فُجعت الأوساط اليمنية الرسمية والثقافية برحيل الصحافي والكاتب ذائع الصيت محمد المساح، صاحب أشهر عمود يومي «لحظة يا زمن» كتبه في صحيفة «الثورة»، وهي كبرى الجرائد الحكومية، منذ منتصف سبعينات القرن الماضي.
ولقي رحيل المساح بعد نحو 76 عاماً قضاها في حضرة صاحبة الجلالة تفاعلاً من الأوساط الرسمية والنقابية والإبداعية، ابتداءً من رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي وصولاً إلى رئيس الوزراء ووزارة الإعلام ونقابة الصحافيين اليمنيين، إضافة إلى النخب الإعلامية والثقافية من مجايليه.
كان الكاتب اليمني محمد المساح نسيج وحده في بساطته وزهده في المناصب الحكومية، وتركيزه على الكتابة التي تميز بها عموده الذي يستوقف فيه الزمن «لحظة يا زمن» ليخط فيه ومضاته المركزة التي تتفاعل مع ما تصوره مخيلته من التقاطات حياتية وفكرية وتأملات يمتزج فيها الشعري بالسردي.
وإضافة إلى أدواره النقابية سواء في نقابة الصحافيين اليمنيين أو في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وحضوره من خلال عموده اليومي، اتسمت حياة المساح بالبساطة التي مكنته أن يلتقط كل ما يعن له من تجارب حياتية متعلقة بالمدن وشوارعها والقرى التي ترعرع فيها ليحولها إلى لوحات مركزة.
إشادة رسمية
في برقية التعزية التي بعثها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى عائلة المساح قال: «إن الوطن خسر أحد أبرز رموزه الصحافية، وأعلامه الثقافية والإبداعية المناضلة الذين كانت لهم بصماتهم المتميزة، تاركاً خلفه إرثاً صحافياً ثرياً، تميز بالجرأة والصراحة، والانحياز إلى جانب مصالح البسطاء، وتنويرهم على مدى 5 عقود».
ومن جهته، أشار رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك في تعزيته إلى أن اليمن خسر بغياب المساح واحداً من الصحافيين وكتَّاب الرأي الكبار الذين تتلمذت على أيديهم أجيال كثيرة، بعد أن جسد على مدى أكثر من نصف قرن هموم وقضايا الناس في بلاط صاحبة الجلالة التي أعطاها من حياته الكثير، فكان مثالاً للالتزام بصدق الحرف، وقدسية الكلمة الشريفة النزيهة.
● ننعي بعميق الحزن وبالغ الاسى وفاة الاديب والكاتب الكبير محمد المساح الذي وافاه الأجل، مساء أمس الجمعة 19 ابريل، عن عمر ناهز 76 عاماً، بعد مسيرة مهنية حافلة بالعطاء والتميز والابداع في المجال الصحفي والاعلامي والادبي، حيث يُعد أحد أعمدة الصحافة اليمنية وممن أسهموا في تطوير... pic.twitter.com/97YSiwMcX1
— معمر الإرياني (@ERYANIM) April 20, 2024
وفي السياق نفسه، قالت وزارة الإعلام والثقافة في الحكومة اليمنية، إن المساح خلد اسمه بوصفه واحداً من أبرز الأعلام الصحافية اليمنية الذين برزوا في مرحلة سبعينات القرن العشرين، حيث تولى رئاسة تحرير صحيفة «الثورة» في عام 1972، واستمر في الكتابة في صحف متعددة، وله أعمدة متنوعة أبرزها عموده الصحافي «لحظة يا زمن» في صحيفة «الثورة»، والذي توقف في 2016 بعد اقتحام ميليشيات الحوثي مقر الصحيفة.
أما نقابة الصحافيين اليمنيين التي يعد المساح أحد مؤسسيها، فأشارت في بيان نعيه إلى أنه كان أبرز الصحافيين والنقابيين الذين أسهموا بإخلاص في تطوير الصحافة اليمنية، وتعزيز العمل النقابي.
وُلد محمد المساح عام 1948 في محافظة تعز اليمنية (جنوبي غرب)، وتلقى تعليمه الأساسي في مدينة عدن، وارتبط بالصحافة مبكراً عندما كان يبيع الصحف الصادرة في عدن قبل الاستقلال لتوفير مصاريف دراسته وشؤون حياته، وكان أثناء بيعه للصحف قارئاً نهماً يستفيد منها ثقافياً، ويتشكل لديه الوعي الثقافي والسياسي. وفق بيان نقابة الصحافيين اليمنيين.
سيرة كفاح
التحق المساح عام 1966، بكلية الآداب في قسم الصحافة بجامعة القاهرة، وتخرج فيها عام 1970، قبل أن يلتحق بالعمل في وزارة الخارجية اليمنية، ثم بوزارة الإعلام في صنعاء، حيث تولى حينها رئاسة تحرير صحيفة «الثورة» الرسمية لفترة وجيزة.
ولم يتوقف عمود «لحظة يا زمن» إلا في عام 2016 حيث بسط الحوثيون سطوتهم على وسائل الإعلام الرسمية، وحينها آثر المساح العودة إلى مسقط رأسه في محافظة تعز، مفضلاً حياة القرية والرعي والبساطة بعد أن أصبحت صنعاء غابة متوحشة لا تعرف اليمنيين.
ويقول الكاتب والنقيب الأسبق للصحافيين اليمنيين عبد الباري طاهر، عن رفيقه وصديقه المساح، إنه منذ خرج في منتصف الستينات في بعثة طلابية إلى القاهرة اندمج في الحركة الطلابية المصرية بوصفه واحداً من أبناء مصر.
ويصفه بأنه «ابن حركة القوميين العرب، الفقير إلا من النبل والقيم والأخلاق، إذ يكاد أن يكون يسارياً بالفطرة. وميله إلى اليسار يعبر بعمق عن المنبت الاجتماعي، والأشواق الإنسانية العظيمة».
ويضيف طاهر في منشور على «فيسبوك» أن المساح كتب القصة القصيرة، وبرع في رسم «حواري صنعاء» بأزقتها وفتياتها «المشرشفات»، والمجللات بالسواد، وقرأ عميقاً حالة الفلاح اليمني، والقرى الجائعة المحاصرة بالتيفود والمظالم والتخلف.
لقد امتلك المساح تجربة قاسية وعميقة في الحياة - كما يقول طاهر- واستطاع بموهبة كبيرة نثرها على صدر صفحات الصحف والمجلات، إلا أنه على غزارة إنتاجه في القصة القصيرة، وقصيدة النثر - لم ينشر شيئاً من إنتاجه، فهو قليل الاهتمام - حد النسيان - بإبداعاته الغزيرة والغنية.