دشّنت مصر شراكات تعليمية دولية مختلفة، تضمنت اتفاقيات تعاون مع دول مثل إيطاليا وفرنسا وألمانيا واليابان، ضمن مساعٍ حكومية لتطوير منظومة التعليم، وربط الخريجين بسوق العمل، ما يطرح تساؤلات حول أهمية هذه الشراكات، ومدى قدرتها على تقليص معدلات البطالة.
وارتفع معدل البطالة في مصر خلال الربع الثالث من العام الحالي، في الفترة من شهر أبريل (نيسان) حتى سبتمبر (أيلول) ليسجل 6.4 في المائة من إجمالي قوة العمل، بزيادة 0.3 في المائة عن الربع السابق، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وبلغت نسبة المتعطلين من حملة المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة والجامعية وما فوقها 83.1 في المائة في الربع الثالث، مقابل 78.2 في المائة في الربع السابق.
واتفق مصدر رسمي وخبير تربوي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، على أن الانفتاح على تجارب تعليمية مختلفة يساهم في خفض معدلات البطالة وجذب الاستثمار الأجنبي وتطوير جودة التعليم، لكنهم تخوفوا من إمكانية «تغريب التعليم»، وطالبوا بأن يكون التعاون مرحلياً وليس دائماً.
وشارك رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الثلاثاء، في تدشين تعاون تعليمي مع الجانب الإيطالي، عبر توقيع بروتوكولات بين وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني المصرية وعدد من الوزارات والجهات المحلية ومجموعة من الأكاديميات والمعاهد الإيطالية، بهدف إنشاء 89 مدرسة تكنولوجيا تطبيقية جديدة.

و«مدارس التكنولوجيا التطبيقية» هي مدارس ثانوية فنية متخصصة في مصر، تعتمد على الشراكة بين وزارة التربية والتعليم المصرية والقطاع الخاص لتطوير التعليم الفني، وتقدم مناهج حديثة وتدريباً عملياً لتأهيل الطلاب لسوق العمل المحلي والدولي.
واعتبر وزير التربية والتعليم المصري، محمد عبد اللطيف، الشراكة «خطوة تاريخية لتطوير التعليم الفني في مصر، تهدف لضمان الجودة، لتحسين نوعية مخرجات ومستويات المهارات الفنية لتواكب المستويات العالمية واحتياجات سوق العمل المحلية والدولية من المهن والتخصصات الجديدة».
سبق هذا التعاون لقاء مماثل مع السفير الفرنسي بالقاهرة، إريك شوفالييه، «لبحث سبل تعزيز التعاون بين البلدين في مجال تطوير التعليم الفني والمشروعات التعليمية المشتركة». وخلال المحادثات التي جرت الاثنين، أكّد وزير التعليم المصري «تطلعه لإبرام شراكة مماثلة مع فرنسا لإنشاء مدارس فنية، أسوة بالنموذج الإيطالي»، كما أبدى تطلعه لإنشاء نحو 100 مدرسة مصرية - فرنسية في مجال التعليم العام.
وبحسب وزير التعليم المصري، فإن نموذج التعاون مع الجانب الإيطالي يهدف إلى «إعداد وتأهيل الخريجين، بالتعاون مع الشركاء الدوليين، ومنحهم شهادات دولية معتمدة، تؤهلهم للعمل في السوق المحلي والدولي».
وقال نائب وزير التربية والتعليم المصري، أيمن بهاء الدين، إن الوزارة لديها خطة لـ«تدويل التعليم الفني»، ودفع الطلاب نحو التعرف على المعايير الصناعية والتخصصية الدولية، على أن يحصل الخريج على شهادة محلية، وأخرى دولية معتمدة من الجهات الشريكة، ما يؤهل الطلاب للعمل في الأسواق الخارجية، وتحديداً دول الاتحاد الأوروبي، ويشكل ذلك عاملاً مهماً في التنمية الاقتصادية وتقليص معدلات البطالة.
وأوضح، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «مصر تهدف من وراء هذه الشراكات لجذب المستثمرين الأجانب أيضاً، مع وجود مشكلات في توفر الأيدي العاملة المدربة، ويساهم ذلك في الوقت ذاته في رفع مستوى التعليم المصري»، مضيفاً أن «الخطة المصرية تهدف للانفتاح على دول التقدم الصناعي والاقتصادي».
ولا يقتصر التعامل في مجالات الشراكات على التعليم الفني فقط، وفقاً لبهاء الدين، الذي شدّد على «أن التعاون يمتد لمجال التعليم العام، وهناك استفادة من تقدم اليابان في مجالات أسس البرمجة والذكاء الاصطناعي وتطبيق مناهج يابانية ودمجها بتطبيقات على منصات رقمية لطلاب الصف الأول الثانوي».

وتوسعت مصر في إنشاء «المدارس المصرية - اليابانية»، وهي «مدارس حكومية بمصروفات، تطبق مناهج دراسية متطورة وتستلهم فلسفة التعليم اليابانية»، ووصل عددها هذا العام إلى 69 مدرسة، وكذلك تشارك اليابان في تطوير مناهج الرياضيات، بما يتوافق مع مخرجات التعليم اليابانية.
وبدأت مصر تدريس مادة «البرمجة والذكاء الاصطناعي» لطلاب الصف الأول الثانوي، بالتعاون مع مؤسسة «سبريكس» اليابانية، عبر منصة «كيريو»، وفقاً لما أعلنته وزارة التعليم في وقت سابق.
ومع بدء العام الدراسي الحالي، افتتحت مصر أول مدرسة «مصرية - ألمانية»، وتعد نموذجاً تعليمياً بالشراكة مع ألمانيا، وتأتي ضمن مبادرة تستهدف إنشاء «100» مدرسة في مختلف المحافظات، من خلال تطبيق مفاهيم تعليمية مطورة، تركز على جودة المخرجات وبناء الإنسان، وفقاً لوزارة التعليم المصرية.
الخبير التربوي عاصم حجازي، يرى أن الجدوى من الشراكات الدولية تتوقف على إمكانية نقل التكنولوجيا المتقدمة لطلاب التعليم الفني، والاستفادة من الدعم المادي لزيادة عدد المدارس، بما يساهم في استيعاب الطلاب، غير أنه يصطدم بمخاوف «تغريب التعليم المصري»، وتحويله إلى شراكات أجنبية، مضيفاً: «مناهج تلك الدول قد تكون محملة بثقافات مغايرة، ومن الممكن الاكتفاء باستيراد المعارف في مجالات مختلفة، وتطبيقها بما يتماشى مع الواقع المصري».
وأضاف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «يمكن أن يظل التعاون الدولي مرحلة أولى، بعدها يتم إدارة هذه المدارس من الجانب المصري، بشكل كامل دون أن تبقى شراكة دائمة، والمهم هو اكتساب الخبرات الدولية لتحقيق أهداف محددة، من بينها تحسين جودة التعليم عبر تدريس المناهج الدولية المعتمدة، والحدّ من البطالة، مع الانفتاح على أسواق خارجية».









