حرب أوكرانيا تخيّم على أعمال «قمة العشرين»

غوتيريش يأسف لاتساع الخلافات والانقسام بين الدول

تأهب أمني في شوارع نيودلهي (أ.ب)
تأهب أمني في شوارع نيودلهي (أ.ب)
TT

حرب أوكرانيا تخيّم على أعمال «قمة العشرين»

تأهب أمني في شوارع نيودلهي (أ.ب)
تأهب أمني في شوارع نيودلهي (أ.ب)

يتوافد زعماء دول مجموعة العشرين إلى نيودلهي للمشاركة في قمة العشرين، بينما يأمل مضيفهم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إظهار النفوذ الدبلوماسي المتنامي لبلاده، وتسهيل الحوار بشأن أوكرانيا، في غياب الرئيسين الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين. وعلى وقع تحذير أممي من تسبب الانقسامات الدولية بـ«كارثة»، سيبحث القادة قضايا خلافية مثل الحرب الروسية على أوكرانيا وإعادة هيكلة الديون، في القمة التي تستمر يومين بدءاً من يوم السبت.

وتأمل الهند في صدور بيان ختامي عن قمة المجموعة التي تتألف من 19 دولة والاتحاد الأوروبي، وتشكل نحو 85 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتضم ثلثي سكان العالم، لكن الخلافات العميقة بشأن الحرب الروسية في أوكرانيا وسبل مساعدة الدول الناشئة على مواجهة تغير المناخ قد تعرقل التوصل إلى اتفاق.

تحذير أممي

حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، زعماء مجموعة العشرين، من أن العالم يواجه مخاطر النزاع مع اتساع الانقسامات بين الدول. وقال غوتيريش في نيودلهي عشية انعقاد القمة: «إذا كنا بالفعل أسرة عالمية واحدة، فإننا نشبه اليوم أسرة تعجز عن أداء وظيفتها على النحو الصحيح». وأضاف أن «الانقسامات تزداد، والتوترات تشتعل، والثقة تتآكل، وكل هذا يهدد بالتشرذم ومن ثم المواجهة في نهاية المطاف».

حذر الأمين العام للأمم المتحدة من تداعيات الانقسامات الدولية (إ.ب.أ)

وتابع المسؤول الأممي: «مثل هذا الانقسام سيكون مقلقاً للغاية في أحسن الأوقات، لكنه في عصرنا هذا ينذر بكارثة. عالمنا يمر بلحظة انتقالية صعبة. فالمستقبل متعدد الأقطاب، ولكن مؤسساتنا المتعددة الأطراف تعكس عصراً مضى». وأضاف أن «البنية المالية العالمية عفا عليها الزمن، ومختلة وظيفياً، وغير عادلة. إنها تتطلب إصلاحاً بنيوياً عميقاً، وبوسعنا أن نقول الأمر نفسه عن مجلس الأمن الدولي». ويتغيب الرئيس الصيني شي جينبينغ عن اجتماع مجموعة العشرين، في وقت تتصاعد فيه التوترات التجارية والجيوسياسية مع الولايات المتحدة والهند التي تشترك مع الصين بحدود طويلة ومتنازع عليها. كما أدت العزلة الدبلوماسية إلى إبعاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الحضور، على الرغم من جهود موسكو لتخفيف وطأة الإدانة الدولية لحربها في أوكرانيا.

توافد القادة

وصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى نيودلهي، حيث من المتوقّع أن يجتمع برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي زار البيت الأبيض في يونيو (حزيران).

بايدن وصل إلى نيودلهي مساء الجمعة (أ.ب)

وتسعى الولايات المتحدة لتعزيز علاقاتها مع الهند للتصدي لنفوذ الصين في آسيا، وذلك رغم خلافاتهما بشأن روسيا، إذ لم تنضم الهند إلى الدول التي فرضت عقوبات على موسكو بعد غزو أوكرانيا.

كما وصل إلى العاصمة الهندية رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك المنحدر من أصول هندية، برفقة زوجته أكشاتا مورتي، ابنة أحد كبار أثرياء الهند، وقاما بزيارة طلاب بالمجلس الثقافي البريطاني بنيودلهي.

وبالتزامن مع وصول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي يقود وفد بلاده إلى القمة بدلاً من الرئيس بوتين، أكدت وزارة الخارجية الروسية العمل «بشكل وثيق مع كل دول مجموعة العشرين... لمواجهة محاولات لتفسير كل المشكلات الإنسانية والاقتصادية في العالم حصراً من خلال النزاع في أوكرانيا».

انقسامات حادة

في غياب الرئيسين الروسي والصيني، يسعى بايدن لاستغلال القمة التي يرأسها مودي لتكريس أهمية مجموعة العشرين كمنتدى رئيسي للتعاون الاقتصادي العالمي، رغم انقساماتها. وقالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، خلال مؤتمر صحافي على هامش القمة في الهند، إن الصين تواجه «مشكلات اقتصادية مختلفة»، لكن لديها أيضاً «هامش مناورة معين للتعامل معها». وأضافت: «نحن ندرك المخاطر التي تهدد النمو العالمي»، مشددة على أن «التأثير السلبي الأكبر يأتي من حرب روسيا ضد أوكرانيا». لكنها أضافت أنه رغم ذلك «فوجئت بقوة النمو العالمي والصمود الذي أظهره الاقتصاد العالمي»، كما نقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية.

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لدى وصوله إلى مقر إقامته بنيودلهي (رويترز)

وعلى غرار قمة العام الماضي في بالي، تبدو مجموعة العشرين منقسمة بشكل حادّ حول حرب أوكرانيا، إلا أن الهند تسعى لتسليط الضوء على أصوات الدول النامية التي تهتم بأسعار الحبوب أكثر من الإدانات الدبلوماسية لموسكو.

وخلال الاجتماعات الوزارية التي سبقت القمة، فشلت جهود مودي في دفع زعماء مجموعة العشرين إلى تجنب انقساماتهم لمعالجة قضايا عالمية حاسمة، بما فيها إعادة هيكلة الديون العالمية وارتفاع أسعار السلع الأساسية عقب غزو روسيا لأوكرانيا. وفي هذا الصدد، قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال للصحافيين في نيودلهي، إنه «من المخزي أن تقوم روسيا، بعد الانسحاب من مبادرة تصدير الحبوب في البحر الأسود بمهاجمة الموانئ الأوكرانية».

مودي لدى استقباله رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة (إ.ب.أ)

وبعد أشهر من المفاوضات المكثّفة، تأمل الهند في اتفاق الدول المشاركة في القمة على صيغة نهائية للبيان الختامي بحلول الأحد. وفي الاجتماعات الوزارية السابقة، اختلفت الصين وروسيا بشأن فقرات تتعلق بحرب أوكرانيا. وقال المفاوض الهندي أميتاب كانت للصحافيين في نيودلهي: «لا نزال نعمل من أجل التوصل لتوافق».

توسيع التكتل

وفي المقابل، لقيت دعوة مودي لتوسيع مجموعة العشرين «بضم الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً» ترحيباً واسعاً. وقال ميشال: «يسعدني أن أرحب بالاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وأنا فخور بأن الاتحاد الأوروبي تفاعل بشكل إيجابي لدعم هذا الترشيح»، قبل أن يضيف: «لننتظر القرار. لكنْ هناك شيء واحد واضح: الاتحاد الأوروبي يدعم عضوية أفريقيا في مجموعة العشرين».

جانب من وصول الرئيس المصري إلى نيودلهي للمشاركة في أعمال قمة العشرين (إ.ب.أ)

كذلك، دعا رئيس الوزراء الهندي قادة مجموعة العشرين إلى مساعدة الدول النامية مالياً وتقنياً لمكافحة تغير المناخ.

تحصينات أمنية

حوّلت السلطات الهندية مركز نيودلهي إلى قلعة محصّنة، استعداداً لاستقبال الوفود المشاركة. ونشرت قوات خاصة وسيارات مصفحة، بينما يشارك عشرات آلاف عناصر الأمن في العمليات الأمنية، بما في ذلك قنّاصة انتشروا على الأسطح وتكنولوجيا مضادة للمسيّرات.

تأهب أمني في شوارع نيودلهي (أ.ب)

وخلال الأسابيع الماضية، تدرّب حراس هنود يتولون مهمة مكافحة الإرهاب، ويطلق عليهم «الهرر السوداء»، على عمليات الانتشار السريع من المروحيات والهبوط باستخدام حبال على أسطح فنادق ينزل فيها قادة الدول. وفي محاولة لتخفيف الازدحام المروري، صدرت أوامر بإغلاق المؤسسات التجارية وأعلنت السلطات عن عطلة، ما أدى إلى تحول الطرقات المكتظة بالسيارات إلى شوارع هادئة، لا تُسمع فيها حتى أبواق عربات «ريكشو».

وخصصت حكومة مودي مركز «بهارات ماندابام» للمؤتمرات الذي جرى تجديده مؤخراً، مركزاً لاجتماعات القمة. ويطلّ هذا المركز الكبير على نهر قرب أبراج «قلعة برورانا» العائدة إلى القرن السادس عشر، إضافة إلى نصب «راج غات» التذكاري حيث جرى إحراق جثّة المهاتما غاندي، وحيث ينوي قادة مجموعة العشرين غرس أشجار.

إلى جانب الاستعدادات الأمنية واللوجيستية، أطلقت السلطات الهندية حملة لتجميل منطقة مدينة نيودلهي التي تعد نحو 30 مليون نسمة منذ تولّت الهند رئاسة مجموعة العشرين العام الماضي. وتأمل السلطات في تغيير سمعة المدينة الضخمة المعروفة بتلوّثها وطرقاتها التي تسودها الفوضى.

تراجع الازدحام المروري بشكل كبير بين 5 و8 سبتمبر قبل انعقاد قمة العشرين في نيودلهي (رويترز)

وأفاد مسؤولون من البلدية بأن أكثر من 4000 مشرّد يعيشون تحت الجسور وعلى نواصي الطرقات وسط المدينة جرى نقلهم إلى «ملاجئ» قبيل القمة، وفق وكالة الصحافة الفرنسية. كما أعيد تشغيل عدد من النوافير المتوقفة منذ مدة طويلة، بينما أعيد طلاء الإشارات على جوانب الطرقات بعدما تلاشت على مر السنوات.

مكافحة القردة والبعوض

نشر فريق يضم أكثر من 30 شخصاً يتولون مكافحة القردة ونصب مجسّمات للقرود لمنعها من أكل الزهور التي وضعت لاستقبال قادة العالم. وتشكّل القردة تهديداً كبيراً للمدينة، إذ كثيراً ما تخرّب الحدائق والمكاتب وأسطح المباني السكنية، حتى أنها تهاجم الناس من أجل الغذاء. ويقلّد الرجال أصوات قرد «اللنغور» العدائي، العدو الطبيعي لقرد «مكاك ريسوسي» الذي يعيث الفوضى في المناطق الحكومية الخضراء في العاصمة.

قردة في موقف سيارات بنيودلهي (أ.ف.ب)

تعاني نيودلهي أيضاً من مشكلتي حمى الضنك والملاريا، وهما مرضان ينتقلان من خلال البعوض. بالتالي، تقوم 8 فرق برش المبيدات في المواقع، حيث يرجّح أن يتكاثر البعوض في أنحاء موقع استضافة القمة، وفق ما ذكرت صحيفة «هندوستان تايمز». وقال مسؤول للصحيفة إنه جرى إطلاق مجموعات من سمك البعوض الذي يتغذّى على اليرقات قبيل المؤتمر في نحو 180 بحيرة ونافورة.


مقالات ذات صلة

الجيش الروسي يواصل تقدمه في شرق أوكرانيا ويعلن سيطرته على بلدة جديدة

أوروبا جندي روسي خلال أحد التدريبات (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

الجيش الروسي يواصل تقدمه في شرق أوكرانيا ويعلن سيطرته على بلدة جديدة

أعلن الجيش الروسي، الأحد، سيطرته على بلدة في شرق أوكرانيا؛ حيث يواصل تقدمه مقترباً من مدينة بوكروفسك الاستراتيجية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا عناصر الإطفاء الأوكرانيون يعملون على إخماد حريق شب بمنطقة سومي نتيجة قصف روسي في 30 أغسطس (رويترز)

روسيا وأوكرانيا تتبادلان الاتهامات بشن هجمات جوية على مناطق حدودية

أعلنت السلطات الأوكرانية، صباح الأحد، أن ضربة جوية روسية أسفرت عن سقوط قتيلين وعدد من الجرحى في مدينة سومي بشمال شرقي أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف - موسكو)
أوروبا رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني تلتقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

قوات موسكو تتقدّم في الشرق... وكييف تقصف مستودع ذخيرة

تواصل موسكو تقدمها في دونيتسك الواقعة في شرق أوكرانيا، في حين قوات كييف تقصف مستودع ذخيرة روسياً.

«الشرق الأوسط» (كييف) «الشرق الأوسط» (روما)
أوروبا أفراد الخدمة الأوكرانية يستخدمون كشافات ضوئية أثناء بحثهم عن طائرات من دون طيار في السماء فوق وسط المدينة أثناء غارة روسية بطائرة من دون طيار (رويترز)

أوكرانيا «قلقة» بعد تقارير عن نقل صواريخ باليستية إيرانية إلى روسيا

قالت وزارة الخارجية الأوكرانية اليوم (السبت) إنها تشعر بالقلق العميق بعد تقارير إعلامية عن احتمال نقل صواريخ باليستية إيرانية إلى روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رجل يتجول في سوق محلية بعد قصف في دونيتسك (رويترز)

الجيش الروسي يعلن سيطرته على بلدة في شرق أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت) سيطرته على بلدة في شرق أوكرانيا حيث يواصل تقدمه في مواجهته مع القوات الأوكرانية التي يفوقها عددا وتعاني من نقص في العتاد.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)

الإعصار «ياغي» يخلّف قتيلين و92 جريحاً في الصين... ويتجه نحو فيتنام

TT

الإعصار «ياغي» يخلّف قتيلين و92 جريحاً في الصين... ويتجه نحو فيتنام

شاحنة تظهر وسط الأمطار الغزيرة والرياح العاتية الناجمة عن إعصار «ياغي» (أ.ف.ب)
شاحنة تظهر وسط الأمطار الغزيرة والرياح العاتية الناجمة عن إعصار «ياغي» (أ.ف.ب)

خلّف الإعصار الكبير «ياغي» ما لا يقل عن قتيلين و92 جريحاً في جزيرة هاينان السياحية في جنوب الصين، وفق ما أفادت وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية اليوم (السبت).

وأدى الإعصار إلى هطول أمطار غزيرة وهبوب رياح قوية تجاوزت سرعتها 230 كم/ساعة، ما استدعى إجلاء نحو 460 ألف شخص، وفق محطة التلفزيون الحكومية «سي سي تي في».

رياح قوية تهب أثناء إعصار «ياغي» في هاينان بالصين (رويترز)

وفي مقاطعة قوانغدونغ المجاورة (جنوب)، قالت السلطات الجمعة إنها أجلت أكثر من 574 ألفاً من السكان إلى مناطق آمنة.

كما ألغى المطار في هايكو، عاصمة هاينان في شمال الجزيرة، كل الرحلات الجوية الوافدة والمغادرة السبت حتى الساعة 15:00 بالتوقيت المحلي، وفقاً لتلفزيون «سي سي تي في».

لقطة تُظهر الدمار الذي خلفه الإعصار القوي في هاينان بالصين (رويترز)

ويشهد جنوب الصين عادة أعاصير خلال الصيف والخريف تتشكّل في المحيطات الدافئة شرق الفلبين قبل أن تتجه غرباً.

سيارة تسير وسط الرياح القوية على طول طريق في هايكو بعد وصول الإعصار «ياغي» إلى اليابسة (أ.ب)

لكن مع تغيّر المناخ، بات من الأصعب توقع العواصف الاستوائية فيما ازدادت شدّتها، لتؤدي إلى أمطار غزيرة ورياح عاتية تتسبب بفيضانات وأضرار في السواحل، بحسب خبراء.

راكبو الدراجات النارية يكافحون بسبب الرياح القوية وسط إعصار «ياغي» في مدينة هاي فونغ (أ.ف.ب)

ويتوجه الإعصار «ياغي» نحو فيتنام بعد مروره في جنوب الصين، حيث يتوقع أن يضرب السبت مناطق الشمال وشمال الوسط حول منطقة خليج هالونغ المدرجة في لائحة «اليونيسكو» للتراث العالمي.