قد يتسبب الوجود الدبلوماسي المتنامي للهند في كابل الخاضعة لسيطرة حركة «طالبان» في تجدد المنافسة بين خصمي جنوب آسيا، نيودلهي وإسلام آباد، وهو ما قد يمثل مشكلة أمنية إضافية لنظام «طالبان» الهَش.
ولطالما تنافست باكستان والهند على النفوذ في أفغانستان، ويخشى البعض من أن يؤدي
قرار نيودلهي الاستراتيجي فتح خط اتصال دبلوماسي مع «طالبان» الأفغانية إلى إثارة موجة جديدة من المنافسة بين خصمي جنوب آسيا.
وكانت نيودلهي قد قررت في يونيو (حزيران) 2022 إرسال «فريق فني» إلى السفارة الهندية في أفغانستان لإعادة تأسيس وجودها الدبلوماسي في كابل للمرة الأولى منذ استيلاء حركة «طالبان» على السلطة، ومنذ ذلك الحين دأبت الحكومة الهندية على إرسال مساعدات إنسانية إلى كابل بشكل متكرر، وخصصت أموالاً لتنميتها ضمن ميزانيتها السنوية.
وكانت الحكومة الهندية قد قامت في عهد حكومة الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني بتنفيذ استثمارات ضخمة في قطاع الاتصالات السطحية في أفغانستان وذلك لضمان وصولها إلى الدولة غير الساحلية عبر الموانئ الإيرانية، ولكنها تمتلك أيضاً خططاً للوصول إلى اقتصادات آسيا الوسطى الغنية بالنفط والغاز.
تقويض الأهمية الاستراتيجية لباكستان
وبهذه الطريقة، يهدف خبراء التخطيط الاستراتيجي في الهند إلى تقويض الأهمية الاستراتيجية لباكستان، وبعد أن بدأت أفغانستان تنجرف نحو سيطرة «طالبان» العسكرية الكاملة، بدا أن استثمارات نيودلهي الضخمة في الطرق والاتصالات في كابل قد ضاعت هباءً، أو هكذا كان يخشى المسؤولون الهنود، ولكن يبدو أن هذه المخاوف باتت بلا أساس الآن بعد أن رحب نظام «طالبان» باهتمام الهند المتجدد بأفغانستان.
الهند تساعد أفغانستان بـ60 ألف طن قمح
وزعمت وزارة الخارجية الهندية أنه من أجل تجنب حدوث أزمة إنسانية في أفغانستان، «قدمت الهند 40 ألف طن من القمح براً عبر باكستان في فبراير (شباط) 2022 و20 ألف طن إضافية عبر ميناء (تشابهار) الإيراني في مارس (آذار) 2023 لتوزيعها من خلال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، إلى جانب 45 طناً من المساعدات الطبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، بما في ذلك الأدوية الأساسية المنقذة للحياة، والأدوية المضادة لمرض السُل، و500 ألف جرعة من لقاحات (كوفيد - 19)، وأطنان من مواد الإغاثة في حالات الكوارث، وغيرها من الإمدادات».
كما تضمنت ميزانية الهند السنوية لعام 2023 مخصصات لحزمة مساعدات تنموية بقيمة 25 مليون دولار لأفغانستان، وهو الأمر الذي لقي ترحيباً من قبل حركة «طالبان»، ووفق ما ورد، فقد طلبت الأخيرة من نيودلهي استكمال نحو 20 مشروعاً غير مكتمل لتطوير البنية التحتية في جميع أنحاء البلاد.
استباق التهديد الإرهابي القادم من كابل
ويبدو أن الهند تحاول استباق التهديد الإرهابي القادم من أفغانستان من خلال الاستثمار في كابل الخاضعة لسيطرة طالبان، إذ ترى نيودلهي أن معظم الجماعات المسلحة والإرهابية السُنية المتمركزة في أفغانستان تمثل تهديداً لأمنها، وقد كان مزيجاً من الأفكار والتقنيات الموجودة لدى الجماعات المسلحة المتمركزة في أفغانستان والتي يمكن وصفها بأنها إقليمية وكذلك عالمية.
فعلى سبيل المثال، يقع مقر تنظيم «داعش» في شرق وشمال أفغانستان، ولكنه تفاعل بشكل كامل مع الجماعات المسلحة التي تتخذ من باكستان مقراً لها مثل «لشكر جهنكوي» التي تتمركز الآن في جنوب أفغانستان، ونفذت الكثير من الهجمات الطائفية بالغة التأثير في إسلام آباد بما في ذلك في السند وبلوشستان.
وبالمثل، يخشى الهنود من أن فلول تنظيم «القاعدة»، التي تعد بمثابة ظل لكيانها السابق وفقاً لمسؤولين أميركيين، قد يصبحون أكثر جرأة ويحاولون أن يكونوا مؤثرين في الهجمات الإرهابية في كشمير التي تسيطر عليها نيودلهي، والتي تشهد الكثير من الاضطرابات السياسية المحلية المستمرة، كما تنظر نيودلهي أيضاً إلى «طالبان» الأفغانية بوصفها قوة مناهضة لها.
وتزداد الاضطرابات في علاقات باكستان مع «طالبان» يوماً بعد يوم، وذلك بعد أن رفضت الأخيرة الانفصال عن حركة «طالبان» الباكستانية، وحذر قائد الجيش الباكستاني الحركة الأفغانية من توفير مخابئ لنظيرتها الباكستانية.
مشاورات مع باكستان
ومع ذلك، أكد مسؤولون باكستانيون في تصريحات لصحيفة «الشرق الأوسط» أن حركة «طالبان» الأفغانية قد تشاورت مع المؤسسة الأمنية الباكستانية قبل أن تسمح للهند بإعادة فتح بعثتها الدبلوماسية في أفغانستان.
وقد يتخذ التنافس بين الهند وباكستان على النفوذ في أفغانستان بُعداً خطيراً، حيث تنخرط وكالات الاستخبارات في البلدين، بلا هوادة، في ألعاب تجسس لكسب النفوذ في بلد مزقته الحرب.