هل تستطيع مصر تعويض خسائر قناة السويس مع ازدياد الاضطرابات الإقليمية؟

السيسي قال إن بلاده فقدت أكثر من 6 مليارات دولار

حاويات شحن تمر عبر قناة السويس (رويترز)
حاويات شحن تمر عبر قناة السويس (رويترز)
TT

هل تستطيع مصر تعويض خسائر قناة السويس مع ازدياد الاضطرابات الإقليمية؟

حاويات شحن تمر عبر قناة السويس (رويترز)
حاويات شحن تمر عبر قناة السويس (رويترز)

شَكَت مصر مجدداً من تراجع عائدات قناة السويس، إثر استمرار التوترات في منطقة البحر الأحمر، مما أثار تساؤلات بشأن قدرة القاهرة على تعويض نزيف الخسائر الدولارية مع ازدياد الاضطرابات الإقليمية.

وقال الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من أكاديمية الشرطة، الأحد، إن بلاده «فقدت ما بين 50 و60 في المائة، من دخل قناة السويس، بما قيمته أكثر من 6 مليارات دولار خلال الأشهر الثمانية الماضية».

ووفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» فإنه «لا بديل عن إنهاء الصراع في المنطقة لتعويض خسائر قناة السويس»، كما اقترحوا «استطلاع آراء الشركات الكبرى بشأن سد تخفيف مخاطر الملاحة المحتملة، لا سيما مع توقعات بامتداد أمد الحرب».

وتصاعدت التوترات في منطقة البحر الأحمر، نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مع استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية، السفن المارة في الممر الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة». ودفعت تلك الهجمات شركات شحن عالمية إلى تغيير مسارها متجنبةً المرور في البحر الأحمر، مما كان له تداعيات على الاقتصاد وحركة التجارة العالمية.

وسبق أن أشارت القاهرة مراراً، وفي أكثر من مناسبة، إلى تراجع عائدات «قناة السويس». وقال رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي، في يوليو (تموز) الماضي، إن «بلاده تخسر ما بين 500 و550 مليون دولار شهرياً، بسبب توترات البحر الأحمر».

وتعد قناة السويس أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في مصر، وبلغت إيراداتها العام الماضي 10.3 مليار دولار، حسب الإحصائيات الرسمية. لكنَّ هذه العائدات شهدت تراجعاً في الشهور الأخيرة، بسبب توترات البحر الأحمر، حيث انخفضت حصيلة رسوم المرور في قناة السويس بمعدل 7.4 في المائة، لتسجل 5.8 مليار دولار، مقابل 6.2 مليار دولار في الفترة بين يوليو (تموز) الماضي ومارس (آذار) من العام الحالي.

يؤكد الأمين العام لاتحاد الموانئ البحرية العربية، اللواء عصام الدين بدوي، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لا بديل عن استعادة الاستقرار الإقليمي ووقف الحرب في غزة لاستعادة حركة الملاحة في قناة السويس»، مشيراً إلى أن «شركات الشحن لديها مخاوف من التعرض لهجمات حال مرورها في البحر الأحمر، وبالتالي يتجه معظمها لتحويل المسار حتى وإن كانت التكلفة أكبر».

واتفق معه الخبير الاقتصادي الدكتور مدحت نافع، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «منذ بدء حرب غزة كان متوقعاً أن تتأثر الملاحة في قناة السويس، لا سيما مع بدء هجمات الحوثي ضد السفن المارة في البحر الأحمر»، مشيراً إلى أنه «كان يجب توقع الأزمة، ووضع سيناريوهات للتعامل معها من بينها تخفيض الرسوم لتشجيع بعض الشركات على العبور في القناة، في ضوء حسابات المخاطر والتكلفة».

لكنَّ نافع أكد في الوقت نفسه أن «التخفيضات قد تؤتي نتيجة مع بعض شركات الشحن التي تضع التكلفة في المقدمة، لكنَّ الأمور المتعلقة بالسلامة والأمن والتي تهم شركات الشحن الكبرى لن تفلح سياسة التخفيضات في مجابهتها».

وشهدت الفترة الماضية اتصالات مصرية مكثفة، مع شركات الشحن، أو قادة المجتمع الدولي لوضع حد لتوترات البحر الأحمر، كما أعلنت هيئة قناة السويس حوافز تسويقية وتخفيضات، لتنشيط حركة الملاحة وتجاوز تداعيات تراجع الإيرادات.

وتحدَّث رئيس الهيئة الفريق أسامة ربيع، عن «اعتماد الهيئة استراتيجية مرنة وخطة تسويقية للحد من التداعيات»، كما أعلنت القناة «توفير حزمة من الخدمات البحرية والملاحية الخاصة مثل خدمات الإنقاذ البحري وخدمات صيانة وإصلاح السفن».

ويرى نافع أن «اللقاءات الفردية والخطط التسويقية لن تضع حداً لنزيف الخسائر ما دامت الاضطرابات الإقليمية مستمرة». لكن في الوقت نفسه يقترح «استطلاع آراء شركات الشحن الكبرى بشكل علمي لوضع تصور لمصفوفة المخاطر التي تواجههم، وسبل طمأنتهم، لا سيما مع اجتماعات زيادة سخونة الصراع في المنطقة».

وقال نافع: «قد يتطلب الأمر فرض تخفيضات في رسوم عبور القناة، أو التأمين على سفن الشحن، أو حتى التأمين المادي لعبور الحاويات في البحر الأحمر»، مضيفاً أن «كل ما سبق أمور تنبغي دراساتها بعناية وتقييمها وفق المكاسب والخسائر، لوضع تدابير قد تسهم في الحد من التداعيات وإن لم تقضِ عليها بشكل كامل».

وسبق وتوقع «البنك الدولي»، في أبريل (نيسان) الماضي، أن «يتسبب استمرار الأزمة في خسائر بنحو 3.5 مليار دولار في العائدات الدولارية لمصر، أي ما يعادل 10 في المائة من صافي الاحتياطيات الدولية في البلاد».


مقالات ذات صلة

مصر: تعويض خسائر قناة السويس عبر تنويع خدماتها

العالم العربي عبور الحوض العائم «دورادو» الجمعة الماضي كأكبر وحدة عائمة تعبر قناة السويس في تاريخها (هيئة قناة السويس)

مصر: تعويض خسائر قناة السويس عبر تنويع خدماتها

تتّجه قناة السويس المصرية إلى «تنويع مصادر دخلها»، عبر التوسع في تقديم الخدمات الملاحية والبحرية للسفن المارّة بالمجرى الملاحي، في محاولة لتعويض خسائرها.

أحمد إمبابي (القاهرة)
الاقتصاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكريستالينا غورغييفا مديرة صندوق النقد (أرشيفية - رويترز)

السيسي يدعو مديرة صندوق النقد إلى «مراعاة التحديات»

أعرب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن تطلع بلاده لاستكمال التعاون مع صندوق النقد الدولي، والبناء على ما تَحقَّق «بهدف تعزيز استقرار الأوضاع الاقتصادية».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد سفينة شحن تابعة لـ«ميرسك» تمر عبر قناة السويس المصرية العام قبل الماضي (رويترز)

«ميرسك» تستبعد عودتها قريباً لقناة السويس بسبب تهديدات البحر الأحمر

قالت «ميرسك»، الخميس، إنها لا تتوقع استئناف الإبحار عبر قناة السويس حتى عام 2025.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
الاقتصاد رئيس المنطقة الاقتصادية بقناة السويس وليد جمال الدين يشهد توقيع عقد مع مجموعة «بيرل» لإنتاج البولي يوريثان (حساب مجلس الوزراء على فيسبوك)

مصر: «اقتصادية قناة السويس» توقّع عقد مشروع لإنتاج البولي يوريثان مع «بيرل»

أعلنت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس في مصر، توقيع عقد مع مجموعة «بيرل» بشأن مشروع لإنتاج البولي يوريثان في المنطقة الصناعية بالعين السخنة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية مراسم رسمية في ميناءي مقديشو خلال استقبال السفينة التركية «أوروتش رئيس» في مستهل مهمتها قبالة السواحل الصومالية (من حساب وزير الطاقة التركي على «إكس»)

سفينة «أوروتش رئيس» التركية تبدأ البحث عن النفط والغاز قبالة سواحل الصومال

تبدأ سفينة الأبحاث السيزمية التركية «أوروتش رئيس»، خلال الأسبوع الحالي، أنشطة المسح الزلزالي للنفط والغاز الطبيعي في 3 مناطق مرخصة بالصومال.


انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.