ومحادثات حول طرق تنمية التجارة الثنائية والاستثمار الصيني الضخم في النحاس وفتح طريق بين البلدين.

وفيما تقلّل من أهمية شكليات هذه الروابط المتنامية، تعمل بكين على زيادة استثماراتها في أفغانستان، وهي علاقة يمكن أن تعود بالمنفعة على الطرفين، وفق ما يقول محللون ودبلوماسيون.

وقالت المحللة في مؤسسة البحوث الاستراتيجية في باريس فاليري نيكيه إن «أفغانستان منطقة ذات تحديات لكن السمة المميزة للصينيين هي أنهم يذهبون إلى حيث لا يذهب أحد، في محاولة لتحقيق مكاسب».

وأضافت «الصينيون يمدّون أيديهم إلى الأفغان الذين يحتاجون إلى كل المساعدات الممكنة».

وفي سبتمبر (أيلول)، أصبحت الصين أول بلد يعيّن سفيراً في كابول، والثلاثاء، قدّم مبعوث حكومة طالبان إلى بكين، مع عشرات الدبلوماسيين الآخرين، أوراق اعتماده للرئيس الصيني شي جينبينغ.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين "أعتقد أنه عندما يتم التطرق إلى مخاوف جميع الأطراف بشكل أكبر، فإن الاعتراف الدبلوماسي بالحكومة الأفغانية سيأتي بشكل طبيعي".

والشهر الماضي، انضمت الصين إلى روسيا في الامتناع عن تصويت في مجلس الأمن الدولي يدعو، من بين أمور أخرى، إلى تعيين مبعوث خاص إلى أفغانستان، وهو أمر عارضته بشدة سلطات طالبان.

وتشمل توقعات المجتمع الدولي السماح للفتيات والنساء بالدراسة والعمل وتشكيل حكومة أكثر شمولا وتوفير مقدار أكبر من الحماية للأقليات.

لكن النهج الذي تتبعه الصين، تبادل سفراء دون اعتراف رسمي، يسمح لبكين بالحفاظ على علاقاتها مع أفغانستان مع عدم الانفصال عن مواقف بقية العالم.

وأوضحت المحللة الاستراتيجية نيكيه لوكالة الصحافة الفرنسية «أساسا، الصين لا تهتم بحقوق المرأة، وإذا كانت لديها مصلحة في التقرب من نظام طالبان، فهي لن تفرض شروطا».

كذلك، لم تقل سلطات طالبان شيئا عن سوء المعاملة وانتهاكات الحقوق المفترضة التي تتعرض لها أقلية الإيغور المسلمة في منطقة شينجيانغ الصينية المتاخمة لأفغانستان.

موارد طبيعية

أما هدف الصين من كل ذلك فيتلخّص في القدرة على الوصول إلى ثروات أفغانستان من الموارد المعدنية غير المستغلة، وفتح سوق للسلع الصينية.

وقال الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في جامعة كاردان في كابول جلال بزوان إن «الموارد الطبيعية الهائلة في أفغانستان، مثل النحاس والليثيوم والأتربة النادرة، لديها إمكانات اقتصادية كبيرة للصين».

وعقب تعيينه في ديسمبر (كانون الأول) سفيرا لأفغانستان لدى بكين، أجرى بلال كريمي محادثات مع شركة "إم سي سي" التي تملكها الدولة الصينية حول ميس أيناك، ثاني أكبر مخزون للنحاس في العالم، والواقع على مسافة نحو 40 كيلومترا من العاصمة كابول.

وكانت «إم سي سي» حصلت على حقوق الاستغلال في العام 2008 في مقابل حوالي 3.5 مليارات دولار، لكن المشروع عُلّق بسبب الحرب وانعدام الأمن.

كما تسبب اكتشاف بقايا أثرية بوذية في الموقع بتعقيد العملية.

وقال الناطق باسم وزارة المناجم الأفغانية همايون أفغان إن «هذه الأصول التاريخية تُعدّ كنزا ثقافيا لأفغانستان وجزءا من هويتها»، بعد 23 عاما من تفجير طالبان تمثالَي بوذا في باميان، في حادث شكّل صدمة للعالم.

كما أن الصين المتعطشة للمواد الهيدروكربونية، مهتمّة أيضا بالنفط الأفغاني.

وتقول وزارة المناجم إنه منذ إعادة التفاوض في يناير (كانون الثاني) 2023 على عقد قديم في حوض أمو في شمال غرب البلاد، بدأت عمليات استخراج النفط في 18 بئرا.

كما أعلنت السلطات الأفغانية خطط شركات صينية لاستثمار نصف مليار دولار في الطاقة الشمسية في البلاد.

طرق الحرير الجديدة

وقال الناطق باسم وزارة الأشغال العامة أشرف حق شناس إن طريقا طوله 300 كيلومتر قيد الإنشاء سيربط بدخشان بالحدود الصينية.

وتتشارك الدولتان في حدود تمتد على مسافة 76 كيلومترا فقط، لكن هذا الرابط الجديد سيعزز التجارة التي تبلغ قيمتها حاليا 1,5 مليار دولار سنويا.

لكنّ أمن الاستثمارات يبقى أمرا مهما جدا بالنسبة إلى الصين. فقد تسبب هجوم دامٍ نفّذه تنظيم «داعش» في ديسمبر 2022 على فندق في كابول يضم عددا من النزلاء الصينيين، بصدمة لبكين التي دعت سلطات طالبان إلى تعزيز الأمن.

وخلال فترة الحكم الأولى لطالبان بين عامَي 1996 و2001، استضافت الحركة مئات المسلّحين الإيغور من الصين، سجنت الولايات المتحدة 22 منهم لسنوات في غوانتانامو. وتخشى بكين من تهديد جديد من هذه الأقلية في الصين، لكن أفغانستان تؤكد للصين أنها ستمنع «استخدام أراضيها لشن هجمات إرهابية على الدول المجاورة».

وفي إطار هذا التقارب، تمارس بكين «قوتها الناعمة» على أفغانستان عبر تقديم مساعدات إنسانية، خصوصا عقب الزلازل القاتلة الأخيرة.

حتى أنه يوجد في كابول «حي صيني» بسيط، وهو عبارة عن مبنيَين من ثمانية طوابق حيث تباع منتجات صينية رخيصة.

وكُتبت عبارة «الحزام والطريق» بالأحرف الصينية في أعلى المبنيين، في إشارة إلى مشروع البنى التحتية الضخم الذي يربط الصين بآسيا الوسطى وبقية العالم.

كما قد تدمج أفغانستان في الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني الذي يشكل حجر الزاوية في المشروع والذي يؤدي إلى ميناء غوادار الاستراتيجي الذي يمنح الصين منفذا على بحر العرب في جنوب باكستان.

وختم الأستاذ المساعد بجامعة كاردان الأفغانية جلال بزوان قائلا إن «الموقع الاستراتيجي لأفغانستان على طول مبادرة الحزام والطريق يجعلها شريكا مغريا».


مقالات ذات صلة

اتفاقية لترجمة الثقافة الصينية ونشرها في الخليج

ثقافة وفنون جانب من توقيع اتفاقية ونشر عدد من الكتب الصينية للعربية بين «دار كلمات» وجامعة الدراسات الأجنبية ببكين (الشرق الأوسط)

اتفاقية لترجمة الثقافة الصينية ونشرها في الخليج

يشمل الاتفاق ترجمة الكتب الفلسفية والتاريخية التي تعنى بالجانبين الصيني والعربي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق صورة تظهر الموجات فوق الصوتية التي التقطت في أثناء حمل المرأة وفق مستشفى شيآن (وسائل إعلام صينية)

حالة نادرة... امرأة بـ«رحمين» تنجب توأمين

أنجبت امرأة تعاني من حالة نادرة تتمثل في وجود «رحمين» توأمين؛ واحداً من كل رحم، في مستشفى بالصين.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الاقتصاد الرئيس الصيني شي جينبينغ في كلمة يوم الاثنين بمناسبة الذكرى 75 لتأسيس جمهورية الصين الشعبية (أ.ب)

الرئيس الصيني يحذر من «عقبات» في «طريق التقدم»

قال الرئيس الصيني شي جينبينغ يوم الاثنين، إن الصين «تتقدم للأمام»، ولكن ستكون هناك «عقبات وصعوبات».

«الشرق الأوسط» (بكين)
آسيا وزير الخارجية الصيني وانغ يي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 28 سبتمبر 2024 (رويترز)

وزير خارجية الصين يطالب بوقف شامل لإطلاق النار في الشرق الأوسط دون تأخير

قال وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، اليوم (السبت)، إنه يجب ألا يكون هناك أي تأخير في التوصل إلى «وقف شامل لإطلاق النار» في الشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا جندي روسي يطلق طائرة مُسيرة صغيرة خلال أحد التدريبات (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

الاتحاد الأوروبي قلق إزاء تقرير عن إنتاج روسيا طائرات مُسيرة بدعم صيني

قالت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي إن التكتل يساوره «قلق بالغ» إزاء تقرير ذكر أن روسيا تطوِّر برنامج طائرات مُسيرة هجومية بدعم من الصين.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

روسيا لرفع «طالبان» من لائحة الإرهاب... وتعارض نشر قوات أجنبية في أفغانستان

صورة من «نوفوستي» لاجتماع سابق لـ«صيغة موسكو»
صورة من «نوفوستي» لاجتماع سابق لـ«صيغة موسكو»
TT

روسيا لرفع «طالبان» من لائحة الإرهاب... وتعارض نشر قوات أجنبية في أفغانستان

صورة من «نوفوستي» لاجتماع سابق لـ«صيغة موسكو»
صورة من «نوفوستي» لاجتماع سابق لـ«صيغة موسكو»

سارت موسكو خطوة إضافية نحو تطوير العلاقات مع حكومة حركة «طالبان» في أفغانستان. وأكد مسؤولون روس أن قرار رفع الحركة من قوائم الإرهاب الروسية قد «اتخذ على أعلى المستويات».

ورعت وزارة الخارجية الروسية، الجمعة، الاجتماع السادس لمجموعة العمل الدولية، التي تحمل تسمية «صيغة موسكو»، وهي تناقش بشكل دوري الملفات المتعلقة بالوضع في أفغانستان.

وأفادت الوزارة في بيان بأن المشاركين «أعربوا عن الاهتمام بتطوير مشروعات البنية التحتية الإقليمية، وأشاروا أيضاً إلى آفاق التعاون الاستثماري».

روسيا دعت الدول الغربية إلى رفع العقوبات المفروضة على أفغانستان (وزارة الخارجية الروسية)

وأوضح البيان أن «المشاركين في مؤسسة التمويل الدولية أبدوا اهتمامهم بتطوير مشروعات البنية التحتية الإقليمية بمشاركة أفغانستان، وأشاروا إلى آفاق التبادلات الاقتصادية والتجارية والتعاون الاستثماري مع كابل».

وأكدت الأطراف المشاركة، وفقاً للبيان الروسي، دعمها وجود أفغانستان دولةً مستقلة وموحدة وسلمية، وأعربت عن استعداد تقديم المساعدة لكابل في مجالات مكافحة الإرهاب والمخدرات.

وأشارت الوزارة إلى أن الأطراف نوهت أيضاً بضرورة تقديم مساعدة إنسانية دولية لأفغانستان، وهو أمر قالت موسكو: «إنه لا ينبغي تسييسه».

أحد أفراد أمن «طالبان» يتحدث مع بائع أعلام خارج مسجد عيد جاه في كابل 20 أبريل 2023 (أ.ف.ب)

وبدا أن الاهتمام الرئيسي انصّب خلال اللقاءات على تعزيز المسار الذي أطلقته موسكو لرفع الحركة الأفغانية عن قوائم الإرهاب.

وقال زامير كابولوف، الممثل الرئاسي الروسي في الشأن الأفغاني، إن موسكو تأمل في أن يجري بالمستقبل القريب جداً الإعلان عن رفع حركة «طالبان» من قائمة المنظمات الإرهابية بالاتحاد الروسي. مؤكداً أن القرار بهذا الشأن قد اتخذ على أعلى المستويات.

وأضاف: «الأمر لا يتعلق بالرغبة. لقد جرى اتخاذ قرار أساسي بشأن هذه القضية. ويجب أن تتم هذه العملية في إطار القانون الروسي». وقال كابولوف عقب الاجتماع: «إن القرار النهائي سيتم الإعلان عنه في المستقبل القريب جداً».

يقف أفراد أمن «طالبان» حراسة على طول أحد الطرق عشية الذكرى الثالثة لاستيلاء الحركة على أفغانستان 13 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

في غضون ذلك، أعلنت الخارجية الروسية أن الوزير سيرغي لافروف، الذي حضر الاجتماع، أجرى على هامشه محادثات مع وزير الخارجية الأفغاني أمير متكي، ركّزت على العمل المشترك في مشروعات استراتيجية، خصوصاً في مجالي الطاقة والزراعة.

وزير خارجية «طالبان» بالإنابة أمير خان متقي يتحدّث خلال مؤتمر صحافي في كابل 14 سبتمبر 2021 (رويترز)

ووفقاً للبيان الروسي، فقد «تم التأكيد خلال لقاء الوزيرين على المصلحة المشتركة لروسيا وأفغانستان في الحفاظ على علاقات سياسية موثوقة، وبناء تعاون تجاري واقتصادي متبادل المنفعة، مع التركيز بشكل خاص على تطوير المشروعات في مجالات الطاقة والزراعة».

وأشار إلى «الدور القيادي لآليات التفاوض الإقليمية بشأن أفغانستان، وفي المقام الأول (صيغة موسكو) للمشاورات»، مشيراً إلى «النتائج العكسية للإملاءات الخارجية بشأن قضايا التنمية الداخلية في أفغانستان».

وكان لافروف قد ركّز في كلمته الاستهلالية للقاء «صيغة موسكو» على معارضة بلاده نشر بنى تحتية عسكرية لدول ثالثة في أفغانستان، وفي الدول المجاورة لها.

وأضاف: «مع الأخذ في الاعتبار المناقشات الجارية في الغرب، نودّ أن نؤكد مرة أخرى عدم قبول عودة البنية التحتية العسكرية لدول ثالثة إلى أراضي أفغانستان، أو نشر منشآت عسكرية جديدة في الدول المجاورة تحت أي ذريعة».

وتابع وزير الخارجية الروسي، أنه كما يتبين من التاريخ، فإن استعراض القوة في هذه المنطقة من قبل لاعبين خارجيين لا يؤدي إلا إلى تفاقم المشاكل المحلية.

وشدد لافروف على ضرورة «تقديم المساعدة لأفغانستان في الحرب ضد التهديد الإرهابي المستمر هناك».

وأضاف: «بالطبع، لا يزال نطاق المهام التي لم يتم حلها، والتي تواجه كابل، في مجال مكافحة الإرهاب كبيرًا. ولا تزال مجموعات إرهابية مختلفة موجودة في أفغانستان أو تشنّ غارات من الخارج. ومن مصلحتنا المشتركة تزويد السلطات الأفغانية بما يلزم لتعزيز قدراتها في هذا الشأن».

ويعد هذا الاجتماع السادس لـ«صيغة موسكو» للمشاورات حول القضايا الأفغانية، التي أطلقتها موسكو في العام 2017، وتشارك فيها إلى جانب روسيا، الهند وإيران وكازاخستان وقيرغيزستان والصين وباكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان.

ومهّدت موسكو لجولة المشاورات، بالإعلان عن جدول أعمال، يشمل مناقشة قضايا تعزيز عملية المصالحة الوطنية الأفغانية، وتوسيع التفاعل بين دول المنطقة وكابل في المجالات السياسية والاقتصادية، ومكافحة الإرهاب، والمخدرات.