مسيحيو الجنوب عالقون في حرب لا يريدونها... وليسوا قادرين على تفاديها

نزح عدد كبير منهم ومن بقي لم يعد قادراً على الصمود

رجل يحمل الخبز لبيعه بدكانه في بلدة رميش الجنوبية (رويترز)
رجل يحمل الخبز لبيعه بدكانه في بلدة رميش الجنوبية (رويترز)
TT

مسيحيو الجنوب عالقون في حرب لا يريدونها... وليسوا قادرين على تفاديها

رجل يحمل الخبز لبيعه بدكانه في بلدة رميش الجنوبية (رويترز)
رجل يحمل الخبز لبيعه بدكانه في بلدة رميش الجنوبية (رويترز)

كما كل بلدات الجنوب، يعيش أبناء القرى المسيحية حالة من الخوف والقلق في ظل الحرب التي تجري على مقربة من قراهم. من يملك الإمكانات المادية منهم استطاع المغادرة إلى أماكن أكثر أمناً، ومن لا يملكها جهّز الحقائب، وبات جاهزاً للهرب مرغماً متى بدأت إشارات التصعيد الكبير. تُمضي العائلات أيامها بالانتظار وتعداد الصواريخ والقذائف التي تسقط هنا وهناك، آملين ألا تصل إلى سقوف منازلهم، فيما باتت الكنيسة المكان الدائم لتجمع الأهالي والصلاة كي تنتهي الحرب في أسرع وقت.

في رميش، الواقعة في قضاء بنت جبيل، اختار معظم الأهالي البقاء في منازلهم، حيث إن هناك نحو 6 آلاف شخص لا يزالون في البلدة، فيما قرر 200 شخص المغادرة والهرب إلى مكان أكثر أمناً، كما يقول رئيسها ميلاد العلم لـ«الشرق الأوسط». ويضيف: «لا أحد يرغب بأن يعيش الحرب... كل المناطق والبلدات في جنوب لبنان على اختلاف طوائفها تخضع لهذا الأمر الواقع، والقرار ليس بيدنا».

ويتحدث بحسرة عن الوضع قائلاً: «بالأمس كان السباق على أفخم السهرات في ليلة رأس السنة في المناطق اللبنانية الأخرى، بينما نحن في الجنوب نعيش على وقع القذائف والصواريخ... لا نطلب من الناس ألا تحتفل، لكن هذا الواقع محزن ومؤلم بالنسبة إلينا».

وعن تأمين المساعدات والخدمات لعائلات البلدة، يقول: «نستطيع كبلدية بالتعاون مع الجمعيات تأمين بعض الحصص الغذائية للأهالي، لكن المشكلة تكمن في تأمين الخدمات كالإنترنت والماء وغيرهما في ظل تحوّل كل أبناء البلدة إلى عاطلين عن العمل باستثناء عدد قليل منهم، وهي المشكلة التي تتفاقم يوماً بعد يوم». ويلفت إلى المشكلة التربوية التي تواجه الطلاب والأساتذة على حد سواء، قائلاً: «التعليم عن بعد ليس كالتعليم الحضوري، إضافة إلى المشكلة المرتبطة بالإنترنت المتقطع، علماً أنه في الفترة الأخيرة ظهرت أزمة دفع رواتب المعلمين بعد توقف الأهالي عن دفع أقساط أبنائهم في المدارس، ما قد يؤدي إلى أزمة على المدى البعيد إذا طالت الحرب».

وبعدما تداولت وسائل الإعلام قبل أيام خبراً حول العثور على منصة صواريخ في منطقة رميش موضوعة إلى جانب أحد الفنادق، وبين المباني في البلدة، يوضح العلم قائلاً: «تم إبلاغي بهذا الأمر من قبل الفندق، وقمت بإبلاغ الجيش اللبناني الذي تولى المهمة»، مؤكداً أن القصف يطول البلدة بشكل شبه يومي منذ بدء الحرب.

ورغم المعاناة التي تعيشها بلدة القليعة الواقعة في قضاء مرجعيون، والتي تتعرض أطرافها للقصف بين الحين والآخر، يرى رئيس بلديتها السابق بسام حاصباني أن الإيجابية الوحيدة في هذه الحرب هي «أن الأهالي باتوا جميعاً يذهبون للصلاة من أجل انتهاء الحرب».

ويقول حاصباني لـ«الشرق الأوسط»: «نشعر بالتعب نفسياً ومعنوياً... لا نعرف كيف سيكون الوضع في الفترة المقبلة إذا امتدت الحرب أو توسّعت أكثر»، مضيفاً: «من يملك الإمكانات المادية غادر البلدة، وهؤلاء يقدر عددهم بألف شخص، لكن من لا يملكها بقي مرغماً، وعددهم نحو 1500 شخص... العائلات تحاول تأمين حاجياتها قدر الإمكان، إضافة إلى أن الكنيسة والبلدية بالتعاون مع الجمعيات تقدم بعض المساعدات الغذائية، ومن لديه أقارب من المغتربين يساعدونه بعض الشيء».

وعلى عكس رميش وعدد من القرى المسيحية، الواقعة في قضاء بنت جبيل، قرّر معظم أهالي عين إبل النزوح من البلدة خوفاً من توسع الحرب، حيث غادرها نحو 60 بالمائة من عدد سكانها، ولم يبقَ منهم إلا نحو 600 شخص، بعدما كان أكثر من 1500 شخص يمضون فصل الشتاء في الجنوب.

الخوف من توسّع الحرب جعل العائلات تختار في معظمها المغادرة، ولا سيما النساء والأطفال، فيما بقي الرجال في منازلهم، بحسب ما يؤكد عماد للّوس، رئيس بلدية عين إبل، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بتنا نستفيق صباحاً وننام مساء ونحن نعدّ القذائف... نعيش كل يوم بيومه، ونتوقّع أن تقع علينا القذيفة في أي لحظة». وهذا الخوف عزّزه سقوط عدد من الصواريخ في وسط البلدة قبل نحو شهر، عن طريق الخطأ بعدما أطلقت من لبنان، وتحديداً من بلدة الطيري وأظهرت الصور التي انتشرت أضراراً في عدد من المنازل ومدرسة القلبين الأقدسين والسيارات والطرقات العامة.

ومع مغادرة معظم أبناء عين إبل، باتت الحياة شبه معدومة في البلدة التي توقفت فيها كل الأعمال، وتحوّل معظم أبنائها إلى عاطلين عن العمل، باستثناء عدد قليل من الموظفين، ولا سيما الذين يعملون مع قوات اليونيفيل. وهذا الوضع جعل موزعي المواد الغذائية يمتنعون عن إيصال البضائع إليها، بحسب ما يقول للوس، موضحاً: «آخر نقطة يصلون إليها هي بلدة تبنين، وهناك يستلم أصحاب المحال البضائع».

وبانتظار وقف القصف في أقرب وقت ممكن، يقول للّوس: «هذه الحرب فُرضت علينا، كما كل بلدات وأهالي الجنوب، إذا أيّدناها أو لم نؤيدها، فالقرار ليس بيدنا، وهو الواقع الذي نعيشه منذ ولدنا، ما نريده اليوم ونتمناه أن تتوقف الحرب اليوم، قبل الغد، وأن نعود إلى حياتنا الطبيعية».

وهذا الوضع يتحدث عنه أيضاً ابن بلدة عين إبل، جوزيف سليمان، مؤكداً أن الأوضاع المادية لأبناء البلدة باتت شبه معدومة، مع توقف كل الأعمال، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بعض العائلات غادرت البلدة في الأيام الأولى للحرب، لكنها عادت إلى منازلها، لأنها لم تعد قادرة على تأمين بدل إيجار المنازل، وإذا كانت بعض المساعدات الغذائية تقدم للعائلات، فإن المشكلة تكمن في كيفية تأمين الخدمات الأخرى ودفع بدلها، من اشتراك المولد الكهربائي والإنترنت والتدفئة وغيرها».

ومع تأكيده أن أبناء البلدة، كما كل أبناء الجنوب، يعيشون حالة من الخوف والقلق على حياتهم وحياة أبنائهم، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «نشعر بالتعب وعدم القدرة على تحمل المزيد... الحقائب مجهّزة في كل المنازل وموضوعة أمام الأبواب استعداداً للمغادرة في أي لحظة نشعر فيها أن هناك تصعيداً وتوسعاً للحرب».

ويتحدث سليمان بدوره عن الصواريخ التي سقطت في بعض بلدات الجنوب، عن طريق الخطأ أو القصف الإسرائيلي الذي يستهدف القرى، ويقول: «هناك منصات صواريخ متنقلة، تطلق من أحراج القرى أو أطرافها، وليس من وسطها، والرد الإسرائيلي يكون دائماً على هذه المواقع».


مقالات ذات صلة

ماذا حمل كبير أمناء سر نتنياهو إلى روسيا؟

شؤون إقليمية بوتين مستقبلاً نتنياهو في سوشي عام 2023 (أرشفية - رويترز)

ماذا حمل كبير أمناء سر نتنياهو إلى روسيا؟

مَنْ يقول إن زيارة وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، إلى موسكو خلال الأسبوع الماضي، هدفت إلى تكليف روسيا بمنع نقل الأسلحة الإيرانية إلى «حزب الله…

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي مطار حميميم الروسي قرب اللاذقية على الساحل السوري

روسيا تنفي استخدام قاعدة حميميم في سوريا لإمداد «حزب الله» بالأسلحة الإيرانية

قال ألكسندر لافرينتيف، مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا، إن قاعدة حميميم الجوية لا تستخدم لإمداد جماعة «حزب الله» اللبنانية بالأسلحة الإيرانية

«الشرق الأوسط» (موسكو)
المشرق العربي عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا وسط أنقاض منزل دُمر بغارة إسرائيلية في قرية بعلشميه شرق بيروت أمس (أ.ب)

لبنان يتمسك بـ 1701 «وحيداً على الطاولة»

امتنع رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، الذي يفاوض نيابة عن «حزب الله»، التعليق على ما يجري تداوله حالياً في أروقة السياسيين من اقتراحات حلول.

ثائر عباس (بيروت)
المشرق العربي دخان يتصاعد من الضاحية الجنوبية لبيروت بعد قصف إسرائيلي اليوم (ا,ف,ب)

غارة إسرائيلية تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت بعد إنذار بالإخلاء

استهدفت غارة إسرائيلية، ليل الثلاثاء-الأربعاء، الضاحية الجنوبية لبيروت بعد إنذار اسرائيلي بالإخلاء في أحد أحياء المنطقة، كما أظهرت لقطات بثّ مباشر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية صورة من موقع الاستهداف المباشر بصواريخ أطلقها «حزب الله» على نهاريا، شمال إسرائيل، 12 نوفمبر 2024 (رويترز)

مقتل عنصر سابق ﺑ«جيش لبنان الجنوبي» في قصف على شمال إسرائيل

قُتل شمعون نجم، وهو عنصر سابق في «جيش لبنان الجنوبي»، جراء القصف الصاروخي الذي شنه «حزب الله» على نهاريا في شمال إسرائيل اليوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

مصر: تعويض خسائر قناة السويس عبر تنويع خدماتها

عبور الحوض العائم «دورادو» الجمعة الماضي كأكبر وحدة عائمة تعبر قناة السويس في تاريخها (هيئة قناة السويس)
عبور الحوض العائم «دورادو» الجمعة الماضي كأكبر وحدة عائمة تعبر قناة السويس في تاريخها (هيئة قناة السويس)
TT

مصر: تعويض خسائر قناة السويس عبر تنويع خدماتها

عبور الحوض العائم «دورادو» الجمعة الماضي كأكبر وحدة عائمة تعبر قناة السويس في تاريخها (هيئة قناة السويس)
عبور الحوض العائم «دورادو» الجمعة الماضي كأكبر وحدة عائمة تعبر قناة السويس في تاريخها (هيئة قناة السويس)

تتّجه قناة السويس المصرية إلى «تنويع مصادر دخلها»، عبر التوسع في تقديم الخدمات الملاحية والبحرية للسفن المارّة بالمجرى الملاحي، في محاولة لتعويض خسائرها الناتجة عن تراجع حركة السفن التجارية، بسبب توتّرات البحر الأحمر.

وأعلن رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، الاثنين، عن «استراتيجية لتحويل القناة إلى منصة إقليمية لتقديم الخدمات اللوجيستية»، في خطوة وصفها خبراء بالمهمة لتعويض التراجع في إيرادات القناة.

ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، غيَّرت بعض شركات الشحن العالمية مسارها، متجنبةً المرور في البحر الأحمر، إثر استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية السفنَ المارّة بالممرّ الملاحي، «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة».

وسبق أن أشارت مصر إلى تأثر حركة الملاحة بقناة السويس بالتوترات الإقليمية. وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في سبتمبر (أيلول) الماضي، إن «بلاده فقدت ما بين 50 إلى 60 في المائة من دخل قناة السويس، بما قيمته أكثر من 6 مليارات دولار خلال 8 أشهر».

وتحدّث رئيس هيئة قناة السويس عن خطة لتوسيع خدمات القناة الملاحية والبحرية، خلال اجتماع مع وزير المالية المصري أحمد كجوك، الاثنين، لمناقشة موارد القناة المالية.

وقال ربيع إن «القناة تسعى لتنويع مصادر دخلها، وعدم الاقتصار على رسوم عبور السفن فقط»، مشيراً إلى أن الخطة تتضمن «تحويل القناة لمنصة إقليمية لتقديم الخدمات اللوجيستية، وتعزيز التوجه الوطني لتوطين الصناعات البحرية، بتفعيل الشراكة مع القطاع الخاص».

وأوضح ربيع أن «قناة السويس حقّقَت تقدماً في دعم شركاتها العاملة بمجال خدمات صيانة وإصلاح السفن، وتقديم الخدمات البحرية»، وأشار إلى شركات حديثة للهيئة، منها «شركة تنمية الموانئ، وأخرى مختصة بصناعة اليخوت البحرية».

الفريق أسامة ربيع يبحث مع وزير المالية المصري استراتيجية تنمية إيرادات القناة (هيئة قناة السويس)

وبحسب رئيس هيئة قناة السويس، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تراجعت أعداد السفن المارّة من 25887 سفينة خلال العام المالي الماضي (2022 - 2023)، إلى 20148 سفينة خلال العام المالي الحالي (2023 - 2024).

وباعتقاد مستشار النقل البحري المصري أحمد الشامي، فإن تنويع خدمات قناة السويس الملاحية «سيجذب شركات الشحن العالمية للعبور من القناة مرة أخرى»، مشيراً إلى أن «القناة بدأت في تحديث خدماتها بالمشاركة مع شركات عالمية في هذا المجال، ما سيُسهم في زيادة الموارد».

وأشاد الشامي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، باستمرار إدارة القناة في مخطط التطوير، وتنفيذ أعمال الازدواج الكامل للمجرى الملاحي، مشيراً إلى أن ذلك «يعزّز قدراتها في استيعاب كبرى الناقلات العالمية».

وشهدت قناة السويس، الجمعة الماضي، مرور الحوض العائم «دورادو» القادم من سنغافورة إلى تركيا، كأكبر وحدة عائمة تعبر القناة في تاريخها، حسب إفادة من القناة.

ودعا مستشار النقل البحري المصري إلى توسيع قناة السويس لشراكاتها الملاحية مع دول الجوار، وقال: «يمكن التوسع في خدمات القناة، بالتعاون عبر وسائط متعدّدة تشمل دولاً أخرى في المنطقة العربية، وفي منطقة الشرق الأوسط، مثل قبرص واليونان»، مشيراً إلى أن «التكامل مع هذه الدول سيُسهم في زيادة موارد الملاحة بقناة السويس، وأيضاً الموانئ البحرية المصرية».

وفي سبتمبر الماضي، بحث رئيس هيئة قناة السويس مع رئيس الهيئة العامة للنقل السعودي، رميح بن محمد رميح، «تعزيز التعاون في مجال تقديم الخدمات اللوجيستية والسياحة البحرية»، مشيراً إلى أن «القناة اتخذت إجراءات للتعامل بمرونة مع تحديات الملاحة في البحر الأحمر، منها استحداث حزمة جديدة من الخدمات الملاحية لم تكن تُقدَّم من قبل، كخدمات القَطْر والإنقاذ وصيانة وإصلاح السفن، ومكافحة التلوث والانسكاب البترولي، وخدمات الإسعاف البحري، وغيرها».

وبمنظور الخبير الاقتصادي المصري، وليد جاب الله، فإن «قناة السويس تمر بمرحلة صمود، في ضوء تأثرها بالأوضاع الإقليمية»، وقال إن «إدارة القناة تبحث عن بدائل لمواردها غير رسوم عبور السفن، من أجل تجاوز تلك المرحلة، عن طريق تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في الخدمات التي تقدّمها».

وعدّ جاب الله، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «توسّع القناة في تنوّع مصادر دخلها، هدف قائم منذ فترة وتسعى لتحقيقه، من خلال مشروع المنطقة الاقتصادية، لاستثمار موانئ وأراضي المنطقة»، مشيراً إلى أن «نجاح تلك الإجراءات مرهون بزيادة أعداد السفن العابرة للقناة»، وتوقّع في نفس الوقت انفراجة في أزمة حركة الملاحة البحرية بالبحر الأحمر، العام المقبل، مع تولّي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، مهامه رسمياً، وتنفيذ تعهّده بإنهاء التصعيد والصراعات العالمية، ومنها التوتر في البحر الأحمر.