تنسيق مصري - تركي للحد من التصعيد بالمنطقة

فيدان قال إن بلاده تتطلع لزيارة السيسي في أقرب وقت

السيسي يستقبل وزير الخارجية التركي (الرئاسة المصرية)
السيسي يستقبل وزير الخارجية التركي (الرئاسة المصرية)
TT

تنسيق مصري - تركي للحد من التصعيد بالمنطقة

السيسي يستقبل وزير الخارجية التركي (الرئاسة المصرية)
السيسي يستقبل وزير الخارجية التركي (الرئاسة المصرية)

تزامناً مع عزمهما المضي قدماً في تعزيز مسار المصالحة، لتحقيق «نقلة نوعية» في العلاقات الثنائية، حذرت مصر وتركيا، الاثنين، من «خطورة المشهد الإقليمي»، واتفقتا على «تنسيق الجهود بينهما للحد من التوتر والتصعيد في المنطقة».

والتقى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الاثنين، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كما عقد جلسة مباحثات ثنائية وأخرى موسعة من نظيره المصري الدكتور بدر عبد العاطي، أعقبها مؤتمر صحافي.

وشهد اللقاء الذي جمع السيسي وفيدان، «التأكيد على خطورة المشهد الإقليمي الراهن، مع إدانة سياسات التصعيد الإسرائيلية»، بحسب إفادة رسمية للمتحدث باسم الرئاسة المصرية، المستشار أحمد فهمي.

تنسيق إقليمي

وقال السيسي إن «منطقة الشرق الأوسط تمر بمنعطف شديد الدقة والخطورة، بما يستوجب أعلى درجات ضبط النفس وإعلاء صوت التعقل والحكمة»، مشدداً على أن «سبيل نزع فتيل التوتر المتصاعد يكمن في تضافر جهود القوى الفاعلة والمجتمع الدولي، لإنفاذ وقف إطلاق النار، فوراً، بقطاع غزة، وإتاحة الفرصة للحلول السياسية والدبلوماسية».

وركزت المباحثات المصرية - التركية على «التصعيد الراهن في المنطقة»، بحسب وزير الخارجية المصري الذي قال في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي، إن «التصعيد ينذر بدخول المنطقة في أتون حرب إقليمية شاملة لن تبقي ولن تذر»، مشيراً إلى «قلق القاهرة وأنقرة الشديد إزاء ما يحدث من تطورات».

جانب من مباحثات وزيري خارجية مصر وتركيا بقصر «التحرير» وسط القاهرة (الخارجية المصرية)

وأضاف عبد العاطي أن «هناك تنسيقاً كاملاً بين مصر وتركيا، حيث توافقتا على استغلال قنوات الاتصال مع الأطراف المعنية لخفض حدة التوتر والتصعيد ومواجهة السياسات الرعناء التي تؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة»، معلناً عزمه «إجراء اتصالات مع وزير الخارجية الأميركي، وغيره من الأطراف المعنية، في إطار استكمال الاتصالات التي أجراها أخيراً وشملت وزراء خارجية إيران ولبنان وروسيا». وأشار إلى «زيارة مرتقبة لوزير الخارجية اللبناني للقاهرة قريباً».

تطرقت المباحثات إلى «الأوضاع الكارثية التي يشهدها قطاع غزة، وتطورات الأوضاع في ليبيا واليمن والسودان، والأوضاع في البحر الأحمر»، بحسب وزير الخارجية المصري، الذي جدد «تأكيد بلاده رفضها سياسة الاغتيالات السياسية التي تؤجج الصراع والتوتر في المنطقة».

بدوره، أكد وزير الخارجية التركي، في المؤتمر، «سعي بلاده للتعاون مع القاهرة وبذل قصارى الجهد لخفض التوتر في المنطقة»، مشيراً إلى أن «مباحثاته في مصر تناولت قضايا عدة من بينها ليبيا والصومال واليمن». وقال: «هناك تنسيق كامل وتعاون مع مصر في ملفات عدة، ويمكن للبلدين أن يلعبا دوراً بارزاً في الحفاظ على نظام عالمي عادل، وتحقيق الاستقرار والسلام الإقليمي والعالمي».

كان وزير الخارجية التركي، قد زار، الأحد، مدينة العريش (شمال شرقي القاهرة) حيث تفقد المخازن اللوجيستية الخاصة بالهلال الأحمر المصري، قبل أن يتوجه إلى معبر رفح.

وقال الباحث بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، بشير عبد الفتاح، لـ«الشرق الأوسط» إن «زيارة فيدان لمصر مهمة للغاية؛ كونه كان حتى وقت قريب مديراً للاستخبارات التركية، ما يجعله ملماً بكل تفاصيل الملفات الإقليمية والدولية، إضافة إلى قربه من إردوغان». وأضاف: «الزيارة تكتسب أهميتها أيضاً؛ كونها تأتي في وقت يشهد اضطرابات إقليمية لافتة ونذر حرب واسعة، تضع المنطقة على صفيح ساخن»، مشيراً إلى أن «مباحثات فيدان في مصر تناولت مسارين مهمين، وهما: العلاقات الثنائية، ومسار الملفات الملتهبة في المنطقة».

مسار إيجابي للعلاقات الثنائية

واحتلت العلاقات الثنائية جانباً رئيسياً من المباحثات بين مسؤولي البلدين، حيث أشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أن زيارة نظيره التركي رجب طيب إردوغان للقاهرة في فبراير (شباط) الماضي، «أسست لانطلاقة إيجابية في العلاقة بين الدولتين»، بحسب المتحدث الرئاسي المصري.

وقال المتحدث إن «الجانبين أكدا تطلعهما لعقد الاجتماع الأول للمجلس الاستراتيجي رفيع المستوي بين مصر وتركيا، بما يمثله من نقلة نوعية في مسار التعاون الثنائي».

في هذا السياق، قال وزير الخارجية المصري إن «بلاده باتت الشريك التجاري الأول لتركيا في القارة الأفريقية، كما تعتبر تركيا واحدة من أهم مقاصد الصادرات المصرية للخارج». وأكد أن «الزيارات المتبادلة بين الجانبين تستهدف تعزيز التعاون والتنسيق المشترك، إضافة إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي والعالمي، بواقع ما يمثله البلدان من ثقل وحضور ظاهر في محيطهما».

وأعرب عن تطلع البلدين للبناء على «المسار الإيجابي الذي تشهده العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية»، مشيراً إلى أنه «اتفق مع نظيره التركي على ضرورة تكثيف العمل خلال الفترة القادمة للوصول بحجم التبادل التجاري بين البلدين إلى سقف 15 مليار دولار خلال الفترة القصيرة المقبلة». ولفت إلى «أهمية التعاون في مجالات عدة من بينها التصنيع وتنشيط السياحة».

بدوره، أكد وزير الخارجية التركي «عزم بلاده تعزيز وتكثيف العلاقات مع مصر في شتى المجالات»، معرباً عن «تطلع بلاده لزيارة الرئيس المصري إلى أنقرة في أقرب وقت ممكن».

وقال فيدان إن «بلاده تعمل على رفع مستوى العلاقات التجارية والاقتصادية مع مصر إلى مستوى أعلى»، مشيراً إلى أن «بلاده تعتبر مصر شريكاً آمناً على المدى البعيد».

وشهدت العلاقات المصرية - التركية اتجاهاً متصاعداً نحو التطبيع، بعد عقد كامل من الانقطاع والتوتر، بسبب دعم أنقرة لتنظيم «الإخوان» المحظور في مصر، عقب أحداث 30 يونيو (حزيران) 2013.

وتسارع مسار التطبيع منذ مصافحة إردوغان والسيسي خلال افتتاح المونديال في قطر عام 2022. وأعلن البلدان في يوليو (تموز) من العام الماضي ترفيع العلاقات الدبلوماسية بينهما إلى مستوى السفراء. وبلغ التقارب ذروته مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للقاهرة في فبراير الماضي.

ويأتي التعاون الاقتصادي في «صدارة» المباحثات الثنائية، بحسب عبد الفتاح، الذي يشير إلى أن «الاقتصاد استطاع خلال السنوات الماضية تجاوز الجمود السياسي، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 10 مليارات دولار، وهناك طموح بأن يرتفع الرقم إلى 20 مليار دولار، مع حديث عن استخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري»، لافتاً إلى أن «اجتماع المجلس الاستراتيجي رفيع المستوى من شأنه تعزيز التعاون الاقتصادي».

وأشار عبد الفتاح إلى «التعاون العسكري بين البلدين الذي يجري العمل فيه عبر ثلاثة محاور رئيسية، وهي: التصنيع المشترك، وعقد مناورات عسكرية مشتركة، إضافة إلى حصول مصر على مسيرات (بيرقدار) التركية».

وأعلن وزير الخارجية التركي في فبراير الماضي، أن «بلاده وافقت على تزويد مصر بطائراتها المسيرة التي تحظى بشعبية متزايدة»، مشيراً إلى أن الصفقة تأتي في «إطار تطبيع العلاقات بين البلدين».

وأكد عبد الفتاح أن «التحدي الرئيسي الذي يواجه العلاقات المصرية - التركية هو إدارة المنافسة الاستراتيجية بين البلدين، دون صدام؛ وذلك عبر بناء الثقة وفتح قنوات حوار متعددة رسمية وغير رسمية تشمل الإعلام والدبلوماسية الشعبية لتكون حائط صد منيع ضد أي توترات سياسية».

زيارة السيسي لتركيا

كان إردوغان، خلال زيارته للقاهرة، وجه دعوة إلى السيسي لزيارة تركيا، أعرب الرئيس المصري، وقتها عن «تطلعه لتلبيتها». لكن الزيارة التي تداولت وسائل إعلامية أنباء عن عقدها في أبريل (نيسان)، ثم مايو (أيار) الماضي لم تنفذ حتى، ولم يعلن عن سبب تأجيلها.

وأرجع مصدر دبلوماسي تركي تأجيل الزيارة إلى «الحاجة إلى إعداد برنامج شامل يتضمن توقيع اتفاقيات في مجالات عدة»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط»، أن «مثل هذه التحضيرات تستغرق وقتاً، لتنسيق جدول أعمال الزيارة»، مشيرة إلى أن «الموضوع كان مطروحاً على أجندة مباحثات فيدان في مصر، حيث من المنتظر تحديد موعد للزيارة قريباً».

بدوره، قال عبد الفتاح إن «الزيارة تأجلت دون إعلان الأسباب، ما يشير إلى أنه ربما كان هناك بعض الملفات العالقة أو الترتيبات التي أخرت تنسيق جدول أعمالها»، وأضاف: «هناك حديث الآن عن قرب إتمام الزيارة، ما يعني أنه تم تجاوز تلك الملفات العالقة».

أبو الغيط خلال لقائه وزير الخارجية التركي (الجامعة العربية)

تحذيرات عربية

على صعيد آخر، استقبل الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، مساء الأحد، وزير الخارجية التركي، حيث «عقدا جلسة نقاش معمقة حول الوضع الإقليمي في ضوء المخاطر الشديدة التي ينطوي عليها التصعيد الإسرائيلي الحالي، كما تناولا سبل الارتقاء بالعلاقات بين جامعة الدول العربية وتركيا في المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها خلال المرحلة المقبلة»، بحسب إفادة رسمية للمتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية، جمال رشدي.

وقال رشدي إن «اللقاء شهد تبادل وجهات النظر حول مستجدات عدد من القضايا الهامة على الساحتين الإقليمية والدولية، وعلى رأسها تطورات القضية الفلسطينية، في ضوء استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إضافة إلى مستجدات الأوضاع في سوريا وليبيا والسودان».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي صورة من أمام سجن جلبوع التابع لمصلحة السجون الإسرائيلية في منطقة وادي جالود بإسرائيل (إ.ب.أ)

منظمة حقوقية إسرائيلية تؤكد تعرض السجناء الفلسطينيين لانتهاكات ممنهجة

قالت منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان في تقرير لها إن إسرائيل تنفذ «سياسة هيكلية وممنهجة قوامها التنكيل والتعذيب المستمرين» للسجناء الفلسطينيين.

ماري وجدي (القاهرة)
المشرق العربي تصاعد الأدخنة جرَّاء الغارات الإسرائيلية على خان يونس أمس (أ.ف.ب)

«القسام» تعلن إيقاع قوة مدرعة إسرائيلية في كمين شرق رفح

أعلنت «كتائب القسام» إيقاع قوة مدرعة إسرائيلية في كمين محكم شرق رفح.

«الشرق الأوسط» (غزة )
العالم العربي 
متظاهرون يرفعون صور إسماعيل هنية خلال مظاهرة في الرباط للتنديد باغتياله (أ.ف.ب)

في الاغتيال السياسيّ والعسكريّ

إذا كانت الحرب هي السياسة، لكن بوسائل أخرى، كما قال المفكّر البروسيّ كارل فون كلوزفيتز. فإن الاغتيال السياسيّ، كما العسكري، هو لخدمة الأهداف السياسيّة.

المحلل العسكري (كتب: )
المشرق العربي أرشيفية للرئيس الفلسطيني محمود عباس (د.ب.أ)

الرئيس الفلسطيني: قتل هنية هدفه إطالة حرب غزة

قال عباس "لا شك أن الهدف من قتل هنية هو إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها".

«الشرق الأوسط» (رام الله)

ماكرون والعاهل الأردني يدعوان إلى تجنب تصعيد عسكري في الشرق الأوسط «بأي ثمن»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعقيلته في استقبال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وعقيلته على مدخل قصر الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعقيلته في استقبال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وعقيلته على مدخل قصر الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

ماكرون والعاهل الأردني يدعوان إلى تجنب تصعيد عسكري في الشرق الأوسط «بأي ثمن»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعقيلته في استقبال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وعقيلته على مدخل قصر الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعقيلته في استقبال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وعقيلته على مدخل قصر الإليزيه (أرشيفية - د.ب.أ)

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، الأحد، إلى تجنب تصعيد عسكري في الشرق الأوسط «بأي ثمن»، في ظل تصاعد التوتر بين إسرائيل من جهة، وإيران وحليفها «حزب الله» اللبناني من جهة أخرى.

وحسب «وكالة الصحافة الفرنسية» قالت الرئاسة الفرنسية في بيان أثر مكالمة هاتفية بين ماكرون والعاهل الأردني، إن «رئيس الجمهورية والملك عبد الله الثاني أعربا عن أكبر قدر من القلق حيال تصاعد التوترات في المنطقة»، وشددا على ضرورة تجنب تصعيد عسكري إقليمي بأي ثمن. وقد دعيا جميع الأطراف إلى الخروج من منطق الانتقام وممارسة أكبر قدر من ضبط النفس وتحمل أكبر قدر من المسؤولية لضمان أمن الشعوب.