تحليل: أميركا تخسر نفوذها أمام الصين في جنوب شرق آسيا

عَلما الصين والولايات المتحدة خلال زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين لبكين السبت الماضي (أ.ف.ب)
عَلما الصين والولايات المتحدة خلال زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين لبكين السبت الماضي (أ.ف.ب)
TT

تحليل: أميركا تخسر نفوذها أمام الصين في جنوب شرق آسيا

عَلما الصين والولايات المتحدة خلال زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين لبكين السبت الماضي (أ.ف.ب)
عَلما الصين والولايات المتحدة خلال زيارة وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين لبكين السبت الماضي (أ.ف.ب)

شهدت السنوات الخمس الماضية نشاطاً عسكرياً ودبلوماسياً مكثفاً للصين في منطقة جنوب شرق آسيا، كما تفعل في الكثير من مناطق العالم.

وذكر تقرير للمحلل الأميركي جوشوا كورلانتزيك، نشرته وكالة الأنباء الألمانية، أن بكين عزّزت وجودها العسكري في بحر الصين الجنوبي، إلى جانب التوسع في نشر سفن الصين بالبحر، مع نشر قطع عسكرية لمنع سفن دول جنوب شرق آسيا الأخرى من الصيد في المياه الإقليمية لتلك الدول المطلة على البحر.

وتزايدت تهديدات الصين لتايوان ويتبنى الدبلوماسيون الصينيون في مختلف أنحاء العالم نهجاً عدوانياً يصل أحياناً إلى ما يعرف باسم دبلوماسية «الذئاب المحاربة». وعلى الرغم من أنه يمكن للمرء أن يتوقع أن يكون لذلك تأثيرات سلبية في وضع الصين في المنطقة، لكن العكس هو الصحيح.

وبحسب دراسة جديدة شاملة ومثيرة لمعهد لوي الأسترالي للأبحاث، فإن النفوذ الصيني في جنوب شرق آسيا زاد خلال السنوات الخمس الماضية. ليس هذا فقط، لكن تزايُد النفوذ الصيني يأتي على حساب الولايات المتحدة التي تشهد تراجعاً سريعاً في نفوذها في إحدى أهم ساحات التنافس بين بكين وواشنطن، بحسب كورلانتزيك في التحليل الذي نشره موقع مجلس العلاقات الخارجية الأميركي. واستخدم تقرير معهد لوي الصادر تحت عنوان «مشهد القوة في آسيا: الصين والولايات المتحدة في جنوب شرق آسيا»، مؤشرات عدة لقياس النفوذ الإقليمي للدولتين عبر أربع فئات، هي العلاقات الاقتصادية، والشبكات الدفاعية، والنفوذ الدبلوماسي والنفوذ الثقافي. وقال التقرير: إن الولايات المتحدة «تفقد نفوذها لصالح لصين في جنوب شرق آسيا خلال السنوات الأربع الماضية في الفئات الأربع». وأشارت دراسة لمعهد يوسف إسحاق، أو معهد دراسات جنوب شرق آسيا سابقاً، في سنغافورة، إلى أن استطلاعاً للرأي وجد أن أغلب المشاركين يرون أن الصين هي القوة الأكثر سيطرة اقتصادياً وسياسياً واستراتيجياً في جنوب شرق آسيا.

تأتي هذه التطورات لتكشف حجم تراجع النفوذ الأميركي، حيث كانت دراسة لمعهد لوي في عام 2018 تقول: إن الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر نفوذاً في ثلاث دول بالمنطقة، وإن نفوذ واشنطن وبكين في تايلاند كان متساوياً. المفارقة أن النفوذ الأميركي في جنوب شرق آسيا يتآكل على الرغم من أن الكثير من دول المنطقة مثل فيتنام وماليزيا وإندونيسيا، تشعر برعب واضح من تنامي التحركات العسكرية الصينية. هذه المخاوف ظهرت في دراسة معهد لوي التي قالت: إن الولايات المتحدة ما زالت القوة العسكرية المسيطرة بالنسبة للكثير من دول جنوب شرق آسيا، على الرغم من تراجع تصنيف الولايات المتحدة وفق هذا المقياس أيضاً.

مقاتلتان صينيتان تقلعان للقيام بدورية فوق بحر الصين الجنوبي (أرشيفية - أ.ب)

وباستثناء الفلبين، فإن دول المنطقة الأخرى وعلى الرغم من خوفها من القوة العسكرية للصين، فإنها تقبل بشكل متزايد الهيمنة الصينية.

ويرى كورلانتزيك، مؤلف كتاب «هجوم بكين الإعلامي العالمي: حملة الصين غير المتكافئة للتأثير على آسيا والعالم»، أن السبب الرئيسي لتحقيق الصين هذا النفوذ الاقتصادي الكبير في المنطقة هو تزايد شعور دول جنوب شرق آسيا بأنه لا خيار أمامها سوى الاصطفاف مع بكين.

وتشير دراسة معهد لوي إلى أنه في العام الماضي «كانت علاقات الولايات المتحدة مع أي دولة من دول جنوب شرق آسيا أضعف من علاقة الصين بتلك الدول».

فإلى جانب التجارة والاستثمار، تزايد حضور الصين كملاذ أخير لحصول تلك الدول على القروض، عندما كانت دول العالم الغنية الأخرى تعاني أزمات ديون واقتصاد. وفي حين ساعدت الولايات المتحدة في وقت من الأوقات في ترتيب حزم إنقاذ اقتصادي ضخمة لدول كثيرة في المنطقة من تايلاند إلى إندونيسيا، نرى أن هذا الدور الأميركي تراجع خلال السنوات الأخيرة. وحتى ماليزيا الذي يعدّ رئيس وزرائها المنتخب مؤخراً أنور إبراهيم مؤيداً قديماً للديمقراطية ويرتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، يتقارب بشكل متزايد مع بكين ويبتعد عن واشنطن؛ بفضل المساعدات والاستثمارات الصينية الكبيرة في بلاده.

علاوة على ذلك، فإن ماليزيا وكدول أخرى مثل تايلاند، تشتري بشكل متزايد الأسلحة الصينية؛ وهو ما يشير إلى صعود الصين عسكرياً واقتصادياً. ويرى معهد لوي أن تراجع النفوذ الأميركي في ماليزيا خلال الفترة من 2018 إلى 2022 كان الأكبر مقارنة بتراجع نفوذها في أي دولة أخرى بالمنطقة.

إطلاق صاروخ «ستينغر» أميركي الصنع خلال مناورات للجيش التايواني في 4 يوليو الحالي (رويترز)

في الوقت نفسه، يبدو الصعود الاقتصادي للصين في المنطقة أنه بلا توقف، في حين لا تسعى واشنطن لدعم موقفها في أي منافسة على النفوذ لاقتصادي. ففي السنوات الخمس الماضي واصلت الصين تقوية نفسها للتكامل الاقتصادي في المنطقة ودخلت في الكثير من الاتفاقات التجارية الإقليمية وطوّرت بعض أدواتها، في مقابل انسحاب واشنطن من الاتفاقات التجارية التي تضم دول جنوب شرق آسيا، مثل اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي.

أخيراً، يرى كورلانتزيك أن الولايات المتحدة ما زالت تملك الخيار، فإما تواصل النهج الحالي وتستمر في خسارة النفوذ، وإما تعيد التفكير في كيفية الانخراط في المنطقة.

وفي كل الأحول على صناع السياسة الأميركية أن يضعوا في حسبانهم أهمية جنوب شرق آسيا في أي جهود لردع الصين عن غزو تايوان، أو في فرض تكلفة اقتصادية ضخمة على بكين إذا لم تفلح جهود الردع وغزت تايوان بالفعل.

لكن استمرار الوضع الراهن ليس خياراً جذاباً بأي حال. فكما تشير تقارير معهدي لوي ودراسات جنوب شرق آسيا، يتباعد أصدقاء واشنطن المقربون في آسيا عنها، وهو اتجاه مكلف بالنسبة للولايات المتحدة وقد يصبح اتجاهاً خطيراً بالنسبة لها في المستقبل.


مقالات ذات صلة

صادرات السعودية غير النفطية تسجل في مايو أعلى مستوى منذ عامين

ميناء الملك عبد العزيز بالدمام شرق السعودية (موقع «موانئ»)

صادرات السعودية غير النفطية تسجل في مايو أعلى مستوى منذ عامين

سجلت الصادرات السعودية غير النفطية أعلى مستوى لها في عامين في مايو (أيار) الماضي، حيث بلغت 28.89 مليار ريال سعودي (7.70 مليار دولار).

آيات نور (الرياض)
الاقتصاد ميناء جدة الإسلامي (واس)

أعلى مستوى منذ عامين للصادرات السعودية غير النفطية في مايو

سجل الميزان التجاري السعودي فائضاً على أساس سنوي خلال مايو الماضي بلغ 34.5 مليار ريال بفضل تحقيق أعلى مستوى للصادرات غير النفطية منذ يونيو 2022.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ميناء الملك عبد العزيز بمدينة الدمام (واس)

ميناء سعودي يستقبل 15 رافعة جسرية لدعم الحركة التجارية

استقبل ميناء الملك عبد العزيز بمدينة الدمام في السعودية، مُمثلاً في الشريك الاستراتيجي مشغل محطتي الحاويات بالميناء «الشركة السعودية العالمية للموانئ» 15 رافعة.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
الاقتصاد وزير الاستثمار السعودي يتحدث للحضور خلال «المنتدى الاستثماري السعودي - التايلندي» (الشرق الأوسط)

الفالح: العلاقات الاقتصادية السعودية - التايلندية شهدت تطورات متسارعة  

أكد وزير الاستثمار، المهندس خالد الفالح، التقدم الملحوظ الذي تشهده العلاقات التجارية بين السعودية وتايلند؛ استجابةً للطلب المتزايد على مدار عقود عدة.

بندر مسلم (الرياض)
الاقتصاد سفينة حاويات عملاقة تقترب من دخول المرفأ في شينغداو بمقاطعة شاندونغ شرق الصين (أ.ب)

فائض تجاري صيني قياسي يلامس 100 مليار دولار

بلغ الفائض التجاري للصين 99.05 مليار دولار في يونيو (حزيران) الماضي، وهو أعلى مستوى في السجلات التي تعود إلى عام 1981.

«الشرق الأوسط» (بكين)

بنغلاديش تؤكد احتجاز قادة الحركة الطلابية «حفاظاً على سلامتهم»

عناصر من الجيش في حراسة بالقرب من الأمانة العامة للبلاد مع تخفيف حظر التجول بعد الاحتجاجات المناهضة للحصص الوظيفية في دكا (أ.ف.ب)
عناصر من الجيش في حراسة بالقرب من الأمانة العامة للبلاد مع تخفيف حظر التجول بعد الاحتجاجات المناهضة للحصص الوظيفية في دكا (أ.ف.ب)
TT

بنغلاديش تؤكد احتجاز قادة الحركة الطلابية «حفاظاً على سلامتهم»

عناصر من الجيش في حراسة بالقرب من الأمانة العامة للبلاد مع تخفيف حظر التجول بعد الاحتجاجات المناهضة للحصص الوظيفية في دكا (أ.ف.ب)
عناصر من الجيش في حراسة بالقرب من الأمانة العامة للبلاد مع تخفيف حظر التجول بعد الاحتجاجات المناهضة للحصص الوظيفية في دكا (أ.ف.ب)

أعلنت بنغلاديش وضع 3 من قادة الاحتجاجات الطلابية رهن الاحتجاز حفاظاً على سلامتهم، بعد أن قالت إن المظاهرات التي نظمتها مجموعتهم ضد إجراءات التوظيف في الخدمة المدنية هي المسؤولة عن تفجر الاضطرابات التي أوقعت أكثر من 200 قتيل على مستوى البلاد.

وأُخرج ناهد إسلام منسق حركة «طلاب ضد التمييز» واثنان آخران من مسؤولي الحركة بالقوة من مستشفى الجمعة، واقتادهم عناصر من المباحث بملابس مدنية.

وأفضت المظاهرات التي نظمها الثلاثة إلى إجراءات قمعية من الشرطة وأيام من المواجهات مع المحتجين أسفرت عن مقتل 201 شخص على الأقل، وفق حصيلة أعدتها «وكالة الصحافة الفرنسية»، استناداً لعدد الضحايا الذين أعلنتهم الشرطة والمستشفيات.

وقال إسلام في وقت سابق هذا الأسبوع لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنه يتلقى العلاج بمستشفى في دكا من إصابات تعرض لها خلال عملية اعتقال سابقة.

ونفت الشرطة في بادئ الأمر احتجاز إسلام وزميليه، قبل أن يؤكد وزير الداخلية أسد الزمان الأمر للصحافيين في ساعة متأخرة الجمعة. وقال: «هم أنفسهم كانوا يشعرون بعدم الأمان. يعتقدون أن بعض الأشخاص يهددونهم».

وأضاف: «لذا نعتقد أنه حفاظاً على سلامتهم ينبغي استجوابهم ومعرفة من يهددهم. بعد الاستجواب نتخذ الخطوة التالية».

ولم يؤكد ما إذا كان الثلاثة قيد الاعتقال رسمياً، أم لا.

وشهدت أيام من الاضطرابات الأسبوع الماضي إحراق مبانٍ حكومية ومراكز للشرطة في دكا، ومواجهات شرسة في الشوارع بين متظاهرين وشرطة مكافحة الشغب في أماكن أخرى من البلاد.

ونشرت حكومة الشيخة حسينة قوات وحجبت الإنترنت على مستوى البلاد، وفرضت حظر تجول لإعادة النظام.

عمليات دهم

اشتعلت الاضطرابات عندما هاجمت الشرطة ومجموعات طلابية مؤيدة للحكومة مظاهرات نظمتها حركة «طلاب ضد التمييز»، وظلت سلمية إلى حد كبير حتى الأسبوع الماضي.

وقال إسلام (26 عاماً) لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» من سريره في المستشفى الاثنين، إنه يخشى على حياته.

وأضاف أنه قبل يومين قامت مجموعة من الأشخاص الذين عرفوا أنفسهم بأنهم من شرطة المباحث بعصب عينيه وتقييده بالأصفاد واقتادوه إلى مكان مجهول، حيث تعرض للتعذيب قبل إطلاق سراحه في صباح اليوم التالي.

وقال زميله آصف محمود الذي احتُجز أيضاً في المستشفى الجمعة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، في وقت سابق، إن الشرطة احتجزته وتعرض للضرب في ذروة اضطرابات الأسبوع الماضي.

واعتقلت الشرطة ما لا يقل عن 4500 شخص منذ بدء الاضطرابات.

وقال مفوض شرطة دكا بيبلوب كومار ساركر لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نفذنا عمليات دهم في العاصمة وسنواصل المداهمات حتى اعتقال الجناة».

وأضاف: «نحن لم نعتقل الطلاب بشكل عام، بل فقط أولئك الذين خربوا الممتلكات الحكومية وأضرموا النار فيها».