غزيون في مصر يستكشفون إمكانية العودة للقطاع بعد وقف الحرب

بعضهم لا يجد سبيلاً لذلك قبل إعادة إعمار المناطق المنكوبة

إحدى الفعاليات المصرية السابقة أمام معبر رفح لرفض تهجير الفلسطينيين (الحزب المصري الديمقراطي)
إحدى الفعاليات المصرية السابقة أمام معبر رفح لرفض تهجير الفلسطينيين (الحزب المصري الديمقراطي)
TT

غزيون في مصر يستكشفون إمكانية العودة للقطاع بعد وقف الحرب

إحدى الفعاليات المصرية السابقة أمام معبر رفح لرفض تهجير الفلسطينيين (الحزب المصري الديمقراطي)
إحدى الفعاليات المصرية السابقة أمام معبر رفح لرفض تهجير الفلسطينيين (الحزب المصري الديمقراطي)

تترقب منار الطويل (28 عاماً) بلهفة اليوم الذي ستعود فيه إلى قطاع غزة، رغم الدمار الذي لحق به، لكنه أهون عليها من البقاء في مصر وحيدة، بينما باقي عائلتها في القطاع.

خرجت الشابة الفلسطينية إلى مصر قبل عام ونصف العام صحبة والدتها مريضة السرطان لتلقي العلاج، وقبل شهور توفيت والدتها ودُفنت في الإسماعيلية، وبدأت منار تُحصي الأيام لحين فتح الباب للعالقين.

منار ووالدتها عند وصولهما مصر للعلاج قبل عام ونصف (الشرق الأوسط)

من غير الواضح حتى الآن، متى يمكن أن يُسمح بعودة الفلسطينيين العالقين في مصر ممن جاءوا للعلاج أو كانوا موجودين فيها قبل الحرب، خصوصاً وأن مراحل خطة إنهاء الحرب لم تُعلن رسمياً حتى الآن. لكن ذلك الغموض لم يمنع الفلسطينيين، على الغروبات الخاصة بهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من طرح تساؤلات حول العودة، وموعدها، وطريقتها.

وسبق أن قدرت الحكومة المصرية عدد الفلسطينيين الذين استقبلتهم للعلاج منذ بدء الحرب على قطاع غزة بـ107 آلاف فلسطيني، حتى أبريل (نيسان) الماضي.

غزيون ينصبون خيمة على ركام منزلهم المهدم (صورة التقطها طبيب مصري يعمل في غزة)

وانقسم الغزيون في مصر إلى فريقين، أولهما يرغب في العودة للم شمله بعائلته وتفقد ممتلكاته وما لحق بها من دمار، وفريق ثانٍ يعد أي عودة قريبة غير ممكنة في ظل الدمار الذي لحق بالقطاع، وعدّه منطقة منكوبة لا تصلح للعيش إلا بعد إعادة الإعمار، وهي عملية قد تستغرق سنوات.

منار كانت ضمن الفريق الأول، سألت عبر غروب «الجالية الفلسطينية في مصر» عن عدد الشنُط التي سيُسمح بها لكل فرد حال تم إقرار العودة، وهو السؤال الذي لم يخل من هجوم وتهكم من الفريق الثاني.

منار جهزت هدايا لأبناء أشقائها حال عودتها إلى غزة (الشرق الأوسط)

تقول الشابة الفلسطينية لـ«الشرق الأوسط»، إن كل أفراد عائلتها في القطاع، وهم أفضل حظاً من غيرهم، إذ لم يُهدم منزلهم في النصيرات وسط القطاع بالكامل، ويظل صالحاً للعيش فيه، لذا تتلهف لليوم الذي تعود فيه، ويجتمع شملها بعائلتها، خصوصاً بعد وفاة والدتها وبقائها وحيدة في مصر، مشيرة إلى تدهور حالة والدتها بعد مقتل نجل شقيقها قنصاً.

تتشابه حالة منار مع يُمنى أسامة (23 عاماً)، وهي ممرضة فلسطينية أصيبت خلال الحرب وخرجت للعلاج صحبة خالتها، وبقيت عائلتها في القطاع... تقول لـ«الشرق الأوسط»، إنها تريد أن تكون ضمن أول الأفواج العائدة.

بعض الفلسطينيين من المتحمسين للعودة إلى غزة (الجالية الفلسطينية في مصر - فيسبوك)

تعرّض منزل يُمنى للدمار الكامل، وتسكن عائلتها خيمة في دير البلح، لكنها لا تعبأ بذلك وتريد العودة والانضمام إليها، عوضاً عن المنزل الذي تقيم فيه مع خالتها في منطقة «السادس من أكتوبر»، في القاهرة. وتقول: «أريد أن أرى عائلتي، وأعود لعملي التطوعي في التمريض».

وعلى خلافها، قررت خالتها الخمسينية سمر الشيخ، البقاء في مصر، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «بنتي معي هنا، وابني امتحن ثانوية عامة خلال الحرب، وسيأتي إلى مصر للدراسة، فلماذا نعود وكيف نعيش في ظل هذا الدمار».

مثل سمر، تستبعد فرح خالد (29 عاماً) وهي أم لطفلين، أي عودة قريبة، رغم أن شمل عائلتها مشتت، زوجها في غزة، وهي وأطفالها بمصر، لكنها تتمنى جمع الشمل في مكان بعيد عن القطاع المُدمر، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «نحمد الله على وقف الحرب، لكن كيف سنعود والقطاع بهذه الصورة غير الصالحة للحياة، أطفالي يعانون هنا في ظل حرمانهم من والدهم، لكن المعاناة هناك ستكون أكبر».

وأشارت فرح إلى أن زوجها، الذي يتخصص في مجال نظم المعلومات، قدّم على منحة لدراسة «الماجستير» في الخارج، وبمجرد حصوله عليها ستنتقل معه هي وولداها ، وقبل حدوث ذلك لا تفكير لديها في العودة إلى غزة.

من صفحة «الجالية الفلسطينية في مصر» على «فيسبوك»

وقال مصدر فلسطيني يعمل في «اللجنة المصرية لإغاثة أهالي قطاع غزة»، ويقيم في مصر منذ سنوات، إن بعض الغزيين «يرغبون في العودة، وهم إما جاءوا للعلاج، وإما يجدون صعوبة مادية في البقاء ويفضلون العودة، وإما أرباب أسر يرغبون في تفقد الأوضاع هناك مع بقاء عائلاتهم هنا». وأضاف: «جزء ثان عدده ليس بقليل، يفضل البقاء لحين تحسن الأوضاع هناك».

وتوقع هذا المصدر الذي يسكن في القاهرة، وينتقل إلى العريش ضمن إشرافه على بعض قوافل المساعدات، أن يتم السماح بعودة بعض العالقين خلال الأيام المقبلة، مشيراً إلى أن اللجنة المصرية «تبحث في توفير حافلات لنقل الفلسطينيين الذين يرغبون في العودة من القاهرة أو أي محافظة إلى العريش، في أجواء احتفالية».


مقالات ذات صلة

الدور الأميركي المتزايد في غزة يعزز قلق الإسرائيليين

شؤون إقليمية نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس يلقي كلمة في مركز التنسيق المدني - العسكري في جنوب إسرائيل الجمعة (إ.ب.أ) play-circle

الدور الأميركي المتزايد في غزة يعزز قلق الإسرائيليين

يتزايد القلق الإسرائيلي مع تزايد تدخل الولايات المتحدة في قطاع غزة بينما يريدون بناء قاعدة عسكرية على الحدود. التدخل يغير خريطة النفوذ ووضعاً قائماً منذ 1967.

كفاح زبون (رام الله)
الولايات المتحدة​ من اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في كندا في يونيو الماضي (رويترز)

مجموعة الـ7 تناقش وقف حرب أوكرانيا ودعم وقف النار في غزة

هيمنت الحرب بين روسيا وأوكرانيا والمرحلة التالية لوقف النار في غزة على اجتماعات وزراء خارجية مجموعة السبع في كندا رغم التوترات حول التجارة والإنفاق الدفاعي.

علي بردى (واشنطن)
العالم العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط (د.ب.أ)

أبو الغيط يطالب بقرارٍ أممي للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة

أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الثلاثاء، أهمية استصدار قرار من مجلس الأمن بشأن الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي أطفال فلسطينيون دون سن الثالثة يتلقون التطعيمات التي يقدمها «الهلال الأحمر»  الفلسطيني و«اليونيسف» في مركز صحي بمدينة غزة (أ.ب)

«اليونيسف»: إسرائيل تمنع وصول مليون محقن لتطعيم أطفال غزة

كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) اليوم الثلاثاء عن أن إسرائيل تمنع دخول مواد أساسية من بينها محاقن تطعيم وزجاجات حليب للأطفال إلى غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (رويترز) play-circle

تعثر تقدّم «خطة ترمب» ينعش مخاوف تقسيم غزّة

قالت مصادر متعددة لوكالة «رويترز»، الثلاثاء، إن احتمالية تقسيم قطاع غزة بحكم الأمر الواقع بين منطقة تسيطر عليها إسرائيل وأخرى تديرها حركة «حماس» صارت مرجحة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مصر تدعم «مجلس» البرهان في مواجهة «محاولات تقسيم السودان»

رئيس مجلس السيادة السوداني خلال استقباله وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
رئيس مجلس السيادة السوداني خلال استقباله وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
TT

مصر تدعم «مجلس» البرهان في مواجهة «محاولات تقسيم السودان»

رئيس مجلس السيادة السوداني خلال استقباله وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)
رئيس مجلس السيادة السوداني خلال استقباله وزير الخارجية المصري (الخارجية المصرية)

جددت مصر دعمها لـ«مجلس السيادة السوداني» برئاسة الفريق ركن عبد الفتاح البرهان، وللحكومة السودانية، في مواجهة «محاولات تقسيم السودان»، وذلك بعد سيطرة «قوات الدعم السريع» على إقليم دارفور.

وأكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي «دعم بلاده الكامل لحكومة (الأمل) السودانية»، وشدد خلال لقائه البرهان، الثلاثاء، في بورتسودان على «إدانة مصر للانتهاكات والفظائع في مدينة الفاشر»، كما أكد «مواصلة بلاده جهودها لتحقيق الاستقرار في السودان»، حسب إفادة لـ«الخارجية المصرية».

البرهان خلال استقباله عبد العاطي (الخارجية المصرية)

وتوجه عبد العاطي إلى بورتسودان، الثلاثاء، في زيارة لبحث «آفاق تطوير التعاون بين البلدين، وتبادل الرؤى حول مستجدات الأزمة السودانية وسبل دعم الجهود الرامية للتوصل إلى تسوية شاملة تحفظ أمن السودان واستقراره».

وخلال لقائه البرهان، جدد عبد العاطي التأكيد على «دعم بلاده الكامل للسودان، ودعم استقراره وأمنه ووحدة وسلامة أراضيه ومؤسساته الوطنية وعلى رأسها القوات المسلحة السودانية»، وشدد على «انخراط بلاده بصورة فاعلة في الجهود الدولية الهادفة لوقف إطلاق النار في السودان ووضع حد لمعاناة شعبه، وفي مقدمتها (الرباعية الدولية)».

وتعمل الآلية الرباعية، التي تضم «السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة»، من أجل وقف إطلاق النار في السودان، وسبق أن عقدت اجتماعاً على المستوى الوزاري في واشنطن، في 12 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأكدت «ضرورة بذل كل الجهود لتسوية النزاع المسلح في السودان»، إلى جانب «الضغط على جميع الأطراف لحماية المدنيين والبنية التحتية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وتهيئة الظروف لضمان أمن منطقة البحر الأحمر».

اجتماع ثلاثي بين وزيري خارجية مصر والسودان ووكيل السكرتير العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية (الخارجية المصرية)

وتأتي زيارة وزير الخارجية المصري للسودان وسط مخاوف مصرية من تقسيم السودان بعد سيطرة «الدعم السريع» على إقليم دارفور.

وقال عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية صلاح حليمة إن مصر «تحذر من هذا السيناريو، وتسعى لحشد الجهود الدولية من أجل تحقيق تسوية شاملة في السودان».

وحسب بيان «الخارجية المصرية»، الثلاثاء، أشار عبد العاطي إلى أن «القاهرة تتواصل مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية لتعزيز الجهود الرامية للوصول لتسوية شاملة للازمة السودانية».

وأشاد البرهان بالموقف المصري الداعم لبلاده، وأعرب عن «امتنانه لمواقف مصر الصادقة الداعمة للسودان»، حسب «الخارجية المصرية».

وسبق لقاء عبد العاطي مع البرهان محادثات مع وزير الخارجية السوداني محيي الدين سالم، أكد خلالها وزير الخارجية المصري ضرورة «الالتزام بتنفيذ بيان الرباعية الدولية الصادر في سبتمبر الماضي، والدفع نحو وقف دائم وشامل لإطلاق النار»، وفقاً لـ«الخارجية المصرية».

كانت «قوات الدعم السريع» قد أعلنت، الشهر الماضي، سيطرتها على مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور بغرب السودان، آخر مقرات الجيش في الإقليم، واتهمت الحكومة السودانية عناصر «الدعم السريع» بارتكاب جرائم بحق المدنيين.

مشاورات مصرية - سودانية في بورتسودان (الخارجية المصرية)

ويرى حليمة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة تخشى استغلال (قوات الدعم السريع) التطورات الأخيرة في دارفور من أجل المطالبة بانفصال جديد، خصوصاً أنها أعلنت في وقت سابق تشكيل (حكومة موازية) في السودان».

وقال: «رغم عدم الاعتراف الدولي بها، لا تريد مصر استثمار بعض الأطراف الدولية والإقليمية التطورات الميدانية والسياسية الداخلية لدعم سيناريو التقسيم».

وشدد وزير الخارجية المصري على أن تقسيم السودان «خط أحمر» لبلاده، ولن تقبل أو تسمح به. وقال في تصريحات لـ«القاهرة الإخبارية»، الاثنين، إنه «لا حلول عسكرية للأزمة في السودان».

وأكد في نفس الوقت على أهمية «إطلاق مسار إنساني يضمن وصول المساعدات دون عوائق، بالتوازي مع زيادة حجم الدعم الإغاثي، وتعزيز التنسيق مع المنظمات الدولية، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية هناك».

وتساند مصر السودان في مختلف المجالات، وفق حليمة الذي قال: «القاهرة تقدم دعماً سياسياً إنسانياً للسودان لمواجهة تحديات مختلفة، ولعلاج آثار الحرب المستمرة حتى الآن».

وأضاف: «الرؤية المصرية لوقف الحرب في السودان تركز على مسارات سياسية وأمنية وإنسانية، من أجل التسوية الشاملة في السودان».

وعلى صعيد دعم الجهود الإغاثية في السودان، بحث وزير الخارجية المصري في اجتماع ثلاثي مع نظيره السوداني ووكيل السكرتير العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ توم فليتشر «سبل تعزيز الاستجابة الإنسانية الدولية للازمة الإنسانية بالسودان».

وشدد عبد العاطي على ضرورة «تعزيز الاستجابة الدولية للأزمة الراهنة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى الفئات الأكثر تضرراً، ودعم الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق السلام المستدام في السودان، وتخفيف المعاناة الإنسانية عن السودانيين»، حسب بيان «الخارجية المصرية».


جهود «الرباعية» لوقف حرب السودان تنتظر جلاء موقف الجيش

لاجئون سودانيون يملأون عبوات بالمياه داخل مخيم تيني المؤقت في تشاد يوم الاثنين (أ.ف.ب)
لاجئون سودانيون يملأون عبوات بالمياه داخل مخيم تيني المؤقت في تشاد يوم الاثنين (أ.ف.ب)
TT

جهود «الرباعية» لوقف حرب السودان تنتظر جلاء موقف الجيش

لاجئون سودانيون يملأون عبوات بالمياه داخل مخيم تيني المؤقت في تشاد يوم الاثنين (أ.ف.ب)
لاجئون سودانيون يملأون عبوات بالمياه داخل مخيم تيني المؤقت في تشاد يوم الاثنين (أ.ف.ب)

فيما تتحرك «الرباعية الدولية» التي تضم السعودية والولايات المتحدة ومصر والإمارات، من أجل هدنة إنسانية عاجلة في السودان، تمهيداً لوقف الحرب وبدء عملية سياسية جديدة، تتركز الأنظار على موقف الجيش منها، بعدما وافقت عليها «قوات الدعم السريع».

فمن جهة، أعلن الجيش ترحيبه بالجهود الدولية من أجل السلام، وفي الوقت ذاته أعلن التعبئة العامة واستمرار الحرب حتى هزيمة خصومه، ما يعني أن موقفه بحاجة إلى جلاء، كما يبدو. فالموقف المعلن حتى الآن يوحي بأن هناك معسكرين في صفوف مؤيدي السلطة المدعومة من الجيش. فهناك دعاة استمرار الحرب حتى القضاء على «الجنجويد» الذين خرجت «قوات الدعم السريع» من رحمهم في دارفور. وفي المقابل، هناك أطراف أخرى ترى أن المرحلة تتطلب الانحناء للريح، وعدم الدخول في مواجهة مع «المجتمع الدولي» قد تأتي بنتائج غير محمودة.

ويقول منتقدون للحركة الإسلامية في السودان إنها تلعب دوراً رئيسياً يعرقل أي تسوية قد تقصيها عن المشهد السياسي، بما فيها خطة «الرباعية» التي تقضي بإبعادها، وفقاً لما أكده مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي الذي اعتبر عزل التيار الإسلامي عن المشهد ضرورة لازمة و«خطاً أحمر» تتمسك به الولايات المتحدة.

لاجئات سودانيات يجلسن داخل خيمة بمدينة تيني في تشاد يوم 8 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

لذلك، تسعى الحركة، بحسب ما يقول منتقدوها، بكل ما تملك من قوة ونفوذ لإفشال مبادرة «الرباعية»، وتقوم دعايتها على أن المبادرة «مشروع خارجي لتسليم السودان للعملاء».

تحشيد في الداخل والخارج

في اليوم الثاني لصدور بيان «الرباعية»، أصدر الأمين العام للحركة الإسلامية، علي كرتي، بياناً أكد فيه عزم الحركة على مواصلة القتال إلى جانب الجيش السوداني، حتى القضاء على «قوات الدعم السريع» (الجنجويد السابقين، بحسب وصف خصومهم).

وفي الأسبوع الحالي، عُقد اجتماع بمنزل قيادي إسلامي شغل سابقاً منصب وزير الخارجية، ضم قيادات إسلامية خارج السودان، ودعا إلى «رفض خطة الرباعية والتعبئة لمواجهتها». وفي تسجيل مُسرَّب من الاجتماع، حذَّر الوزير السابق من «التعويل على المجتمع الدولي»، متهماً واشنطن بـ«إدارة الأزمة لخدمة مصالحها»، ودعا لتوحيد الصف الإسلامي ضد «التدخلات الأجنبية ومحاولات الإقصاء». ولم يتضح فوراً رد الوزير السابق على التسجيل المسرّب.

شبكات قوية

وفي هذا الإطار، أكد المحلل السياسي، عثمان فضل الله، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، وجود تأثير كبير للإسلاميين، وأرجعه لامتلاكهم شبكات قوية داخل المؤسسة العسكرية والإدارية، مكَّنتهم من «السيطرة» على القرار الأمني والعسكري.

قال فضل الله: «هذه الشبكات تُسهم في توجيه القرار أو تعطيله». وتابع: «يحتفظ الإسلاميون بقدرة على تحريك الشارع والإعلام عبر خطاب ديني يربط الحرب بالدفاع عن الدولة والدين، ليمنحهم شرعية رمزية وسط قطاعات من المجتمع المحافظ».

لاجئون سودانيون ينتظرون أمام مكتب مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بمخيم مؤقت في تشاد يوم 9 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

ورأى فضل الله أن دوافعهم لاستمرار الحرب تتمثل في اعتبارها فرصة لهم للعودة إلى السلطة، ولمنع أي عملية سياسية قد تقود إلى محاسبتهم على فترة حكمهم السابقة، ولحسم الصراع الآيديولوجي باعتبار الحرب مع «الدعم السريع» والقوى المدنية «معركة هوية» مع مشروعهم الإسلامي.

وأشار أيضاً إلى المصالح الاقتصادية التي ترتبط بشبكات تمويل الحرب التي تتحكم فيها الحركة الإسلامية، مثل تجارة الذهب، والوقود، وأعمال الإغاثة، وما توفره لهم من نفوذ يصعب التخلي عنه.

محاصرة وتحييد

ولتحييدهم، رأى فضل الله ضرورة إشراك التيارات المعتدلة منهم في حوار يلتزم بالمدنية، ومحاصرة المتشددين قضائياً، مع إعادة هيكلة الأجهزة النظامية على أسس مهنية. ومجتمعياً، دعا المحلل السياسي إلى تفكيك الخطاب التعبوي الذي يربط الوطنية بالدين، وتقديم بديل وطني جامع.

وركز فضل الله على التنسيق الدولي الداعم لمسار السلام، بوصفه وسيلة ضرورية لتجفيف علاقاتهم الخارجية، و«تصنيف التنظيم كمجموعة إرهابية، استناداً إلى الممارسات الداعشية التي ارتكبوها خلال الحرب الحالية». وأضاف: «بهذا فقط، يمكن كبح نفوذ الإسلاميين، وتحويل الحرب من أداة بقاء إلى طريق نحو سلام حقيقي».

نازحون من شمال كردفان يجلسون في الظل بمدينة أم درمان التابعة لولاية الخرطوم يوم الاثنين (أ.ف.ب)

أما المحلل السياسي عثمان ميرغني فأكد لـ«الشرق الأوسط» قدرة الإسلاميين على تعطيل المبادرات الدولية، وقال: «القرار في الدولة حالياً يتركز في رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان... الذي يشكل الإسلاميون عاملاً رئيسياً في دعمه، وتعزيز فرص بقائه في السلطة».

وتابع: «حالياً يقف الإسلاميون في وجه المبادرات الدولية، منطلقين من الإحساس بأن دولاً مهمة في الإقليم تخشى عودتهم، ومن افتراض أن المبادرات الخارجية تستبطن دعماً لقوى سياسية معادية لهم... ما يستوجب عرقلة هذه المبادرات».

واختتم حديثه قائلاً: «الخلاصة: نعم يملك الإسلاميون القدرة على تعطيل المبادرات الدولية».

عرقلة في العلن

وفي مقابلة تلفزيونية حديثة، قالت الدكتورة أماني الطويل، مديرة البرنامج الأفريقي في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، إن التيار الإسلامي في السودان يشكل أحد العوائق الأساسية أمام نجاح الهدنة التي اقترحتها الآلية الرباعية.

وأوضحت أن الإسلاميين يتعاملون مع المبادرة بوصفها تهديداً لوجودهم السياسي، ويسعون عبر نفوذهم داخل مؤسسات الدولة، وعبر خطابهم الإعلامي العام، إلى إفشال أي ترتيبات تنفيذية قد تضعف موقعهم. وأضافت: «استمرار هذا الرفض يُضعف أي تسوية دولية، ويحد من فرص إرساء وقف حرب دائم».

لاجئ سوداني يسير أمام خيام بمدينة تيني في تشاد يوم 8 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

ولا يُخفي حزب «المؤتمر الوطني» (الواجهة السياسية للإسلاميين) موقفه من الهدنة ووقف الحرب. ففي بيان أصدره في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وجَّه بإعلان حالة الطوارئ والتعبئة العامة، وطالب مؤسسات الدولة بما سمَّاه «الاضطلاع بمسؤولياتها الدستورية والقانونية لحماية أمن ووحدة البلاد».

ودعا الحزب أيضاً لتجهيز القوات المسلحة والقوات المساندة، لمواجهة ما وصفها بـ«المؤامرة»، وتحريك القوات فوراً «لضرب معاقل التمرد»، مناشداً القادرين على حمل السلاح الانخراط في معسكرات التدريب، دفاعاً عن «الأرض والعرض».

ورغم حظر حزبهم (المؤتمر الوطني)، فلا يزال لدى الإسلاميين نفوذ قوي داخل مؤسسات الدولة، وشبكات تعمل على عرقلة وتعطيل أي استجابة رسمية لمبادرات وقف إطلاق النار.

ويقول محلل سياسي طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية: «الإسلاميون ليسوا حزباً فقط؛ بل هم شبكات نفوذ داخل أجهزة الدولة، تستخدم الوطنية لافتة لخدمة مشروعاتها السياسية».


«قوة استقرار غزة»... مساع لـ«توافقات» دون المساس بـ«الثوابت الفلسطينية»

عمال في مدينة غزة يرفعون الركام يوم الثلاثاء من قصر الباشا التاريخي الذي دمره الجيش الإسرائيلي (أ.ف.ب)
عمال في مدينة غزة يرفعون الركام يوم الثلاثاء من قصر الباشا التاريخي الذي دمره الجيش الإسرائيلي (أ.ف.ب)
TT

«قوة استقرار غزة»... مساع لـ«توافقات» دون المساس بـ«الثوابت الفلسطينية»

عمال في مدينة غزة يرفعون الركام يوم الثلاثاء من قصر الباشا التاريخي الذي دمره الجيش الإسرائيلي (أ.ف.ب)
عمال في مدينة غزة يرفعون الركام يوم الثلاثاء من قصر الباشا التاريخي الذي دمره الجيش الإسرائيلي (أ.ف.ب)

تتواصل مناقشات غير رسمية في أروقة مجلس الأمن الدولي في نيويورك، بشأن مشروع قرار أميركي يتضمن نشر قوات استقرار في قطاع غزة، وسط تأكيد مصري على وجود ملاحظات بشأنها وتعويل على التوصل لصياغات توافقية لإقرارها.

ذلك التوافق المأمول حول تلك القوات الدولية، يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنه خطوة مهمة ومفصلية لنشر القوات وفق إجماع، متوقعين سيناريوهات مختلفة؛ منها نجاح جهود التوصل لصيغة توافقية، أو تمسك واشنطن بعدم إجراء أي تعديلات وحدوث فيتو روسي أو صيني، أو اتجاه مجلس الأمن لإصدار بيان رئاسي وليس قراراً لترك الأمور للمفاوضات لاحقاً.

مشاورات في نيويورك

وكشف وزير خارجية مصر، بدر عبد العاطي في تصريحات نقلتها «وكالة الأنباء المصرية» الرسمية، الثلاثاء، عن أن مصر منخرطة في المشاورات الجارية بنيويورك والخاصة بنشر قوة دعم الاستقرار الدولية بقطاع غزة، لافتاً إلى أن المشاورات مع الولايات المتحدة بشكل يومي، وروسيا، وأيضاً مع الجانب الصيني والاتحاد الأوروبي، ومع المجموعة العربية من خلال الجزائر بعدّها العضو العربي داخل مجلس الأمن.

وأضاف عبد العاطي: «نأمل أن يأتي القرار الأممي بالشكل الذي يحافظ على الثوابت الخاصة بالقضية الفلسطينية، ويُتيح نشر القوة الدولية في أسرع وقت ممكن، ولكن وفقاً لتحقيق التوافق، وبما يجعل هذا القرار من خلال صياغته المحكمة قابلاً للتنفيذ على أرض الواقع».

وتابع: «نتحرك وهناك ملاحظات للعديد من الدول، وهم منخرطون في النقاش في نيويورك، ونأمل أن يتم التوصل إلى صياغات توافقية تعكس الشواغل وأولويات كل الأطراف دون المساس بالثوابت الفلسطينية».

فتاة تمشي وسط أنقاض منزل دمره القصف الإسرائيلي في النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن في تصريحات نهاية الأسبوع الماضي أن قوة الاستقرار الدولية المزمع نشرها في قطاع غزة ستبدأ عملها على الأرض «قريباً جداً»، بعد أيام من إعلان مسؤول أميركي لـ«رويترز» في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي أن واشنطن ستشارك مشروع قرار بشأنها مع الأعضاء العشرة المنتخبين بمجلس الأمن الدولي.

ويظهر النص أن الولايات المتحدة صاغت مشروع قرار للمجلس التابع للأمم المتحدة من شأنه الموافقة على تفويض لمدة عامين لهيئة حكم انتقالي في غزة وقوة دولية لتحقيق الاستقرار في القطاع الفلسطيني.

ويبدو أن مشروع القرار الذي نقله موقع «أكسيوس» قبل نحو أسبوع تجاوَب مع بعض مطالب إسرائيل، إذ يتضمن أن تكون القوة الأمنية الدولية «قوة تنفيذية وليست قوة لحفظ السلام»، وأن تسهم في «استقرار البيئة الأمنية في غزة من خلال ضمان عملية نزع السلاح من قطاع غزة، بما في ذلك تدمير ومنع إعادة بناء البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية، بالإضافة إلى نزع أسلحة الجماعات المسلحة غير الحكومية بشكل دائم.

صعوبات كبيرة... وتحفظات

ويرى الخبير في الشأن الإسرائيلي بمؤسسة الأهرام للدراسات، الدكتور سعيد عكاشة، أن التحرك المصري يضطلع بدور حيوي ومهم، مستدركاً: «لكن المشكلة أن إسرائيل لديها فيتو على الأمم المتحدة وقراراتها، ولن تنفذها وكذلك ترفض المشاركة التركية، ومن ثمّ هناك صعوبات كبيرة».

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني نزار نزال، أنه يمكن التوصل لتفاهمات مصرية قطرية أميركية بشأن الدور الميداني، وآلية الانتشار للقوات قد تدفع نحو صيغة توافقية ناعمة عبر قوات تحت غطاء أممي بموافقة فلسطينية، مشيراً إلى أن مجلس الأمن أمام اختبار حقيقي، ويبدو أن روسيا والصين تتحفظان على أي مشروع قد يمنح واشنطن أو إسرائيل أي تفويض لوجود على الأرض دون توافق.

مجلس الأمن الدولي (د.ب.أ)

وتأتي هذه المشاورات في نيويورك، وسط مواقف عربية متحفظة، وقال المستشار الرئاسي الإماراتي، أنور قرقاش، الاثنين، في كلمة بملتقى «أبوظبي الاستراتيجي»: «لا ترى الإمارات حتى الآن إطار عمل واضحاً لقوة حفظ الاستقرار. وفي ظل هذه الظروف، لن تشارك على الأرجح في مثل هذه القوة».

الحديث الإماراتي جاء غداة تأكيد مصر وقطر على «ضرورة تحديد ولاية قوة دعم الاستقرار الدولية وصلاحياتها»، وذلك خلال اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء القطري، وفق بيان للخارجية المصرية.

احتمالات الفيتو

ويحتاج القرار في مجلس الأمن إلى تسعة أصوات مؤيدة على الأقل، وعدم استخدام روسيا أو الصين أو الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا حق النقض (الفيتو) ليتسنى اعتماده.

وفي ظل هذه المخاوف والتباينات، يرجح عكاشة، ألا يمرر مشروع القرار في مجلس الأمن بسبب فيتو روسي أو صيني، ويكون الأقرب تشكيل الولايات المتحدة قوات متعددة الجنسية مع عدم مشاركة عربية، وربما توجد قوات أفريقية وإسلامية، مستدركاً: «لكن ستكون مغامرة كبيرة وقد تشهد صدامات كما حذرت مصر وتشتبك معها حماس وتتهمها بأنها قوة تحمي الاحتلال لا السلام».

ويرى نزال أن وسط هذه المواقف العربية المتحفظة لن تذهب موسكو وبكين إلى فيتو لو جرت تعديلات على النص تضمنت الحفاظ على الشرعية الفلسطينية والتوازن في مهام القوات.

ويتوقع نزال سيناريوهات للقرار؛ منها توافق أممي يقود لصدور قرار بصيغة غامضة وإرسال بعثة مراقبة، واستمرار الخلافات وتجميد المشروع، أو الذهاب لبيان رئاسي صادر عن المجلس دون قرار، والإبقاء على المسار السياسي مفتوحاً لأي مفاوضات لاحقة.